بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى: إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين [الذاريات:58]. فالـرزق مقـدر معلـوم، والإنسان في بطن أمه لم يكتمل بناء أو تشكيلاً، فلا يزيد رزقه عند خروجه على ما كتب ولا ينقص. روي عن عبد الله بن مسعود عن النبي قال: (( إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها، ألا فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله ، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته ))
ومعنى (روح القدس جبريل في روعي أي أخبرني) نعم لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فلماذا إذا يسرق السارق ، ويختلس المختلس ،طالما أن رزقه آتيه لا محالة ، إنه لو استقرت هذه الحقيقة في ذهنه لما عصى الله الكثير من الناس وتجرأ على محارمه , فالله ضمن حتى للبهيمة العاجزة الضعيفة قوتها: وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم [العنكبوت:60].
فكم من الطير والبهائم ما يدب على الأرض تأكل لوقتها ولا تدخر لغد فالله يرزقها أينما توجهت ، وعندما نسمع قول الله سبحانه وتعالى: الله يرزقها وإياكم نعلم علم اليقين أن الله تعالى هو يرزق الحريص والمتوكل في رزقه ، وبين الراغب والقانع ، وبين القوي والضعيف فلا يغتر جلد قوي أنه مرزوق بقوته ، ولا يتصور العاجز أنه ممنوع من رزقه بعجزه، يقول الله تعالى: وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين [هود:6]. فإنه يضمن للخليقة جمعاء رزقها فضلا منه لا وجوبا عليه، ووعداً منه حقاً، فهو لم يخلق الخلق ليضيعهم .
ولربما يخيل للبعض أنه بعلمه وقوته وفطنته يتحصل على الرزق، وليس الأمر كذلك، فالله أضاف الرزق إلى نفسه أي أنه هو مقسمه بين العباد ولايتصور أن ياكل فرد رزق غيره إذ يقول: كلوا واشربوا من رزق الله [البقرة:60]. فإذا تحصل الإنسان على رزقه بوسيلة أو بسبب ما فليعلم أن الله هو خالق هذه الوسيلة، وهذا السبب وهما كذلك من رزق الله. وما أعظم كلمة الأمام الرفاعي رضي الله عنه إذ يقول في أمر الرزق((علمت أن رزقي لن يأكله غيري فأطمئن بالي)) عندما يعلق المرء قلبه بالتوكل على الله مع الأخذ بالأسباب يرتاح باله وتهدء نفسه وما يحمل الحاسد على الحسد إلا مايثور في نفسه من نسيان أن الأرزاق بيد الله يعطي من يشاء ويمنع من يشاء لأنه هو تعالى خالق كل شئ الأسباب والمسببات والأحوال كلها والعباد كلهم في مشيئته أحوالهم وأرزاقهم ومحياهم ومماتهم . فسبحان الله الذي وسع علمه الأ شياء كلها وتحت مشيئته الأنفاس والأعمار والأرزاق.