بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدّ لله ربّ العالمين والصلاة على رسول الله.
أما بعد فقد روي بالإسناد الصحيح المتصل في مسند أبي يعلى رحمه الله أنّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: "أكثر فناء أمتي بعد كتاب الله وقدره بالأنفس" وفي كتاب المستدرك للحاكم أنّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وجد في نفسه أو ماله أو ولده ما يعجبه فليدع بالبركة فإنّ العين حق" هذان الحديثان فيهما إثبات أنّ العين تؤذي بتقدير الله تعالى ومشيئته وذلك إذا حصل كلام عقب النّظر، نحو ما أحلى هذا الشىء أو ما أجمل عين هذا الإنسان أو نحو ذلك.
أما إذا سكت الشخص الذي أعجب بالشىء فإنه لا يحصل ضرر للمنظور إنما يحصل الضرر بتقدير الله مع النطق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العين حق فلو كان شىء سابق القدر سبقته العين" أي لو كان شىء يغلب قدر الله لغلبته العين لكن لا شىء يغلب قدر الله، لا شىء يضرّ إلا بمشيئة الله كما أنه لا شىء ينفع إلا بمشيئة الله.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "أكثر فناء أمتي بعد كتاب الله وقدره بالأنفس" أي أنّ أكثر من يمرض مرضا يؤدي إلى الموت في أمتي من العين مع موافقة قدر.
الله تعالى، مع سبق كتابة هذا الشىء في اللوح المحفوظ وبعد تقدير الله تعالى الأزلي، أكثر الأمراض المعضلة التي يعجز الأطباء عن إدراك سببها تكون من العين.
ثمّ بيّن الرسول صلى الله عليه وسلّم السبيل إلى التحرز من أن يصيب الشخص نفسه أو غيره بالعين كأن وجد جسمه حسنا فأعجب بذلك أو وجد ماله كثيرا فأعجبه ذلك أو نظر إلى أولاده فأعجب بهم قال الرسول "فليدع بالبركة" حتى لا يصيبهم بالعين أي ليقل: اللهم بارك فيه ولا تضرّه وإن كان في جسمه يقول اللهم بارك في جسدي ولا تضرّه فهذه الكلمة فيها تحصين.
ففي صحيح مسلم أنّ أثنين من الصحابة انفردا في أثناء سفرة سافرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيا على ماء بقي من ماء المطر في جوف صخرة كبيرة فتجرّد أحدهما ليغتسل بهذا الماء فنظر صاحبه إليه فأعجبه حسن جسده وقال من جملة إعجابه ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء فوقع الرجل في مكانه في الحال ضربه بعينه فأخبر الرسول قيل له: يا رسول الله إنّ فلانا كان ذهب إلى مكان فتجرّد ليغتسل به في غدير ماء فصرع وقع على الأرض فقال من تتهمون به أي من تظنون أنه أصابه بعينه قالو: فلانا، سمّوه له فعتب عليه قال له: لماذا لم تدع له بالبركة لمّا نظرت إليه فأعجبك جسمه ثمّ الرسول دعا له فتعافى. فالعين تؤثر بتقدير الله، ولا شىء يؤثر إلا بتقدير الله، لا السحر يؤثر بغير تقدير الله، ولا السّم ولا الخبز يشبع بدون تقدير الله، ولا النار تحرق بدون تقدير الله ولا الماء يروي العطش بدون تقدير الله، كلّ هذه أسباب ولا تخلق هذه الأسباب المسببات إنما الله يخلق الأسباب ومسبباتها ليست الأسباب تخلق شيئا.
قال الله تعالى: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } المعنى أنّ الكفار يا محمد يكادون أن يصيبوك أي يضروك بأعينهم لكنّ الله يحفظك، فالقرءان أثبت أنّ العين حق وكذلك الحديث.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: "العين حق فإذا استغسلتم فاغسلوا" المعنى إذا شخص أصيب بالعين فوقع عليه الضرر فليغسل العائن الذي أصابه بعينه وجهه ويديه وقدميه وركبتيه بالماء كهيئة المتوضىء ويأخذ هذا الماء في وعاء ثمّ يصبّ هذا الماء على المريض من جهة خلفه ثم يرمى هذا الوعاء خلف المصاب مقلوبا، رأسه إلى الأرض وأسفله إلى فوق.
هذا هو العلاج للمصاب بالعين والعائن يفعل ذلك فيبرأ المريض بإذن الله.
قال صلى الله عليه وسلم: "العين حق يحضرها الشيطان وحسد بن ءادم" المعنى أنّ الإنسان لمّا ينظر إلى إنسان ءاخر بعين الإعجاب الذي فيه حسد فيصيبه بالعين على أثرها يدخل شيطان أي جنيّ كافر في هذا المصاب بالعين.
وعلامة العين أنّ الإنسان يكون بصحة جيدة فإذا به فورا يصاب إما بوجع رأس أو بعمى أو نحو ذلك.
سيدنا عليّ رضي الله عنه يروي عن رسول الله أنه كان الحسن والحسين أصيبا بعين وكانا مريضين فالرسول حزن لما أصابهما فجاءه جبريل فقال له: يا محمد إني أراك مكتئبا فقال: إنّ الحسن والحسين مصابان، فقال له: عوّذهما بهذا التعويذ، قال: بمَ أعوّذهما، قال له: قل "اللهم ذا السّلطان العظيم والمنِّ القديم ذا الرحمة الكريم، وليّ الكلمات التآمات والدعوات المستجابات عافِ حسنا وحسينا من أنفس الجن وأعين الإنس" هنا الشخص يقول عافني من أنفس الجن وأعين الإنس أو عاف فلانا هذا.
وإذا أراد أن يحصّن ولده يقول: "أعيذك بكلمات الله التّامة من كلّ شيطان وهامّة ومن كلّ عين لامّة" مرة واحدة تكفي وإن شاء قرأ له الفاتحة وءاية الكرسي مرة أيضا.