العلم السعودي هو العلم الذي لا يُنكس
الرئيسية
PDF عربي
Toggle navigation
الخليج
يوم العلم السعودي : العَلم السعودي... شاهد التوحيد عبر ثلاثة قرون
وقف دونه الأبطال يذودون عنه بدمائهم وأرواحهم حتى لا يسقط أو يُهان
السبت - 18 شعبان 1444 هـ - 11 مارس 2023 مـ رقم العدد [ 16174]
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وخلفه العلم الخاص بالملك - خطاب وزارة الداخلية (الشرق الأوسط)
بندر بن عبد الرحمن بن معمر
في يوم الخميس 11 مارس (آذار) 1937، أصدر الملك عبد العزيز أمره بالموافقة على قرار مجلس الشورى رقم «354»، الذي أقر فيه مقاس العَلَم السعودي وشكله الذي نراه اليوم، بعد رحلة امتدت لثلاثة قرون، توارثته فيها الدولة السعودية في أطوارها المختلفة، كما كان هذا العَلَم شاهداً على حملات توحيد البلاد. ومن هنا، نص الأمر الملكي الذي أصدره الملك سلمان بن عبد العزيز على «أن يكون يوم 11 مارس من كل عام يوماً خاصاً بالعَلَم باسم (يوم العلم)».
والعلم السعودي علم متفرد ليس مستورداً أو مستوحًى من أي علَم آخر، ويعكس عمق الدولة السعودية، ويجسد هويتها، ويمثل القيم والمبادئ التي قامت عليها، وحسب المصادر التاريخية، فإن العلم السعودي منذ عهد الإمام محمد بن سعود كان أخضر مشغولاً من الخز (ما يُنسج من صوف وحرير) والإبريسم (الحرير الخام) تتوسطه عبارة «لا إله إلا الله محمد رسول الله». وحتى في سنوات غياب الدولة، كان آل سعود «يحملون الراية السعودية ولا يتخلون عنها»، كما يؤكد ذلك المؤرخ السعودي عبد الرحمن الرويشد، ويضيف: «ودون العلم، وقف الأبطال الصناديد يذودون عنه بدمائهم وأرواحهم حتى لا يسقط أو يُهان؛ فهو رمز الشعوب والأمم والأوطان... وكان نظامه وتنسيقه وتحديد مكوناته تُتوارث بشكل عرفي».
خياطة العلم السعودي
وحول خياطة الأعلام والكتابة عليها، يقول الرويشد: «كان يقوم بها بعض أسر الرياض المعروفة، وممن تولاها في العصر الحديث عبد الله بن محمد بن شاهين والشيخ سعد بن سعيد».
أما التطورات التي صاحبت شكل العلم؛ فقد أُضيف في أعلاه سيفان متقاطعان، ثم استُبدل بالسيفين سيفٌ مسلول، ثم وُضِع السيف تحت عبارة التوحيد، وكُتِب تحته «نصر من الله وفتح قريب»، ثم استقر على شكله الحالي. وما دمنا في سياق التأريخ للعلم السعودي، فلعل من المناسب التطرق إلى حمَلة العلم أو الراية أو البيرق أو «البيارقيين»، كما يصفهم المؤرخ الرويشد، الذين يحتلون مكانة تفوق غيرهم، لأن العدو يستهدفهم في المعارك قبل الآخرين بهدف إسقاط الراية؛ لذا لا بد أن يتصفوا بالشجاعة والحكمة ورباطة الجأش. ويُحمَد للرويشد أنه استطاع توثيق أسماء بعض أولئك الأبطال، رغم ندرة المعلومات وقلة ما دُوّن عنهم.
خطاب وزارة الداخلية (الشرق الأوسط)
حمل الراية في الحروب
ممن حمل الراية في الدولة السعودية الأولى إبراهيم بن طوق، وعبد الله أبو نهية الذي قُتِل أثناء حصار الدرعية عام 1818م. وفي الدولة الثانية الحميدي بن سلمة، وصالح بن هديان، وإبراهيم الظفيري. أما مع الملك عبد العزيز؛ فأول مَن حمل الراية عبد اللطيف المعشوق في معركة استرداد الرياض عام 1902، وشارك فيما تلاها من المعارك، وقُتِل في البكيرية عام 1904، وحمل الراية بعده ابنه منصور المعشوق الذي قُتِل في المعركة نفسها، ثم تسلَّم الراية عبد الرحمن بن مطرف وحملها أبناؤه من بعده، مع الإشارة إلى أن هناك أفراداً وأسراً كريمة أخرى تشرفوا بحمل العلم السعودي في معارك وأماكن مختلفة.
وعلم المملكة العربية السعودية علم مميز؛ ليس بلونه فقط، ولكن بدلالاته ومضامينه؛ فكلمة التوحيد ترمز إلى رسالة الإسلام، رسالة التوحيد والسلام والتسامح والعدل والأخلاق، وهي المبادئ الأساسية التي قامت عليها الدولة السعودية. أما السيف، فيرمز إلى القوة وعلو المكانة، واللون الأخضر يدل على النماء والرخاء. لذا فإن العَلَم السعودي بدلالاته الرمزية يمثل مفهوم وهوية الدولة.
أما عن ارتباط الشعب السعودي بالعلم، وماذا يمثل هذا العلم للمواطن السعودي؟ فعلاوة على دلالاته ومضامينه العميقة، فإن العلم يترجم احتياجات وتطلعات إنسان هذه الأرض التي تتلخص في الاستقرار، والعدل، والرخاء؛ فإذا كان معها السيادة والقوة والفخر، فقد حصل المطلوب وأكثر.
الملك سلمان بن عبد العزيز أمام العلم وإلى اليسار الراحل الملك فهد بن عبد العزيز
من هنا، كانت هذه التركيبة الخاصة والعلاقة الوشائجية بين الإنسان السعودي وأرضه وقيادته علاقة عميقة الجذور، مترابطة الأركان، متشابكة الأغصان، ملخصها يكمن في أن قيادة البلاد أدركت مسؤولياتها وعرفت احتياجات إنسان هذه الأرض وعاداته وتقاليده ومتطلبات وجوده، فحملت مشروعه وسعَتْ إلى تحقيقه، ثم إن انتماء الأسرة الحاكمة لأرض الجزيرة العربية، وتمسكها بمبادئ الشريعة الإسلامية، ومحافظتها على القيم والشمائل العربية جعلها، وفي كل حين، تضع مبدأ السيادة فوق كل اعتبار، لذا لم تخضع الدولة السعودية، على مرّ تاريخها، لسلطة مركزية أجنبية، أو تكون تحت أي استعمار. ولعل ما جادت به قريحة الشاعر إبراهيم داود فطاني إثر مشاهدته للعلم السعودي يرفرف على سارية إحدى البواخر التي تقل حجاج بيت الله الحرام في جاوة بإندونيسيا، وكان ذلك في عام 1937، أي بعد سنوات قليلة من استقرار الأوضاع إثر انضمام الحجاز للدولة السعودية، خصوصاً أن فطاني ممن عاصر ما واجهه سكان الحجاز وحجاج بيت الله الحرام من فقدان الأمن قبل حكم الملك عبد العزيز، يلخِّص حاجات وتطلعات الإنسان السعودي:
شعرتُ بعزَّةِ الإسلام لَمَّا
رأيتُ جلالةَ العَلَم السعودِي
رأيتُ الرايةَ الخضرا عليها
شعارُ الدين خفَّاقُ البنودِ
على سُفُن جوارٍ حاملاتٍ
لحجاجٍ هُمُوا خيرُ الوفودِ
ترفرِفُ عزَّةً في كل صقعٍ
يحوط جلالها سعد السعودِ
وها هي فوقَ باخرةٍ تسامت
لأعظمِ دولةٍ رغمَ الحسودِ
تظلِّل كلَّ مَن لجأوا إليها
وتحميها جبابرةُ الأسودِ
العلم السعودي هو العلم الذي لا يُنكس
شكل العلم
أما عن الجوانب القانونية والتنظيمية المتعلقة بالعلَم، فقد جاءت الإشارة النظامية الأولى قبل مائة عام (1344هـ)، وذلك عندما شكَّل الملك عبد العزيز الهيئة التأسيسية الاستشارية (لجنة صياغة الدستور)، وكان من ضمن مهامها «تعيين شكل العلم والنقود»، علماً بأن ذلك العام كان يصادف 1926م.
ونظراً لعدم وجود معايير موحَّدة للشكل والمقاس، وما واجهته وزارة الخارجية من تنوع مقاسات العلم وأشكاله عند تبادل الأعلام مع الدول، فقد رفعت الوزارة مقترحاً بتوحيد مقاس وشكل العلم، وأحيل الموضوع إلى «مجلس الشورى»، الذي أقر المقترح المتضمِّن تحديد شكل العلم، وأن يكون عرضه يساوي ثلثَي طوله (150 × 100 سم)، وفي 11 مارس 1937، صدر الأمر الملكي بالموافقة على قرار «مجلس الشورى»، كما تقدم معنا.
وفي أغسطس (آب) من العام نفسه (1937)، صدر قرار مجلس الشورى رقم «50» بشأن العلم السعودي، وشمل القرار تخصيص علم جلالة الملك، وعلم سمو ولي العهد، وأعلام الجيش والطيران والبحرية وغيرها من القطاعات. وهذا يبين أن العلم الخاص بالملك كان منذ عهد الملك عبد العزيز، ولم يتم استحداثه مع صدور نظام العلم في عهد الملك فيصل، كما يرد عند عديد من المؤرخين ويُتداول في وسائل الإعلام ومنصات التواصل. وفي عام 1938، صدر نظام رفع الإعلام واستعمالها في 10 مواد. وفي عام 1952، صدر قرار مجلس الشورى رقم «69» بشأن تعديل مقاسات الأعلام بناء على مقترح السفارة السعودية في الولايات المتحدة الأميركية.