[frame="4 80"]
كم هي الأساليب الشرعية والمخارج الفقهية، التي تخرج كثيرًا من المسابقات والألعاب عن مسمى القمار والميسر، وليس كل ما رأينا فيه جمع مال قلنا قمار وميسر، ويكفينا إذا علمنا بمثل هذا أن ندلهم على المخرج الشرعي، ولكن قد تسبب الوسائل الحديثة، كالقنوات والانترنت والهواتف النقالة الغموض التصوري عند كثير من الباحثين..
في الوقت الذي يحتاج فيه فقهاء المسلمين إلى تكثيف جهودهم، والتفنن بلغة العصر في الدفاع عن دينهم وإظهار محاسنه لغيرهم، فإن أكثر هذا الجهد «المادي والمعنوي» يذهب هدرًا في محاولة إثبات بعضهم لبعض «من الأولى بالحق» وعند هذه النقطة، يحاول الجميع التبرؤ من سمة «التعصب» أو «الغلو» ونحو ذلك، ويسلك كل سبيل لإقناع جماهيره بأن من يخالفه في مسألة «كيت وكيت» هو على الضلال المبين، وسيكون الاستطراد مملاً إن سلكناه في هذه الأحرف، ولكني سأكتفي بمثال يشف عن أمثاله وأشباهه، من الأمثلة الكثيرة التي تحتاج إلى طَرْقٍ ومناقشة.
«لعبة البلوت» حين يتحدث عنها المتحدث بيقين التحريم، ويؤكد على ما يلحق مزاولها من ذم وتأثيم، وكأن «آية» محكمة، أو حديثاً نبوياً صحيحاً صريحاً، قد قطع الباب عن كل نظر في تحريمها، بينما هي لعبة عصرية من «ورق وعليها رسومات وأحرف ورموز» لا يتعدى أن يكون الكلام عليها فقهيًّا من وجهين:
أما الوجه الأول: فعن عينها، فهي لم تصنع من شيء محرم، بل هي ورق مباح صنعه، وطبعت عليها أحرف ورموز لا يتعلق بها كلام لذاتها، وفي بعضها تصاوير ورسومات لم يقصد بها مضاهاة ولا تعظيم، وهي بذلك داخلة فيما استثناه كثير من الفقهاء من التصوير الممنوع!
وأما الوجه الثاني من الكلام: فهو إلحاقها بالميسر المحرم! هل يصح إلحاقها أو لا يصح؟ وكم هي الأشياء التي ألحقت بالميسر ومنعت وفي حقيقة الأمر هي ليست منه، ويتبين ذلك بمعرفة الميسر وصورته التي نزلت الآية بتحريمة، وبكلام فقهاء الإسلام عن صور كثيرة تجعل ما يظنه الناظر ميسرًا وقمارً مباحًا، وللاختصار كان العرب إذا أرادوا أن ييسروا اشتروا جزورًا نسيئة يعني «دينًا» ونحروه، وقسموه أجزاءً كثيرة، وييسرون بالقداح فإذا خرج واحد باسم واحد ظهر فوز من خرجت لهم الأنصباء وغرم الثمن من خرج له الغفل، وهو قدح يشير للغارم، وهذه الصورة وما ماثلها من الصور هي قطعًا محرمة بنص الآية، وقد جعل بعض السلف الميسر هو القمار ولم يفرق، وكالرهان على فوز أو خسارة فلان من الناس، وليس لهم قصد غير كسب المال قصدًا لعينه. وهي صور حاصلة في هذه الأزمنة كالرهان في مباريات المصارعة وغيرها حيث لا علاقة للمراهن بالحدث، إنما قصد كسب المال بباطل، لكن يذكر الفقهاء أنواعًا من السباقات وما شابهها مما يلعب على عوض بعد تقرير أن ما لم يكن على عوض فسبيله الإباحة ما لم يُله عن واجب، فلو قدر أن متسابقين في مباح على عوض بذله متبرع غيرهم لجازت هذه الصورة، ولن تجد فيها خلافًا ذا شأن، فلو بذل بعض المتسابقين العوض ودخل آخرون معهم بغير بذل، ولم يدُر كل المتسابقين بين الغرم والغنم بل بعضهم غانم أو سالم لكانت عند كثير من الفقهاء والأئمة صورة جائزة، فلا هي بالقمار ولا بالميسر.
وكم هي الأساليب الشرعية والمخارج الفقهية، التي تخرج كثيرًا من المسابقات والألعاب عن مسمى القمار والميسر، وليس كل ما رأينا فيه جمع مال قلنا قمار وميسر، ويكفينا إذا علمنا بمثل هذا أن ندلهم على المخرج الشرعي، ولكن قد تسبب الوسائل الحديثة، كالقنوات والانترنت والهواتف النقالة الغموض التصوري عند كثير من الباحثين، فيضطر لسحب المسألة إلى أصل متفق على حكمه، ويحكم عليها بذلك الحكم، ويجري على مخالفه أحكام مَن خالف «النص» بينما الأمر ليس كذلك، ولو أن الناظر في مسائل العصر، دقق النظر في علة المنع أو الإباحة لوجد كثيرًا من الحلول لكثير من المشتبهات عليه التي يعسر عليه أن يقول عندها (الله أعلم) فيقول احتياطًا وتحوطًا وسدًا للذريعة «هي حرام» ويمنع بعد ذلك تغيير ما استقر. هذا، والله من وراء القصد.
---------------------------
ألآثنيــــــــــــــن23رجب1439هـــــ...
[/frame]