بسم الله الرحمن الرحيم
إن الدين الذي ارتضاه الله لعباده دين يأمر بطهارة القلب والقالب وشرائع الأنبياء جميعاً حثت على تطهير النفس من الغل والحقد والحسد ومن الكفر والإلحاد والفجور، وتطهير الأبدان من النجاسات والأثواب من القذر والقلوب من الكبر والفخر والخيلاء على هذا دلت الشريعة المحمدية التى تصلح لكل الأزمنة وكل الأمكنة وكل شرائح المجتمع فالإسلام دين العقيدة الطاهرة من الشرك والخرافات والأهواء الفاسدة والشريعة السمحة الآمرة بالعفة والطهارة التي تعالج شؤون الحياة بما تتطلبه الفطرة من سرور وفرح ، ولباس وزينة محاط بسياج من الأدب الرفيع والحشمة يبلغ بالمتعة كمالها ونقاءها، وبالسرور غايته بعيداً عن الحرام، والظلم والعدوان والغل وإيغال الصدور، ومتطلبات الفطرة هذه جاءت في دين الإسلام مصاحبة ومرتبطة وملازمة للعناية بإصلاح المعتقد وسلامة الباطن فبل الظاهر: يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ [المدثر:1-5]
فتطهير العقيدة وتنقيتها من شوائب الشرك والمعاصي مذكورة مع تطهير الظاهر في بدن الإنسان وثوبه وبقعته ليجمع المسلم بين النظافتين ويحافظ على الطهارتين قال الله تعالى( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) لأن التوبة من الذنوب طهارة النفس وبعدها والتطهر من الدنس والنجس وإذا كان ذلك فإن الأخذ بالزينة والقصد إلى التجمل والعناية بالمظهر والحرص على التنظف والتطهر من أصول الإصلاح التي جاء بها ديننا وتميّز بها أتباعه المتمسكون بهذه الشريعة ولقد امتن الله تعالى على بني آدم بلبس الزينة كما قال سبحانه وتعالى: يَـٰبَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوٰرِى سَوْءتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26].
أنزل على عباده الجَمالَين اللباس والزينة تجمل ظواهرهم، والتقوى تجمل بواطنهم، وقال في أهل الجنة: وَلَقَّـٰهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً [الدهر:11، 12]. فجمّل وجوهم بالنضرة وبواطنهم بالسرور وأبدانهم بالحرير.
وفي حديث نبينا عليه الصلاة السلام الكثير من الحث والحض على التجمل والتنظف نذكر منها اليسير قال نبينا محمد : (خمس من الفطرة: الاستحداد، والختان، وقص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر) إنها الفطرة وسنن المرسلين التي حثت عليها الشرائع ودعت إليها الرسل الكرام.
وترك ذلك وإهماله مزرٍ بالجسم والشكل والمجتمع وتشبه بالدواب وبالوحوش والسباع بل تشبه بالمبتعدين عن صحيح الفطرة وسليم العقل و هدي الأنبياء المرسلين.
فالإسلام حريص على الأخذ بنظافة الجسد مع نظافة النفس وصفاء القلب مع نقاء البدن وسلامة الصدر مع سلامة الجسد وإن الشريعة لاتسمح للأمم والملل أن يعيشوا كما تعيش الوحوش في جزائر البحار، وكهوف الجبال، وأكواخ الأدغال، كلهم أو جلهم يعيشون عراة أو شبه عراة من غير مراعاة لنظافة الباطن والظاهر وحسن المظهر، إن المسلمين نماذج رائعة للطهر والجمال عندما ينفذون تعاليم دينهم في أبدانهم وبيوتهم وطرقهم ومدنهم.
ومساكين بعض من يولّون وجوههم شطر نظم وتقاليد وعادات يعجبون بها وهي لغيرهم أوهي أصيلة في دينهم إنما لغفلتهم استحسنوها من عند الغير ولو فقهوا دينهم لعلموا أن مصدرها ما جاء به الأنبياء أفضل بني البشر ، يتشبثون بها وعندهم خير منها، وفي دينهم والله ما هو أزكى وأتقى وأعلى وأنقى صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً [البقرة:138].
ومن مظاهر الطهر والنقاء والجمال والزينة في توجيهات الإسلام، وسلوك المسلمين المتمسكين به: فقد ثبت عن النبي أنه قال (الطهور شطر الإيمان) والصلاة أهم فرائض الإسلام بعد الشهادتين شرع لها التطهر من الحدث، والتنظف من القذر والنجس والوضوء على الوضوء نور على نور، والعبادات الطارئة كصلاة الجنازة والخسوف والكسوف وسجود التلاوة والعيدين وغير ذلك كلها تحتاج إلى الطهارة.
إنها الصلوات الخمس تنظف الباطن وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وضوءها ينظف الظاهر؛ قال صلى الله عليه وسلم (أرأيتم لو كان بباب أحدكم على نهر جار يغتسل منه خمس مرات أيبقى من درنه شيء) هكذا شبه النبي عليه الصلاة والسلام الصلاة مزيلة للذنوب كما يزيل الماء الوسخ عن الجسم إذا أغتسل منه خمس مرات، وحث أيضاً على التنظف والإغتسال لحضور الجماعة يوم الجمعة بقوله عليه الصلاة والسلام (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) و (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدّهن من دهنه ويمس من طيب بيته) بهذا جاء الخبر عن رسول الله .
وأمة محمد تعرف يوم القيامة بين الأمم بغرتها وتحجيلها من آثار الوضوء، والسواك مطهرة للفم مرضاة للرب وقص الشارب من التجمل والتنظف بحيث لايعلق بشعر الشارب دسم الطعام والشراب فكان من السنة تقصيره بحيث تظهر حمرة الشفة العليا، وورد أيضاً من كان له شعر فليكرمه بالغسل والدهن والترجيل والتطييب ومن السنة ترتيبه والإعتناء به لاأن يترك بمنظر يعافه الناس، وقص الأظافر من السنة، وغسل البراجم وهي مفاصل الأصابع، ونتف شعر الإبط وحلق العانة، واجتناب الروائح الكريهة من الثوم والكراث والبصل. والإغتسال المسنون كثير في السنة المطهرة غير ما ورد وجوباً كالغسل من الجنابة ونحو ذلك، والإنسان قد يحتمل من غيره ألوانا من الأذى ولكنه صعب أن يصبر على الرائحة المنتنة تنبعث من فم أو عرق أو غيرهما.
ويتأكد ذلك في المساجد التي يؤمّها المسلمون للطاعة وذكر الله والصلاة، ومن المستكره فتح الفم عند التثاؤب لما في ذلك من قبح المنظر وقلة الذوق وإيذاء الجليس وسرور الشيطان. وفي مقابل ذلك جاء الحرص على الطيب والحث على التطيب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ويكثر من التطيب وكان يعبق مجلسه بالروائح الزكية كالمسك والبخور وغيرها.
والتطهر والتنظف يمتد من الأبدان إلى البيوت والطرقات والمساجد ومجامع الناس؛ وَطَهّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْقَائِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ [الحج:26].
(وإماطة الأذى عن الطريق صدقة(.
زد على ذلك ما جاء في الشريعة من التبرء من النجاسات بالإستنجاء وعدم تلويث البدن والثوب بالنجس على الدوام فلاتصح صلاة من به نجس على البدن أو الثوب أو المكان، أما حسن الملبس وجمال الهندام فمطلوب قدر الاستطاعة وحسب ما يليق بالشخص من ستر العورة وحسن المظهر بين الناس من غير بطر ولاتكبر ولاإستعلاء على غيره وكما قال عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر؛ فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة؛ فقال عليه الصلاة والسلام: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس) ومعنى إن الله جميل أي جميل الصفات ولايُحملُ على جمال الصورة والمنظر لأن الله تعالى منزه عن الصورة والشكل والهيئة، وقبحٌ من البعض ذكر هذا الحديث عند رؤية المناظر الجميلة أو النساء الجميلات فأنه قد يوهم للمستمع أن الله جميلا الصورة والمظهر والله تعالى منزه عن كل صفات الخلق، ومن الناس أجلاف الفهم يظنون أن قصد الزينة تصنع وبهرجة لاتجمل ضمن حدود الحشمة والأدب، فيرد عليهم ابن الجوزي بقوله: وهذا ليس بشيء فإن الله تعالى زيننا لما خلقنا لأن للعين حظاً من النظر، قال: وقد كان رسول الله أنظف الناس وأطيب الناس، وكان لا يفارقه السواك، ويكره أن يشم منه ريح ليست طيبة.
فهو عليه الصلاة والسلام كامل في العلم والعمل فبه يكون الاقتداء وهو الحجة وبه القدوة ونعم الأسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن بعض الجهال يحسبون فوضى اللباس وإهمال الهيئة والتبذل المستكره ضرباً من العبادة أو الحرية ولاتعبير عن الفوضى، وربما ارتدوا المرقعات والثياب المهملات وربما خرقوا الثياب دلالة على التقليد الأعمى كما نرى في أيامنا وهم على خير منها قادرون ليظهروا جمالهم بالخلق الحسن والمعاملة الجيدة لابالثياب التى لاتألفها الطباع السليمة وهذا جهل وخروج عن الجادة.
إنه لا يطيق الروائح الكريهة والأقذار المستنكرة إلا ناقص الفطرة أو مغلوب، ومن دقق النظر في طبائع النفوس وأخلاق البشر رأى بين طهارة الظاهر وطهارة الباطن وطهارة الجسد واللباس وطهارة النفس وكرامتها ارتباطاً وثيقاً وتلازماً بيّناً.
إن هناك تلازما بين شرع الله اللباس للستر والزينة وبين تقوى الله في النفوس فكلاهما لباس فالتقوى لباس يستر عورات القلوب ويزيّنها والثياب تستر عورات الجسم وتزيّنها.
من تقوى الله يكون الحياء الذي ينبت الشعور باستقباح عري الجسد بشكل لاتقبله الفطرة والحياء منه، ومن لا يستحي من الله ولا يتقيه فلا يكترث أن يتعرى أو يدعو إلى التعري (إن لم تستحي فاصنع ما شئت) ومن أجل هذا فإن ستر الجسد بما أمر به الشرع ليس مجرد أعراف وتقاليد وتراثيات كما يزعم الهادمون لأسوار العفة والفضيلة ولكنها فطرة الله التي فطر الخلق عليها وشريعته التي أنزلها وكرّم بني آدم بها.
وعناية الإسلام بالنظافة والتجمل والصحة والتطهر جزء من عنايته بمظهر المسلم وحياته بين المجتمعات، إن المطلوب أجسام تجري في عروقها العافية، وتمتلئ أبدان أصحابها قوة وفتوة، فالأجسام المهزولة لا تطيق حملاً، والأيدي غير المعتادة على الطهارة بمعناه الحقيقي لا تقدم خيراً، ورسالة الإسلام أوسع في أهدافها وأصلب في كيانها من أن تحيا في أمة لاتهتم بالنظافة ولا تعتنى بجمال وزينة الباطن والبدن وبالخلق الجميل: يَـٰبَنِى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31] فما أجمل من التجمل بآدب الشرائع النبوية والحرص على طهارة النفس والظاهر والتجمل بالعمل الحسن والقول الحسن وقد قيل (كن جميلاً ترى الوجود جميلا)