بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله تبارك وتعالى في محكم التنزيل: ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء .
إن الإنسان خلق ليعرف ربه ويعبده, ومعرفة الله تعالى تكون بمعرفة صفاته والإيمان به أنه واحد أحد لاشريك ولامثيل ولاشبيه له وأنه خلق العالم بما فيه من السموات والأرض وما فيهما وما عليهما وهو لايحتاج لشىء فلا طاعةُ الطائعين تنفعهُ ولا عصيان العصاة يضرهُ بل العبد هو الفقير المحتاج إلى الله ،والله هو الغني عن العالم غني عن البشر والأنبياء والملائكة غني عن السماء والجنة والعرش الكل محتاج إلى الله والله تعالى ليس بحاجة لأحد، الإنسان لم يخلق ليعمل من عند نفسه ديناً له ، وإنما خلق لعبادة ربه على الدين اذي رضيه الله لنا والشرع الذي جاء به نبينا, لم يخلق لهذه الدنيا الصغيرة الفانية, إن المؤمن يعيش عبداً لربه الواحد الأحد، ولحياته الأخروية يعمل ويجد في الخيرات وترك المنكرات قال الله تعالى: أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق تعالى الله أن يخلقنا عبثًا, تعالى الله أن يخلق السموات والأرض عبثا.تعالى الله أن ينسب إليه الشريك والمثيل .
المؤمن حياته واضحة لا غبن فيها ولا ريب، والطريق كذلك واضح المعالم ، غير المؤمن يعيش في الدنيا تتوزعه هموم كثيرة وتتنازعه غايات شتى, هذه تميل به ذات اليمين وهذه تميل به ذات الشمال, لا يدري أيها يرضى حائر حتى في ارضاء المجتمع أي الأصناف يرضيهم ويسارع في هواهم, فإنه إن أرضى أناسًا لا يرضي عنه آخرون, فإن رضى الناس غاية لا تدرك.
إذا رضيت عليّ كرام عشيرتي فما زال غضبانٌ عليّ لئامها والعكس بالعكس طبعًا, إذا رضي اللئام غضب الكرام المؤمن حقًا قد استراح من هذا كله وحصر الغايات كلها في غاية واحدة, عليها يحرص وإليها يسعى, وهو رضوان الله تعالى, لا يبالي بعد ذلك رضي الناس أو سخطوا عليه، شعاره في ذلك كما قال الشاعر:
وليت الذي بيني وبينك عامرُ
وبيني وبين العالمين خـرابُ
إذا صح منك الود فالكل هين
وكل الذي فوق التراب ترابُ
المؤمن جعل الهموم همًا واحدًا, وهو سلوك الطريق الموصل الى رضى لله تعالى، وهو الذي يسأل الله تعالى في كل صلاة عدة مرات اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم هو طريق واحد لا عوج فيه ولا التواء وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به وما أعظم الفرق بين رجلين أحدهما عرف الغاية رف الطريق إليها فاستراح, وآخر ضال يخبط في عماية ويمشي في غير غاية, لا يدري إلى ما يسير ولا أين المصير أفمن يمشي مكبًا على وجهه أهدى أم من يمشي سويًا على صراط مستقيم استهان المسلم في سبيل هذه الغاية, في سبيل إرضاء ربه كل صعب، المؤمن يستشعر في حياته بأنه ممتثل لأمر ربه, لذلك لا تعجب عندما نجد في القرآن العظيم قصصًا فيها الثبات, فيها كذلك الإيضاح التام لأمر الله تعالى, هاكم هذه القصة العجيبة بين أب وابنه المؤمن, أب تمنى أن يكون له ولد حليم, فأوتي هذا الولد على كبر في سنه فأعطاه ما يعطي الوالد ولده من العطف والحنان, رزقه الله تعالى بولد حليم, وجاء أمر الله تعالى إليه بأن يدع هذا الولد وزوجه كذلك في واد غير ذي زرع فامتثل لأمر ربه لا ماء ولا شجر, امتثل لأمر الله تعالى ولما شب الغلام أمره الله تعالى بأن يضع السكين على رقبة هذا الولد الذي تمناه سنينًا طويلة, فماذا كان موقف هذا الأب؟ وماذا كان موقف هذا الابن؟ أسلم الوالد ولده وأسلم الولد عنقه امتثالاً لأمر الله تعالى, ذكر القرآن ذلك عن إبراهيم عليه السلام وكذلك عن إسماعيل فلما أسلما وتلّه للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا هو البلاء المبين , ابتلاه الله سبحانه وتعالى ولما أشار إلى ابنه قائلاً: فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين , ما سر هذا الثبات؟ سر هذا الثبات هو الإيمان واليقين بالله تعالى.
وفي خاتمة القصة قال الله تعالى إنه من عبادنا المؤمنين سر هذا الثبات أن هذا العبد كان من عباد الله المؤمنين أن الله تعالى هو يفعل ما يريد ويحكم بما يشاء فلا أعتراض على مشيئته وحكمه، وإذا كنا مؤمنين حقًا فإنا سنثبت في الشدائد ولن نجزع ولن نخاف ولن تأخذنا الأمواج يمنةً ويسرة, فإن الله عز وجل يثبت المؤمنين بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.