فضل الكلام الحسن توجد منطقة في الدماغ يسميها العلماء دائرة المكافأة، وقد لاحظوا أن الإنسان عندما يحصل على مكافأة مالية تنشط لديه هذه المنطقة بشكل كبير، وقد لاحظوا في تجاربهم الأخيرة أن الكلمة الطيبة تنشط هذه المنطقة مثلها مثل المكافأة المالية.
فالكلمة الطيبة تؤثر على دماغ الإنسان، وتحدث نفس الأثر الذي تحدثه المكافأة المالية التي يحصل عليها الإنسان بعد بذله لمجهود ما. وربما نتذكر قول الحق تبارك وتعالى عندما أكد لنا أهمية الكلمة الطيبة والقول المعروف، وأنه خير من إنسان يعطي المال لفقير ثم يؤذيه بالكلام فيشعره بفقره وحاجته، يقول تعالى:(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) [البقرة: 263]
ومن هنا ندرك لماذا اعتبر النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم الكلمة الطيبة صدقة نتصدق بها على غيرنا، وهي صدقة لا تكلف شيئاً! فهو عليه الصلاة والسلام فهو(لا ينطق عن الهوى) جاء على موقع(بي بي سي) ما نصه:" قال علماء يابانيون إن الإطراء على الناس له نفس الأثر الذي يحدثه المال من حيث تنشيط مركز المكافأة في المخ. وقد جاء ذلك في دراسة أعدها المعهد الوطني الياباني لعلوم وظائف الأعضاء. وقالت الدراسة إن هذه النتيجة تعزز افتراضاً يقول إن الناس يحصلون على زخم نفسي عندما تكون سمعتهم طيبة"وقال الدكتورنوريهيرو ساداتو من المعهد الوطني الياباني لعلوم وظائف الأعضاء:"إن الدراسة تشير إلى أن السمعة الطيبة تولد نفس الشعور الذي يتولد لدى المرء عند حصوله على مكافأة مالية". وقام هذا الفريق باستخدام آلية لتصوير المخ تعرف باسم التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي. ورصد الباحثون نشاط المخ، حيث وجد أن الإطراء من الغرباء له نفس الأثر الذي يحدثه المال من حيث تنشيط مركز المكافأة في المخ، حيث يشبع المديح عند الإنسان"الحاجة إلى الانتماء". وقال ساداتو إن نتيجة الدراسة تعد خطوة أولى نحو تفسير السلوكيات الاجتماعية البشرية المعقدة مثل إيثار الغير.
وقد تبين بنتيجة سلسلة من التجارب أجريت في مختبرات جامعة ستانفورد أن في دماغ كل منا منطقة تنشط عندما يتلقى الإنسان جائزة أو مكافأة أو مبلغاً غير متوقع من المال، ووجدوا أن النساء أكثر تأثراً بالكلمة الطيبة، وأكثر تفاعلاً معها، ومن هنا ربما ندرك لماذا أوصى النبي الأعظم الرجال بالنساء وليس العكس، قال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم:(استوصوا بالنساء خيراً)! ولذلك نجد أن الإسلام يهتم جداً بالكلمة الطيبة، حتى إن الله تعالى شبَّه الكلمة الطيبة بشجرة عظيمة تعطي الثمار كل سنة، أما الكلمة الخبيثة فهي كشجرة خبيثة ليس فيها ثمار ولا فائدة منها، بل إن أضرارها كثيرة، فهي غير مستقرة، ويمكن أن تقع على الأرض وتؤذي من يقف تحتها، يقول تعالى:(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّه الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) سورة إبراهيم.
فوائد الكلمه الطيبه
1-"ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم".اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة". تصوروا أن كلمات طيبة قد تدخلنا الجنة وتعتق رقابنا من النار ؟ أولا يكون أولى أن الكلمة الطيبة تدفع الأذى عنا في الدنيا من الخلق وتلين قلوب من حولنا وتبلغنا سُبل الصواب.
2- الكلمة الطيبة قد تكون سبباً في هداية شخصٍ من خلقٍ ذميم أو تشيجع أحدهم لبلوغ الطريق المستقيم، فكما قال لقمان الحكيم:"القلوب مزارع فازرع فيها الكلمة الطيبة فإن لم تتمتع بثمرها: تتمتع بخضرها". و(لأن يهدي الله بك رجلا واحداً خير لك من الدنيا وما فيها). ومعنى الهداية في اللغة: هي بلوغ الغاية السليمة أياً كانت هذه الغاية وهداية شخص لن تعود فوائدها على الآخرين وحسب دوننا: لأن(المسلم للمسلم كالبنيان يشده بعضه بعضا) ولأن فائدته الأولى ستعود علينا بالدرجة الأولى مثل:
_ طيب الخاطر والرضا عن النفس.
_ الاطمئنان حين نرى شجر غرسنا وقد أثمر في من حولنا
_ دعوه من قلبٍ صادق أحسنا إليه بطيب الكلام في ظهر الغيب، فجاد علينا معروف دعائه نتزود به حين كل عثرة.
_ الكلمة الطيبة من الأعمال الصالحة التي نتوسل بها إلى الله لتكون سبباً في قبول الدعاء.
_ قد تكون سبباً لدخول الجنة والسكنى بأعلى درجاتها، فقد قال عليه الصلاة والسلام(قد يقول المرء كلمة من رضوان الله عليه لا يلقي لها بالاً يرفع بها في الجنة درجات)
3- الكلمة الطيبة صدقة توازي الصدقة بالأموال، بل وتتعداها لأبعد من ذلك.. صورة رائعة صورها أبو ذر في حديثه حيث قال:(أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم قال: أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون، إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة.
4 - أن الكلمة الطيبة نوع من أنواع البِّر. و البر هو كما ذكر في الآية: قال الله تعالى:(ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون). فالبر لفظ جامع لخصال الخير التي تستهدف مرضاة الله عز وجل، وقد أشارت الآية إلى هذه الخصال جميعاً تصريحاً أو تلويحاً، وهي مع تعدد صورها تنحصر في ثلاث:" صدق العقيدة، وحسن المعاشرة، وتهذيب النفس". لذا أردف ابن عمر رضي الله عنه قائلاً:(إن البر شيء هين، وجه طليق ولسان ليّن)
5- الحرص على الكلمة الطيبة تؤصل المسؤولية في أقوال المسلم من منطلق العمل بـقاعدة(عامل الناس كما تحب أن يعاملوك).
6- الكلمة الطيبة المحتسب أجرها لله بدون مقاصد دنيوية موجبة لرضا الله.. الذي يكون سبباً في محبة الناس لنا، ومن ثم التوفيق في أموره كلها بسبب طلاقة الوجه وحسن الكلام، فمحبة المحسنين إلينا أقوالاً أو أفعالاً مشاعر لا إرادية غريزية فُطر الإنسان عليها كما قالت عائشة رضي الله عنها:(جُبلت النفوس على حُب من أحسن إليها وكُره من أساء إليها) فليكن ديْدنا دوماً كما قال ابن المقفع: اكتبوا أحسن ما تسمعون، واحفظوا أحسن ما تكتبون، تحدثوا بأحسن ما تسمعون فإنسان حيٌ ضعيف: كلمة ترتقي به إلى سابع سماء، وكلمةٌ تهوي به إلى سابع أرض فإذا تجرد قلب الإنسان من طبيعته أصبح إنسانا قاسياً.. وكما قال أرسطو"إن المرء هو أصل كل ما يفعل". فلم نبخل على من حولنا بجود الحديث، ثم نشتكي نحن فاقة من حولنا وجفافهم ونحن من أمسك عنهم مَعين الكلام. ترى ما نسبة هؤلاء بيننا والذين غادرتهم الكلمة الطيبة فأصبحوا قساة: تحجرت قلوبهم لا إرادياً من جسارة الأقوال التي يبادرون بها ولا يبالون، ومن ثم ردود الأفعال التي تقابلها، وتجمدت عواطفهم، وتبعثرت حِكمهم، وغفى الحُلم في جنباتهم، وسيطرت أمراض العصر على أرواحهم، وولجوا عالم القسوة العابثة التي تتلاعب في الإنسان الحر إحساسا وشعورا وجسدا؟! وكل ذلك: بسبب عدم قدرتهم على إتقان فن الحديث والكلمة الطيبة وإسقاطها من اعتباراتهم رغم أنها سمه من سمات ديننا الحنيف، وركيزة من ركائزه، والذي يدخل في جنباتها جوانب عدة من فنون كثيرة، كـ(فن الذكاء الاجتماعي، فن سُرعة البديهة، فن الصمت، فن النصح). وكل فن مما ذكرناه يحتاج لبحث مستقل لوحده لنوفيه حق الحديث عنه ولعله يكفينا فقط معرفة موضع الخلل الأول والأخير والذي يكمن في" اللسان" وكما قال وليام جيمس"إن أعظم اكتشاف هو أن الإنسان يمكن أن يغير حياته إن استطاع أن يغير اتجاهاته العقلية".