بسم الله الرحمن الرحيم
اخوانى اليكم تفسير فاتحة الكتاب للشنقيطى عليه رحمة الله ونفع الامه بعلمه .....................................تفسير سورة الفاتحة.........................
(بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين)
، لم يذكر لحمده هنا ظرفًا مكانيًا ولا زمانيًا . وذكر في سورة الروم أن من ظروفه المكانية: السماوات والأرض في قوله : {وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِى * ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ}، وذكر في سورة القصص أن من ظروفه الزمانية : الدنيا والآخرة في قوله : {وَهُوَ ٱللَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلْحَمْدُ فِى ٱلاْولَىٰ وَٱلاْخِرَةِ}، وقال في أول سورة سبأ : {وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِى ٱلاْخِرَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ} والألف واللام في {ٱلْحَمْدُ} لاستغراق جميع المحامد . وهو ثناء أثنى به تعالىٰ على نفسه وفي ضمْنه أمَرَ عباده أن يثنوا عليه به.
وقوله تعالىٰ : {رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ} لم يبين هنا ما العالمون ، وبين ذلك في موضع آخر بقوله : {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * قَالَ رَبّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا}قال بعض العلماء : اشتقاق العالم من العلامة ، لأن وجود العالم علامة لا شك فيها على وجود خالقه متصفًا بصفات الكمال والجلال ، قال تعالىٰ : {إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لاَيَـٰتٍ لاِوْلِى ٱلاْلْبَـٰبِ}، والآية في اللغة : العلامة .
{ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }
هما وصفان للَّه تعالىٰ ، واسمان من أسمائه الحسنى ، مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة ، والرحمٰن أشد مبالغة من الرحيم ، لأن الرحمٰن هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا ، وللمؤمنين في الآخرة ، و الرحيم ذو الرحمة للمؤمنين يوم القيامة . وعلى هذا أكثر العلماء . وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا . وفي تفسير بعض السلف ما يدل عليه ، كما قاله ابن كثير ، ويدل له الأثر المروي عن عيسى كما ذكره ابن كثير وغيره أنه قال عليه وعلى نبيّنا الصلاة والسلام : الرَّحْمٰنِ رحمٰن الدنيا والآخرة والرَّحِيم رحيم الآخرة . وقد أشار تعالىٰ إلى هذا الذي ذكرنا حيث قال : {ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱلرَّحْمَـٰنُ} ، وقال : {ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ}، فذكر الاستواء باسمه الرحمٰن ليعم جميع خلقه برحمته . قاله ابن كثير . ومثله قوله تعالىٰ : {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَــٰفَّـٰتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ} ؛ أي: ومن رحمانيته : لطفه بالطير ، وإمساكه إياها صافات وقابضات في جو السماء . ومن أظهر الأدلة في ذلك قوله تعالىٰ : {ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْءانَ} إلى قوله : {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} ، وقال : {وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} فخصهم باسمه الرحيم . فإن قيل : كيف يمكن الجمع بين ما قررتم ، وبين ما جاء في الدعاء المأثور من قوله صلى الله عليه وسلم : « رحمٰن الدنيا والآخرة ورحيمهما » .
{مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ }
لم يبينه هنا ، وبينه في قوله : {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدّينِ * يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً} .
والمراد بالدين في الآية الجزاء . ومنه قوله تعالىٰ : {يَوْمَئِذٍ يُوَفّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ} ، أي جزاء أعمالهم بالعدل.
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }
أشار في هذه الآية الكريمة إلى تحقيق معنى لا إلٰه إلا اللَّه ؛ لأن معناها مركب من أمرين : نفي وإثبات . فالنفي : خلع جميع المعبودات غير اللَّه تعالىٰ في جميع أنواع العبادات ، والإثبات : إفراد ربّ السمٰوات والأرض وحده بجميع أنواع العبادات على الوجه المشروع . وقد أشار إلى النفي من لا إلٰه إلا اللَّه بتقديم المعمول الذي هو {إِيَّاكَ} وقد تقرر في الأصول ، في مبحث دليل الخطاب الذي هو مفهوم المخالفة . وفي المعاني في مبحث القصر : أن تقديم المعمول من صيغ الحصر . وأشار إلى الإثبات منها بقوله : {نَعْبُدُ}.
وقد بيّن معناها المشار إليه هنا مفصلاً في آيات أُخر كقوله : {يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ * ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ} ، فصرح بالإثبات منها بقوله : {ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} ، وصرح بالنفي منها في آخر الآية الكريمة بقوله : {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} ، وكقوله : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّـٰغُوتَ} ، فصرح بالإثبات بقوله : {أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ} وبالنفي بقوله : {وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّـٰغُوتَ} ، وكقوله : {فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ} ، فصرح بالنفي منها بقوله : {فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّـٰغُوتِ} ، وبالإثبات بقوله : {وَيُؤْمِن بِٱللَّهِ} ؛ وكقوله : {وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ لاِبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِى بَرَاء مّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ ٱلَّذِى فَطَرَنِى} ، وكقوله : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ} ، وقوله : {وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ءالِهَةً يُعْبَدُونَ} ؛ إلى غير ذلك من الآيات .
{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي لا نطلب العون إلا منك وحدك ؛ لأن الأمر كله بيدك وحدك لا يملك أحد منه معك مثقال ذرة . وإتيانه بقوله : {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، بعد قوله : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يتوكل إلا على من يستحق العبادة ؛ لأن غيره ليس بيده الأمر . وهذا المعنى المشار إليه هنا جاء مبينًا واضحًا في آيات أُخر كقوله : {فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} ، وقوله : {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِىَ ٱللَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} ، وقوله : {رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً} ، وقوله : {قُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ءامَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} ، وإلى غير ذلك من الآيات .
{صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }
لم يبين هنا من هٰؤلاء الذين أنعم عليهم . وبين ذلك في موضع آخر بقوله : {فَأُوْلَـئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مّنَ ٱلنَّبِيّينَ وَٱلصّدّيقِينَ وَٱلشُّهَدَاء وَٱلصَّـٰلِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً} .
تنبيهــان
الأول : يؤخذ من هذه الآية الكريمة صحة إمامة أبي بكر الصدّيق رضي اللَّه عنه ؛ لأنَّه داخل فيمن أمرنا اللَّه في السبع المثاني والقرءان العظيم ــ أعني الفاتحة ــ بأن نسأله أن يهدينا صراطهم . فدلّ ذلك على أن صراطهم هو الصراط المستقيم .
وذلك في قوله : {ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } وقد بيّن الذين أنعم عليهم فعد منهم الصديقين . وقد بيّن صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر رضي الله عنه من الصديقين ، فاتضح أنه داخل في الذين أنعم اللَّه عليهم، الذين أمرنا اللَّه أن نسأله الهداية إلى صراطهم فلم يبق لبس في أن أبا بكر الصديق رضي اللَّه عنه على الصراط المستقيم ، وأن إمامته حق .
الثاني : قد علمت أن الصديقين من الذين أنعم اللَّه عليهم . وقد صرح تعالىٰ بأن مريم ابنة عمران صدّيقة في قوله : {وَأُمُّهُ صِدّيقَةٌ} ، وإذن فهل تدخل مريم في قوله تعالىٰ : {صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ، أو لا ؟
الجواب : أن دخولها فيهم يتفرع على قاعدة أصولية مختلف فيها معروفة ، وهي : هل ما في القرءان العظيم والسنة من الجموع الصحيحة المذكرة ونحوها مما يختص بجماعة الذكور تدخل فيه الإناث أو لا يدخلن فيه إلا بدليل منفصل ؟ فذهب قوم إلى أنهن يدخلن في ذلك ، وعليه : فمريم داخلة في الآية واحتج أهل هذا القول بأمرين :
لأول : إجماع أهل اللسان العربي على تغليب الذكور على الإناث في الجمع .
والثاني : ورود آيات تدل على دخولهن في الجموع الصحيحة المذكرة ونحوها ، كقوله تعالىٰ في مريم نفسها : {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَـٰتِ رَبَّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَـٰنِتِينَ} ، وقوله في امرأة العزيز : {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِى لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَـٰطِئِينَ} ، وقوله في بلقيس : {وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَـٰفِرِينَ} ، وقوله فيما كالجمع المذكر السالم : {قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا} ؛ فإنه تدخل فيه حواء إجماعًا . وذهب كثير إلى أنهن لا يدخلن في ذلك إلا بدليل منفصل . واستدلوا على ذلك بآيات كقوله : {إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَـٰتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ} إلى قوله : {أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} ، وقوله تعالىٰ : {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ} ، ثم قال : {وَقُل لّلْمُؤْمِنَـٰتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـٰرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} ، فعطفهن عليهم يدل على عدم دخولهن . وأجابوا عن حجة أهل القول الأول بأن تغليب الذكور على الإناث في الجمع ليس محل نزاع . وإنما النزاع في الذي يتبادر من الجمع المذكر ونحوه عند الإطلاق . وعقن الآيات بأن دخول الإناث فيها . إنما علم من قرينة السياق ودلالة اللفظ ، ودخولهن في حالة الاقتران بما يدل على ذلك لا نزاع فيه .
وعلى هذا القول : فمريم غير داخلة في الآية وإلى هذا الخلاف أشار في « مراقي السعود » بقوله : (الرجز) وما شمول من للانثى جنف وفي شبيه المسلمين اختلفوا
وقوله : {صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } قال جماهير من علماء التفسير : {ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} ، اليهود و « الضالون » النصارى . وقد جاء الخبر بذلك عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من حديث عدي بن حاتم رضي اللَّه عنه . واليهود والنصارى وإن كانوا ضالين جميعًا مغضوبًا عليهم جميعًا ، فإن الغضب إِنما خص به اليهود ، وإن شاركهم النصارى فيه ، لأنهم يعرفون الحق وينكرونه ويأتون الباطل عمدًا ، فكان الغضب أخص صفاتهم . والنصارى جهلة لا يعرفون الحق ، فكان الضلال أخص صفاتهم .
وعلى هذا فقد يبين أن {ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} اليهود . قوله تعالىٰ فيهم : {فَبَاءو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ} ، وقوله فيهم أيضا : {هَلْ أُنَبّئُكُمْ بِشَرّ مّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} ، وقوله : {إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ} ؛ وقد يبين أن {ٱلضَّالّينَ} النصارى ، قوله تعالىٰ : {وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء ٱلسَّبِيلِ} .