خروج المرأة لزيارة والديها وأقاربها بدون إذن الزوج
ما الحكم الشرعي في زوجة تركت بيت الزوجية لتعيش في بيت بالإيجار مع بعض أولادها تفاديا لضرب الزوج لها بسبب مرضه النفسي الشديد ؟ مع العلم بأن تأجير البيت كان بعلم الزوج ، وقد مضى على هذا الحال سنة وخمسة أشهر ؟!!
وما حكم خروج الزوجة للمناسبات الاجتماعية ومواصلة الأهل والأقارب ، وعادة ما يكون خروجها للمناسبات برفقة أحد بناتها أو أولادها ؟.
الحمد لله
إذا كان خروج الزوجة من بيتها ، وسكنها في بيت آخر بإذن زوجها ، فلا حرج في ذلك ، إذا انتقلت إلى مكان تأمن فيه على نفسها وأولادها ، وكذلك إذا كان خروجها اضطرارا ، تفاديا لضرب زوجها الناتج عن مرضه النفسي الشديد .
والأصل أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه ، فإن خرجت دون إذنه ، كانت عاصية ناشزا ، تسقط نفقتها ، وتأثم بذلك . لكن يستثنى حالات الاضطرار ، وقد مثّل لها الفقهاء بأمثلة ، منها إذا خرجت للطحن أو الخبز أو شراء ما لا بد منه ، أو خافت من انهدام المنزل ، ونحو ذلك . "أسنى المطالب مع حاشيته" (3/239).
وقال في "مطالب أولي النهى" (5/271) : " ( ويحرم خروجها ) أي الزوجة : ( بلا إذنه ) أي : الزوج ( أو ) بلا ضرورة كإتيانٍ بنحو مأكل ; لعدم من يأتيها به " انتهى .
ومن هذا يعلم حكم خروجها للمناسبات الاجتماعية ومواصلة الأهل والأقارب ، فلا تفعل ذلك إلا بإذنه ، سواء كانت تسكن معه ، أو في بيت مستقل .
واختلف الفقهاء في زيارة الزوجة لوالديها خاصة ، هل للزوج أن يمنعها من ذلك ، وهل يلزمها طاعته .
فذهب الحنفية والمالكية إلى أنه ليس له أن يمنعها من ذلك .
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه له أن يمنعها ، ويلزمها طاعته ، فلا تخرج إليهما إلا بإذنه ، لكن ليس له أن يمنعها من كلامهما ولا من زيارتهما لها ، إلا أن يخشى ضررا بزيارتهما ، فيمنعهما دفعا للضرر .
قال ابن نجيم (حنفي) : " ولو كان أبوها زمِنا مثلا وهو يحتاج إلى خدمتها والزوج يمنعها من تعاهده ، فعليها أن تعصيه مسلما كان الأب أو كافرا , كذا في فتح القدير . وقد استفيد مما ذكرناه أن لها الخروج إلى زيارة الأبوين والمحارم ، فعلى الصحيح المُفتى به : تخرج للوالدين في كل جمعة بإذنه وبغير إذنه ، ولزيارة المحارم في كل سنة مرة بإذنه وبغير إذنه " انتهى من "البحر الرائق" (4/212).
وقال في "التاج والإكليل على متن خليل" (مالكي) (5/549) : " وفي العُتْبية : ليس للرجل أن يمنع زوجه من الخروج لدار أبيها وأخيها ، ويُقضى عليه بذلك ، خلافا لابن حبيب . ابن رشد : هذا الخلاف إنما هو للشابة المأمونة , وأما المتجالّة فلا خلاف أنه يُقضى لها بزيارة أبيها وأخيها , وأما الشابة غير المأمونة فلا يقضى لها بالخروج " انتهى .
والمتجالة هي العجوز الفانية التي لا أرب للرجال فيها . "الموسوعة الفقهية" (29/294).
وقال ابن حجر المكي (شافعي) : " وإذا اضطرت امرأة للخروج لزيارة والدٍ أو حمام خرجت بإذن زوجها غير متبرجة ، في ملحفة وثياب بذلة ، وتغض طرفها في مشيتها ، ولا تنظر يمينا ولا شمالا ، وإلا كانت عاصية " انتهى من "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/78).
وقال في "أسنى المطالب" (شافعي) (3/239) : " وللزوج منع زوجته من عيادة أبويها ومن شهود جنازتهما وجنازة ولدها ، والأولى خلافه " انتهى .
وقال الإمام أحمد رحمه الله في امرأة لها زوج وأم مريضة : " طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها " انتهى من "شرح منتهى الإرادات" (3/47).
وقال في الإنصاف (حنبلي) (8/362) : " لا يلزمها طاعة أبويها في فراق زوجها , ولا زيارةٍ ونحوها . بل طاعة زوجها أحق ".
وسئلت "اللجنة الدائمة للإفتاء" : " ما حكم خروج المرأة من بيت زوجها من غير إذنه ، والمكث في بيت أبيها من غير إذن زوجها ، وإيثار طاعة والدها على طاعة زوجها ؟
فأجابت : لا يجوز للمرأة الخروج من بيت زوجها إلا بإذنه ، لا لوالديها ولا لغيرهم ؛ لأن ذلك من حقوقه عليها ، إلا إذا كان هناك مسوغ شرعي يضطرها للخروج "
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (19/165).
ومما يدل على اشتراط إذن الزوج في زيارة الأبوين : ما جاء في الصحيحين في قصة الإفك ، وقول عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم : " أتأذن لي أن آتي أبوي ". البخاري (4141) ومسلم (2770).
قال العراقي في "طرح التثريب" (8/58) : " وقولها : { أتأذن لي أن آتي أبوي : } فيه أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلا بإذن زوجها بخلاف ذهابها لحاجة الإنسان فلا تحتاج فيه إلى إذنه كما وقع في هذا الحديث " انتهى.
ومع ذلك فإن الأولى للزوج أن يسمح لزوجته بزيارة والديها ومحارمها ، وألا يمنعها من ذلك إلا عند تحقق الضرر بزيارة أحدهم ، لما في منعها من قطيعة الرحم ، وربما حملها عدم إذنه على مخالفته ، ولما في زيارة أهلها وأرحامها من تطييب خاطرها ، وإدخال السرور عليها ، وعلى أولادها ، وكل ذلك يعود بالنفع على الزوج والأسرة .
وأما ما جاء في السؤال من أن خروجها يكون برفقة أحد بناتها أو أولادها ، فننبه هنا إلى أن المكان الذي تحتاج في وجودها فيه إلى محرم ، لا يكفي فيه مجرد وجود الولد أو البنت الصغيرين ، بل لا بد من محرم تتحقق بوجوده المصلحة الشرعية .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
( ذكر أهل العلم أن من شرط المحرم أن يكون بالغا عاقلا ؛ فإذا بلغ الرجل خمسة عشر عاما ، أو نبت له شعر العانة ، أو أنزل المني باحتلام أو غيره ، فقد بلغ ، وصح أن يكون محرما إذا كان عاقلا .. ) [ فتاوى علماء البلد الحرام ص (1121) ] .
نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين .
والله أعلم .