[align=center]
الخميس10 صفر 1430هـ - 5 فبراير2009م - العدد 14836
هل نعيد اكتشاف الحجامة؟
الحجامة
الدكتور خالد بن محمد الغامدي *
فاطمة امرأة تبلغ من العمر خمسين عاماً وتعاني من صداع نصفي شديد ومزمن زارت بسببه العديد من الأطباء ولكن دون جدوى. وبينما هي تشكو ذلك لإحدى صديقاتها اقترحت عليها التدواي بالحجامة.لكن فاطمة كانت مترددة ومتخوفة خصوصاً بعدما سمعت بمنع وزارة الصحة للحجامة. ولكن صديقتها أخبرتها بأنه على الرغم من هذا الكلام فقد استفادت هي شخصياً وغيرها كثير من الحجامة .فردت فاطمة ولكن أين سأعمل الحجامة وقد أغلقت كل العيادات التي كانت تعمل بها!
فطمأنتها صديقتها بأنه تعرف جحاماً أو بالأصح حلاقاٍ في احد الأحياء الشعبية يمكن أن يجري لها الحجامة.وبعد الاتصال على ذلك الحلاق توجهت فاطمة إليه وقد تفاجأت هي وزوجها من قذارة المكان الذي ستتم فيه عملية الحجامة؛ عندئذ حاول زوجها اقناعها بالعدول عن رأيها لكنها أصرت فهي تريد أن تتخلص من هذا الصداع الرهيب مهما كان الثمن. بعدها قام الحلاق بعمل الحجامة في الرأس والرقبة وفجأة أصاب المشرط عرقاً كبيراً في منتصف الرقبة فهذا الرجل حتماً لم يدرس التشريح وليس لديه أي علم بأماكن العروق في الجسم مما أدى إلى نزيف شديد كاد أن يودي بحياتها و لم يستطع الحلاق التعامل معه مما استدعى نقل الحالة بسرعة لأقرب مستشفى وتم عمل خياطة توقف بعدها النزيف وتم إنقاذ المرأة في اللحظات الأخيرة!.
تعد الحجامة إجراء علاجياً ووقائياً قديماً جداً فقد تداوى بها النبي صلى الله عليه وسلم وأثنى عليها ففي الحديث الصحيح «خير ما تداويتم به الحجامة» متفق عليه. وكذلك قوله «إن كان في شي من أدويتكم خير ففي شرطة محجم .... الحديث» رواه البخاري ومسلم. كما أنها مذكورة في الحضارة الصينية القديمة كما تم ذكرها في التراث الفرعوني وكانت كذلك معروفةً عند العرب
وعند التأمل في الحديث الصحيح الوارد في الحجامة فقد ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم والذي لا ينطق عن الهوى أن الحجامة من أفضل الأدوية لكنه لم يحدد لأي مرض بالذات ولم يحدد عدد المرات الخ,,, وفي هذا إفساح المجال للعلماء والباحثين لتجريب هذا الدواء على أمراض مختلفة واستكشاف تفاصيل العلاج التي تؤدي للنتائج العلاجية المطلوبة .
وظلت الحجامة مستخدمه لقرون عديدة حتى جاء الطب الغربي الحديث حيث أهملت هذه الطريقة ولم تدرس بشكل علمي لعدم وجودها لدى الغربيين بل تم اعتبارها طباً شعبياً غير مثبت علمياً.
ومازالت تمارس في المجتمعات العربية والإسلاميه حتى الآن ولكن هناك العديد من الإشكاليات في هذا المجال. من أهمها عدم نظافة الآلات المستخدمة أو عمل الحجامة على أيدي غير الأطباء ممن لايحسنون أبجديات التعقيم واحترازات عدم نقل العدوى وكما هو معلوم فإنه قد ينتقل عن طريق الدم الملوث أمراض بالغة الخطورة مثل الايدز والتهاب الكبد الوبائي ب و ج. بل عندما تلقي نظرة على الأماكن التي تتم فيها ممارسة الحجامة في الأحياء الشعبية تشمئز نفسك من عدم نظافة المكان والأدوات المستخدمة. بل إن بعض الحجامين قد يعمل الحجامة في أماكن خطيرة و بها عروق كبيرة وسطحيه مثل الرقبة.
ويحرص بعض الأطباء المسلمين على المحافظة على هذا الإرث ولي شخصياً اهتمام قديم بموضوع الحجامة فقد قرأت عنها العديد من الكتب والمقالات والأبحاث في مختلف الثقافات عربيةً كانت أو غيرها ثم تعلمتها على يد طبيب صيني.
ونعني بالحجامة إخراج الدم عن طريق جروح صغيرة بالجلد وذلك بعد تعريضه لعملية ضغط سلبي حيث يتم سحب الجلد داخل كوب بلاستيكي أو زجاجي عن طريق جهاز يدوي أو كهربائي ليسحب الجلد للخارج.وكانت تتم هذه العملية بطريقة بدائية في الماضي ولكنها تؤدي إلى نفس الغرض المذكور.وينبغي الحرص عند عملها على التعقيم واستخدام أدوات معقمه ولمرة واحدة فقط لكل مريض ثم تستخدم أدوات أخرى للمريض التالي وهكذا. ولا يتم عملها حتى يتم التأكد من عدم وجود مشاكل في سيولة الدم أوفقر دم شديد .
في الحقيقة هناك أبحاث قليلة ومتواضعة عن استخدام الحجامة كعلاج فقد عملت أبحاث في مصر وسوريا لكنها للأسف لم تنشر في المجلات العلمية المحكمة وقد تكون نشرت في مجلات محلية غير محكمة. ومن الملاحظ أن الأبحاث التي تخص الحجامة حالياً ذات منهجية ضعيفة ولم يتم دعمها بشكل جيد ولاتوجد مراكز مختصة بها سوى مركز مبتدئ في إيران.
وقد دار بيني وبين بعض الزملاء عدة حوارات حول هذا الموضوع وأهمية عمل أبحاث علمية حوله لكني غالباً ما كنت أواجه بالاستغراب والرفض وفي كل مرة انكمش ثم أنسحب فماذا قد يقولون عني!! وغالباً تكون حجة الزملاء أن هذا النوع من العلاج ليس عليه أبحاث علمية عالمية. فكنت أجيبهم:إذن فلنقم بها نحن! .
ومن خلال متابعتي الدائمة لكل ما ينشر أو يكتب في هذا المجال ظهرت مؤخراً بعض الأبحاث منشورة في قاعدة بيانات البحث الطبية المشهورة Pubmed يتكلم أحدها عن أثر الحجامة في خفض الدهون بالدم والآخر عن فائدتها في علاج الصداع والشقيقة وليس هذا مستغرباً من الناحية النظرية فكما يعلم الأطباء أن هناك أشارات واتصالات خلوية بالغة التعقيد خصوصاً بين الخلايا المناعية تتخذ من الدم طريقاً لها لتصل إلى أهدافها فإذا اختلت أو تغيرت تؤدي إلى بعض الأمراض فإذا استطعنا اصطيادها من الدم تخلصنا من شرها وهذه تسمى بالسيتوكيناتCytokines .وبعد اطلاعي على هذه الأبحاث ارتفع مستوى الشجاعة لدي مرة أخرى للحديث عن هذا الموضوع وبل وطرحه على الملأ هذه المرة!.
ولست أرى من الحكمة مصادمة الرغبة الجامحة لمجتمعنا بمحاربة الحجامة خصوصاً إذا نظرنا للأحاديث الصحيحة الواردة فيها. حيث لا يمكن منع الناس من الحجامة قسراً فلو منعت في النور فستعمل في الخفاء وقد اطلعت على عدد من الحالات التي لم تعمل بشكل صحي في المنازل أو غيرها والقصة المذكورة ماهي إلا أحد الأمثلة. فإذا سعينا لمنعها حتى تحت الإشراف الطبي بحجة بعض الممارسات الخاطئة فهذا من باب معالجة الخطأ بالخطأ. لذا أرى منع ممارسة الحجامة من قبل غير الأطباء وحصر ذلك على الأطباء وإلزام من يمارسها بالشروط الصحية المعتمدة والأهم من هذا كله عمل دراسات علميه على هذا الموضوع المهم خدمة للسنة النبوية الشريفة وخدمة للبشرية جمعاء خصوصاً إذا علمنا أن الطب الغربي الحديث قد عجز عن شفاء الكثير من الأمراض. وبالذات مع التوجه العالمي للطب البديل.
لذا أرى أن هناك فرصاً بحثية واعدة في موضوع الحجامة فيمكن مثلاً دراسة اختلافات الدم المستخرج بالحجامة عن الدم المستخرج بإبر التحليل وهل هناك فرق في نوعية وكمية مختلف خلايا الدم والخلايا المناعية. وقد وجد في بعض الدراسات (غير منشورة) والتي أجريت في بعض الدول العربية أن الدم الذي يخرج بالحجامة مليء بالخلايا الهرمة أو شاذة الشكل وهذا يعني أن للحجامة دوراً محتملاً في تنقية الدم.
ويمكن كذلك عمل دراسات على استخدامها في الأمراض التي ينتشر بين الناس (من تجاربهم الشخصية) أنها مفيدة مثل الصداع واضطرابات النوم و الماء الازرق وأمراض الدم خصوصاً زيادة كريات الدم الحمراء والصفائح والأمراض المناعية وغيرها.
إن الحجامة قد تكون كنزاً علاجياً يحتاج إلى إعادة اكتشاف. لذا أرى أن في هذا فرصة تاريخية لجامعاتنا ومراكزنا البحثية في إعادة اكتشاف الحجامة وتقديمها للبشرية بدراسات وإثباتات علمية في عصر لاتُسمع فيه إلا لغة البحوث العلمية ذات المنهجية الصحيحة. خصوصاً إذا كانت الرغبة أكيدة في عمل أبحاث يصحّ أن يطلق عليها كشفاً أو اختراقاً علمياً وتكون بمستوى ساينس ونيتشر. ومن المؤكد أن جامعتنا تزخر بعدد كبير من الباحثين المتميزين لذا فأنا على يقين بأذن الله أننا لن نفوت هذه الفرصة. * استشاري وأستاذ الأمراض الجلدية المشارك-جامعة الملك سعود
[/align]
خاص بجريدة ترحال الالكترونيه