الشباب هم عدة الأمة في حاضرها، ومعقد آمالها في مستقبلها، وهم وقودها في حربها وسلمها، وبفلاحهم يكون فلاح الأمة، وبضياعهم يكون ضياعها، لذا كان على الأمة أن تعدّهم إعدادًا حسنًا لحمل مسؤولية الأمة في غدها ومستقبلها.
وقد أدرك أعداء الإسلام أن قوة أي أمة تكمن في شبابها، فوجهوا سهامهم للنيل منهم، وأعملوا كل وسيلة لتخريب طاقاتهم، في وقت غاب فيه حماة الدين وتكالب أعداء الإسلام من كل حدب وصوب للقضاء على طاقات الأمة، والعمل على إفسادها، حتى حققوا ما أرادوا.
مشكلات متعددة
وعند تشخيص واقع شبابنا، نجد عددًا من المشاكل التي أصبحت تواجههم وتقف حائلاً أمام قيامهم بدورهم المنشود في خدمة الأمة وبناءها، ولعل من أهم هذه المشاكل:
أولا: ضياع الهوية الإسلامية، وذلك نتيجة سيطرة الإعلام اليهودي والغربي على الساحة العالمية، وما نتج عنه من تغلغل وغزو ثقافي استهدف عقيدة الأمة وتراثها، وذلك من خلال التشويه والتشكيك في عقيدتها ودينها، مُتبعًا في ذلك جملة من الوسائل منها:
· إضعاف العقيدة وزعزعة الإيمان عن طريق بث الصراعات الفكرية، وإثارة الشبهات، ونشر الأفكار والمبادئ الهدامة كالماسونية والبهائية والماركسية وغيرها.
· محاولة تجفيف المنابع الفكرية وتسميم الآبار المعرفية عبر رسائل الإعلام الرخيص.
· العمل على إفساد اللغة العربية والتهوين من شأنها،ووصفها بالقصور وعدم قدرتها على مواكبة تطور العصر، إضافة إلى نشر تعليم اللغات الأجنبية والترويج لها.
· العمل على تزييف التاريخ الإسلامي، والتشكيك في حوادثه وأخباره.
· العمل على إشغال المسلمين عامة والشباب منهم خاصة بالشهوات ووسائل الترفيه الفارغة، والتي تستهلك طاقات الأمة وأوقاتها فيما لا خير فيه.
· إفساد الأخلاق وإشاعة الفاحشة، وتشجيع الشباب والفتيات عليها تحت مسمى "التحرر" وإباحة الاختلاط والشذوذ الجنسي.
· استقطاب المرأة المسلمة، والتغرير بها، عن طريق دعاوى "تحرير المرأة" ومساواتها بالرجل.
· العمل على تجهيل العلم بحيث يفقد صلته بالخالق.
· العمل على "تغريب" الأمة عن دينها وطبعها بطابع المدنية الغربية.
ثانيا: غياب الوعي الديني والثقافي والسياسي، واستبدال ذلك بأفكار هدامة، وثقافات رخيصة تُمجد كل باطل وتافه، وتُعادي كل حق، ورافق ذلك ظهور ما يسمى بظاهرة "التحرير الفكري" الذي أخذ بَعْتَوِر كثيرًا من الشباب نتيجة اختلاطهم بمذاهب فكرية وتربوية مختلفة.
ثالثا: انتشار البطالة ضمن صفوف الشباب، نتيجة قلة فرص العمل المتاحة، وتدني الدخل الفردي مع انخفاض في مستوى المعيشة، كل ذلك دفع بدوره إلى بروز ظواهر جديدة بين الشباب كالفساد الأخلاقي والتحايل لتحصيل المال.. كما نتج عنه ظاهرة الهجرة وما رافقها من ترك الشباب لأوطانهم والبحث عن أماكن في بلاد الغرب تؤمن لهم العيش المناسب، هذا الوضع أدى في النهاية إلى ضياع الدين لدى كثير من الشباب المهاجر، إضافة إلى تفكك الروابط الأسرية والتحلل الخلقي.
رابعا: الثورة المعلوماتية والطفرة التحررية فيما يمكن أن نسميه بـ "ظاهرة الإنترنت"، فقد انتشرت شبكات "الإنترنت" في العديد بل في كل البلدان الإسلامية، والمتأمل يجد مفاسد عديدة ظهرت على أفواج الشباب ممن لم يُحسن استخدام هذه الوسيلة. ويكفي أن نذكر أن الإحصائيات تدل على أن نسبة 80 بالمائة ممن يدخلون مقاهي النت تقل أعمارهم عن 30 سنة، وأن أكثرهم يستخدمونه استخداما سيئا.
مصدر المشاكل
وإذا كانت تلك أهم المشاكل التي تواجه الشباب المسلم، فما هي الأسباب التي أدت إليها وساهمت في انتشارها وتفاقمها؟
لا شك أن هناك العديد من الأسباب التي دفعت بالواقع الشبابي إلى أن يصل إلى ما وصل إليه، وأقتصر هنا على ذكر أربعة أسباب هي:
(أ) غياب القيادة الحكيمة والقدوة الصالحة، والتي تعمل على ملء طاقات الشباب بمثل الحق والعدل وتوجهها صوب جادة الرشاد والسداد، فكان لهذا الغياب القيادي دور بارز في ضياع طاقات الشباب، وتشتيت أفكارهم وابتعادهم عن شرع الله ومنهجه.
(ب) غياب الممارسة الشورية على كافة الصعد، ابتداءً بالأسرة وانتهاء بالدولة، وما رافق ذلك من مصادرة للرأي الآخر، وتغييب لثقافة الحوار، حيث نجد الأب في بيته مستبدًا برأيه، فهو صاحب القرار والمنفرد فيه أولاً وأخيرًا، والحال كذلك في كافة مرافق الحياة كالمدرسة والجامعة والمصنع والإدارة.. ونتج عن هذا الوضع تهميش الرأي الآخر أو مصادرته وربما محاربته مما جعل الشباب يشعرون بالتهميش وأنه لا دور لهم في صنع القرار أو الحياة عموما.
(ج) عدم استثمار أوقات الشباب بما فيه خيرهم وصلاحهم، فقد أضحى الوقت - وهو عنصر الحضارة الأساسي – المورد الأكثر تبديدًا وضياعًا في حياة الشاب المسلم، وأصبح فن "إدارة الوقت" من الأمور الغائبة عن تفكير وسلوك الشباب، واستبدل ذلك باللهو واللعب، كالجلوس خلف شاشات التلفاز ساعات طويلة لمشاهدة المباريات الرياضية والمسلسلات الفارغة والأفلام الهابطة.
(د) سيطرة وسائل الإعلام الرخيص كالتلفاز والفيديو وما رافق ذلك من انتشار المحطات الفضائية وشبكات الاتصال العالمية، والتي لعبت دورًا مهمًا في زعزعة إيمان الشباب بعقيدته ودينه، وزرعت فيه روح الخنوع والكسل والتساهل، ويممت وجه شطر التغريب والتحديث.
سبل العلاج
وإذا كان واقع الشباب المسلم على الصورة التي سبق الحديث عنها، فما هو السبيل الذي ينبغي السير فيه للخروج من هذا الواقع المؤلم؟
لا شك أن تجاوز هذا الواقع لابد فيه من تضافر كافة الجهود الفردية والجماعية لإصلاح أوضاع الشباب المسلم للخروج به من الحال التي آل إليها، والأخذ بيده إلى جادة الرشد والصواب، ولعل مما يساعد على ذلك:
1- العمل على إيجاد القيادات الرشيدة والحكيمة، والعاملة وفق شرع الله ومنهج نبيه، كحمل أمانة الأمة وإخراجها من المآل التي أفضت إليه.
2- توفير فرص العمل للشباب، والقضاء على البطالة، وفتح أبواب الإبداع أمامهم ليستطيعوا خدمة أنفسهم وأمتهم.
3- سد أبواب الفتن وطرائق الفساد وسبل الانحراف، واستغلال أجهزة الدول وخاصة الإعلام في توجيه الشباب ثقافيا وعلميا واجتماعيا بما يليق بأمة تحمل هم إصلاح نفسها أولا ثم إصلاح العالم كله
4- العمل على غرس عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر، مع زرع خوف الله ومراقبته في نفوس الشباب، وتربيتهم على الرغبة فيما عند الله من الأجر والثواب. إضافة إلى تزويد شباب اليوم ورجال الغد بالقيم الإسلامية التي تحافظ على أصالة أمتهم وتراثها، مع الدعوة إلى الانفتاح على تجارب الآخرين والاستفادة من كل ما فيه خير وصلاح.
5- العمل على ربط شباب الأمة بعلمائها وأصحاب الشأن فيها، وتنمية حب العلم والعمل في نفوسهم، والحرص على إبراز شخصية الشاب المسلم بصورة المسلم الحقيقي، الراغب في إعمار الكون .
وأخيرًا فإن ما نسعى إليه هو أن نربي شبابًا تقيًا ورعًا عالما مجاهدًا، بصيرا بأمور دينه ودنياه يعتز بهويته وانتمائه إلى إسلامه، وتراث أُمته، ويقود أمته بالعلم والدين لتستعيد مكانتها التي كانت تتبوؤها والتي خلقت من أجلها وهي قيادة الدنيا والأخذ بيد الخلق إلى سبيل السعادة في الدنيا والآخرة.[/size]