السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التكبر صفة ذميمة يتصف به إبليس وجنوده من أهل الدنيا ممن طمس الله تعالى على قلبه
وأول ذنب عُصي الله به هو الكبر ، وهو ذنب إبليس حين أبى واستكبر وامتنع عن امتثال أمر الله له بالسجود لآدم ، ولذا قال سفيان بن عيينه : " من كانت معصيته في شهوة فارجُ له التوبة ، فإن آدم عليه السلام عصى مشتهياً فغُفر له ، ومن كانت معصيته من كِبْر فاخشَ عليه اللعنة ، فإن إبليس عصى مستكبراً فلُعِن " ، فالكبر إذاً ينافى حقيقة العبودية والاستسلام لرب العالمين ، وذلك لأن حقيقة دين الإسلام الذى أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه هي أن يستسلم العبد لله وينقاد لأمره ، فالمستسلم له ولغيره مشرك ، والممتنع عن الاستسلام له مستكبر ، قال سبحانه :{سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق } (الأعراف 146) ، وقال سبحانه :{إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين }( غافر 60) ، وثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ) .
والكبر هو خلق باطن تظهر آثاره على الجوارح ، يوجب رؤية النفس والاستعلاء على الغير ، وهو بذلك يفارق العجب في أن العجب يتعلق بنفس المعجب ولا يتعلق بغيره ، وأما الكبرفمحله الآخرون ، بأن يرى الإنسان نفسه بعين الاستعظام فيدعوه ذلك إلى احتقار الآخرين وازدرائهم والتعالي عليهم ، وشر أنواعه ما منع من الاستفادة من العلم وقبول الحق والانقياد له ، فقد تتيسر معرفة الحق للمتكبر ولكنه لا تطاوعه نفسه على الانقياد له كما قال سبحانه عن فرعون وقومه : {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا }(النمل 14) ، ولهذا فسر النبي - صلى الله عليه وسلم -الكبربأنه بطر الحق : أي رده وجحده ، وغمط الناس أي : احتقارهم وازدراؤهم .
.
وأول من تكبر على الله وخلقه هو إبليس اللعين لمَّا أمره الله تعالى بالسجود لآدم فأبى واستكبر وقال ” أنا خير والكبر سبباً لحرمان صاحبه من الجنة ويحرم نفسه من أن ينظر رب العزة إليه كما جاء في الحديث : قال صلى الله عليه وسلم قال : ” لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، ….الكبر: بَطَر الحق وغَمْط الناس ” . رواه مسلم ، وبطر الحق : رده بعد معرفته ، وغمط الناس : احتقارهم والكبر صفة من الصفات التي لا تنبغي إلا لله تعالى ، فمن نازع الله فيها أهلكه الله وقصمه وضيق عليه .
قال صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى : ” العز إزاره والكبرياء رداؤه فمن ينازعني عذبته ” .رواه مسلم وكل من حاول الكبروالارتفاع خفضه الله تعالى في الأسفلين وجعله في الأذلين لأنه خالف الأصل فجازاه الله تعالى بنقيض قصده ، وقد قيل : الجزاء من جنس العمل . والذي يتكبر على الناس يكون يوم القيامة مداساً تحت أقدام الناس فيذله الله تعالى جزاء ما كان منه من الكبر.
قال صلى الله عليه وسلم : ” يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذرِّ في صُوَر الرجال يغشاهم الذل من كل مكان فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى ” بولس ” تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال”. رواه الترمذي وحسنه الألباني
وللكبر صور عدة منها :
ألا يقبل الرجل الحق ويجادل بالباطل ، كما ذكرنا في حديث عبد الله بن مسعود ” الكبر: بطر الحق وغمط الناس ” .
أن تعجبه نفسه من جمال أو حسن ، أو ثراء في الملبس أو المأكل فيتبختر ويتكبر ويفخر على الناس .
قال صلى الله عليه وسلم : ” بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل جمته إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة ” . متفق عليه
ومنه ما كان من ذلك الرجل صاحب الذي قال الله تعالى فيه : { وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً } الكهف / 34 .
وقد يكون ذلك بالتفاخر بالعشيرة والنسب .
ومنه أن يتذكر الإنسان أنه خرج هو والبول من مكان واحد ، وأن أوله نطفة قذرة وآخره جيفة نتنة وأنه بين ذلك يحمل العذرة ( أي البراز ) فبم يتكبر ؟!!
نسأل الله تعالى أن يعيذنا من الكبروأن يرزقنا التواضع .
من تواضع لله رفعه
والصفة التي ينبغي أن يكون عليها المسلم هي التواضع ، تواضعٌ في غير ذلة ، ولينٌ في غير ضعف ولا هوان ، وقد وصف الله عباده بأنهم يمشون على الأرض هوناً في سكينة ووقار غير أشرين ولا متكبرين ، وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد ) .
أسوته في ذلك أشرف الخلق وأكرمهم على الله نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم - الذي كان يمر على الصبيان فيسلم عليهم ، وكانت الأَمَةُ تأخذ بيده فتنطلق به حيث شاءت ، وكان إذا أكل لعق أصابعه الثلاث ، وكان يكون في بيته في خدمة أهله ، ولم يكن ينتقم لنفسه قط ، وكان يخصف نعله ، ويرقع ثوبه ، ويحلب الشاة لأهله ، ويعلف البعير ، ويأكل مع الخادم ، ويجالس المساكين ، ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما ، ويبدأ من لقيه بالسلام ، ويجيب دعوة من دعاه ولو إلى أيسر شيء ، وكان كريم الطبع ، جميل المعاشرة ، طلق الوجه ، متواضعاً في غير ذلة ، خافض الجناح للمؤمنين ، لين الجانب لهم ، وكان يقول: ( ألا أخبركم بمن يحرم على النار ، أو بمن تحرم عليه النار ، على كل قريب هين سهل ) رواهالترمذي ، ويقول : ( لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت ، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت ) رواه البخاري ، وكان يعود المريض ، ويشهد الجنازة ، ويركب الحمار ، ويجيب دعوة العبد ، فهذا هو خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عز ولا رفعة في الدنيا والآخرة إلا في الاقتداء به ، واتباع هديه ، ومن أعظم علامات التواضع الخضوع للحق والانقياد له ، وقبوله ممن جاء به .