بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتمّ علينا النعمة وجعل أمتنا ولله الحمد خير أمة وبعث فينا رسولا منا يتلو علينا آياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة.
أحمده على نعمه الجمة؛ وأشهد أنْ لا اله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تكون لمن اعتصم بها خير عصمة وأشهد أنَّ سيدنا محمدا عبده ورسوله أرسله للعالمين رحمة وفرض عليه بيان ما أنزل إلينا فأوضح لنا كل الأمور المهمة فأدّى الأمانة ونصح الأمة صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولى الفضل والهمة.
وبعد عباد الله ... أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العظيم والتزام نهج النبي الكريم والصبر على البلاء والثبات على الهدى والتوكل على الله والثقة بالله:
ألا بالصبر تبلغ ما تريد وبالتقوى يلين لك الحديد
أخوة الإيمان يقول الله تعالى {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} ويقول الله تعالى أيضا {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}
أخوة الإسلام ... لقد خلقنا الله سبحانه وتعالى وأمرنا أن نعبده ونطيعه بأداء ما فرض واجتناب ما حرم وجعل لنا الأرض مهادا وسخر لنا البهائم وخلق لنا أسباب المعيشة وحذّرنا من الدنيا وفتنتها ولم يجعلها لنا دار قرار أبدي بل جعلها دار ممر؛ وجعلنا فيها كعابري سبيل وأعلمنا أنها لا تعدل عنده جناح بعوضة وأنها سجن المؤمن التقي وجنة الكافر ومع ذلك فقد اغتر كثير من الناس بها وبمباهجها وانساقوا لها وجعلوها في قلوبهم إلى أن أنستهم الآخرة والاستعداد لها فتركوا الفرائض وانغمسوا في المحرمات لأجل شهوة زائلة ونعمة بائدة فاستحقوا لذلك سخط الله وعقوبته وقد انجر كثير من الناس وراء دراهم معدودة أو راحة مزعومة أو شهوة مذمومة فكان بحثهم وسعيهم كسعي الظمآن في الصحراء الذي ظن وجود الماء فكان سرابا إن الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر فطوبى لمن آمن بالله ورسوله واتقى ربّه حق تقاته وويل لمن كفر وعاند واستكبر عن قبول الحق ولنتذكر أن الله لا تخفى عليه أسرارنا وعلى العاقل أن ينظر في عواقب الأمور فلا يجمع المال إلا بطريق مباح ولا يصرفه إلا في طريق مباح فالأموال التي بين أيدينا هي نعم أنعم الله بها علينا وشكرنا لله عليها باستعمالها في طاعته لا في معصيته وبأن لا نجعلها وبالا علينا ولا نغرق بها في وحول المعاصي والآثام فبادر أخي المسلم أسرع إلى طاعة الله واعمل لآخرتك وتزود بالتقوى ليوم المعاد بأداء الواجبات واجتناب المحرمات وتعلم ما فرض الله عليك فان هذه هي الباقيات التي تنفع في آخرتك.
يقول الله تعالى: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} فيا ابن آدم:
تزود من حياتك للمعـاد وقم لله واجمع خير زاد
ولا تركن إلى الدنيا طويلا فإن المـال يجمـع للنفاد
وإن مما يبعث على الراحة والاطمئنان والسكينة أن يقبل الإنسان بهمته إلى التقوى ويمسك نفسه ويهذبها ويتسامى بهمومه عن شهواته وراحة بدنه التي يطلبها في الكسل وليهتم بالراحة الأخروية التي تتطلب العمل في الدنيا ما دام المقام في هذه الدنيا قصير والقرار في الآخرة أبدي دائم لا ينتهي وهو في ذلك النعيم يحيا لا يموت شاب لا يهرم قوي لا يضعف يزيد نعيمه ولا ينقص لا يشتكي نصبا ولا تعبا، أنبياء الله وأولياءه عرفوا ذلك فأكثروا من فعل الخير واهتموا ببناء الآخرة على حطام الدنيا شيدوا القصور في الآخرة بترك التقصير في العاجلة أخذوا من الدنيا ما أعانهم على إقامة فرائض الله تعالى واكتفوا بقليلها أملا بكثير الآخرة. نسأل الله تعالى أن يوفقنا للعمل الصالح ويجعل فينا القوة والصبر على أداء الفرائض واجتناب المحرمات والإقلال من التنعم بالزائلات من اللذيذ والشهوات أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله المستغنى عن كل ما سواه والمفتقر إليه كل ما عداه القديم الأزلي الذي لم يزل موجودا بلا بداية الدائم الباقي بلا نهاية والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الأنام من بعثه الله رحمة للأنام وعلى آله وصحابته الكرام وبعد أوصي نفسي وإياكم بكثرة الطاعات وعدم الركون إلى هذه الدنيا الفانية فالدنيا يا أخي المسلم ساعة فاجعلها طاعة والنفس طماعة فعلمها القناعة وقد أحسن من قال:
يا من بدنياه اشتغل وغره طول الأمل
الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل
فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العظيم.