بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدّ لله والصلاة والسلام على رسول الله.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً}
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يعبد الله لا يشرك به شيئا ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويجتنب الكبائر إلا دخل الجنة" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرنا في الحديث النبوي أن الإنسان المسلم الذي يعبد الله وحده ولا يعبد أحدا غيره ويؤمن برسوله إيمانا صحيحا ويقيم الصلاة كما أمر الله ويؤتي الزكاة أي يدفعها لمن يستحقها ويصوم رمضان ويجتنب الكبائر كلها فإنه يدخل جنة ربه آمنا من عذاب الله في القبر وفي الآخرة، وعلى هذا المسلم ينطبق قوله تعالى: { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَاإِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} فهذا المسلم الذي فعل ما ذكر هو الذي يزحزح أي يبعد عن نار جهنم ويدخل الجنة وهو الذي ينطبق عليه قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } أي أن كل أهل الجنة راضون بمقامهم فيها لا يملون من طول مقامهم ولا يستقلّون ما هم فيه من النعم في تلك الحياة الأبدية الدائمة.
ثم إن هذا الحديث النبوي يتحمل من الشرح الكثير لكننا نقتصر على شرح قوله صلى الله عليه وسلم: "ويجتنب الكبائر" فالكبائر هي الذنوب التي تشعر بأن فاعلها غير مكترث بالدين أي قليل المبالاة أو يقال الكبيرة كل ذنب أطلق عليه بنص الكتاب أو السنة أو الإجماع أنه كبيرة أو عظيم أو أخبر فيه بشدة العقاب أو علق عليه الحد وشدد النكير عليه.
والكبائر من حيث التعداد قريبة من السبعين.
قال الله تعالى: { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْعَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً } (النساء) والمراد هنا بالسيئات الذنوب الصغائر، وقال الله تعالى: { يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ } (النجم) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر" أي ما لم ترتكب الكبائر.
ومن الكبائر أكل الربا وهو أنواع وأعظمه أن يقرض الرجل مالا لغيره ويشترط جر منفعة لنفسه أو له وللمقترض سواء كان الشرط الزيادة في المقدار كأن يقرضه ألفا بشرط زيادة مائة مثلا على الألف عند الرد أو كان الشرط أن يسكنه بيته مجانا أو يسلمه سيارته ليستعملها إلى أن يرد له المبلغ.
ومن الكبائر السحر الأسود كان للتحبيب بين اثنين أو للتبغيض أو لتخبيل العقل أي ليصاب بالجنون أو كان لتسليط الأمراض على المسحور وسواء كان من عدو إلى عدوه أو من زوجة إلى زوجها ليطيعها في كل شىء أو ليفضلها على أهله أو من أم الزوجة حتى يكون زوج ابنتها مطيعا لها ولا يخالف لها أمرا.
والسحر أنواع منه ما لا يتم إلا بكفر من الكفريات كعبادة الشيطان أي بالسجود له ونحو أو كالبول على المصحف.
ومنه ما يكون فيه كلمات غير مفهومة المعنى وتكون هي في الحقيقة رموزا يحبها الشياطين ويقضون لمن يستعملها بغيته وطلبه.
وقد يخلطون في عمل السحر الآيات القرءانية للإيقاع بالناس في الكفر باعتقادهم أن القرءان يدخل في السحر لأن من اعتقد أن القرءان يدخل في السحر فقد خرج من الإيمان، ولكن القرءان يقرأ منه على المسحور لفك السحر عنه، قال تعالى: { قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ }.
ومن الكبائر أن يساعد الإنسان قريبا له أو صديقا على ظلم إنسان ءاخر، ومنها أيضا تضييع نفقة الزوجة والأولاد الصغار والوالدين الفقيرين مع المقدرة.
ومنها ضرب المسلم بغير حق، وأكل مال اليتيم قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً }، ومنها عقوق الوالدين أي أن يؤذي والديه أذى شديدا ليس بهين، وقطيعة الرحم، والمنّ بالصدقة أي أن يعدد نعمته على آخذها أو يذكرها لمن لا يحب الآخذ إطلاعه عليه وهو يحبط الثواب ويبطله قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى }.
ومن الكبائر ترك تعلم العلم الشرعي الضروري ولو بالمشافهة أي ولو بالاستماع إلى أهل المعرفة من غير كتابة وتدوين، ولا فرق في ذلك أي في وجوب تعلم العلم الشرعي الضروري بين الذكر والأنثى لقوله صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" رواه البيهقي، وإنّ علم الدين يحتاج إليه الناس على اختلاف احوالهم وأجناسهم ومهنهم ولا يستغني عنه أحد لأن به يعرف الحلال والحرام والخير والشر وبه يسلك المسلم طريق التقوى والصلاح ولا يتركه إلا غافل.
وإنّ من لم يتعلم يقع في الكبائر شاء أم أبى ولا يضمن صحة صلاته ولا صيامه ولا زكاته ولا زواجه والأدلة على ذلك كثيرة جدا منها ما هو حاصل مع بعض الأزواج الذين يطلقون بالثلاث ثم يستمرون بالمعاشرة فيقعون في الزنا وهم لا يشعرون.
إنّ التخبط الذي يعيش فيه كثير من الناس هو نتيجة إهمالهم لتعلم علم الدين والعمل به فنسأل الله عز وجلّ أن يحفظنا من الكبائر والذنوب جميعها وأن يعلمنا ما ينفعنا لدنيانا وآخرتنا.