المرأة والزوج والطفل
وامثال هذه المراة كثير في تاريخ الاسلام، بل كم لها من نظير في كل عصر ومصر الى يومنا الحاضر! وما نامله من الرابطة النسوية المسلمة، بخاصة، والمفكرين بعامة، هو القيام بدراسة تاريخ هذه النماذج من النساء منذ عصر النبي (ص) وعصر الائمة (ع) والى زماننا الحاضر، وندعوهم جميعا الى الكتابة والتاليف في هذاالمجال وجعله في خدمة الجيل الجديد، وان كان لا يخفى على احد وجود ت آليف وتصانيف كثيرة قد سطرت في الكتب منذ العهد القديم، الا ان موضوع المراة المطروح في الكتب المؤلفة في زماننا هذا اقل رونقا وجمالا وساحرية في البيان، اذ نامل من جميع المفكرين خصوصا النساء من ربات القلم والفكر والبيان آملء هذا الفراغ، والقيام بهذه المهمة واتمامها على احسن وجه.
النشاطات الاقتصادية
ان للنساء حق المشاركة في ميادين العمل جميعها بما في ذلك الامور والقضايا الاقتصادية، كما ان لهن حقوقا مساوية لحقوق الرجال في المجالات جميعهاوعلى مختلف الاصعدة، فقد منحت النساء في اوروبا هذا الحق، ولكن بعد قرون، لا لشيء سوى لتحقيق اهداف الاستثمار في النظام الراسمالي:
«... لقد جعلت الثورة الصناعية من المراة يدا عاملة وآلة صناعية... حيث كان ارباب العمل يرجحون اليد النسوية العاملة على اليد العاملة من الرجال... وكان القانون، عام 1882، هو الخطوة الاولى في حرية نسائنا الاماجد، لقد حصلت نساء بريطانيا بموجب هذا القانون على امتيازات لا نظير لها، وذلك بمنحهن حق الاحتفاظ بما يحصلن عليه من اجور عملهن، وكان قد وضع هذا القانون من قبل ارباب المصانع ورجال من مجلس العموم ترغيبا منهم للنساء الانجليزيات من اجل العمل في المصانع....
المراة اساس الاسرة
لا تخفى اهمية الاسرة على احد، كما لا يخفى الدور الاساس والبناء الذي تلعبه الاسرة في تربية الجيل وتنشئته، وما تمنحه من السكينة والطمانينة للرجل،فالاسرة هي النواة الاولى للمجتمع، ولذلك نرى بعض الكتَّاب - ممن ينظر الى حياة الانسان نظرته الى الالة والماكنة، والذي كثيرا ما تحدث عن الامهات الموظفات للانجاب، وعن الابوين البيولوجيين والوالدين المحترفين، وعن الابناء المتولدين عن طريق الالات والاجهزة الصناعية - لم يتمكنوا من التستر والتكتم على قلقهم ومخاوفهم من انهدام الاسرة وتفككها باعتبارها اساس المجتمع والحضارة البشرية، يقول تافلر: «... التفكك في الاسرة هذه الايام هو في الواقع بعض الازمة العامة التي يمر بها النظام الصناعي، فها نحن جميعا نشهد التفكك والتحلل في جميع المؤسسات العصرية، حتى ان النداء القائل: «ان العائلة سوف تتفكك وتتلاشى، وان الاسرة هي اهم موضوع...» قد طرق اسماعنا مرارا، فقد بلغت احصائية الطلاق في السنوات الاخيرة في الاسر الامريكية الى حد يكون فيه طفل واحد من بين سبعة اطفال تحت رعاية احد الابوين وتكفله، وارتفعت هذه الاحصائية في المدن الى حد صار فيه طفل واحد من بين اربعة اطفال تحت رعاية احد الابوين»
ويعتقد البروفسور والطبيب النفساني الدكتور «ايروين كرين برك»، الاستاذ في جامعة انشتاين للعلوم الطبية: «ان الناس يقدمون على الزواج نتيجة بناء وهيكلية خاصين، فالاسرة طبق هذه النظرية كالاصل المتجذر يحمله الانسان معه اينما ذهب، وهي بمثابة صمام الامان تصونه وتحفظه من الحوادث والتطورات المستجدة.
والحاصل انه كلما كانت البيئة التي يعيش فيها الانسان متزلزلة وحديثة البناء والاساس برزت اهمية الاسرة اكثر..»
ويقول ايضا: «... وعلى اية حال، فالامر المهم والحساس الذي يبدو واضحا من خلال هذه التطورات جميعها هو تواجد نغمة خفيفة في افعال الانسان وهذا مالم يبحثه العلماء جيدا النغمة التي كانت منذ القدم بمثابة القوة التي تحفظ التعادل في المجتمع، تلك القوة التي خدمت الانسان كثيرا، الا وهي الاسرة...
ذلك الامر الازلي الذي يعمل آليا وبكل قوة وصلابة، الامر الذي لم يتساءل عنه احد من الناس بل اخذوه اخذ المسلمات... ان هذه السلسلة من الاحداث المتتالية والتي يمكن التكهن بها تمنح البشر جميعهم من اي قبيلة او مجتمع كانوا الشعور بالبقاء والثقة بوجود الاساس والركن القويم الذي يتمكن الانسان من الاعتماد عليه في مواجهة الامور ومعالجتها... اذا الدور الذي تلعبه الاسرة في حياة الانسان يعد دائما احد اركان المحافظة على السلامة النفسية والروحية للانسان...»
وجاء في كتاب «به سوى تمدن جديد» . ومن جهة اخرى، يعتقد «لوين تافلر» ان احد اهم ظواهر التيار الثالث بزوغ مرحلة شوكة الاسرة والاحترام المتبادل فيها واهميتها مرة اخرى، ذلك ان التيار الثاني (الحضارة الصناعية) قد قضى تماما على شوكة الاسرة، فذهب بذلك ادراج الرياح جميع ما كان يعد من خصائص الاسرة في مرحلة التيار الاول، وحينئذ فبدلا من ان يكون التمريض ورعاية المريض في البيوت صار يمارس في المستشفيات، وهكذا ارسل الاطفال الصغار الى المدارس ودور الحضانة، والطاعنين في السن الى دور العجزة، وصار الازواج يقضون اكثر اوقاتهم في الزيارات والولائم والمطاعم واماكن الترف والنزهة، فما بقي من الاسرة سوى تلك الوشائج العاطفية التي يمكن ان تزول هي الاخرى بسهولة في يوم من الايام. اما التيار الثالث (عصر التقنية والتطورالتكنولوجي) فقد احيا الاسرة من جديد، واعاد لها وللبيت الشوكة والعزة المصادرتين، وذلك ان اغلب الناس صاروا اليوم يزاولون اعمالهم في البيت بعد غزوالحاسوب وجهاز الارسال الالكتروني (الفاكس) واجهزة الهاتف المنوعة وذات الامتيازات المختلفة، وغير ذلك من وسائل الارتباط المختصة بمرحلة التيارالثالث... وحينئذ سوف ياخذ الكثير من الاباء في تعليم ابنائهم في البيوت مستعينين بالاجهزة ووسائل الارتباط المتطورة والحديثة، بل يمكن بوساطة ذلك ايضاالقيام برفع الضرورات الطبية ايضا حتى القيام بمثل العمليات الجراحية البسيطة و... في البيت بالاستعانة بالحاسوب الام المتصل بالمراكز الطبية... والحاصل فلو قضى افراد الاسرة اكثر اوقاتهم داخل البيت فانه سوف تستحكم العلاقات العاطفية بينهم ايضا، وبذلك سوف تقوى شوكة الاسرة وتزداد اهميتها بمراتب عما كانت عليه في التيار الثاني...».
الى ان قال: «اني لا اعتقد ولما ذكرت من اسباب ان يكون شيء من تلك الامور هو الاساس في مجتمع المستقبل، بل البيت (الاسرة) هو الذي سوف يكون مركز الحضارة في المستقبل، وفي اعتقادي ان الاسرة سوف تكون في التيار الثالث ذات اهمية مذهلة، وسوف تدب فيها روح جديدة، فان رواج منهج التصنيع والاستهلاك، واتساع رقعة استعمال جميع الالكترونيات، واختراع اساليب حديثة في الاقتصاد، وآلية الصناعة والتصنيع المتزايد، ان في ذلك كله مؤشرات لعودة الاسرة بوصفها الاساس في مجتمع المستقبل، الاسرة التي سوف يكون لها دور فاعل في مضاعفة النشاطات الاقتصادية والتربوية والاجتماعية في المستقبل، لاتحديد تلك النشاطات وتحجيمها»
ان للمراة في البيت الى جانب ما لها من ادوار اخرى ظاهرة وغير ظاهرة دورين اساسيين، نشير اليهما في هذه الدراسة التقييمية:
1- ان المراة تؤدي دور اعادة بناء الشخصية من جديد، ولها القدرة والتاثير الايجابي والمفيد على الرجل، فالاطمئنان والسكينة التي تعطيها المراة للرجل لايمكن استبدالها باي شيء ابدا. يقول «ويل ديورانت»: «ان المراة التي بامكانها تبديل الرجل الخيالي والضائع المتحير الى رجل كله ايثار وعلاقة بالاسرة والاطفال، ان مثل هذه المراة سبب حفظ النوع وبقائه...»
وقد رفع القرآن الكريم الستار عن هذه الحقيقة، وذكر الدور المشروع الذي يمكن للمراة ان تؤديه، قال تعالى: (ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوااليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون)
فالرجل يجد في السكن الى الزوجة الاطمئنان الكبير، وتكون الحياة الزوجية في ظل ذلك كالزورق الذي يصل الى ساحل الامان، ويترك وراءه القلق والمخاوف والاضطراب والحيرة، حينها يتحرر الرجل في تفكيره وحياته من جميع القيود.
ثم ان الاسرة تعط ي الرجال درس المسؤولية والتكاليف والمقررات، حيث تبعث فيهم وبالتدريج حس الشعور بالمسؤولية والالتزام، حتى تجعل من الرجل معتقدا بذلك، كما ان الاسرة تعلم الرجل فن الادارة في اطار صغير ومحدود، وهذا امر في غاية الاهمية ولا نظير له في المؤسسات التعليمية جميعها، فانه يستحيل اعطاء درس الادارة والالتزام بهذا الشكل العيني الملموس، الدرس الانساني والعاطفي في الوقت نفسه.
بناء على ذلك، نجد ان استعداد الرجل وقدرته على اداء دوره الصحيح في المجتمع وغير ذلك مما يتوقع منه من وظائف، نجد ذلك كله يظهر ويبلغ درجة الفعلية في ظل تواجد الرجل الى جانب اسرته وزوجته.
2- الدور المهم الاخر للمراة هو مهمة الامومة ورسالتها، وهذا الدور ايضا من اهم الادوار الاساسية، ومن قواعد الاسرة واركانها في بناء الانسان واعداده،وللرسالة المذكورة التي تحملها الام مراحل طويلة تكون فيها الام وبحق المربية الحقيقية للاولاد من حين انعقاد النطفة في الرحم وحتى مرحلة دخول الطفل الى المدرسة.
كما يكون للام في المراحل اللاحقة، وحتى آخر لحظات عمرها، تاثير جدي على سلوك ابنائها، بالرغم من ان تلك المراحل هي مراحل استقلالهم. ومن الطبيعي فان المرحلة التي تترك فيها الام تاثيرا بالغا هي مرحلة الرضاعة والطفولة، فان ابعاد شخصية الطفل جميعها تكمن في هذه المرحلة التي تكون طويلة نسبيا آعلى يد الام وفي احضانها الدافئة. وفي هذه المرحلة يصل الطفل الى ما ينبغي ان يصل اليه ويستغني بما قد اختزنه من الام من راس مال اساسي وعطاء ثر في هذه المرحلة، كما تكون الاجواء التعليمية ايضا مبنية على الاساس الذي وضعته الام، حيث يمارس الطفل نشاطاته بناء على ذلك. ولذا نجد ان الاسلام قد اكدكثيرا على مرحلة الحمل، وما بعد الوضع، والرضاعة وغيرها، وقد اوصى الامهات بذلك، واصدر بشانه تعليمات ترتبط بفسلجة البدن تشتمل على بيان كيفية الرضاع والطعام المناسب وغير ذلك، كما اصدر بذلك تعليمات نفسية وتربوية لا بد من توفيرها للابناء، وذلك جميعه مؤثر جدا في الدور الاساسي الذي تقوم به المراة في اداء مهمتها ورسالتها الخطيرة (الامومة) في تربيتها للابناء، ذلك ان اجمل ما يمكن للمراة القيام به هو هذا الدور (الفن) الذي يعجز عن ادائه غيرهابمثل هذه الروعة والجمال.
وعليه ف«لا بد من الاعتراف بان قمة الروعة والجمال في العالم تلك المراة التي ترضع صبيها لبن الصحة والسلامة«
وحينئذ، فانه ينبغي على التعاليم التي تريد صالح المراة والدفاع عن حقوقها والوقوف الى جانبها وقفة انسانية اصولية، ينبغي لها ان تلتفت الى عمق هذا البعد - دور الامومة - في حياة المراة، وعدم التضحية به من اجل بعض الامور الاجتماعية سريعة الزوال.
جاء في كتاب «لذات فلسفة»: «كما يمكن ان يكون للمراة نبوغ وابداع في مجال الامومة، فانه يمكن ان يكون لها ذلك النبوغ ايضا الذي للرجل في مجال السياسة والادب والحرب. اما في ما يتعلق بمساواتها للرجل فانه لا يصح الحكم بمساواة ابداع المراة ونبوغها في ذلك المجال لما يتمتع به الرجل من قدرة على اداءمهماته بمهارة... فالابداع انما يكون ابداعا في ما اذا كان للشخص القدرة الكافية على اداء المهمات والوظائف التي وضعتها الطبيعة على عاتقه رجلا كان او امراة.
لقد اكد الاسلام كثيرا على دور الام وعظمته لتستوثق وتستحكم علاقة الابناء بقطب الرحى في الاسرة وتقوى عرى النظام العائلي اكثر فاكثر، كما انه نجد في كلمات المخلصين من المفكرين الذين شغلوا بالهم كثيرا من اجل ايجاد حلول افضل تحسن من الاوضاع في المجتمعات البشرية توصيات كثيرة للنساء بعدم التغافل عن الدور الاصيل (دور الامومة)، كما حذروهن من الوقوع تحت تاثير الاعلام والتهريج في رفع شعار مساواة المراة للرجل لئلا يكون ذلك معوقا وحجرعثرة في طريق ادائها للدور المذكور بصورة تامة وصحيحة، حيث ان ترك العمل بذلك خسارة فادحة يكون من الصعب تفاديها بشيء، تلك الخسارة التي كثيرا مانجد لها نماذج في الاطفال الذين يفقدون حنان الام واحضانها الدافئة، او تلك الاسر التي تهدمت بمعول الطلاق.
«.. ان الفتاة الشابة، ومن اجل ان تكون صالحة لتربية جيل من الابناء النجباء، لا بد من ان تكون قد اعدت نفسها لكسب العلوم والمعارف، لا من اجل ان يكون ابناؤها قضاة او اساتذة فحسب»
ولا بد من اصدار تعليمات للنساء في خصوص دور الامومة والتنبيه على انه اهم ادوار المراة في الحياة، حيث ان تكامل المراة ماديا ومعنويا بل حتى سلامتهاالجسدية ايضا منوط بادائها لهذا الدور.
«... لا يصل جنس الانوثة الى التكامل المطلوب على الاقل في ذوات الثدي الا بعد تعاقب الانجاب. فان العواقر من النساء سريعا ما يصبن بازمة عصبية حادة ربما لا تصاب بها غيرهن من النساء، كما انهن سريعا ما يفقدن الاعتدال النفسي، لكن النساء بصورة عامة لا علم لهن باهمية الانجاب وتاثيره على البدن، ولايدركن ضرورة ذلك من اجل التكامل، وحينئذ فليس من المنطقي عطف نظر المراة عن وظائف الامومة. كما انه لا يصح ان نملي على الشباب من الذكور ما نمليه على الشابات من حيث طريقة التفكير، ونوع الحياة، والاهداف، واختيار القدوة، وغير ذلك».
انه لا ينبغي لنا ان نفسح في المجال امام ما يطرح من شعارات الحرية والمساواة بين المراة والرجل لئلا تتزلزل وتضعف هذه المهمة والرسالة الخطيرة وتذهب باهداف الامومة السامية ادراج الرياح، فان الخوف، الخوف كله مما يحمله مستقبل الحضارة البشرية، وهذا التخوف لفت انظار المفكرين اكثر نحو قضايا الاسرة والدور الاساسي الذي لا بد للنساء من القيام به لكي لا تتزعزع عرى الاسرة، وحتى تتمكن النساء من الامساك بزمام الامور اكثر، وحذار، ثم حذار، من ان تتجاوزالمراة ميادين عملها الى ميادين عمل الرجل متناسية مهمتها ورسالتها الاولى والدور الفاعل لها في الحياة، فان الرسالة والدور اللذين تؤديهما المراة هما اخطرواهم بكثير من اعمال الرجال ومن التقليد الاعمى لهم.
يقول ويل ديورانت: «... عندما يكون الاعلام عن حرية المراة فعلى المطبلين لذلك ان يعلموا ان الرجل لا ينقصه ولا يعوزه شيء، بل المهم هو كون المراة متكاملة... فلو عجزت الطبيعة عن رعاية الاسرة والطفل وحفظهما فما ذلك الا لان المراة قد تناست الطبيعة مدة من الزمان، ولكن لا يدوم الخروج على الطبيعة ابدا» .
العفة الحجاب
السيد علي سادات فخر
يحرص بعض الباحثين على التفكيك بين الحجاب والعفاف من خلال الفصل بين القيم وبين اسلوب تجسيدها على الارض وفي الواقع، لينتهي، عبر ذلك، الى ان الحجاب غير ضروري، وانه من الممكن حفظ العفة من دون حجاب.
هذا البحث يدور، اساسا، حول تحليل هذه الرؤية وتقويم محتواها.
العفاف: المعنيان اللغوي والاصطلاحي
1- المعنى اللغوي: العفاف بفتح العين من العفة، وقال الراغب الاصفهاني في معناها: «العفة حصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة».
وقال عنها الطريحي في «مجمع البحرين»: «كف عن الشيء، اي امتنع عنه، فهو عفيف» .
اما ابن منظور فكتب في «لسان العرب»: «العفة: الكف عما لا يحل ولا يجمل».
وذكر صاحب «اقرب الموارد»: «عف الرجل: كف عما لا يحل ولا يجمل قولا او فعلا وامتنع» .
فاساس العفاف، اذا، هو الكف والامتناع، من دون ان يتضمن المعنى اللغوي اختصاص المعنى بجنس معين، كالمراة مثلا من دون الرجل.
2- المعنى الاصطلاحي: العفاف، في منظومة الفكر الاسلامي، مصطلح له حمولة معنوية خاصة منبثقة عن الايات والروايات، ومن ثم فهو تعبير عن حالة تترافق مع نسق خاص في القول والسلوك.
العَفاف في القرآن
توفر القرآن على استخدام الجذر اللغوي للمصطلح وما يحف به من اشتقاقات، في اربع سور، هي:
1- سورة البقرة، الاية 273، حيث قوله سبحانه: (يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف). العفاف في هذه الاية ضرب من السلوك ينم عن السمو والرفعة، ويومى الى كف النفس والامتناع عن مد يد الحاجة الى الاخرين عن عزة نفس.
2- سورة النساء، الاية السادسة التي تنظم مقاربة اموال اليتامى، وهي تسجل في احدى هذه الحالات: (ومن كان غنيا فليستعفف)، فقد اطلق وصف العفاف على الكف والامتناع في هذه الاية ايضا.
3- سورة النور، الاية 33، حيث قوله سبحانه: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله). فاستخدم «الاستعفاف» هنا بمعنى كبح جماح القوة الجنسية والسيطرة عليها.
4- سورة النور، الاية 60، حيث قوله سبحانه: (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح ان يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة، وان يستعففن خير لهن، والله سميع عليم).
العفاف هو مطلق الكف والامتناع كما يتضح من الاستعمال القرآني في الايات المذكورة، اذ تراه يشمل ايضا التعفف في المضمار الاقتصادي والمالي.
على ضوء ذلك كله، سيكون السؤال: هل العفاف هو حالة باطنية نفسية محض، ما يعني ان لا علاقة له بالصيغة التي تتمظهر فيها هذه الحالة خارجيا، ولا صلة تربطه بالشكل الذي تكتسبه اجتماعيا؟
لا يقر القرآن الكريم مثل هذه الرؤية، بل هناك تركيز على الصيغة الادائية والتعبيرية للحالة، تومى ء الى الاهمية التي يوليها لكيفية تجلي العفاف. ففي الاية الاولى،عني المشهد القرآني بابراز سلوك المسلم الفقير، وبيان مدى حرصه في التصرف على نحو عف كريم لا يوحي بالعوز والحاجة.
اما الاية الثانية فقد وصفت النزو على اموال اليتامى بعدم العفة، في حين عدت الاية الثالثة السيطرة على الغريزة الجنسية وعدم الانزلاق الى هوة الشهوات الجنسية استعفافا. اما الاية الرابعة فقد اوصت النساء المسنات بالعفاف وعدم التبرج فساوقت العفاف ب«الحجاب».
في ضوء ما سبق، يتضح ان للعفاف، من منظور الفكر الاسلامي، تعبيرين: داخلي وخارجي. ففي التعبير الداخلي يعد العفاف حالة نفسية للسيطرة على الشهوة وضبطها، اما في التعبير الخارجي فهو علامات ودلالات تظهر في السلوك والقول لتشير الى الحالة الداخلية التي ينطوي عليها الانسان العفيف.
هذه الدلالة المزدوجة التي تعط ي للعفاف معنى يشمل الكف والامتناع، ويبرز على مستوى المظاهر السلوكية والقولية، لها ما يؤيدها في الروايات الاسلامية.
يكتب الشيخ عباس القمي عن المصطلح في «سفينة البحار»: «ويطلق، في الاخبار، غالبا، على عفة الفرج والبطن وكفهما عن مشتهياتهماالمحرمة».
وعن الامام امير المؤمنين (ع) قوله: «العفاف زهادة» . وكذلك: «العفة تضعف الشهوة» .
بين العفة والشهوة
يشير المحتوى القرآني والروائي الى ان العلاقة التي تنتظم العفة والشهوة هي علاقة تقاطع حاد، وعليه تم تحذير المتدينين بان الشهويين ليسوا اعفاء. لكن يبدوان نظرة بعض المتدينين اقتصرت على جزء من النطاق الذي يشمله معنى الشهوة.
المعنى اللغوي: يسجل الراغب الاصفهاني في «المفردات»: «اصل الشهوة نزوع النفس الى ما تريده، وذلك في الدنيا ضربان صادقة وكاذبة. فالصادقة ما يختل البدن من دونه كشهوة الطعام عند الجوع، والكاذبة ما لا يختل من دونه» .
اما الطريحي في «مجمع البحرين» فقد قال: «الشهوات بالتحريك جمع شهوة، وهي اشتياق النفس الى شيء آخر» .
وجاء في قاموس «دهخدا» الفارسي: انها الميل والرغبة والاشتياق، وشوق النفس وحصول اللذة والمنفعة . وعرفها محمد فريد وجدي بما ياتي:«الشهوة حركة النفس طلبا للملائم» . حيث يلحظ على هذا التعريف احتواؤه الجانب العملي ايضا، ما يكشف عن ان للشهوة معنى عاما.
عندما نصل الى القرآن الكريم نراه قد استعمل «الشهوة» بالمعنى العام ايضا، كما في قوله، سبحانه: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطيرالمقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا) .
المعنى الاصطلاحي: يطلق لفظ الشهوة في الاستخدام الاصطلاحي على طلب اللذة الجنسية وحالة الاشتياق الجنسي عند الانسان. وبذلك، فان هذا الاستخدام يحد الشهوة في اتباع شطر ضئيل من الميول النفسية، على حين يفضي بها التحليل القرآني والروائي الى معنى عام يقابل العفة في معناها العام ايضا. الشهوة، في المعنى العام، هي ميل النفس والسعي الى اشباع ذلك الميل، في مقابل الامتناع والكف عن الاستجابة للميول النفسانية.
الانسان الشهوي واضح في حركته وطبيعة سلوكه ونمط حديثه، وكذلك الانسان العف الذي يحظ ى بالمروءة والاصالة، اذ هو الاخر تبرز آثار عفته على سلوكه وتطفح على كلامه، ولا غرو فكل اناء بالذي فيه ينضح. يكتب الشهيد مرتضى مطهري، في كتابه: «التربية والتعليم في الاسلام» ما نصه: «العفاف هو تلك الحالة النفسانية، وهو يعني كبح جماح القوة الشهوية ووضعها تحت سلطة العقل والايمان. معنى العفاف ان لا يقع المرء ضحية الشره، ولا يكون تحت سلطة القوة الشهوية، ولا يكون في عداد المستسلمين الذين يخضعون بالكامل عند مواجهة شهوة من الشهوات بحيث يسلمون ازمة انفسهم ويصيرون ضحية هذه الغريزة.هذا هو معنى العفاف».
خصائص مفهوم العفاف
يدخل العفاف، بمعنى الكف والامتناع، في علاقة تضاد مع حالة الميل الشهوي والنزوع النفسي، وهو ينطوي على الخصائص الاتية:
1- انه تعبير عن خصلة انسانية.
2- انه تعبير عن حالة داخلية باطنية.
3- ان له مظاهر خارجية تعبر عنه.
4- تبرز المظاهر تلك من خلال النسق السلوكي ونمط الحديث والكلام.
5- لا ينسجم العفاف مع حالة السلوك المضطرب، ولا يتسق مع الدلالات المتناقضة.
6- ينطلق الالتزام بالعفة من موقع العزة والاقتدار، وليس من موقع الضعف والعجز.
يرتبط العفاف، اذا، بدلائل سلوكية، ويقترن بنمط خاص من الكلام والحديث، فلا معنى لوجوده من دون وجود تلك الدلائل والعلامات، ومن ثم لا سبيل الى حفظ العفاف من دون الالتزام بتلك الدلائل ورعاية تلك العلامات. فالعفة ليست امرا داخليا وباطنيا صرفا، بحيث لا تكون لها علامة تدل عليها في الخارج.
عند النظر الى المفهوم، من خلال افق الحياة الانسانية، يلحظ ان جزءا من الاختلاف، في دلالات العفة بين المراة والرجل، يعود الى التفاوت الموجود في الخلقة بين الاثنين، وان الحجاب هو احدى علامات العفاف، حيث لا يمكن تصوره من دون الحجاب. ان المراة او الرجل، اللذين يظهران عاريين او نصف عاريين امام النظار، لا يستحقان وصف العفة، ولا يمكن نعتهما ب«العفاف»، وهما على هذه الصفة. هذا على الرغم من ان الاختلاف في ضروب السلوك الانساني والحيواني لها مناشى ء في اختلاف الفطرة والخلقة من جهة، وفي الميول والانماط السلوكية من جهة اخرى. وفي المنظار السلوكي الاسلامي يعد الحجاب الاسلامي احدى الدلالات البارزة للعفاف .
يكتب الشهيد مطهري، في كتابه: «قضية الحجاب»: «عندما تخرج المراة من البيت، وهي محجبة ومتسربلة بالوقار، تكون قد راعت جانب العفاف، فان الافرادالفاسدين والمتهتكين لا يجرؤون على التعرض لها» .
عند تفسير الاية (61) من سورة «النور» يقول الشهيد مطهري: «يمكن استنباط قانون عام من جملة: (وان يستعففن خير لهن) مفاده: كلما التزمت المراة برعاية جانب الستر والعفاف اكثر، كان ذلك ارضى من منظور الاسلام الذي منح نظامه التشريعي رخصا تسهيلية وارفاقية حيال حكم الوجه والكفين وغيره لها حكم الضرورة. هذا اصل اخلاقي عام لا ينبغي ان يغيب عن الذاكرة» .
في الحقيقة ان «الحجاب» هو دلالة لا محيص عنها على «العفاف»، وهو علامة العفاف. يكتب الشهيد مطهري: «العفة والحياء خصلتان لا ينال منهما التاريخ، فقدآمنت بهما الانسانية جمعاء منذ البدء حتى الان، كما حرصت عليهما الاديان السماوية جميعا، ودعت للالتزام بهما. الشخصيات البارزة، على مر التاريخ، من جهتها، حثت الشريعة الاسلامية على العفة والحياء وركزت عليهما كثيرا، ولا غرو فان هاتين الخصلتين الانسانيتين تؤلفان بعدا من ابعاد فلسفة السترالانساني».
اما عن الباعث الى ارتباط الستر بالحجاب، فان الشهيد مطهري يوضح ذلك بقوله: «العفاف والحياء هما من الخصائص الباطنية للانسان، والحجاب يرجع بدوره الى الشكل الذي يتموضع به الستر ونوعه وطبيعته. وفي هذا السياق يمكن مقاربة المسالة بالتفاوت الموجود بين الباطن والظاهر، وبين الروح والجسد، او الجوهروالصدف. هذان الاثنان هما في نظرنا تعبير عن حقيقتين تحتاج معرفة طبيعة الارتباط في ما بينهما الى الفحص والتامل» .
يذهب الشهيد مطهري الى ان الحجاب والستر هما علامة للعفاف دالة عليه، كما هو واضح من الامور الاتية:
1- عندما يبلغ الاية (59) من سورة «الاحزاب» التي امر الله فيها النبي (ص) ان يامر ازواجه وبناته ونساء المؤمنين ان يلتزمن بالحجاب وان (يدنين عليهن من جلابيبهن)، تراه يكتب: «توفر هذا المقطع على عرض قاعدة عامة تفيد ان على المراة المسلمة ان تتحرك بطريقة بحيث تبدو علائم العفة والوقار واضحة على محياها» .
2- كما يكتب ايضا: «الستر والحجاب هما تكليف فحسب، وعلامة على خصلة انسانية هي العفاف»
3- كذلك: «الحجاب والستر هما علامة العفة» .
4- وكتب ايضا: «يتحدث القرآن عن عفة بنات شعيب، وهن في حال رعي الاغنام وسقيها بين الرجال، كما يثني على عفة مريم في معبد يقصده النساء والرجال للعبادة» . اليست عفة بنات شعيب والسيدة مريم(ع) هي الاحتراز عما ينافي العفاف، والتوفر على الالتزامات الدالة عليه في السلوك وفي نمط القول والحديث؟
5- اخيرا قوله: «ان تمثل الوقار في السلوك الظاهري، وفي انتخاب الحجاب، ينبىء عن العفاف الباطني» .
في الحقيقة، ما لم يتم الجزم قطعيا بالعلاقة ما بين الحجاب والعفاف لا يمكن الحديث عن الارتباط بين «الدالة» و«الواقع» في الاستدلال على الحجاب.
فصل العفاف عن الحجاب
ذكرنا ان للستر علاقة اساسية وثيقة بالعفاف، ومن ثم لا يجوز لانسان ان يكون منحازا للعفاف والحياء، ويكون مخالفا للحجاب في الوقت نفسه. فالحجاب الاسلامي هو الصيغة الاكمل في التعبير عن الالتزام بالعفاف. اما اذا اردنا ان نفصل ما بين الحجاب والعفاف فسيفضي ذلك الى بروز مشكلتين اساسيتين هم ا:
الاولى: الى اي مدى يمكن الاذعان الى حالة الفصل ما بين العفاف والحجاب؟ ثم ما هو ملاك هذه القطيعة؟ وما هو المعيار الذي تقوم عليه؟ وفي حال تجريدالعفاف عن الحجاب فما هي طبيعة الستر الذي ينبغي الالتزام به حفظا لحالة العفاف؟ اجل، يمكن ان نقر بوجود افراد اعفاء وملتزمين لكنهم لا يراعون الحجاب بالصيغة التي امر بها الشارع، بيد ان الامر المهم الذي ينبغي الالتفات اليه: ما هو المدى الذي يمكن ان تبلغه حالة الانفصال هذه والتفكيك ما بين الاثنين؟ .
الثانية: اذا ما تم القبول بحالة القطيعة بين الاثنين والقول بانفصال العفاف عن الحجاب، بحيث لا يكون الحجاب شرطا في العفاف، فعندئذ لا يبقى دليل لوجوب الحجاب على النساء غير تهتك الرجال واهوائهم ونزوعاتهم: «اذا ما كانت النساء عفيفات من دون حجاب، فهل الرجال كذلك؟ وهل سيمتنعون عن التهتك ويكفون عن الابتذال؟» .
لقد نهض الشارع بعملية التشريع لضوابط ستر جسم المراة من خلال مراعاة طبيعة الرجال وتكوينهم النفسي، كما حث الاثنين على التزام جانب العفاف انطلاقامن رؤيته الشاملة الى كينونة المراة والرجل ونظرته السامية اليهما، ليتحول الحجاب الى احد ثوابت احكام الاسلام، بحيث لا يمكن تصور انفصال الحجاب عن العفاف بلحاظ النظرة الى الايات والروايات.
التبرج واثارة الرجال
في اجواء مفعمة بالانحياز الجنسي والتركيز على الفوارق الجسمية بين النساء والرجال، هل يعد الحضور الانثوي للمراة في مجتمع الرجال عن طريق التبرج واظهار المفاتن الجسدية، باعثا لشيوع نظرة انسانية حيال المراة؟ ثم هل يمكن ان يتحول لهاث المراة وراء اظهار مفاتنها والتظاهر بجمالها في مجتمع الرجال وانكفاؤها على نفسها وعزوفها عن ذلك في البيت، الى دال يومىء الى العفاف؟ لا ريب في ان الرؤية التي تقول بامكان تحقيق المراة لحضورها الانساني (وليس الجنسي) في المجتمع من دون الحجاب وبالارتكان الى التبرج، وانها تبقى مع ذلك في اطار العفة وضابطتها، لهي اقرب للسخرية منها الى الكلام الجاد الذي يمكن الدفاع عنه!
لا يمكن للمراة ان تبذل قصارى جهدها في ابراز مفاتن انوثتها للاخرين وتدعوهم الى صفاتها الجنسية باقصى ما تستطيع، ثم هي مع ذلك تطلب من الاخرين الايلتفتوا الى ظاهرها، بل يركزوا على باطنها فحسب، ويروا انها امراة عفيفة! ان مثل هذه المراة لو عادت الى نفسها وفكرت بالامر قليلا لحكمت بعدم عفتها، لان الظاهر هو علامة الباطن، وللحق والباطل دلالات متفاوتة. او يمكن وشم جبهة الحق الوضاءة بعلامة الباطل؟ او هل يمكن ان نبحث عن الحق بالباطل!؟
خداع الرجولة.. عبودية الانوثة!
في عصور ليست بعيدة حبست المراة في البيت بجريرة انها امراة، وربما كانت التضييقات تلك وضروب التشديد هي الباعث الى موقف التساهل واللامبالاة الذي راح يواجه البشرية حاضرا، ويدفع بالمراة للظهور في سوق المزاد العلني. في السابق كان جسد المراة اسير شهوة الرجل ونزعته لممارسة العنف واستخدام القسوة، اما اليوم فقد اضحت روحها هي الاسيرة، اسيرة احابيل رجال تماميين ملات ميولهم الشهوية والتسلطية الغرب وراحت تهدد الشرق. فحتى لو لم يعدجسم المراة رهينا في الحبس فقد صار لعبة تتقاذفها احضان الرجال المتهتكين وتتلاعب بها اهواؤهم، فيما غدت روحها وفكرها رهيني سجون اكبر تمثلهاملذات الرجال الفاسدين.
هل ثم ما يثير الشفقة والسخرية اكثر من ان نطلق على هذا الاسر عنوان «حرية المراة؟» في الحقيقة ان «الفمينيسم» (Feminism)، او النزعة النسوية، ما هي سوى تهمة (وليست واقعا قائما) اخذت باكاليل المراة الغربية المعذبة وراحت تسطو على النساء الشرقيات لتستوعبهن في مداها. والا متى كان الرجل مستعدا للتخلي عن جميع مزاياه الجنسية، ومتى حصل ذلك على مدار التاريخ؟ الم يسط الرجل الحديث على قوة عمل النساء ويستنزف استعداداتهن الخلاقة بالخداع والحيلة،عندما راى ان قوة عمل الرجال لم تعد تفي بمتطلبات تقدمه الصناعي؟ اليس هذا هو ما فعله الرجل الحديث!؟
يكتب الشهيد مطهري: «حيث استطاع الرجل ان يزيل هذا الحاجز الان عبر مسميات خداعة كالحرية والمساواة، فقد وضع المراة في مقدمة اسوا مقاصده واكثرها هبوطا وخبثا. ان عبودية المراة لتبدو للنظار اليوم اكثر من اي وقت مضى».
ا لاسس الفلسفية للعفاف
1- الرؤية الانسانية للانسان: الانسان موجود حر ومختار يستطيع ان ينال بنيته وارادته اعمالا الباعث اليها الحب او العبودية، وان يبادر الى فعاليات بدافع التوجه الى الله وملامسة الفطرة والحس الاخلاقي والنزوع الى الاخر. بيد ان هذا الموجود الحر واقع تحت تاثير قوى داخلية وخارجية تؤدي دورا اساسيا ومصيريا في قراراته. لقد ركزت في الانسان القوة العاقلة، والقوة الشهوية والقوة الغضبية، بحيث يستطيع ان يستفيد على نحو افضل من جميع النعم الالهية والاستعدادات الانسانية المركوزة فيه من خلال منهجية ذكية وعبر الارتكان الى الوسطية والاعتدال.
ان بمقدور الانسان ان يصعد ويرقى حتى يصير عقلانيا كبيرا، كما له ان يهوي ويسقط حتى يكون ضليلا راتعا في الملذات، او ان تتبدل هويته آخر المطاف الى حيوان ضار. ينظر الاسلام الى الانسان نظرة سامية، ويطل عليه من منطلق عقلاني كريم، ومن منظور رباني عزيز، كما يبغي ان لا تقع نظرتي لك تحت تاثيرمكونات اخرى غير المساواة الانسانية والتقوى. فلا ينبغي النظر الى الاخر في مقاييس الرؤية الاسلامية مطلقا من خلال الجنس او العنصر او اللون او الانتماء القومي وما شابه. فالاسلام يواجه جميع الادوات التي تدخل في الاغلب في منافع النزوع الشهوي القائم على اللذة او التفوق العنصري ويعدها غير انسانية.
يعد العفاف اذكى حالة للسيطرة على النفس وافضل اطار لاستعمال القدرة في نطاق الدائرة الشخصية، من خلال الدور الذي ينهض به في ابراز انسانية الانسان والحؤول دون التبرج والتهتك الجنسي.
2- تكامل الانسان: ينبغي الحفاظ على العفاف بوصفه خصلة انسانية خاصة، وان ابرز ابعاد الفلسفة المعنوية للستر والحجاب بين الامم والشعوب، وعلى صعيدالاديان والحضارات، يتمثل في حفظ الخصلة الانسانية المتمثلة بالعفة والحياء. لا يخفي الاسلام انحيازه الى هذه الخصلة الانسانية، وهو يدعو المراة والرجل لرعايتها على السواء بلوغا لحالة الكمال وتحقيقا للفضيلة. كما يحث الزوجين على التزام السلوك الانساني، حيث تاتي في السياق نفسه دعوته الى الممارسة الجنسية واللذة المشروعة، ما بين الزوج والزوجة.
يمنع الاسلام النظرات المريبة غير الانسانية، ويوصي المؤمنين من النساء والرجال بغض النظر ويدعوهم الى النظرة العفيفة، يقول الله سبحانه وتعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم): (وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن).
معطيات العفاف
يهب العفاف الانسان طاقة روحية متميزة لكي يثبت في مواجهة اعاصير الهوى، ولا يضعف امام الميول الهابطة، ويواصل من ثم مساره في منعطفات الحياة حتى يبلغ الكمال. ان الانسان الذي يعتقد بالاصول والقيم يؤمن، في الحقيقة، بالنبع الذي تنبثق منه انواع المحبة جميعها، وتتفجر منه العواطف كافة، وتصدر عنه صنوف الجمال وضروب الحب، والوان الفنون والابداعات. وايمان ركين مستقر كهذا يجعل الانسان كالبنيان المرصوص . ثابتا لا تزعزعه العواصف ولا تنال منه رياح الحرص والطمع، ولا يخضع لنزعات العنف والقسوة.
يا لجلال هذا الانسان وعز وقاره، سيلبث شامخا كالجبل، يند عن قلب وضاء طهور هو كالماء الزلال المتحدر عن عين صافية وسط الجبال. هذه السكينة الباطنية والوداعة الظاهرية تفضي الى العفاف الانساني.
ثم بركات اخرى للعفاف، هي:
1 - السكينة الروحية للفرد والمجتمع (الصحة النفسية): يمكن الحفاظ، من خلال العفاف، على المواهب والحؤول دون هدر الطاقات وتضييع الامكانات، وبالعفاف تتم صيانة المثل والقيم، ويصار الى اعلائها: «حصر اللذة الجنسية، من منظور الاسلام، في النطاق العائلي وممارستها من خلال الزيجات المشروعة، يسهم في ارساء الصحة النفسية للمجتمع ويساعد عليها من زاوية روحية».
في المقابل، يقود التبرج الى ضرب مرتكزات استقرار الاسرة والمجتمع، ويفضي الى اشعال فتيل الاضطراب: «من منظور الاجتماع العائلي تكمن فلسفة السترومنع اللذة الجنسية عن غير طريق الزيجة الشرعية، في ان الزوج القانوني للانسان يتحول على المستوى النفسي الى عنصر اسعاد له، في حين يتبدل هذا الموقع في نظام اللذة المفتوحة، حيث يتحول الزوج القانوني على الصعيد النفسي الى رقيب ومنافس وسجان، ما يؤدي الى ان تقوم اركان مؤسسة الاسرة على اساس العداوة والبغضاء» .
2- استقرار نظام الاسرة: تفضي رعاية العفة في القول والسلوك الى حفظ الاسرة وبقائها سليمة معافاة. هل استطاع اولئك الذين رفعوا مكرا شعار حرية المراة وعمدوا الى فصل الحجاب عن العفة ان يحافظوا على نظام الاسرة واستقرارها عبر جر النساء في الغرب الى التهتك ودفع الرجال نحو التحلل والفساد؟
3- اصلاح المراة «المتشيئة»: للامام الخميني الراحل(قدس سره) تعبير جميل في بيان الرؤية الغربية للمراة بوصفها بضاعة، يقول فيه: «بخصوص المراة، لم يعارض الاسلام حريتها مطلقا، بل على العكس ترى الاسلام يعارض مفهوم «تشيؤ المراة» والتعامل معها ك«شيء»، ومن ثم فان هذا الدين قد اعاد لها شرفها وحيثيتها» .
4- العفاف منشا الثقافة والادب: يمكن اختزال جميع ما تزخر به حياة الانسان من ضروب الجمال ومن جلال الحضارة والثقافة، بكلمة واحدة هي الحب! ان الحب ليستند الى اساطير قلما يمكن بلوغها. فلغة المحبين هي لغة الشعر متوهجة كتوهج قلب العاشق. لغة ملتهبة لا تعرف الجسد، معطاءة تضحي بالحياة، بيدانها تفيض حنانا وعطفا، تثير الرحمة وتجذب اليها حتى قلب المعشوق على قسوته وتبعث على الثناء والاعجاب.
هذه القمم الشاهقة، في الثقافة الشرقية، وبخاصة في الادب الشرقي، وهذه الذرى السامقة التي تتضوع بالعطاء العرفاني والاسلامي، هي رصيد جيل اصيل عفيف ومتحضر ينظر الى الاخر ويتعاط ى معه من زاوية العفة.
تعيش المراة في ايهاب الحشمة والجلال، والرجل ينشد على الدوام الى هذه الحشمة وذاك الجلال اللذين لا يتاتيان بسهولة ولا يتحصلان ببساطة ويسر. في اجواء هذه الحالة، قلما كانت المراة العوبة بيد اهواء الرجل واحابيله، ومن ثم كانت تحظ ى بقيمة اعلى وبمنزلة اكبر.
يطرح الشهيد مطهري هنا السؤال: «هل يصل هذا الاستعداد [الكمالي] الى حالة الفعلية على نحو افضل في ظل مجموعة من الضوابط الاخلاقية التي تهيمن على روح الرجل والمراة بعنوان العفة والتقوى، حيث تكون المراة في اطار هذه الحالة شيئا ثمينا لا يناله الرجل، او يتحقق ذلك افضل في ظل اجواء لا تعيش فيها روح الرجل والمراة من خلال رادع عنوانه العفة والتقوى، ولا وجود فيها لمثل تلك الضوابط اساسا، حيث تكون المراة بيد الرجل في غاية الابتذال؟».
ان المراة لتفقد هذا الجمال الشاعري الغامض بغياب العفة والستر، وتتحول الى سلة مهملات لشهوة الرجال المتهتكين، رجال ليسوا شعراء، بل مجرمون
اسف للاطالة يا احبائى لكن الموضوع هام