المؤرخ الرياضي يتتبّع الروايات المتضاربة.. ويسمي بعضهم بجامعي القصاصات
صحيفة الرياضية
يحضر اسم محمد القدادي كلما أتى ذكر توثيق التاريخ الرياضي في السعودية، نظير معلوماته وإحصائياته الوافرة، وخبراته الشاملة مجالات عدة بين السياسة والرياضة والأدب، التي تجعل منه مرجعية في هذا الشأن.
يزعجه ظهور من وصفهم “مهتمين بالتاريخ الرياضي”، يريدون بلوغ درجة المؤرخين دون استناد إلى قاعدة معلوماتية راسخة، ويعتمدون فقط على تناقل القصص غير الموثقة بينهم، ما يوقعهم جميعًا في الخطأ.
وفي حواره مع “الرياضية”، يقدّم القدادي 3 حلول لحسم دوري كأس محمد بن سلمان للمحترفين، في حال إنهائه عند المرحلة الجارية، مانحًا في الوقت ذاته الأولوية لاستكمال بطولة كأس خادم الحرمين الشريفين.
01-بدايةً، أكرر ما طرحته عليك “الرياضية” قبل أيام، كم مرة توقفت الأنشطة الرياضية في السعودية؟
7 مرات، الأولى عام 1386هـ، حينما توقف الدوري فقط بسبب نكسة يونيو، بينما استمرت مسابقة كأس الملك، والثانية موسم 1389ـ1390هـ لمشاركة المنتخب في دورة الخليج، ومثل سابقتها طال التوقف الدوري فحسب، أما الثالثة فشهدت التوقف الكامل للمسابقات الرياضية عام 1395هـ، بعد اغتيال الملك فيصل ـ رحمه الله ـ تلاها إيقاف الدوري موسم 1396ـ1397هـ بداعي تنظيم السعودية بطولة الصداقة الدولية والاستعداد لدورة الخليج، ثمَّ حلّ التوقف الخامس عام 1400هـ لوقوع حادثة الحرم المكي، وبعد نحو 10 أعوام أوقف النشاط إبان حرب الخليج الثانية، وأخيرًا نعيش الآن التوقف السابع بسبب فيروس كورونا.
02-هناك من يزعم توقفها مرة ثامنة عام 1388هـ بهدف تحسين أوضاع الأندية؟
ليس صحيحًا، هذه معلومة أطلقها شخص غير ملم بالوقائع، وخلط الأوراق، فبعضهم التاريخ ليست مهنته، ولا تعرف هل هو يلعب دور المحايد أم المتعصب لفريقه، والصحيح هو عدم حدوث توقف موسم 1387ـ1388هـ.
03-لماذا يتضارب أحيانًا التاريخ الرياضي؟
لأن بعض المتصدين لمهمة جمع التاريخ، غير مختصين، وينقلون عن بعضهم، وهم لا يملكون المعلومة، ولا علاقة لهم بالتاريخ، وليس لديهم قواعد تأصيل يسيرون عليها، وأشبههم ببعض الطلاب الذين يغشّون معلومات خاطئة ممن حولهم أثناء الاختبارات، والنتيجة أنهم يرسبون، لأنهم مثل البناء المؤسَّس على قاعدة جوفاء، وبالتالي يسقط.
04-إذا لم يكونوا مؤرخين، فماذا تطلق عليهم، هل تسميهم إحصائيين؟
هم أنواع، منهم من لم يجد مقعدًا له، فيتسلق “سلم الأوتوبيس” من خلفه، ومنهم من يجلس فوق سقف الأوتوبيس ذاته، وآخرون يهوون جمع قصاصات الصحف، وليس لديهم قدرة على كتابة قصّة تاريخية واحدة، أو كتاب، أو بحث، أو إحصاء، فهم مهتمون وليسوا مؤرخين ولا حتى إحصائيين، إذ تنقصهم المؤهلات المطلوبة لتدوين التاريخ.
05-إذاً من الإحصائي في رأيك؟
الإحصائي من يجمع المعلومات ويحللها، وهو مثل فني المختبر في المستشفيات، لا يستطيع الطبيب، الذي يعادل المؤرخ في حالتنا، العمل دون إحصائياته واستنتاجاته، فالإحصاء واحد من أعمدة تسجيل التاريخ، والإحصائيون أذرعة المؤرخين، لكن مع الأسف الغالبية لا يميزون بين المؤرخ والإحصائي، فالأخير ذراع مساعدة وليس مؤرخًا.
06-هل يمكن أن تذكر لنا بعض أسماء الإحصائيين الحقيقيين في السعودية؟
هناك عدة أسماء، على سبيل المثال سلمان العنقري، الذي أراه واحدًا من الإحصائيين المتميزين إن التزم الدقة واجتهد في البحث وتحرّي المعلومة، وهو مشروع مؤرّخ أيضًا إذا أكمل المشوار، ويعدّ مرجعية وإن كان يرتكب بعض الأخطاء، وهناك أيضًا عمرو فقيه، القادم نحو كتابة التاريخ، ويتميز بالدقة والتفكير الصائب، وكذلك عبد الإله محمد ولكنه بحاجة أولًا إلى الهدوء وتجنب الدخول في صراعات، فضلًا عن سعود البركاتي الذي أنصحه بطَرْق الكتابة التاريخية لأنه يملك القدرة.
07-أعود إلى من سمّيتهم يغشون معلوماتهم من زملائهم. بماذا تنصحهم؟
عليهم التعلم، والابتعاد عن الغش ورواية القصص التي يحفظونها ولا يعرفون تفاصيلها، فأنا نفسي على الرغم من امتداد عملي مؤرخًا لأعوام طويلة، ما زلت أكتشف أشياءً جديدة، بل هناك قضايا لا أستطيع إغلاقها حتى الآن، وأواصل البحث حولها، وأواجه في سبيلي عقبات، لأنني لا أريد الركون إلى جملة “في رأيي كذا كذا” أو “من وجهة نظري كذا كذا” لحسم القضية، كما يفعل بعضهم استسهالًا وكأنه جالس في قهوة. هذا تاريخ لذا لا بد أن يكون مبنيًا على علم ومعلومة مؤكدة تسندها وثيقة أو رواية أو كلتاهما، ويجب إخضاعه للفحص الظاهري والباطني.
08-بالعودة إلى الذاكرة.. متى بدأ الاهتمام بالتاريخ الرياضي في السعودية؟
عام 1389هـ ظهرت المحاولة الأولى في عهد الأمير خالد الفيصل، وانتهت بعدما غادر منصب الرئيس العام لرعاية الشباب، ثمَّ تنبهوا لها مجددًا في مرحلة متأخرة من حقبة الأمير فيصل بن فهد، ولم يسعفهم الوقت، وفي عهد الأمير سلطان بن فهد، تشكّل فريق عمل، لكن أفراده للأسف كانوا غير متخصصين، ثم أحيا الفكرة الأمير نواف بن فيصل قبل طلبه الإعفاء والمغادرة دون استكمال ما بدأه.
09-بالمناسبة.. ما الإجراء الأنسب لو تقرر إنهاء بطولة الدوري الحالية بهذا الوضع؟
في رأيي، تُجرى مباراة فاصلة بين الهلال المتصدر، والنصر وصيفه، ومن يفوز بها يتوج بطلًا، أو تنظَّم دورة تمتد أسبوعًا واحدًا، تجمع أصحاب المراكز الأربعة الأولى بطريقة الدوري من دور واحد، وهناك حل ثالث هو تنصيب متصدر جدول الدور الأول بطلًا للمسابقة، باعتبار تمتُّع جميع الأندية بفرص متساوية، ولدينا سوابق مشابهة، مثل عام 1411 عندما تم تغيير نظام الدوري في منتصفه، وخسر الأهلي المتصدر وقتها البطولة، وعمومًا الدوري ليس أغلى من كأس خادم الحرمين الشريفين الذي أرى استكماله أكثر أهمية.
10-بصراحة.. لماذا انسحبت من لجنة التوثيق في عهد الأمير عبد الله بن مساعد؟
بسبب غياب التناغم، وعناد بعضهم، فطوال تاريخي أتعامل مع القائد مباشرة، وهدفي الحقيقة فقط، ولا يعني لي اسم أي فريق، ومع الأسف هناك من نسف البطولات وقتها وخالف الوقائع واللوائح في التوثيق، فهل يصدق عاقل أو مجنون أن الدوري بدأ عندنا عام 1397هـ؟ إذن ماذا كنا نفعل منذ 1377هـ الذي بدأ فيه الدوري على كأس الملك؟
11-لماذا لم يوثق اتحاد كرة القدم بذاته بطولات الأندية؟
لأنه لا يملك الوثائق القديمة، لديه فقط بداية من عام 1394هـ.
12-ما الحل إذًا؟
أعط الخبز لخبازه كما يقول المثل الشعبي، وأعني تكليف أشخاص لديهم القدرة على النجاح في هذه المهمة إن أرادوا، على شاكلة سلمان العنقري، وعمرو فقيه، وسعود البركاتي، وعبد الإله محمد وغيرهم، شريطة العمل تحت قيادة مؤرخين، ووفق قواعد وضوابط معينة ومنهج علمي بحت.