د يقع الشاب في الذنب فيندم ويتوب ويقلع، ثم يتكرر منه الذنب فيتوب وهكذا. فيتساءل حينئذ ألي توبة بعد ذلك؟!. ويتكئ الشيطان على هذا الضعف ليقنعه بالتخلي عن التوبة وأنه رجل غير جاد.
لكنه حين يتفكر في نفسه جاداً فسيقول: الذنب الأول مضى وتبت منه، وهذا ذنب أخر فأتوب منه، وخير لي أن أموت على توبة من أن أموت وأنا مصر على الذنب.
وفى السنة النبوية ما يؤيد هذا المعنى. ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن عبداً أصاب ذنباً - وربما قال: أذنب ذنباً - فقال: رب أذنبتُ ذنباً - وربما قال: أصبتُ - فاغفر، فقال ربه: أعلم عبدي أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ به؟!. غفرت لعبدي!. ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنباً - أو أذنب ذنباً- فقال: رب أذنبت-أو أصبت آخر، فاغفره، فقال: أعلم عبدي أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ به؟!. غفرت لعبدي!. ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنباً - وربما قال أصاب ذنباً - فقال: رب أصبت- أو قال: أذنبت- آخر فاغفره لي، فقال: أعلم عبدي أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ به؟!. غفرت لعبدي! – ثلاثاً - فليعمل ما شاء". [رواه البخاري 7507، ومسلم 2758].
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله، أحدنا يذنب!، قال: يكتب عليه.
قال: ثم يستغفر منه ويتوب. قال: يغفر له ويُتاب عليه.
قال: فيعود فيذنب. قال يكتب عليه.
قال: ثم يستغفر منه ويتوب قال: يغفر له ويُتاب عليه.
قال فيعود فيذنب. قال: "يكتب عليه ولا يمل الله حتى تملوا". [رواه الحاكم 4/ 285، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه،". ووافقه الذهبي. وأخرجه الطبراني في الكبير كما في المجمع 10/ 200، وقال: إسناده حسن].
وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن علي رضي الله عنه قال: "خياركم كل مُفَتًّن تواب.
قيل: فإن عاد؟!.
قال: يستغفر الله ويتوب.
قيل: فإن عاد؟!.
قال: يستغفر الله ويتوب.
قيل: حتى متى؟!. قال: حتى يكون الشيطان هو المحسور".
وقيل للحسن: "ألا يستحي أحدنا من ربه؛ يستغفر من ذنوبه ثم يعود ثم يستغفر، ثم يعود؟! فقال: ودّ الشيطان لو ظفر منكم بهذه، فلا تملوا من الاستغفار".
وقال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - في خطبته: "أيها الناس، من ألمَّ بذنب فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر الله وليتب، فإنما هي خطايا مطوقة في أعناق الرجال، وإن الهلاك كل الهلاك في الإصرار عليها".
بل وهذا المعنى داخل تحت قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). [آل عمران: 135]. وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ). [الأعراف: 201].
وقال النعمان بن بشير في قوله: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ). [البقرة: 195]: "يقول: إذا أذنب أحدكم فلا يلقين بيده إلى التهلكة، ولا يقولن لا توبة لي، ولكن ليستغفر الله وليتب إليه، فإن الله غفور رحيم". [رواه البيهقي في شعب الإيمان 7092].
وعن البراء: وقال له رجل: "يا أبا عمارة: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ). [البقرة195]. أهو الرجل يلقى العدو فيقاتل حتى يقتل؟!.
قال: لا، ولكن هو الرجل يذنب الذنب فيقول: لا يغفره الله لي". [رواه البيهقي في شعب الإيمان 7093].
وقال سعيد بن المسيب في قوله: (فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً). [الإسراء: 25]. قال: "هو الذي يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب". [رواه البيهقي في شعب الإيمان 7095، وابن جرير 15/ 69].
وقال عطاء بن يسار في هذه الآية: "يذنب العبد ثم يتوب فيتوب الله عليه، ثم يذنب فيتوب فيتوبُ الله عليه، ثم يذنب الثالثة فإن تاب تابَ الله عليه توبة لا تُمحى". [رواه ابن جرير 15/ 71].
وعن وهب بن جرير عن أبيه قال: "كنت جالساً عند الحسن إذ جاءه رجل فقال: يا أبا سعيد، ما تقول في العبد يذنب الذنب ثم يتوب.
قال: لم يزدد بتوبته من الله إلا دنوا.
قال ثم عاد في ذنبه ثم تاب!.
قال لم يزدد بتوبته إلا شرفاً عند الله...
ثم ذكر حديثاً عنه صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ). [الأعراف: 201]. [رواه البيهقي في شعب الإيمان 7096].