بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى في سورة الأعراف: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (133)} لم يميز فرعون وأتباعُه بين المعجزة والسحر وجعلوُا جملة المعجزات التي جاء بها سيدنا موسى عليه السلام مثل انقلاب العصا حية من باب السحر فقالوا: "مهما تأتنا بآيةٍ من ربك فهي عندنا سحرٌ ونحن لا نؤمن بها أبداً". وكان مُوسى رجلاً قوياً ثابتاً فلم يترك أمر الدعوة إلى دين الأسلام، بل دعا عليهم فاستجاب الله له.
سلّط الله على القبط وهم أتباعُ فرعون الطوفان والسيول الدائمة ليلاً ونهارًا من سبتٍ إلى سبتٍ حتى كان الرجلُ منهم لا يرى شمساً ولا قمراً وكانت بيوتُ القبط وبني إسرائيل متشابكة فحصلت الأعجوبة أن بيوت القبط امتلأت بالمياه المتدفقة حتى وصلت إلى رقابهم فمن جلس غرق، ولم تدخلُ بيوت بني إسرائيل قطرة.
وفاض الماء على وجه الأرض وركد فمنع القبط من الحراثة والبناء والتصرف ودام عليهم الطوفان ثمانية أيام بلياليها، فقالوُا لموسى "ادع لنا ربك يكشفْ عنا فنؤمن بك" فدعا موسى ربهّ فرفع عنهم الطوفان وأرسلت الرياح فجفت الأرض وخرج من النبات مالم يروا مثله قط فقالوا لموسى عليه السلام "لقد كان الذي خفنا منه خيراً لنا لكننا لم نشعرُ فلا والله لا نؤمن بك" فنكثوا العهد.
بعد نكثهم للعهد بعث الله تعالى عليهم الجراد بالآلافِ حتى صارت عند طيرانها تغطي الشمس فأكلت عامّة زروع القبط وثمارهم حتى إنها كانت تأكل الثياب والأثاث والسقوف والأبواب فتهدم ديارهم ولم يدخل دور بني إسرائيل منها شىء فضاق على القبط الحال ووعدُوا موسى عليه السلام أن يؤمنوا ويتوبوا لو كشف عنهم الجراد فخرج موسى إلى الفضاء وأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجعت الجراد إلى النواحي التي جئن منها وكشف عنهم الضيقُ سبعة أيام.
وكان قد بقي من زروع القبط شىء، فقالوا من خبثهم "يكفينا ما بقي من الزرع" ولم يؤمنُوا فأقاموا شهراً على رخائهم وكان في محلةٍ في مصر اسمها "عين شمس" تلة كبيرة من رمل فضربها موسى عليه السلام بعصاه فصارت قملاّ أي حشراتٍ صغيرة تشبهُ السوس الذي في الطحين عندما يفسدُ وطار هذا القمل فأكل دواب القبط وزروعهم التي بقيت ولم يبق عودٌ أخضر إلا أكلتهُ.
والتصقت بجلودهم كأنها الجدري عليهم ومنعهم النوم والقرار وانتشر في مصر كلّها فأكل ما أبقاهُ الجرادُ ولحس الأرض وكان يدخلُ بين جلْدِ القبطيّ وقميصه فيؤلمهُ ويدخل إلى الطعام فيملأُ الأوعية والأواني ليلاً ويسعى في بشراتهم وشعورهم وحواجبهم وأهداب عيونهم فضجوا وبكوا وقصدُوا موسى عليه السلام ووعدُوه أنه إذا دعا ربهّ سبحانه وتعالى ليكشف عنهم فإنهم سيؤمنون ويتوبون فدعا موسى فرفع عنهم وأرسل الله على القمل ريحًا حارّة أحرقتهم وحملتهمُ الرياحُ وألقتهم في البحر.
لكن الوقت ما طال حتى قال القبط لعنهم الله "قد تحققنا يا موسى إنك ساحرٌ وعزّة فرعون لا نُصدّقُك أبدًا" فأرسل الله عليهم الضفادع فملأت فُرشَهُم وأوعيتهم وطعامهم وشرابهم ورمت بأنفسهم في القدُور وهي تغلي وإذا تكلم القبطيّ وثبت ودخلت إلى فمه فشكوا إلى موسى وقالوا "نتوب توبة صادقة ولا نعودُ" فأخذ عليهم المواثيق والوعود والعهود ثم كشف الله عنهم ذلك وأمات الضفادع وأرسل عليهم المطر وحملها إلى البحر.
ثم عاد القبط إلى كفرهم كعادتهم ونقضوُا العهد فأرسل الله عليهم الدم وجعل النيل يسيلُ عليهم دماً وكان الشخصُ المسلم من بني إسرائيل من قوم موسى يرفع من النيل الماء وأما القبطيّ فيرفُعُه دمًا ثم يأتي المسلمُ فيصُبُ الماء في فم القبطي فيصيرُ دمًا ويأتي القبطي ويصُبُ الدم في فم المسلم فيصيرُ ماءً زُلالا لذيذًا.
وعطش فرعون حتى شارف على الهلاك فكان يمصُ الأشجار الرطبة فإذا مضغها صار ماؤُها الطيبُ مالحاً بشع الطعم.
وكان بين الآية والآية أسبوعاً من الزمن فكانت تمكثُ من السبت إلى السبت ثم يبقون بعد رفعها شهرًا في عافيةٍ ثم تأتي الآية الأخرى.
وكانت الحكمةُ في تفصيل تلك الآيات البينّاتِ بالزمان أنه تُظْهِرُ للجميع أحوالهم هل يفون بما عاهَدوا أم ينكُثونُ فتقومُ عليهمُ الحجةُ ثم وقع عليهم الرجزُ وهو طاعون نزل بهم حتى مات منهم في ليلةٍ واحدةٍ سبعُون ألف قبطي.