[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]في أثناء تأملي فى السماء غفوت ، لم تكن غفوة بالمعنى الكامل ، لقد كنت بين الحلم واليقظة ، أو ما يسمى "أحلام اليقظة" ، ورأيت أنني أجهز حقيبتي للصعود للسماء، وبحثت عن حقيبتي لأرى ما الذى أعددته لهذه الرحلة فإذا بى أتلقى المفاجأة.
فى حقيبة سفري ..أفلام ومسلسلات وبعض المحادثات اليومية ؛ والنقاشات والجدالات غير الضرورية ؛ وباقة من ذكريات ولت مع الأهل والمعارف والأصدقاء ؛ ونشاطات صيفية ترفيهية تخلو من خدمة المجتمع والناس ؛
ولم يبقى لى شئ ... لا شئ اللهم إلا عشر دقائق وأرحل - أرحل للأبد -.
باقي لى 10 دقائق على الرحيل ..
ماذا سأقول لربي .. هذا عملي !
ماذا سأريه .. ولا يوجد فى حقيبتي إلا الترفيه وتمضية الوقت بلا عمل وكل وما ليس منه طائل!
وظللت أفتش فى حقيبتي بشكل هستيرى فلقد حان وقتي الآن .. وأخاطب نفسي فى حنق وأقول: ما هذا يا نفسي! ما هذا الشح .. أهذه فقط صدقاتي ! .. درهم ، درهمين ، نظرة واحدة حانية لمواساة إنسان حزين ، عطف على خمس مساكين ، فقط خمس مساكين طوال فترة حياتي ، كيف سأذهب لربي ؟! كيف أطلعه على حقيبتي .. كيف؟!
باقي لى 8 دقائق على الرحيل ..
ماذا سأقول للرحمان .. أننى لم أرحم !
ماذا سأقول للكريم .. أننى لم أكرم أحدا!
ويلي من حقيبتي ، أنها فارغة من الصدقات ، فارغة من الرحمة.
وأظل أفتش فى حقيبتي بشكل هستيرى فلقد حان وقتي الآن .. وأخاطب نفسي فى ذل وأقول: ماذا فعلت بكبري .. ولماذا لم أسامح أخوتي فى الله؟! .. لقد كان أمامي 20 فرصة للنجاة من غضب ربي ولم أنتهزها، فخاصمت جارتي فلانه لأنها نست أن تدعونى فى حفل تخرج ولدها، وكفرت بحق الجار وحسن الجوار هذا الذى كان من الممكن أن يشفع لى عند ربي فيجيرنى من عذابه يوم القيامة، وقطعت الصلة بيني وبين أعز صديقاتي لأنها قالت لى كلمات لم تعجبني، وكان الله بحبها سيظلني تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله، كذلك لم أنسى لأخي عدم مساعدته لي عندما كنت فى حاجة فبادلته الشحناء والبغض ، وكانت صلة الرحم ستجعلني أسير على الصراط فوق النيران فلا أقع.
ويلي .. لماذا أمتلأ قلبى كبراً ولم أعد أتسامح مع أخوتي فى الله وجيراني وصلة أرحامي ، فلقد كانوا بالتأكيد سيكونون حلفاء لي فى هذا اليوم العصيب.
باقى لى الآن 6 دقائق على الرحيل ..
ماذا سأقول لربى المتكبر .. أننى نازعتك الكبر !
ماذا سأقول للرحيم .. أننى قطعت الرحم !
ماذا سأقول للرسول الهادى .. أننى كفرت بالجار .. كفرت بوصيتك !
وأظل أفتش فى حقيبتى بشكل هستيرى فلقد حان وقتى الآن .. وأخاطب نفسى فى ندم وأقول: لن ينفعنى ندمى اليوم على ما قصرت فى حق الله ، لم أصلى ، تركت الصلاة ، لن ينظر الله أبداً فى حقيبتى فأنا لا أستحق أن ينظر فى أمرى ، كانت أمى تدعونى لأصلى ، وكنت أتهرب منها لأكلم صديقتى فلانه وأبنة خالتى علانه ، ولأرى الفيلم الأمريكى الخطير والمسلسل الدرامى الجذاب ، رحت أثرثر وأضيع وقتى ساعات ولم أدخر لصلاتى لحظات .. هذه الصلاة التى كانت ستعيننى كثيراً على سفرى اليوم.
باقى لى الآن 4 دقائق على الرحيل ..
ماذا سأقول للملك .. لم أسجد لك ركعة !
ماذا سأقول للواحد .. أننى لم أكن أوحدك فى كل وقت !
ماذا سأقول للعليم .. أننى لم أعلم أن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً !
وأظل أفتش فى حقيبتى بشكل هستيرى فلقد حان وقتى الآن .. وأخاطب نفسى فى حسرة وأقول: جائنى فلاناً لأساعده فى مصلحته فلم ألبى طلبه وتهربت ، بل وعطلت مصالح الكثيرين فى عملى بالكسل فلم أنهى الإجراءات اللازمة لإتمام مصالح الناس وجعلتهم ينتظروا شهور، ظلمتهم - ظلمتهم بكسلى - وعدم تحملى المسئولية.
كذلك تركت مساعدة الكبير وكنت أرى العجائز يحملون بقالتهم متثاقلين فلم أمد لهم يد المساعدة ، كذلك تركت أطفالى بدون أن أساعدهم فى حل واجباتهم الدراسية فأصابهم الإحباط والشعور بفقد الأهمية وذلك لموعدى مع خبيرة التجميل ، وما فائدة التجميل إذ لم يكن هنالك من جمال داخلي؟!.
باقى لى الآن 3 دقائق على الرحيل ..
ماذا سأقول للعادل .. أننى ظلمت !
ماذا سأقول للمغيث .. أننى تركت الملهوف يغرق !
ماذا سأقول لصاحب الجمال .. أننى فقدت فى داخلى الجمال !
وأظل أفتش فى حقيبتى بشكل هستيرى فلقد حان وقتى الآن ..
لكنى فى وقفة مفاجأة تذكرت - نعم لقد تذكرت - ..
وخاطبت نفسى فى فرحة وقلت: هذه ليست حقيبتى ، هذه حقيبة أخرى ، فلقد تداركت ما فعلت ، لقد كانت لى وقفة مع نفسى ساعة تبت فيها ورجعت إلى الله تعالى وفتحت صفحة جديدة معه ، وأستغفرته طويلاً وسألته العفو والصفح ولم أرجع لما فعلت .. فأين حقيبتى الأخرى ، هل صفح عنى ربى؟ ، عن ظلمى لنفسى! ، فإذ بى أجد شيئاً محمولاً من ملكين ينزلان من السماء .. ما هذا أنها حقيبتى الجديدة ، وتحمل هذه الحقيبة "عفو ربى" والذى أنسانى به كل ما كان فى حقيبتى القديمة .. ورحت أهلل وأكبر .. الله أكبر سأنجو .. الله أكبر سأنجو .. الله أكبر كبيرا.
كانت تلك اللحظة كما أتذكرها والتى بلغتنى عفو العفو الكريم ، لحظة بكيت فيها بحرقة وندمت فيها على كل ما أصرفت ، وعاهدت ربى فيها أن أكون شخصاً جديدا.
ورحت أفتش فى الحقيبة الجديدة .. هذه دمعة صادقة نزلت من عينى ندماً على ما فات هذه الدمعة كتب لى بها عشر حسنات ، وهذه دمعات على من ظلمت من الناس كتب لى بها 100 حسنة ، وهذه دموع وحشرجة على تقصيرى فى الصلاة كتب لى بها ألف حسنة ، وهذه إبتسامة رسمت على وجهى تفائلاً بعطاء ورحمة الله ، وراحة فى فؤادى لظن الخير بالله عندما دعوته - أعطانى الله بها كل ما سئلت – نعم – كل ما سئلت - .
باقى لى الآن دقيقتان على الرحيل .. لا أطيق الإنتظار دقيقتان !
خذنى يا رب .. لى رب مثلك عظيم ولا زلت أعيش على الأرض !
سأحمل حقيبة سفرى وأعد الثوانى ، فلى رباً ودوداً فى السماء .. ولقد إشتقت للقائه!
وأنادى بأعلى صوتى يا أهل الأرض .. يا أهل الأرض .. لكم مكاناً فى السماء أرحب من كل الأرض ..
لكم الخلود فى النعم فلا تخدعنكم مظاهر اللهو واللعب ، فهذا متاع الغرور ..
هلمى يا ثوانى فقد ذهبت الأمانى .. هلمى يا حياتى فأنتِ الحيوان ..
وجاء الملك ليأخذنى .. فأستيقظت من النوم .. أستيقظت من حلم اليقظة وعلمت طريقى .
ليتنا كلنا نستيقظ من النوم .. ونسارع فى الخيرات .. ونحضر حقيبة سفرنا الطويل.
يقول تعالى : (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون * والذين هم بآيات ربهم يؤمنون * والذين هم بربهم لا يشركون * والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون * أولئك يسارعون فى الخيرات وهم لها سابقون). صدق الله العظيم (سورة المؤمنون، الآيات: 57- 61).
[/align][/cell][/table1][/align]