إحياء عادات وتقاليد حضرموت وإنعاش لمهن على وشك الانقراض
القرية أصبحت بمثابة جزء حي يعكس عمق الموروث الحضرمي ومصدر لدخل بعض العوائل والأسر
استطلاع/ وليد محمود التميمي
تصوير/ رشيد بن شبراق
من النادر أن تجتمع آراء البشر وتتفق وجهات النظر حول قضية واحدة وموقف مشترك، لكن هذه القاعدة أو الخاصية تم اختراقها في حالات استثنائية معدودة وفي الوقت ذاته محدودة، من بينها مهرجان البلدة السياحي الخامس، حيث كانت القرية التراثية مثار إعجاب العامة ولفت أنظارهم واستحسانهم.
فعندما تسأل الكبير والصغير، الرجل والمرأة، الفتى والصبية، المواطن العادي والمسئول، الشخص المثقف والأمي أو ذاك الذي بالكاد يفك الخط، عن مفاجأة مهرجان هذا العام يرد في جزء من الثانية القرية التراثية.
لملمنا أوراقنا وأعدينا خطة استقصاء أرجاء المكان، طفنا وجلنا.. ذهابا وإيابا، و أدركنا في نهاية المطاف أنه بإمكانك أن تلمح العجب والعجاب بأم عينيك خلف أسوار القرية التراثية بالمكلا، ففي داخل حرمها الفسيح، غيض من مفيض من تراث وتقاليد حضرموت في فن الطباخة وإعداد المأكولات الشعبية، وصناعة المنسوجات والأزياء التقليدية، والبخور والأدخنة الفواحة العطرة الزكية، و و و.
عندما تجتاز بوابة القرية وسياجها يجذبك منظر الفتيات اللواتي يعجنً الطحين ويشبن النار في الهشيم، ويوقدن الجمر في قاع التنانير، ويلبين الطلبات بتتابع وحماس منقطع النظير، تمد البصر بعينيك، تقطع المسافات بقدميك، لتنغمس أكثر فأكثر في ماضيك تارة، ولتحلق تارة أخرى على بساط سحب أدخنة البخور والند سابرا أغوار تاريخ موغل في القدم، تاريخ تتجلى ملامحه ويسطع بريقه في كل جنب من جنبات القرية، التراثية، التي زرناها ودونا مادة استطلاعنا التالي:
في جناح جمعية الخير لتنمية المرأة بالديس الشرقية عاينا ملبوسات وأزياء صنعتها أيادي رقيقة ومجمسات لمباخر رغم تواضعها أنيقة، وأوعية( تفلة) نبشت في دواخلنا ذكريات أيام زمان، عهد الطفولة والصبا، جلنا بأنظارنا في إرجاء المكان وتحسسنا المعروضات وكلنا آذان صاغية للأخت سلمى مرعي، رئيسة الجمعية التي ردت على تسأولاتنا واستفساراتنا قائلة: لقد شاركنا في القرية التراثية منذ تدشينها بناء على دعوة موجهة من قبل اللجنة الوطنية للمرأة بساحل حضرموت، وقد اشتمل جناحنا في القرية على أعمال يدوية مختلفة معروضة بأسعار رمزية من بينها مجسمات لمداخن تقليدية مطلية بالرنج، و ملبوسات وأزياء بدوية، وبراقع نسائية مطلية بمادة النيل تستخدم داخل المنازل لحماية الوجه من حرارة النار، كما ترتديها النساء اللاتي يرعين الأغنام في البوادي والمرتفعات والأماكن المفتوحة تحت لهيب أشعة الشمس الحارقة.
هذا بالإضافة إلى المراوح اليدوية وزنابيل ومسارف أو تفلة مصنعة من عسف النخيل.
بالنسبة لنوعية قماش الملابس البدوية المعروضة في الجناح فهو مصنوع من مادة الشيت الباردة لكي يرتديها سكان المناطق الحارة كمحافظة حضرموت طبعا.
كما تلاحظون يدير الجناح فتيات عضوات في الجمعية، وعموما فأن أكثر المعروضات شراء ً واستقطابا لإعجاب الزائرين.. المراوح ومقاطر النار التي اضطررنا لاستقدام دفعة ثانية منها نظرا لاتساع حجم الطلب عليها.
جمعية الخير لتنمية المرأة بالديس الشرقية شاركت بفعالية أيضا ً في المعرض التجاري الذي أقيم ضمن فعاليات مهرجان البلدة السياحي الخامس بالمكلا، بجناح ضم معروضات مختلفة أبرزها ملبوسات وألعاب أطفال وفرش، وبنطلونات لمتوسطي الأعمار وتحف وشلات للحلويات ، ومراوح صوف.
في جناح جمعية السعادة النسوية الخيرية، التقينا بالأخت مها صالح البعسي، أمين عام الجمعية، التي كانت منهمكة وزميلاتها في إعداد أطباق من وجبات الطعام الشعبية اللذيذة التي شهدت إقبالا غير اعتيادي على أصنافها المختلفة، وتفرغت لدقائق معدودات للحديث معنا قائلة: نحن نقدم للزبائن أصناف من الطعام الذي يلبي أذواقهم ويشبع نهمهم، فلدينا القهوة الحارة وتمر (مغد)، واكلات صانة لخم وصانة خضرة، وخمير بالذرة، وقضوض بالذرة بدون تخمير، والبر والمسيلي.
وأكثر الأكلات طلبا ً وإقبالا ً الخمير والبر وصانة اللخم، والأسعار إلى حد ما معقولة.
طبعا نحن مشاركتنا في القرية التراثية كان هدفها بالدرجة الأساس تعريف الناس بعادات وتقاليد الحضارم في فن الطباخة والمأكولات، لذلك كان مستوى الإقبال أكثر مما توقعناه حيث تبلغ ذروته بعد الساعة السادسة مساء وقت تناول وجبة العشاء لدى البعض، علما أن لدينا جناحا أخر مستقل خاص بالبخور الحضرمي ونقش الحناء القديمة العادي والخاص بالعرائس.
الحنظل الحضرمي و المستورد
في الجناح الخاص بمحل بلعيد عبيدان في سيئون للمكسرات الشعبية، أدركنا وللمرة الأولى معلومة يجهلها الكثيرون ويفقهها البعض، مفادها أن الحنظل نوعان، مستورد يحمس في حضرموت وهو السائد والأكثر انتشارا في المكلا ويأكل من دون قشور، وحنظل حضرمي يأكل بقشوره ولبه.
ولم تقتصر مشاركة محل بلعيد عبيدان في القرية التراثية على الحنظل بنوعيه فحسب، حيث عرضت كميات وفيرة من اللوز والحلويات المحلية المختلفة، والدجر، والصنبرة، والفل.
وفي جناح أخر خاص بالملابس والأزياء الشعبية والتقليدية، أكد الأخ عبدالله علي سعيد باوزير، أن سعر المنسوجات المعروضة للبيع مناسب، وجلها مصمصه من مادة الشيت وفق الطراز الحضرمي إضافة إلى النقاب بنوعيه المضلع والعادي، وقال أن أكثر المعروضات شراء ً من قبل المغتربين اليمنيين في السعودية والإمارات على وجه التحديد الملبوسات الخاصة بالأطفال التي يحرصون على أن يرتديها أبناؤهم داخل منازلهم في بلد الاغتراب لشدهم وتذكيرهم بموطن الآباء والأجداد والتقاليد الموروثة في المجتمع الحضرمي،
دعوة نوجهها نيابة عن الجميع لمن يهمه الأمر بضرورة الصيانة والحفاظ على القرية التراثية، وجعلها مزارا مفتوحا أمام الناس في المناسبات العامة تحديداً، على اعتبار أنها أصبحت بمثابة جزء حي يعكس عمق الموروث الحضرمي، ومصدر لدخل بعض العوائل والأسر، والإمتاع والترفيه للعامة.
1
2
3
4
5