#1
|
|||||||||
|
|||||||||
![]()
وإن من أعظم الوسائل لجمع القلوب وتصافيها، هو الاعتراف بالفضل لأهل الفضل، إذا بدرت منهم بعض الأخطاء، أو التجاوزات، فهناك شريحة من الناس ترى من غيرها أعمالًا وأقوالًا فاضلة وكرائمَ جميلة في كثير من الأوقات، لكنها مع الأسف في حين من الأحيان ترى سوءًا لا يعادل خمسة في المائة من تلك الفضائل السابقة، فتجعل تلك النسبة الضئيلة التي تحتمل عدة وجهات في النظر هي الغالبة والراسخة لتلك الفضائل، وهذا لا شك جهل كبير، ونقص في العدل والموازين، وهنا يأتي التوجيه القرآني الكريم؛ حيث يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾ [البقرة: 237]، وهذا وإن كان في سياق الحديث عن الأزواج والزوجات، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والأصل في الإنسان هو الفضل والفضيلة، والفضل هو أعلى درجات المعاملة، ويُعرِّفه الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله بقوله: (هو فعل ما ليس بواجبٍ)؛ لأن المعاملة نوعان: الأول واجب، وهو العدل والإنصاف، والثاني: فضل ومستحب وهو الإحسان.
ومع تلك القاعدة التربوية العظيمة، سنقف عشرين وقفة، لعل الله تعالى أن ينفع بها قائلها، ومستمعها إنه سميع قريب. الوقفة الأولى: إن هذا الجزء من الآية هو قاعدة عظيمة من قواعد السلوك بين الناس عامة والأزواج خاصة، فالأخذ بتلك القاعدة من أسباب السعادة والانشراح، وأما نسيانها فذلك من أسباب الافتراق والابتعاد، وبين هذا وذاك كما بين المشرق والمغرب، ولا شك أن الأخذ بها يقودك إلى نتائج عظيمة إيجابية، هي من مخرجات تلك القاعدة. الوقفة الثانية: إن هذه اللفظة: ﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾ جاءت بعد الحديث عن العفو (﴿ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ﴾[البقرة: 237]، ثم قال تعالى بعدها مباشرة: ﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾، وفي هذا دلالة واضحة على أن الأخذ بتلك القاعدة من نتائجه العظيمة (العفو)، وهو من أكبر الأهداف المؤثرة في الصلاح والإصلاح. الوقفة الثالثة: إذا حصل الفراق والتباعد سواء بين الزوجين أو غيرهما، فلا ينبغي الشماتة والغيبة والسب، فإن هذا ينافي هذا المقصد العظيم للشرع، ويوغر في الصدور، ويمحق كثيرًا من الحسنات، ويكون سببًا في توسيع دائرة الافتراق والتباعد، فأمسك لسانك، واحفَظ حسناتك، فهو أربح وأريح لك دنيا وأخرى، ولا تتصور أنك تتشفى بذلك، بل أنت تشقى مع مرور الزمن على تلك الحال. الوقفة الرابعة: إذا تعارف الناس بالفضل من بعضهم لبعض، سالت دماء الصلح والإصلاح في عروقهم، وسهُل على المخطئ الاعتراف بخطئه، وسهل على من وقع عليه الخطأ أن يعفو، بخلاف نسيان تلك الإفضالات، فهو سد كبير في طريق صلاح الحال والمآل، إلا أن يشاء الله تعالى. الوقفة الخامسة: إن الحياة مع الأخذ بهذه القاعدة العظيمة ﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾ تكون جميلة، سواء اتفقنا أو افترَقنا، وتقلل دائرة الخلاف، وتعطي أملًا كبيرًا في السعي إلى الصلاح والإصلاح، وتسهل على المصلحين الوصول إلى نقطة اتفاق ينطلق منها المتخالفان، فالنزاع مثلًا بين الابن والأب، ماذا لو جلس هذا الابن جلسة خفيفة يتأمل فيها فضل أبيه عليه الذي هو كأمثال الجبال، سواء في المآكل أو المشارب أو الملبوس، أو المسكون أو عموم أوجه التربية والرعاية، لا شك أن هذا ستنغمس فيه جميع الأخطاء مهما كانت، وقل مثل هذا في القرابات والزوجات والجيران وغيرهم، كل بحسبه، فالحياة الجميلة هدف لكل عاقل حصيف منصف. الوقفة السادسة: لهذه القاعدة ﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾ تطبيقات في حياتنا اليومية، فمن هذه التطبيقات علاقة العمل، فإذا عمل اثنان في عمل، ثم افترقا لظرف طبيعي، فلا ينبغي أن ينسى أحدهم للآخر فضله الذي قدمه، ومن ذلك المعلمون الأفاضل الذين تعلمنا على أيديهم، فلا بد من رد الوفاء لفضلهم بزيارتهم، وخدمتهم ونحو ذلك، ومن ذلك الجار الصالح يُتعاهد ونحو ذلك، ممن كان لنا معهم علاقات وبصمات على اختلاف أصنافهم، وإن من أقل ما يرد به على أصحاب الفضل أن يُدعى لهم بظهر الغيب، فهو لا يكلف شيئًا، لكنه شيء عظيم وكفى به ردًّا كريمًا. ![]() |
![]() |
![]() |
|
, , , |
|
|