قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عبّاد بن عبد الله بن الزُّبير، عن أبيه عبّاد، عن عائشة، قالت: "لما أرادوا غَسْل رسول الله-صلى الله عليه وسلم–اختلفوا فيه. فقالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله-صلى الله عليه وسلم–من ثيابه كما نُجرد موتانا، أو نغسِّله وعليه ثيابه؟ قالت: فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم، حتى ما منهم رجل إلا ذقنه في صدره، ثم كلّمهم مكلّم من ناحية البيت لا يدرون من هو: أن غسلوا النبيَّ وعليه ثيابه، قالت: فقاموا إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فغسّلوه وعليه قميصه، يصبّون الماء فوق القميص، ويدلكونه والقميص دون أيديهم). سنن أبي داود في الجنائز (3141) وغيره، وابن هشام (4/313).وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم(2693) (2/607).
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: "اجتمع القومُ لغسل رسول الله-صلى الله عليه وسلم– وليس في البيت إلا أهله عمه العباس بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، والفضل بن عباس، وقثم بن عباس، وأسامة بن زيد, وصالح مولاه, فلما اجتمعوا لغسله نادى من وراء الناسِ أوس بن خولى الأنصاري، أحد بني عوف بن الخزرج، وكان بدرياً علي بن أبي طالب فقال: يا علي ننشدك الله وحظنا من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فقال له علي بن أبي طالب: أدخل فحضر غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم– ولم يلِ من غسله شيئاً، فأسنده عليٌّ إلى صدره، وعليه قميصه وكان العباسُ وفضل وقثم يقلبونه مع عليّ وكان أسامة وصالحٌ مولاه هما يصبان الماء وجعل عليٌ يغسله ولم يرَ من رسول الله-صلى الله عليه وسلم– شيءُ مما يرى من الميت، وهو يقول: بأبي وأمي ما أطيبك حياً وميتاً، حتى إذا فرغوا من غسل رسول الله-صلى الله عليه وسلم –وكان يغسل بالماء والسدر جففوه ثم صُنع له به ما يصنع بالميت، ثم أدرج في ثلاثة أثواب ثوبين أبيضين، وبردِ حبرة, ثم دعا العباس رجلين فقال ليذهب..".
وروى البيهقي عن عبد الملك بن جُريج قال: "سمعت محمد بن علي أبا جعفر قال: غُسل النبي-صلى الله عليه وسلم–بالسدر ثلاثاً أو غُسل وعليه قميص وغُسل من بئرٍ، يقال لها الغرس بقباء، كانت لسعد بن خيثمة، وكان رسول الله-صلى الله عليه وسلم – يشرب منها, وولى غسله علي, والفضل يحتضنه, والعباس يصبُّ الماء فجعل الفضل يقول: أرحني قطعت وتيني، إني لأجد شيئاً يترطل عليَّ أي يتلين عليّ). "ذهول العقول" (49).
وقال سيف بن عمر عن ابن عباس قال: لمّا فُرغ من القبر وصلّى الناسُ الظهر أخذ العباس في غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فضرب عليه كلةً من ثياب يمانية صفاقٍ في جوف البيت، فدخل الكلَّة ودعا علياً والفضل فكان إذا ذهب إلى الماء ليعُاطيها دعا أبا سفيان بن الحارث فأدخله، ورجالُ من بني هاشم من وراء الكلَّة ومن أدخل من الأنصار حيث ناشدوا أبي وسألوه، منهم أوس بن خولى-رضي الله عنهم أجمعين- ثم قال: سيف عن ابن عباس، فذكر ضرب الكلَّة، وأن العباسَ أدخل فيها علياً والفضل وأبا سفيان بن الحارث، وأسامة ورجال من بني هاشم من وراء الكلة في المبيت فذكر أنهم ألقى عليهم النعاس فسمعوا قائلاً يقول: لا تغسلوا رسول الله-صلى الله عليه وسلم– فإنه كان طاهراً. فقال العباس: إلا، بلى وقال أهلُ البيت: صدقَ، فلا تغسلوه، فقال العباس: لا ندع سنة لصوتٍ لا ندري ما هو وغشيهم النعاس ثانيةً فناداهم: أن غسلوه وعليه ثيابهُ، فقال أهلُ البيت: ألا لا. وقال العباس: ألا نعم، فشرعوا في غسله، وعليه قميص، ومجولٌ مفتوح – أي صدرية- فغسلوه بالماء القُراح، وطيبوه بالكافور في مواضع سجوده ومفاصله واعتَصر قميصه ومجوله، ثم أدرج في أكفانه، وجمروه عوداً ونداً ثم حملوه حتى وضعوه على سريره وسبحوه وهذا السياق فيه غرابة جداً. ( ذهول العقول:50)
وغسل-صلى الله عليه وسلم–ثلاث غسلات الأولى بالماء القراح–أي الخالص- م يخالطه كافور ولا حنوط ولا غير ذلك.
والثاني: بالماء والسدر.
والثالثة: بالماء والكافور.
قال صاحب كتاب ذهول العقول بوفاة الرسول:
وقد كان العباسُ حين دخل الكلة للغسل قعد متربعاً وأقعد علياً متربعاً متواجهين وأقعد النبي-صلى الله عليه وسلم–على حجورهما فنودوا أن أضجعوا رسول الله-صلى الله عليه وسلم–على ظهره، ثم اغسلوا واستروا فثاروا عن الصفيح وأضجعاه، فقربا رجل الصفيح وشرقا رأسه، ثم أخذوا في غسله وعليه قميصه ومجوله مفتوحُ الشق ولم يغسلوه إلاّ بالماء القُراح وطيبوه بالكافور، ثم اعتُصر قميصه ومجوله، وحنطوا مساجده ومفاصله ووضؤوا منه وجهه وذراعيْه وكفيه، ثم أدرجوا أكفانه على قميصه، وجمّروه عوداً ونداً ثم احتملوه حتى وضعوه على سريره وسبَّحوه). راجع:"ذهول العقول" (143-144).
هل جُرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم – من ثيابه:
روى ابن سعدٍ عن عليّ، وأبو داودَ ومسدد، وأبو نعيم وابن حبَّان والحاكم والبيهقي وصححه الذهبي عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: "لمَّا أرادوا غَسل رسول الله-صلى الله عليه وسلم–اختلفوا فيه، فقالوا: والله ما ندري كيف نصنع أنجردُ رسول الله-صلى الله عليه وسلم–ثيابه كما نجردُ موتانا، أم نغسله وعليه ثيابه، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم، حتى ما منهم رجُل إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن غسلوا رسول الله-صلى الله عليه وسلم– وعليه ثيابه، فقاموا إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم–وعليه قميصه فغسلوه يفاض عليه الماء والسدر فوق القميص, ويدلكونه بالقميص دون أيديهم (فكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه). أخرجه الحاكم (3/59) والبيهقي في الدلائل (7/242).
وروى ابن ماجه عن بريدة-رضي الله عنه– قال: (لمّا أخذوا في غُسل سول الله-صلى الله عليه وسلم – ناداهم منادٍ من الداخل أن لا تنزعوا عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم – قميصه). ابن ماجه (1466). وضعفه البوصيري في الزوائد. وقال عنه الألباني منكر "راجع ضعيف ابن ماجه للألباني (316).
وقال الصنعاني في خلاف الصحابة حول غسله-صلى الله عليه وسلم -: (وفي هذه القصة دلالة على أنه - صلى الله عليه وسلم – ليس كغيره من الموتى). راجع:" سبل السلام" (2/93) ا.هـ
وذلك؛ لأنه لم يُجرد من ثيابه كما يفعل بغيره من الموتى. قال ابن الأثير: "وفي صفته-عليه السلام-أنه كان: (أنور المتجرد) أي ما جُرد عنه الثياب من جسده وكشف." النهاية (1/256) ا.هـ. راجع:مرض النبي - صلى الله عليه وسلم – ووفاته أثر ذلك على الأمة (خالد أبو صالح) (139).
من تولى غسله:
قال ابن إسحاق: فلما بويع أبو بكر-رضي الله عنه-، أقبل الناس على جهاز رسول الله-صلى الله عليه وسلم – يوم الثلاثاء، فحدثني عبد الله بن أبي بكر وحسين بن عبد الله وغيرهما من أصحابنا: أن عليّ بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، وقُثَم بن العباس، وأسامة بن زيد، وشُقران مولى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، هم الذين ولوا غسله، وأنّ أوس بن خولي أحد بني عوف بن الخزرج، قال لعليّ بن أبي طالب: أنشدك الله يا عليّ وحظنا من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وكان أوس من أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم– وأهل بدر، قال: ادخل، فدخل فجلس، وحضر غسْل رسول الله-صلى الله عليه وسلم -، فأسنده عليّ بن أبي طالب إلى صدره، وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه معه، وكان أسامة بن زيد وشُقران مولاه، هما اللذان يصبان الماء عليه وعليُّ يغسله قد أسنده على صدره، وعليه قميصه يدلكه به من ورائه، لا يُفضي بيده إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم – وعلي يقول: بأبي أنت وأمي، ما أطيبك حيّاً وميتاً، ولم يُرَ من رسول الله-صلى الله عليه وسلم – شيء مما يُرى من الميت). تاريخ الطبري (3/211، 292) وطبقات ابن سعد (2/277) وله شاهد في سنن ابن ماجه في كتاب الجنائز (2467). باب ما جاء في غسل النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وروى ابن سعد وأبو داود والبيهقي والحاكم وصحّحه عن علي - رضي الله عنه – قال: غسلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئاً، وكان طيباً حيَّاً وميتاً, وولي دفْنه وإخباءه دون الناس أربعة علي والعباس والفضل، وصالح مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ولحد رسول الله لحداً ونُصب عليه اللبن نصباً) البيهقي في الدلائل (7/244) وابن سعد (2/214).
وروى ابن سَعْد عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال: غَسَّل رسول الله - صلى الله عليه وسلم – عليُّ والفضلُ، وأسامةُ بن زيد وشقران، وولي غسل سفلته عليّ والفضل محتضنُه، وكان العباس وأسامة بن زيد وشقران يصبُّون الماء. أخرجه ابن سعد في الطبقات (2/213).
كيفية غَسْله:
روى ابن سعدٍ عن عليِّ، وأبو داود ومسدّدُ، وأبو نعيم, وابن حبان, والحاكم, والبيقهي وصححه الذهبي عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: لمَّا أرادُوا غَسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم – اختلفوا فيه، فقالوا: والله ما ندري كيف نصنعُ أنجردُ رسول الله-صلى الله عليه وسلم– ثيابه كما نجرد موتانا، أم نُغسله وعليه ثيابُه، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم، حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن غسلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وعليه ثيابه فقاموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وعليه قميصه فغسلوه يفاض عليه الماء والسدر فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديمهم (فكانت عائشة تقول: لو استقلبت من أمري ما استدبرت ما غسله إلاّ نساؤه). رواه الحاكم (3/59) والبيهقي في الدلائل (7/242).
وعن ابن عباس-رضي الله عنه– قال: لمَّا مات رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: اختلف الذين يُغسلونه فسمعوا قائلاً يقول: لا يدرون من هو: اغسلوا نبيكم وعليه قميصُه، فغُسِّل رسول الله-صلى الله عليه وسلم – في قميصه، وقالت عائشة: لو استقبلت من أمري ما استدبرتُ ما غسَّلَ رسول الله-صلى الله عليه وسلم – إلا نساؤه). أخرجه أبو داود (2/214) (3141)، كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل النبي-صلى الله عليه وسلم-.
وقال عليُّ: فما تناولت عضواً إلا كأنما يقلّبه معي ثلاثون رجلاً حتى فرغتُ من غسله). البيهقي (7/244) وابن سعد (2/213).
وروى ابن سعد عن عبد الله بن الحارث: أن عليّاً غسَّل رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فجعل يقول: "طبت حياً وميتاً، وقال: وسطعتْ ريحٌ طيبة لم يجدوا مثلها قطّ". ابن سعد (2/214-215).
وروى البيهقي عن عبد الملك بن جُريج قال: سمعت محمدَ بن علي أبا جعفر قال: غُسِلَ النبي- صلى الله عليه وسلم – بالسدر ثلاثاً، أو غُسل وعليه قميص وغسل من بئرٍ، يقال لها: الغرس، بقُباء كانت لسعيد بن خيثمة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يشرب منها، وولي غسله علي والفضل يحتضنه، والعباس يصبّ الماء فجعل الفضلُ يقول: أرخي قطعت وتيني، إني لأجد شيئاً يترطَّل عليّ أي يتلين علي. ( ذهول العقول: 49).
وقال الواقدي: عن عمر بن عبد الحكم قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم– نعمَ البئرُ بئرُ غرس هي من عيون الجنة، وماؤها أطيب المياه، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم – يستعذب له منها، وغُسل من بئر غرسٍ. المرجع السابق (50).
وروى ابن ماجه عن علي-رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أنا متُّ فاغسلوني بسبع قربٍ من بئر غرس). سنن ابن ماجه رقم (1468)، كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل النبي –صلى الله عليه وسلم-.
وعن عبد الواحد بن أبي عوانٍ قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم– لعلي: (اغسلني إذا متُّ) فقال: يا رسول الله، ما غسُّلتُ ميتاً قط! قال: إنك ستهيأْ أو تُيسرُ، قال علي: فغسلته مما آخذُ عضواً إلا تبعني، والفضلُ آخذٌ بحضنه يقول: أعجل يا عليٌ، انقطع ظهري). أخرجه ابن سعد في الطبقات (2/215).
وروى الإمام أحمد عن ابن عبَّاس-رضي الله عنه – قال: اجتمع القوم لغُسل رسول الله-صلى الله عليه وسلم–وليس في البيت إلا أهله عمه العباس بن عبد المطلب, وعليُّ بن أبي طالب, والفضل بن عباس, وقُتم بن عبَّاس، وأسامة بن زيد بن حارثة, وصالح مولاه فلَّما اجتمعوا لغسله نادى مناد من وراء الناس،: وهو أوس بن خولي الأنصاري أحد بني عوف بن الخزرج، وكان بدرياً على علي بن أبي طالب فقال: يا علي أنشدك الله وحظنا من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فقال له علي: ادخل، فدخل فحضر غسلَ رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ولم يل من غسله شيئاً فأسنده عليّ إلى صدره، وعليه قميصه، وكان العباس، والفضل وقثم يقلبونه مع علي وكان أسامة بن زيد، وصالح مولاه يصبان الماءَ، وجعل عليَّ يغسله ولم ير من رسول الله-صلى الله عليه وسلم–شيئاً مما يرى من الميت وهو يقول: بأبي وأمي ما أطيبك حيَّاً وميتاً، حتى إذا فرغوا من رسول الله-صلى الله عليه وسلم – وكان يُغسَّل بالماء والسدر جففوه ثم صنع به ما يُصنع بالميت.
وقال ابن دحية: لم يختلف في أن الذين غسلوه-صلى الله عليه وسلم-: علي، والفضل، واختلف في العباس، وأسامة، وقثم، وشقران) نيل الأوطار (4/66).
وقال المقدسي: وغسَّله علي بن أبي طالب، وعمه العباس، والفضل بن العباس، وقثم بن العباس، وأسامة بن زيد، وشقران مولياه، وحضرهم أوس بن خولي الأنصار). راجع: مختصر سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم – للمقدسي (37).
قال الشوكاني معلقاً على قول عائشة-رضي الله عنها-: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه). قيل: فيه متمسك لمذهب الجمهور–يعني بجواز غسل الزوجة لزوجها الميت- ولكنه لا يُدل على عدم جواز الجنس لجنسه، مع وجود الزوجة، ولا على أنها أولى من الرجال؛ لأنه قول صحابية ولا حجة فيه، وقد تولى غسله-صلى الله عليه وسلم – علي, والفضل بن العباس، وأسامة بن زيد يناول الماء، والعباس واقف، ولم ينقل إلينا أحداً من الصحابة أنكر ذلك فكان إجماعاً منهم) نيل الأوطار (4/66).