بفضل الله تعالى الإحسان لاينقطع بين الناس بعضهم مع بعض والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه , ومامن مضطر أو صاحب حاجة ألمّت به إلا وتقضى غالباً من أحد إخوانه المسلمين عرفه أو لم يعرفه , وهذا ماتميّز به المجتمع المسلم , ولاشك أن الإنسان في الغالب يبذل مايبذله من وجوه الإحسان إلى الآخرين لوجه الله تعالى , لكن قد يفسد إخلاصه ويعكّر صفوه ما يلحظ عليه – أحياناً – من كثرة ورود هذا المعروف وهذا الإحسان على لسانه في المجالس فيقول مثلا : نعم أنا وقفت مع فلان وقفة جبّارة في محنته المالية .. أو وجدت متعطلاً في الطريق ثم قمت بإسعافه حيث عملت كذا وكذا .. أو ساهمت مع من ساهم في دعم مشروع كذا وكذا .. أو أنا لم أقصّر إطلاقاً في مساعدة قريبي فلان ..أو تبرعت لكفالة أيتام بلد كذا .. يسوق ذلك كله من أفعال الخير التي ينبغي أن يتكتّم عليها رجاء موعود الله أمام الملأ ويتزيّن به في المجالس وهو أصلاً لم يسأل عن ذلك , ولم يكن مضطراً لذكره , وليست هناك مصلحة ظاهرة في الاستشهاد به , أين هو من السلف الصالح – عليهم رحمة الله – يتكتّمون على أعمالهم الصالحة وخصوصاً بذل المعروف والإحسان إلى الآخرين , وإنه والله الدّاء الذي استشرى أن يتحدّث المرء بما عمل من بذل المعروف والإحسان إلى الآخرين رجاء ثناء الناس والإطراء وكسب محبتهم وحتى تقضى حوائجه وأموره , وهل هناك مصيبة أعظم من أن تأتي يوم القيامة مفلساً من ذلك كله , ويقال لك : اذهب فخذ أجرك من الذين عملت لهم – رياءً وسمعة – ولتتذكّر قوله تعالى ( وقدمنا إلى ماعملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً ) وصبّر نفسك على الإخلاص , وعلى كتمان العمل الصالح أيّاً كان مالم تكن تقصد الإقتداء وحث الناس على فعل الخير , وإني أذكّر بهذا وأنبّه إليه , لأنه لايزال أناس يعملون أعمالاً كأنهم يمنّون بها على الله , فلا يزالون يذكرونها للناس ويكررون ذكرها حتى تفسد بذلك نواياهم والله المستعان , وقد لايتفطن إلى هذه القضية التي هي من الأهمية بمكان , لأن البعض يحلو له أن يتحدث عن خبراته وبطولاته أمام الآخرين , وقد يكون الباعث على ذلك التسلية ومسامرة الآخرين فيبطل بذلك عمله الصالح الذي ورد ذكره على لسانه , وهو لايشعر .
م ن ق و ل