بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله سيدنا محمد و على ءاله و صحبه أجمعين.
قال الله تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.
إن في هذه الآية الكريمة أمر مهم عظيم ألا وهو الاعتصام بحبل الله المتين وإنما يكون ذلك بطاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم بالتمسك بالدين الحنيف والثبات عليه حتى آخر العمر، وذلك يتضمن بالتأكيد ترك البدع الفاسدة والأفكار الكاسدة التي يلقيها شياطين الأنس ليضلوا الناس عن المحجة البيضاء التي كان عليه سلف هذه الأمة وأكابرهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعدهم من الذين اتبعوهم بإحسان، وكانوا نعم القدوة والمثل الذي يحتذى به، إذ توحدوا وتآلفوا ووجهوا أنظارهم نحو هدف واحد فإذا بهم قد اجتمعوا على كلمة الحق ووجهوا القصد نحو نصرة هذا الدين العظيم ملتزمين بما فيه النجاح والفلاح كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فتحقق لهم المجد العظيم والخير العميم ونالوا عزا لا يطاولهم فيه أحد، بدءا من البعثة المحمدية المباركة ومرورا بعهد الخلفاء الراشدين البررة ومن جاء بعدهم ممن نور الله قلوبهم بالإيمان فانقشعت بهم ظلمات حالكة عصفت بالبلاد والديار، كيف لا وقد توحدوا على درب التقوى وجمعهم الإخلاص لله رب العالمين والتضحية والبذل، قائمين بالمعروف ناهين عن المنكر امتثالا لقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العقاب}. (المائدة)
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قام خطيبا في حجة الوداع فقال: "إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم (وفي رواية: مما تخافون من أعمالكم فاحذروا)، يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا كتاب الله وسنة نبيه، إن كل مسلم أخو المسلم المسلمون أخوة ولا يحل لامرىء من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس ولا تظلموا ولا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض".
وهنا يجدر بنا أن نتدبر ونعي هذا البيان العظيم من كلام سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فالاعتصام الصحيح والوحدة السليمة هي التي تقوم على التمسك بالحق والعمل بمثل هذه المبادىء العالية التي تقي البلاد من كثير من الشرور التي يسعى إليها صاحب الغرض الدنيىء كما كان وما زال من يوم أن ساءه ما رأى من تآلف وتعاون وثيق قائم بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ يقسم الرجل ماله شطرين ليعين أخاه المسلم، ويهب له دارا من إحدى الدارين وبستانا وأرضا رغبة فيما عند الله وما عند الله خير وأبقى فيأتي من يريد زرع الفتنة ويجلس إلى نفر من الأوس والخزرج فيحدثهم بما كان بينهم في الجاهلية وينشدهم بعض الشعر مما قيل في تلك الحروب بغية إيقاع الفتنة والشحناء حتى كادت الحرب أن تقع بين طائفتين من المسلمين ولكن الخبر يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعمل بتوفيق الله على إيقاف نار الفتنة ويقول: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بين قلوبكم".
إن في هذا توجيه إلى سبيل السلامة في الآخرة والعزة في الدنيا وذلك بالاعتصام الصحيح بالشريعة الغراء بالتمسك بالدين والحكم بحكمه وامتثال الأوامر واجتناب النواهي والوقوف عند حدود الشريعة، عملا بقول الله تعالى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
وبقول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: "إن اللَّه تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدّ حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها". رواه الدارقطني وغيره. وبالمواظبة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة مما يسهم بالتأكيد في الرقي والحضارة.
وها نحن اليوم، إذ نتحدث عن أهمية الوحدة والاعتصام إزاء ما نعانيه ونراه من تشتت وتباعد على نطاق واسع وشاسع جدير بنا أن نوجه دعوة صادقة مخلصة إلى التعاون والتكاتف والتماسك.
فقد قال سيدنا المصطفى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لا تَحاسَدُوا، وَلا تَناجَشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَ لاَ تَدَابَرُوا، وَ لا يَبع بَعْضُكُمْ على بيع بَعْضٍ وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْواناً، المُسلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يَخْذُلُهُ وَلا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنا ـويشيرِ إلى صدره ثلاثَاـ بِحَسْبِ امْرىءٍ مِنَ الشَّرّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ ومَالُهُ وَعِرْضُهُ". رواه مسلم وغيره.
وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا على الوحدة السليمة الصحيحة فقال: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". رواه البخاري ومسلم.
بهذا تتحقق الوحدة و يكون الاعتصام الصحيح.
وليعلم أن طلاب الوحدة لن يصلوا إلى مأربهم إلا إذا قامت وحدتهم على أسس سليمة موافقة لدين الله عز وجل، وما خالف ذلك فهو كاسد فاسد لا فائدة فيه ومن طلب الوحدة بغير هذا الطريق انطبق عليه قول من قال: كيف يستقيم الظل والعود أعوج".
وأذكركم إخوة الإيمان بالتوبة الصادقة إلى الله، فقد قال العباس عم نبينا صلى الله عليه وسلم "اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَنْزِل بَلَاء إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَمْ يُكْشَف إِلَّا بِتَوْبَةٍ". رواه الزبير بن بكار
وقال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}.
وَفِي الْحَدِيث الصَّحِيح" مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ". البخاري
وأؤكد عليكم معشر المسلمين الثبات على دين الله وطاعته مهما اشتد البلاء
فقد قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}. وقال عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.
وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أقدامَكم}.
وفي الحديث الصحيح : "الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ، كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ". مسلم وغيره
وأحضكم معشر المؤمنين على الصبر والتحلي بالأخلاق الكريمة واستعمال الحكمة، فقد قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه و سلم: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}. وقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه و سلم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
وقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
وأحضكم على الدعاء إلى الله برفع البلاء وتفريج الكرب، وعلى قراءة سورة يس بهذه النية، فقد قال بعض العلماء: يس لما قرئت له.
وأما عن سبب ضعف المسلمين اليوم فقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُم الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُم الْوَهْنَ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ". رواه أبو داود