السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
إن الحمدَ لله أحمدُه تعالى وأستعينه وأستغفره، وأعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آلِ محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم إنك حميدٌ مجيد. اللهم بارك على محمدٍ وعلى آلِ محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} آل عمران- آية:102.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} النساء- آية:1.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} الأحزاب - آية: (70،71).
أما بعد،
فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد،
أحبتي في الله ،،،
أنا أحبكم في الله؛ وعندي اليوم دليل على أني أحبكم أكثر من حبكم لي؛ وهو أني جئتكم مريضًا. (أسأل الله عز وجل لي ولكم العافية، وتمام العافية، ودوام العافية، والشكر على العافية).
إخوتي في الله ،،،
كيف حال قلوبكم مع الله؟.. كيف نصل إلى الجنة؟.. كيف نصل إلى الله؟.. كيف نصلح قلوبنا؟.. (كيف وأخواتها)
كيف ننجو من الفتن؟.. كيف نهرب من الفشل؟.. كيف نعالج مشاكل الأولاد؟.. كيف نواجه معاناة الحياة؟.. كيف يرضى عنا ربنا؟.. (كيف وأخواتها)
و"كيف" اليوم متميزة عن أخواتها:
كيف نحب النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم؟
كيف نحب النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم؟
تكلمنا سابقا عن: "كيف ندخل الجنة؟"، وذكرنا هنالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قيل: "ومن يأبى يا رسول الله؟"، قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى" رواه البخاري.
"أبى": رفض، أي رفض دخول الجنة.
هل أنت راغب في دخول الجنة أم رافض؟؟
وستقول لي: "راغب طبعا.. من الذي يرفض الجنة!!"
إذن؛ أطع رسول الله صلى الله عليه وسلم
واسمحوا لي أن أجدد التأكيد في هذا المقام على أن هؤلاء الذين يطعنون في السنة - ويقولون إن الأحاديث كلها ضعيفة وموضوعة، وليس هناك شيء اسمه "سنة"- هم قوم جاهلون لا يعلمون، أو يتعمدون هذا لضرب الدين.
فلقد أحضرنا سبورة سابقاً، وكتبنا أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم في مجلسه، وسمعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخبر ابنه بالحديث، وابن عمر سمع وأخبر خادمه نافعًا، فقال: "سمعت أبي.."، أو قال: "حدثني أبي.."، وبعد ذلك سمع الإمام مالك من نافع وهكذا.. إلخ.
القصة ليست كقصة أبي زيد الهلالي ولا قصص ألف ليلة وليلة أوغيرها. فقط المشكل أن الناس لا يفهمون، فإن عقلْـنا قصة ورود الحديث النبوي، علمنا حينها أن هذا الحديث محفوظ كالقرآن بحفظ الله لأن ربنا يقول لنا ببساطة: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ} المائدة-آية92.
حسناً؛ نحن متفقون على: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ} وسبيل ذلك تطبيق كلامه سبحانه الذي هو القرآن الكريم، فكيف نطيع الرسول صلى الله عليه وسلم وقد مات؟؟.. (فداه أبي وأمي ونفسي).. نطيعه - ببساطة- باتباع سنته.
والله تعالى قال كذلك: {إِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}النساء-آية:59. {فـرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ} أي إلى القرآن الكريم، فكيف الرد إلى رسول الله؟.. هل يرشدنا ربنا إلى عدمٍ إن لم تكن هناك سنة؟؟هل يدلنا على لا شيء!!
طبعا لا.. وحاشاه. إذن؛ ربنا سبحانه وتعالى يحيلنا على واقع.. على شيء موجود.. على شيء محفوظ، ومن أجل هذا، تعهد الله بحفظه.
ولقد قلت مرارا إن الله تعالى لمّا بعث النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم، جهّز له العرب. والله إذا أراد الله شيئًا هيأ له أسبابه. لهذا جعل سبحانه وتعالى العربَ حُفاظًا لأنهم كانوا أميين، ولم يكونوا يقرؤون أو يكتبون، كما كانوا لا يملكون ورقًا. كان أحدهم يقوم في سوق عكاظ، ويقرأ قصيدة من مئة بيت دون ورقة، وكل الجالسين يحفظونها وتنتشر في الآفاق.
أحصى الصحابة سبع عشرة شعرة بيضاء في رأس رسول الله ولحيته، وقال أحدهم: "دخلت المسجد فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيًا واضعًا إحدى رجليه على الأخرى"، ويقول آخر: "دخلت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة افترش قدمه اليسرى فجلس عليها، ورفع اليمنى، وثنى أصابعه إلى جهة القبلة، ووضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى رافعًا أصبعه يشير بها، ووضع مرفقه الأيسر على رجله اليسرى".. هذا وصف دقيق كأنك تراه بعينيك، وهو من تجليات إعداد الله تعالى لهؤلاء.
ولهذا؛ عندما يقول الرسول لك: " صلوا كما رأيتموني أصلي "رواه البخاري، تجد الأحاديث تذكر الكيفية كأنك تراها بأم عينك.. وهذا ما لا يدركه الناس الذين لا يفهمون السنة، ويكتبون أخطاءً وطامات في الصحف لأنهم لم يعرفوا أو يغالطون الناس عمدًا. لكن أنت عندما تفهم كيف وصلنا الحديث النبوي الشريف، تتأكد يقينا أن النبي صلى آله عليه وسلم قاله، فتبدأ في العمل بمقتضاه وفق هذه المعطيات.
و عليه؛ ينبغي أن نجعل في أذهاننا قبل الإقدام على أي فعل معيار المطابقة لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو صلى الله عليه وسلم (صلّ عليه) عندما كان يأمرنا بأوامر كان يحبنا.. كان يحب هذه الأمة.. كان يحب الأمة لدرجة أنه لم يكن يستطيع أن ينام.. كان لا يستطيع أن يأكل أو يشرب لتأصل الانشغال بالأمة في دواخله. واسمحوا لي هنا بالتوقف للدعاء للمسلمين:
(أسأل الله عز وجل أن يحفظ إخواننا المسلمين في كل مكان.
اللهم احفظ المسلمين.
اللهم نج المسلمين.
اللهم أنجِ المستضعفين من المؤمنين.
اللهم انتقم من اليهود الظالمين ومن الكفار والمشركين الذين يؤذون الموحدين المسلمين.
اللهم إنا نسألك أن تنجي إخواننا في لبنان وفي فلسطين وفي العراق وفي أفغانستان وفي كل مكان.
اللهم نجّهم، وكن لهم، ولا تكن عليهم.
اللهم احفظهم.
اللهم امكر بمن مكر بهم.
اللهم أعنهم، وانصرهم يا رب العالمين)
ومن كثرة انشغال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأمته، قال له ربنا: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} الكهف-آية18، وقال أيضا: {َفلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}فاطر-آية:8، وقال:{ طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى(3)} طه.
إن جلدي يقشعر عندما أسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم: "ليتنا نرى إخواننا"، قالوا: " أولسنا بإخوانك؟ "، قال: "بل أنتم أصحابي، وإخواني قوم يأتون بعدي يؤمنون بي ولم يروني" رواه مسلم. كيف نبادله صلى الله عليه وسلم حبا بحب؟؟
يجب علينا أن نحب النبي صلى الله عليه وسلم حبًا حقيقيًا وليس حب ادّعاء ولا حب كلام.
نماذج من حب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم
تعالوا نرى كيف كان الصحابة يحبون النبي صلى الله عليه وسلم:
عمرو بن العاص تأخر إسلامه، ولما أسلم اهتم به النبي صلى الله عليه وسلم. ولنتابع سيدنا عمرو و هو يحكي ما حدث يومًا. قال: "كنت أظن أنني أَحَبّ أصحاب رسول الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته يومًا: "يا رسول الله؛ أنا أحب إليك أم أبو بكر؟" قال: "بل أبو بكر"، قلت: "فأنا أحب إليك أم عمر؟" قال: "بل عمر".
سبحان الله العظيم..!!، أحيانا لا يكون هناك مجال للمجاملات، بل يجب أن يقال الحق. ونورد هنا الحديث برواية ثانية: قلت: "يا رسول الله؛ من أحب الناس إليك؟"، قال: "عائشة"، قلت: "فمن الرجال؟"، قال: "أبوها"متفق عليه. والجدير بالذكر أن حب النبي صلى الله عليه وسلم يستوجب حب آل البيت: {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} الشورى-آية:23.
إذن ما مشكلة الشيعة؟
إن حب آل البيت شرط من شروط الإيمان، وقد قال النبي قال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه.." رواه البخاري. فمن شروط الإيمان أن تحب النبي، ومن شروط حب النبي أن تحب آل البيت؛ فسيدنا علي وسيدنا الحسين وسيدنا الحسن وسيدتنا فاطمة رضي الله عنهم جميعا.. كلهم على رؤوسنا، بل نِعالهم على رؤوسنا، بل التراب الذي تحت نعالهم على رؤوسنا، بل نحن نكحل عيوننا به.
الأمر دين وعقيدة، وليس كما يذهب البعض الذين يعتقدون أن آل البيت هم للشيعة وأبا بكر وعمر لأهل السنة.
لا.. لا.. الوضع ليس كذلك، آل البيت لأهل السنة وأبو بكر وعمر أيضًا لأهل السنة، ليسوا لنا فحسب.. بل هذا دين.. هذا شرع. فقط لا بد من ضبط المسألة: كيف نحبهم؟.. كيف نواليهم؟.. كيف نودهم؟
{قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ}الشورى-آية:23.. من عقيدتنا نحن أهل السنة و الجماعة أن حب آل البيت فرض، وكما قلت؛ فمن شرط الإيمان أن نحبهم. ولكن، ليس معنى هذا أننا نعبدهم من دون الله، ولا أن نعتقد أنهم ينفعون ويضرون من دون الله.
لا.. آل البيت نحبهم كما قال ربنا، وكما قال سيدنا النبي؛ نحبهم من شغاف القلوب، ولكن هناك أشياء تؤلم، ولا ينفع أن تقال، فالبعض يقول: "يا سيدنا الحسين؛ أعطني ولدا لأني عاقر.."، يا سيدنا الحسين؛ أنا أريد أن أسافر وفقني.."، "يا سيدنا الحسين؛ أنا مريض اشفني..".. ليس هذا هو الحب، وليست هذه هي الموالاة، وليست هذه هي المودة.
عندما كان سيدنا زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنه مريضًا بالحمى، لم يستطع سيدنا الحسين أن يأتيه بكأس ماء، وأنت تقول اليوم: "يا سيدنا الحسين أدخلني الجنة"!!.. فهل هذا ينفع؟!
الحب.. أني أحبهم من قلبي، وكلما ذكرتهم أترضى عنهم، وأدعو لهم. وقد يقول لي بعضكم: "تدعو لهم!!، ومن أنت لتدعو لهم؟"، وأقول له: يا أخي إن سيدنا النبي طلب منا أن ندعو له، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " صلوا علي، ثم سلوا الله لي الوسيلة"رواه مسلم. لقد طلب منا صلى الله عليه وسلم أن ندعو له ( صلّ عليه)، إذن أدعو لأصحابه وأدعو لآل البيت. ثم إن القضية ليست خصومة: " إما علي وإما أبو بكر " لا..
لماذا؟
أبو بكر كان النبي يحبه، ولما صلى عمر بالناس والرسول مريض، غضب صلى الله عليه وسلم، وقال: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" إسناده جيد.
و لما سئل عن أحب الناس إليه من الرجال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر".
إذن.. الذي يكره أبا بكر، ماذا نصنع معه؟
الذي يلعن أبا بكر وعمر، ماذا نقول له؟
الذي يكره أمي أم المؤمنين عائشة، ويلعنها ويسبها، ويخوض في عرضها، كيف نتصرف معه؟
فعقيدتنا -عقيدة أهل السنة؛ العقيدة الواضحة الجميلة الرائعة الرائقة- أن الصحابة اتفقوا، والرسول صلى الله عليه وسلم أوصى: " أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين".
اعتقادنا بمنتهى الوضوح والصراحة أن أفضل الأمة أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة، ثم أهل بدر، ثم أهل بيعة الشجرة، ثم بقية الصحابة.هذه عقيدة، ولا نؤلفها على هوانا، بل الأمر دين.
كيـــــــف نحب النبي؟
كيـــــــف نتــــابع النبي؟
كيــــــف نطيـــــــع النبي؟
كيــــــــف نعمل بسنة النبي؟
كيــــــــــف نستمـــر على ذلك؟
نماذج من الحب:
تعالوا لنرى نماذج من الحب. واسمحوا لي ابتداءً أن أعيد التذكير بكون الحب مسألة قلبية، هذه المسألة القلبية لا تحتاج ضجيجًا وصراخًا، وليس منه ما يفعله الشباب هذه الأيام في أغانيهم وموسيقاهم ورقصهم. تعالوا لنعيش قصة أصلية في زمن التمثيل، تعالوا لنتابع موضوعًا حقيقيًا في زمن التقليد.
عمرو بن العاص يقول: "ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عيني منه".
أنس بن مالك يقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج على أصحابه من المهاجرين والأنصار وهم جلوس، فيهم أبو بكر وعمر، فلا يرفع أحد منهم إليه بصره".
أسامة بن شريك يقول: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه حوله كأن على رؤوسهم الطير".
في صلح الحديبية؛ بعث الرسول صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه لكي يُبرم الصلح أو يسعى للاستئذان للنبي كي يدخل مكة وأصحابه للاعتمار، فأذنت قريش لعثمان في الطواف، فقال: "والله ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله".. هذا هو الأدب، وهذا هو الحب المنضبط.
كان من الممكن أن يلتمس لنفسه العذر، ويقول مثلا: "حسنًا أنا دخلت مكة الآن وأنا محرم، وهذه فرصة كي أعتمر، إذ يمكن أن نقاتل وقد نُقتل، فالأفضل أن أختمها بعمرة".. لم يحصل أي من ذلك، بل استهجن أن يطوف قبل النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال سيدنا النبي لما بايع الصحابة قبل الصلح على القتال: "وهذه يد عثمان".
فهل سمعتم من قبل عن حب كهذا؟.. هل رأيتموه قبلا؟.. هل عشتموه؟
في حديث قِيلة قال: "فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا القرفصاء، أُرعدت من الفرق هيبة له وتعظيمًا".
قال المغيرة بن شعبة: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظفار".
البراء بن عازب يقول: "لقد كنت أريد أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمر، فأؤخر سنين من هيبته".
قل لي: هؤلاء محظوظون، فقد كانوا يعيشون معه، يرونه، يجلسون معه، يلمسونه بأيديهم، ويروه بأعنيهم، أما نحن، فمحرومون. (اللهم كما حُرمنا من صحبته في الدنيا فلا تحرمنا صحبته في الجنة، اللهم أجرنا في مصيبتنا، واخلفنا خيرًا منها، يا رب، يا رب، يا رب). نحن حُرمنا منه في الدنيا، لكن إن شاء الله ربنا، لن يحرمنا من رؤيته في الآخرة، لكن شرط ذلك أن من كان معه في الدنيا سيكون معه في الجنة، والذي خالفه في الدنيا لن يراه.
عند حوض الكوثر في أرض المحشر، - وهذا مشهد لا ينبغي إبعاده عن الذاكرة أبدا- نظرتَ من بعيد، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قائم عليه، فجريت إليه، وعرفك حينها بعلامة الصلاة: "غرا محجلين من آثار الوضوء" متفق عليه.
عرفك.. ولكن: هل ستسمح لك الملائكة أن تصافحه.. أن تقبّله.. أن تشرب من يده؟؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا على حوضي أنتظر من يرد علي ، فيؤخذ بناس من دوني " رواه البخاري.
إنني أريدك أن تعيش هذا المشهد.. انتقل بعقلك الآن إلى الآخرة، وتصور الحوض ورسول الله عليه قائم، والناس يحيطون به، يحتضنونه، يقبّلونه، ويشربون من يده. وتأتي أنت إلى الحوض، فتردّك الملائكة التي تحرسه، وتصرخ: "يا رسول الله.. يا حبيبي.."، فيقول: " يا رب أصحابي! "، فتقول الملائكة: " إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك "رواه البخاري.
فلو ابتدعت بدعة كالتي يفعلونها كشتم الصحابة و إيذائهم، وهو صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسبوا أصحابي" متفق عليه. ولو أضفت شيئا في العبادة؛ فترقب أن تحجزك الملائكة عن حبيبك صلى الله عليه وسلم.
ونحن رغم عدم رؤيتنا للنبي (صلّ عليه) صلى الله عليه وسلم في الدنيا، إلا أن ما ينبغي أن نفهمه هو أن حرمته بعد موته وتوقيره وتعظيمه أمور لازمة كما كانت حال حياته، وذلك عند ذكره صلى الله عليه وسلم وعند ذكر حديثه. فعندما نقول: قال رسول الله: "..."، فكأنك تراه بعينيك يتكلم، فتعمل بمقتضى ما يقوله كما لو تلقيته من فمه الشريف.
ومن علامة الحب أن يهتز قبلك عند ذكره صلى الله عليه وسلم، وذكر حديثه وسنته وسماع اسمه وسيرته ومعاملة آله وعثرته وتعظيم أهل بيته وصحابته.. وهذا هو الحب.
قال أبو إبراهيم التجيبي: "واجب على كل مؤمن متى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ذكر عنده أن يخضع ويخشع ويتوقر، ويسكن من حركته، ويأخذ في هيبته وإجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه، وأن يتأدب بما أدبنا الله به".
ولقد قلت لك كثيرًا: لو أن النبي قابلك بنفسه:
وقال لك: "أعفوا اللحى" صحيح_صحيح الجامع.
وقال لك:"صلوا قبل المغرب ركعتين.. لمن شاء" صحيح_صحيح الجامع وغيره.
وقال لك: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"رواه البخاري.
ماذا سيكون وضعك حينها؟
أحبتي في الله ،،،
أنا أريد أن أختم، والحمد لله أن الله قدّرني وأتممت هذه الحلقة. أنا أحبكم في الله.
يا ترى:
هل تحــــب النبي صلى الله عليه وسلم؟
كيـــــــــــف؟
أحبكم في الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته