لا تخلو الحياة الزوجية من وجود خلافات بين الزوجين، وتتفاوت هذه الخلافات ما بين خلافات لا يمكن السكوت عليها والتغاضي عنها، والكثير منها تنتهي بالطلاق وتدمير الأسرة، وخلافات الحياة اليومية البسيطة الروتينية التي تحدث كل يوم وفي كل بيت وبين كل زوجين. والمؤسف أن البعض يترك نفسه عرضة لهذه الخلافات البسيطة التي تكبر وتكبر لتنتهي بمأساة الطلاق، لكن البعض الآخر من الأزواج يتعاملون معها وفقا للحكمة القائلة: كبرها تكبر.. صغرها تصغر.
في البداية ترى شيرين السلمان أن الكثير من الخلافات الزوجية يمكن تلافيها بين الزوجين فتقول:
بالطبع هناك خلافات تحدث بين الزوجين قد لا تمر بسلام، ويمكن أن تنهي الحياة الزوجية بالطلاق مثل تقصير الزوجة في واجبها وتناسيها دورها كزوجة وأم. لكن من غير المعقول أن يسبب كل خلاف بسيط أو صغير خراب البيوت وتدمير الأسرة. فنحن نسمع عن معدلات الطلاق المرتفعة وأسبابه الغريبة، وأكثرها بسبب أشياء كان يمكن تلافيها لو أن أحد الزوجين أو كليهما كان يتمتع بسعة الصدر والذكاء في التعامل مع هذه الأشياء البسيطة. هل معقول أن يقع الطلاق في الشهور الأولى للزواج بسبب أشياء تافهة؟ فبعض الأزواج يمسك لزوجته منذ اليوم الأول للزواج على الواحدة ولا يترك تصرفا لها من دون تعليق أو نقد، وكذلك تفعل بعض الزوجات.
شهر عسل دائم
ويرى ثويني الثويني أن مشاكل الحياة الزوجية لا تنتهي ووجودها شيء طبيعي، لكن المشكلة كيف نتعامل معها. يقول:
البعض يتصور أن الحياة الزوجية شهر عسل دائم، لكن الحقيقة تؤكد أنها لا يوجد بيت يخلو من الخلافات.
وإذا كانت هناك خلافات عاصفة من الصعب حلها، فهناك أيضا خلافات صغيرة وتافهة يمكن أن تمر ولا تسبب الجفاء والخلاف بين الزوجين. لكن المشكلة أن هذه الخلافات البسيطة عندما تزيد على حدها وتتكرر، فهي تعكس في رأيي خلافات أكثر عمقا، وتكون الجانب الظاهر الذي يعكس وجود عدم توافق بين الزوجين.
علاقة ليست قوية
وتعتقد ليلى العلي أن العلاقات الزوجية المتينة لا يمكن أن تنهار بسبب الخلافات البسيطة التي تحدث بين الزوجين:
إذا كانت العلاقة الزوجية قوية ومتينة بين الزوج والزوجة فلا يمكن أن يؤدي حدث بسيط أو خلاف ساذج إلى انهيار هذه العلاقة. وما نسمع عنه من حالات طلاق بين أزواج بسبب خلاف بسيط أو مشكلة تافهة يشير إلى أن العلاقة لم تكن قوية منذ البداية وان الزواج لم يتم على أسس متينة، وأن الاختيار كان يشوبه الكثير من الأخطاء.
هل يعقل مثلا أن يطلق زوج زوجته لأنها لم تعد له طعام العشاء؟ أو أن تطلب زوجة الطلاق لأن زوجها لا يتصل بها في العمل يوميا ويسمعها عبارة غزل؟
أعتقد أن العلاقة الزوجية لو كانت قوية فإن هذه الخلافات البسيطة ستمر مرور الكرام ولن يصل الأمر إلى الطلاق.
اتركوا السالفة تبرد
ويقدم محمد المطيري حكمة مجربة للمتزوجين حيث ينصحهم في حالة وجود خلاف صغير أن يتركوا السالفة تبرد:
لدينا مثل جميل يقول 'كبرها تكبر.. صغرها تصغر'، لكن للأسف الكثير من الأزواج لا يعملون بهذا المثل البليغ، ومن يعمل به سيلاحظ الفرق. فبعض الأزواج يتخيل نفسه يعيش في المدينة الفاضلة، ولا يتقبل أي خطأ يحدث في البيت.
كل شيء يمكن حله بالهدوء والحوار، فإن وجدت شيئا يثير غضبك دع 'السالفة' تبرد كما نقول، ثم تحاور مع زوجتك وعرفها بما يغضبك، وسيمر الخلاف بسلام.
شرارة الخلافات الصغيرة
بينما يرى خالد الغنزي أن الخلافات اليومية البسيطة يمكن أن تكون كالشرارة التي تدمر العلاقة الزوجية:
المشاكل الصغيرة أخطر ما يكون على الحياة الزوجية. وإذا كنا نقول إن مستعظم النار من مستصغر الشرر، فإن الخلافات الصغيرة التي تحدث بين الزوجين إن لم يتعاملا معها بذكاء يمكن أن تتحول إلى الشرارة التي تحرق العلاقة الزوجية وتدمرها.
نحن نسمع عن حالات طلاق لأن الزوجة تأخرت عن جلب كوب ماء لزوجها أو قدمت له استكانة شاي من دون سكر.. أمعقول هذا؟!
الاحترام المتبادل مفقود
ويؤكد صالح الرشيدي أن آفة العلاقات الزوجية التي تبدأ بهذه الخلافات الصغيرة وتنتهي بالطلاق هي عدم وجود الاحترام المتبادل بين الزوجين:
أنا أسمي بعض الأزواج الذين لا يعاملون زوجاتهم باحترام أعداء المرأة، فلو وجد هذا الاحترام لاختفت الخلافات. كما أن البعض يتزوج بنية الطلاق، فلا يعرف حقوق الحياة الزوجية ولا كيف يتعامل مع زوجته.
وبعض الأزواج يعتبر ان من حقه أن يفعل أي شيء ولا حق لزوجته أن تعترض، بينما هو يعترض على كل تصرف تقوم به حتى لو كان بسيطا وصغيرا ويمكن أن يمر من دون افتعال مشكلة فالاحترام المتبادل المفقود بين الكثير من الأزواج هو سبب هذه الخلافات التافهة التي سببت مآسي الطلاق.
أسباب غريبة
المحامي محمد طالب يؤكد أن من يطلع على الإحصائيات والأرقام الخاصة بالطلاق، وكذلك القضايا التي انتهت بالطلاق أو مازالت منظورة أمام القضاء سيرى العجب:
الغالبية العظمى من حالات الطلاق تقع لأسباب غريبة وتافهة، والكثير منها كان يمكن ألا ينتهي بالطلاق لو تعامل الزوجان مع هذه الخلافات بشيء من الحكمة والهدوء والحوار.
أنا أتصور أن الطلاق عندما يقع لأسباب مثل الخيانة الزوجية أو عدم إنفاق الزوج على زوجته أو عدم قيام الزوجة بواجباتها الشرعية أو تعاليها على زوجها أو اهانته، فهذه الأسباب قد تبدو منطقية للطلاق.
لكن الغريب حقا والمؤلم في الوقت ذاته أن الكثير من حكايات الطلاق تكون بدايتها خلافا بسيطا للغاية وبالأحرى تافها. فهل يعقل أن تدمر أسرة لأن الزوج لا يعجبه أنف زوجته أو لأن زوجته لا تتقن الطبخ أو لأن الزوج يربي كلابا في البيت؟
ومن يصدق أن احدى حالات الطلاق كان سببها أن الزوجة طلبت من زوجها تغيير المصبغة التي يغسل ويكوي ملابسه فيها، وعندما رفض الزوج كبرت السلفة، وانتهى الزواج بالطلاق. إن الكثير من حالات الطلاق تبدأ بخلاف بسيط يتضخم ليصبح كأنه خلاف نووي بين الزوجين ينتهي بالطلاق، فلو توفر للكثير من الأزواج بعض العقل والمرونة والتنازل ما سمعنا عن أرقام الطلاق التي تصيب بالهلع، فكلها أسباب غير منطقية تصيب المرء بالعجب من كيفية تعامل البعض مع مفهوم قدسية الحياة الزوجية بهذه الرعونة والغباء أحيانا.
حتى لا تصبح الحبة قبة
الاستشاري النفسي والاجتماعي خضر بارون يرى أن حكمة التغافل عن الخلافات اليومية البسيطة مفقودة في بيوتنا، يقول:
في البداية لابد أن نتفق على حقيقة وهي أن لا علاقة زوجية تخلو من الشد والجذب والخلافات، بل أكاد أجزم أن الكثير من بيوتنا لا تخلو مما يعرف بالخلافات اليومية الروتينية، ومعظمها بسيطة وتصل أحيانا إلى درجة التفاهة، مثلا هناك زوج يغضب من صوت زوجته العالي، وآخر يغضب من نسيان زوجته لبعض الأشياء البسيطة، وهناك زوجة قد لا تعجبها تصرفات زوجها في البيت كأن يضع الفوطة المبللة على السرير أو يدخل البيت بحذائه المتسخ.
هذه كلها أمور تحدث في كل بيت، لكن المشكلة أن الضغوط اليومية التي يتعرض لها الزوجان بسبب العمل أو الدخل المادي المحدود أو اختلاف الثقافات والميول والطباع، تجعل من 'الحبة قبة' كما نقول في المثل الشعبي. وما يحدث أنه بدلا من أن ينحني الزوجان للعاصفة ويتغافلا عن هذه الخلافات البسيطة لكي تمر، يكبران هذه الخلافات ويتشبث كل طرف بموقفه ويعاند الطرف الأخر، فتتضخم الخلافات البسيطة وتصبح مثل كرة الثلج تكبر كل يوم، ولو أن أحد الزوجين تنازل وتغافل عن بعض الأمور البسيطة لمر الأمر بسلام.
النصيحة التي يجب أن يعيها الأزواج أنه لابد من وجود مساحة من التغافل عن هذه الخلافات والتسامح، والتعامل مع الأخطاء الصغيرة التي تصدر عن الطرف الآخر بمرونة ومن دون حساسية. وعندما تفقد هذه المساحة تتحول الحياة الزوجية إلى ساحة صراع ولن تسير بهدوء أو أمان.