بسم الله الرحمن الرحيم
نوح وهود وصالح عليهم السلام
الحمد لله الذي أرسل الأنبياء بالهدى ودين الحق ليظهره ولو كره الكافرون، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد أشرف المرسلين كلما ذكره الذاكرون.
قال الله تعالى: { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ (213) }[سورة البقرة].
لقد أرسل الله سبحانه وتعالى بعد النبي إدريس عليه السلام سيدنا نوحاً فكان نوح عليه السلام أولَ من أرسل إلى الكفار.
وبين إدريس ونوح عليهما السلام ألف سنةٍ وهي الجاهليةُ الأولى التي عناها الله بقول { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى (33)} [سورة الأحزاب] ولكنَّ نوحاً لاقى تعنتاً وتكبراً عن قبول الحق من أكثر الناس الذين كانوا متشبثين بكفرهم وضلالهم.
يقول الله تبارك وتعالى إخباراً عن نوح {قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا (24)}[ سورة نوح].
وأوحى الله إليه أنه لا يؤمن من قومك إلا من قد ءامن، وأوحى إليه أن يصنع سفينة بقوله تعالى:{ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا (37)} [سورة هود]، وعلّمه كيف يصنعها، وباشر نوح بذلك وكان قومه يمرون أمَامه ويقولون ساخرين: تعمل سفينة في البّر فكيف تجري.
فلما فرغ من صناعتها دخل فيها هو وكلُّ من ءامن ومن بينهم أولادُه الثلاثةُ يافثُ وحامٌ وسامٌ وأزواجُهم، وأدخل من البهائم أنثى وذكراً من البقر ومن الغنم ومن غير ذلك.
وأمر الله الأرض أن تُنبع ماءها والسماءَ أن تنزل ماءَها فالتقى الماءان ونجت السفينةُ ومن فيها وأغرق الله جميع الكفار الذين كذبوا نبيَّ الله نوحاً حتى الأطفالُ مع أمهاتهم هلكوا بالغرق.
ثم بلعت الأرض ماءها والسماءُ أمسكت ماءها وبعد مدّة نشفت الأرض مثلما كانت فنزل نوح والمؤمنون بعد أن استقرت السفينة على جبل الجودي بالعراق.
قال تعالى: { حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (40) وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)} [سورة هود].
وهؤلاء الذين كانوا مع سيدنا نوح ما جاءتهم ذرية إلا أولادُ سيدنا نوح الثلاثةُ يافثُ وحامُ وسامُ، فالبشر كلهم من عرب وعَجَم وهنود وزنوج من ذريتهم.
ثم بعد أن طال الزمن وقع بعض الناس في الشرك فصاروا يعبدون غير الله فبعث الله نبياً من العرب كان باليمن اسمه هودٌ فقام يدعو الناس إلى عبادة الله وحده، وقومه هم قوم عاد وكانوا أهلَ أوثان ثلاثة يعبدونها فآمن به من ءامن وكذّبه ءاخرون وقالوا: من أشدُّ منا قوةً.
فوعظهم ونصحهم بأن يعودوا عن غيهم وطغيانهم ولكنهم قالوا له { إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ (54)}[سورة هود] ثم ابتلاهم الله بالقحط حتى جَهَدوا لذلك جهداً شديداً، ودعا هود عليه السلام عليهم فبعث الله عليهم الريح العقيم وهي الريح التي لا تُلقح الشجر فلما نظروا اليها قالوا: هذا عارض ممطرنا.
فلما دنت منهم نظروا إلى الإبل تطير بها الريح بين السماء والأرض، فلما رأوها دخلوا إلى البيوت فدخلت عليهم فأهلكهم الله بالريح التي أخرجتهم من البيوت ورفعتهم إلى الهواء ثم رمتهم وقد انفصل الرأس من الجسد وقد استمر العذاب عليهم سبعَ ليالٍ وثمانية أيام، قال تعالى: { فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6)}[سورة الحاقة] والصرصر: ذات الصوت الشديد.
وبعث الله إلى ثمودٍ سيدنا صالحا عليه السلام يدعوهم إلى توحيد الله وإفرادهِ بالعبادة. وقالوا له: إن كنت نبياً مبعوثاً إلينا لنؤمن بك فأخرج لنا من هذه الصخرة ناقة وفصيلها. فأخرج لهم ناقة وفصيلها فاندهشوا فآمنوا به.
لأنه لو كان كاذباً في قوله إن الله أرسله لم يأتِ بهذا الأمر العجيب الخارق للعادة الذي لم يستطع أحد من الناس أن يعارضه بمثل ما أتى به فثبتت الحجة عليهم.
وكان شر بُها يوما وشربهم يوماً معلوماً، فإذا كان يوم شربُها خلُّوا عنها وعن الماء وإذا كان يوم شربهم صرفوها عن الماء.
وكانوا يحلبونها لبناً.
إلا أنهم عَتَوا عن أمر ربهم وعقروها، قال تعالى إخباراً عن سيدنا صالح أنه قال لهم: { تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)} [سورة هود] وقال لهم أيضاً: آية العذاب أن اليومَ الأول تصبح وجوهكم مصفرةً واليومَ الثاني محمرة واليومَ الثالث مسودة.
فلما أصبحوا فإذا وجوهُهُم مصفرةٌ، ولما أصبحوا اليومَ الثاني فإذا وجوهُهم محمرة كأنما خضبت بالدماء، ولما أصبحوا اليومَ الثالث فإذا وجوههم مسودة فصاحوا جميعاً: ألا قد حضركم العذاب.
فتكفنوا وتحنطوا ثم ألقَوا أنفسهم إلى ألرض وجعلوا يقلبون أبصارهم إلى السماء مرة وإلى الأرض مرة لا يدرون من أين يأتيهم العذاب.
فلما أصبحوا اليومَ الرابع أتتهم صيحةٌ من السماء فتقطعت قلوبهم في صدورهم فأصبحوا في ديارهم جاثمين.
وهكذا أهلك الله الكفرة الذين لم يؤمنوا بنوح عليه السلام وأهلك عادا وثمودا ونصر رسله الذين صبروا في الدعوة إلى الله والمؤمنين الذين ثبتوا على الحق و التوحيد.