بسم الله الرحمن الرحيم
التعريف بإبليس
ذهب أهل اللغة إلى أن كلمة إبليس مشتقة من الإبلاس يقال: بلس وأبلس الرجل قل خيره وانكسر وحزن ومن رحمة الله يئس، وإبليس لعنه الله أبلس من رحمة الله أي أيس، وقد ذكر القاضي بدر الدين الشبلي أن إبليس إنما سمي بهذا الإسم بعد لعن الله تعالى إياه، وقد تحدث القرآن الكريم عن إبليس وأخبر أنه كان من الجن في قوله تعالى: ﴿إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ سورة الكهف، الآية:49.، يقول ابن كثير: {أي خانه أصله فإنه خلق من مارج من نار وأصل خلق الملائكة من نور كما ثبت في الصحيح (...) فعند الحاجة نضح كل وعاء بما فيه وخانه الطبع عند الحاجة وذلك أنه قد توسم بأفعال الملائكة وتشبه بهم وتعبد وتنسك فلهذا دخل في خطابهم وعصى بالمخالفة، وقد نبه تعالى على أنه من الجن أي على أنه خلق من نار كما قال تعالى: ﴿أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ سورة الأعراف، الآية:11.، قال الحسن البصري:{ ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط رواه ابن جرير بإسناد صحيح عنه}، فإبليس من الجن ولم يكن من الملائكة وإنما كان يتعبد معهم فأصله من نار كأصل الجن وأصل الملائكة من نور ولا يلتفت إلى بعض الآثار، {التي تذكر أن إبليس كان إسمه عزازيل وكان رئيس ملائكة السماء الدنيا وأنه كان من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلة أو أنه كان من حي من أحياء الملائكة، يقال لهم الجن} ابن كثير، يقول ابن كثير: {وقد روي فيها آثار كثيرة عن السلف وغالبها من الإسرائيليات التي تنقل لينظر فيها والله أعلم بحال كثير منها ما قد يقطع بكذبه لمخالفته للحق الذي بأيدينا وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة}.، فالله عز وجل أخبر أن إبليس كان من الجن، ولفظ "من الجن" في هذه الآية يضع إبليس في زمرة الجن وليس أنه أصلهم لأن ذلك لا يتم بالعكس فالعرب تقول: زيد من عمرو أي أن عمرو أبو زيد أو تقول زيد من تهامة فتعني أن زيداً ينتمي إلى تهامة وإن قالت تهامة من زيد فهي تعني أن زيداً أصل تهامة وأنها خرجت منه ويمكن القول أن زيداً من تهامة رغم أنه أصلها إلا أن الأول أرجح لاستبعاد أن يستعمل القرآن هذه الصيغة لو كان إبليس هو أصل الجن، كما تحدث القرآن عن إبليس باعتباره قوة مادية مخلوقاً من نار قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَئِكَةِ اسْجُدُواْ لأدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ *﴾ سورة الأعراف، الآيتان:12-11.، وأخبر كذلك أن له ذرية قال سبحانه: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ج بِئْسَ لِلظَّلِمِينَ بَدَلاً *﴾ سورة الكهف، الآية:50.، والمقصود بذريته هنا أبناؤه الشياطين مع العلم أن كل من إلى إبليس من الجن أو الإنس فهو شيطان.
أسباب هذا العداء وتاريخه
إن العداء بين إبليس وذريته "الشيطان" وآدم وذريته متجذر وقديم، يرجع تاريخه إلى يوم خلق الله تعالى آدم عليه السلام ونفخ الروح فيه، حيث رفض إبليس الأمر الإلهي القاضي بالسجود لآدم سجود تشريف وتكريم لا سجود عبادة قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَئِكَةِ اسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّجِديِنَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فاهْبِطْ مِنْهَا فَماَ يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّغِرِينَ * قَالَ أَنْظِرْنِى إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِى لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لأَتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيْمَنِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ *﴾ سورة الأعراف، الآيات 18-11.، فإبليس جعل سبب طرده من الجنة هو آدم ونسي أن غروره وتكبره كان هو السبب فطلب من الله النظرة ليس ليتوب وإنما لينتقم من آدم وكل ذريته، يقول سيد قطب رحمه الله: "لقد طلب النظرة إلى يوم البعث لا ليندم على خطيئته في حضرة الخالق العظيم ولا ليتوب إلى الله ويرجع عن إثمه الجسيم ولكن لينتقم من آدم وذريته جزاء ما لعنه الله وطرده ويربط لعنة الله له بآدم ولا يربطها بعصيانه لله في تبجح نكير" في ظلال القرآن/ م:4 ج:14 ص:2141 ط:العاشرة1982م.، وكانت الأرض هي ساحة هذه الحرب، واختار عدو الله إبليس لأربع جهات للإيقاع بالإنسان "عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿ثُمَّ لأَتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ أشككهم في آخرتهم ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ أرغبهم في دنياهم ﴿وَعَنْ أَيْمَنِهِمْ﴾ أشبه عليهم أمر دينهم ﴿وَعَن شَمَآئِلِهِمْ﴾ أشهي لهم المعاصي" تفسير القرآن العظيم/ ج:2 ص:195.، وقد حذرنا الله سبحانه من هذا العدو في أكثرهم من آية، منها قوله تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ج إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ *﴾ سورة فاطر، الآية:6.، يقول قطب سيد رحمه الله "إنها لمسة وجدانية صادقة فحين يستحضر الإنسان صورة المعركة الخالدة بينه وبين عدوه الشيطان فإنه يتحفز بكل قواه وبكل يقظته وبغريزة الدفاع عن النفس وحماية الذات يتحفز لدفع الغواية والإغراء ويستيقظ لمداخل الشيطان إلى نفسه ويتوجس من كل هاجسة ويسرع ليعرضها على ميزان الله الذي أقامه له ليتبين، فلعلها خدعة مستترة من عدوه القديم" في ظلال القرآن/ م:4 ج:14 ص2141.