[font=arial][size=5]بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله الذي ذلل الأرض لعباده ليسلكوا منها سبلا فجاجا، وجعل منها وإليها تاراتهم الثلاث نباتا وإعادة وإخراجا. دحاها بقدرته فكانت مهادا للعباد،وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد الذي أوضح للخلق منهاجا. وطلع نور هدايته وهاجا. وأنطق بتصديقه الجمادات، وأحيا بدعوته الذمم الباليات، وفجر من بين أنامله ماء ثجاجا.
وبعد :
"عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ما نقصت صدقةٌ من مال ، وما زاد الله عبداً بعفوف إلا عزّاً ، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله ” .
و قال الله تعالي في الحديث القدسي:
" من تواضع لي هكذا وجعل النبي صلي الله عليه وسلم بطن كفه إلي الأرض رفعته هكذا وجعل بطن كفه إلي السماء " رواه أحمد ، والبزار ، والطبراني
فإن العزة والقوة والكبرياء والعظمة لله تعالي هي مختصة بالله عز وجل لا يشاركه في هذه الصفات أحد من خلقه ولا يليق لا أنس ولا جن لا ملك ولا سلطان لا فقير ولا غني ..
فمن نازع الله عز وجل في شئ من هذه الصفات المختصة به جل في عُلاه قذفه في النار وعذبه بها وهذا فيه زجر عن إدعاء العزة والكبرياء والعظمة والقوة فلا يوصف بها علي الإطلاق غير الخالق والبارئ ..
و لهذا ينبغي على المسلم أن يتواضع لله تعالى ..و ضد التواضع الكبرياء ..
الذي عرَّفه لنا خير البرية - صلوات ربي وسلامه عليه - بقوله : ((الكِبرُ بَطَرُ الحقِ وغَمطُ الخَلْقِ ))
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقولُ اللهُ تعالى : الكِبرِياءُ رِدَائي والعَظمَةُ إِزاري فمن نازعني واحِداً منها ألقيتهُ في جهنمَ ولا أبالي" رواه مسلم.
فالتواضع مع الله تعالي يدخلنا في الرفعة "لأن من تواضع لله رفعه" والذين لهم صفة التواضع أي لا يستكبرون عن عبادته تعالي فلهم بعض الالتزامات والمهام ليثبتوا علي هذه الصفة التي نأمل أن نتعايش بها ..
الخالق تعالى أمرهم أن يعبدوه ويتقوه ويخشوه .. والكثير من الأوامر التي لا بد أن تُطاع ونلتزم بها جميعا..
إضاة للأوامر هنالك محرمات .. نهانا البارئ عز وجل عن إتيانها .. بل أكرنا بالإبتعاد عنها قدر المستطاع كما هي حال الشبه حتى نكون متواضعين له سبحانه .. لا المستكبرين عن عبادته ..
" إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ"الأعراف206
إن التواضع لله تعالى خُلُق يتولّد من قلب عالم بالله سبحانه ومعرفة أسمائه وصفاته ونعوت جلاله وتعظيمه ومحبته وإجلاله.
و التواضع هو إنكسار القلب للرب جل وعلا وخفض الجناح والذل والرحمة للعباد، فلا يرى المتواضع له على أحد فضلاً ولا يرى له عند أحد حقاً، بل يرى الفضل للناس عليه، والحقوق لهم قبله.
من التواضع لله سبحانه وتعالى :
1- اتّهام النفس والاجتهاد في علاج عيوبها وكشف كروبها وزلاتها {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا.وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}.
2- مداومة إستحضار الآخرة واحتقار الدنيا، والحرص على الفوز بالجنة والنجاة من النار، وإنك لن تدخل الجنة بعملك، وإنما برحمة ربك لك.
3- التواضع للمسلمين والوفاء بحقوقهم ولين الجانب لهم، واحتمال الأذى منهم والصبر عليهم {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِين}.
4- معرفة الإنسان قدره بين أهله من إخوانه وأصحابه ووزنه إذا قُورن بهم «ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً». رواه مسلم.
5- غلبة الخوف في قلب المؤمن على الرجاء، واليقين بما سيكون يوم القيامة {وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ}.
6- التواضع للدين والاستسلام للشرع، فلا يُعارض بمعقول ولا رأي ولا هوى.
7- الانقياد التام لما جاء به خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم، وأن يُعبد الله وفق ما أمر، وأن لا يكون الباعث على ذلك داعي العادة.
8- ترك الشهوات المباحة، والملذّات الكمالية احتساباً لله وتواضعاً له مع القدرة عليها، والتمكن منها «من ترك اللباس تواضعاً لله وهو يقدر عليه، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيّره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها». رواه أحمد والترمذي.
9- التواضع في جنب الوالدين ببرّهما وإكرامهما وطاعتهما في غير معصية، والحنو عليهما والبِشْرُ في وجههما والتلطّف في الخطاب معهما وتوقيرهما والإكثار من الدعاء لهما في حياتهما وبعد مماتهما {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}.
10- التواضع للمرضى بعيادتهم والوقوف بجانبهم وكشف كربتهم، وتذكيرهم بالاحتساب والرضا والصبر على القضاء.
11- تفقّد ذوي الفقر والمسكنة، وتصفّح وجوه الفقراء والمحاويج وذوي التعفف والحياء في الطلب, ومواساتهم بالمال والتواضع لهم في الحَسَب، يقول بشر بن الحارث: "ما رأيت أحسن من غني جالسٍ بين يدي فقير".
* و إن من أعظم صور التواضع لله هي الصلاة .. الصلاة التي فيها نسجد لربنا سبحانه وتعالى .. والسجود أقوى برهان .. وأجل دليل يؤكد تواضع الخلق للخالق .. سبحانه وتعالى ..
فما أجمل التواضع، به يزول الكِبَرُ، وينشرح الصدر، ويعم الإيثار، وتزول القسوة والأنانية والتشفّي وحب الذات.
فاللّهم أرزقنـــــــــا التواضع وارضى عنّـــــــــــآ ..؟
والحمد لله رب العالمين