بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الطاهر الأمين
الحج: هذه الفريضة العظيمة
قال الله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}. سورة الحج/27-28-29
ما إن ودّعنا منذ فترة شهر رمضان المبارك شهر الخير والبركة حتى بدأت فريضة كريمة عظيمة أخرى تطل علينا ألا وهي فريضة الحج التي فيها كل الخير والمنفعة، والتي بها ينفتح باب واسع للإنابة والتوبة إلى الله.
وقد أخذت تثور في نفوس كثير من المسلمين نوازع الشوق لأداء فريضة الحج المباركة، يتدفقون من كل حدب ومن كل صوب في أطراف المعمورة بالبر والجو والبحر قاصدين الديار المقدسة في بلاد الحجاز للتلاقي بعضهم مع بعض في رحاب منزل الوحي ويطوفوا حول الكعبة الشريفة مهللين ومكبرين ويحدوهم رجاء واحد هو طلب رضى الله سبحانه في المكان الذي جعله مثابة للناس وأمنا.
بلادَ الهدى والجودِ والوحي والندى ** ومهدَ الكتاب المستطابِ الممجَّدِ
تهادَوا إلى ساح كريم مطهر ** تنادَوا لديه من مسُودٍ وسيدِ
ومن ثم متابعة السير إلى المدينة المنورة لزيارة الحبيب المصطفى الذي محى الله بنور هديه الظلمات.
إلى طيبةٍ أهدي سلامي وإعظامي ** ونشوةَ أشواقي وجذوةَ إلهامي
إلى المسجدِ المقصودِ من كل زائر ** ومن كل عَبّاد ومن كل قَوّامِ
إلى المصطفى في قبره سيدِ الورى ** وصفوةِ خلق الله والمثلِ السامي
ما أجمله من منظر حين نودع الأهل والأحباب والأصدقاء المتوجهين إلى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج وهم يرددون وقت رحيلهم هتافاً خاشعاُ ومؤثراً "لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك لاشريك لك" وكيف لا تفرح القلوب وتسر النفوس ومكة دوحة الإيمان وأرض الإيمان. أحبّ أرض الله إلى الله، منها دوى صوت الحق وامتد نور الهدى يبدد ظلمات الشرك والضلال ليملأ الأرض نوراً وعدلاً.
من هذه البقعة الكريمة انطلقت قوافل الفتح ومواكب الإيمان تدك معاقل الوثنية والإشراك وتفتح الدنيا بهدي القرآن.
الحج أمر من أهم أمور الإسلام
وإنّ الحج أمر من جملة أهم أمور الإسلام كالصلاة والصيام والزكاة فقد قال عليه الصلاة والسلام: "بني الاسلام على خمس: شهادةِ أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله وإقامِ الصلاة وإيتاءِ الزكاة وحجِ البيت وصومِ رمضان" رواه البخاري، ويجب الحج والعمرة مرة واحدة في العمر على المسلم البالغ العاقل الحر المستطيع بما يوصله ويرده إلى وطنه فاضلاً عن دَينه ومسكنه وكسوته اللائقين به ومؤنة من عليه مؤنته مدة ذهابه وإيابه.
من فوائد الحج العظيمة
وفي الحج فوائد عظيمة ومزايا جليلة لو أدرك كثير من المسلمين مغزاها وقدَّروا جمالها لتسابقوا إليها واغتنموا الفرصة للتشرف بحج بيت الله الحرام وزيارة قبر خير الأنام.
1- وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حجّ فلم يرفُث ولم يفْسُق خرج من ذنوبه كيوم ولدَته أمه" رواه البخاري. فينبغي على الحاج أن تكون له وقفة توبة ومحطة تزود بالتقوى والعمل الصالح.
2- وهناك يجتمع مئات الآلاف من المسلمين على اختلاف ألوانهم وتباين لهجاتهم، يجتمعون تحت كلمة لا إله إلا الله، وهناك يدعون ربهم ويتعارفون ويأتلفون ويصبحون بنعمة الله إخواناً.
3- ويقف الجميع متجردين من مباهج الحياة الدنيا: صغيرهم وكبيرهم، غنيهم وفقيرهم، شريفهم وحقيرهم كلهم عند الله سواء لا يتفاضلون إلا بالتقوى كما أخبر الحبيب المعلم المرشد صلى الله عليه وسلم: "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى". رواه الطبراني.
4- وفي الحج تمرين للإنسان على الصبر وتحمل المشاق والمصاعب.
5- وفي الحج تعاون على البر وتنافس على عمل الخير.
وحسبنا أنّ الحج فريضة عظيمة مباركة، فطوبى لمن حج واعتمر ورجع طاهرا من كل ذنب نظيفاً من كل دنس وظل على توبته حتى توافيه المنية.
أخي المسلِم، اسأل الله عز وجل أن يجعلك من حجاج البيت العتيق الطاهر هذا العام ومن زوار حبيبه المصطفى، ومن التائبين الراشدين الذين لا تفارقهم مخافة الله طرفة عين.