[frame="1 70"]
في نظري ستستطيع هيئة الترفيه بتعاون الناس وحرص القيادة استيعاب الخروج من مأزق المخالفة، فيما صح النهي عنه ولم يختلف فيه، وسيمكنها استيعاب الشباب وفتح باب عظيم لعلاج كثير من الخلل، وسد كثير من الثغرات..
"ياحنظلة، ساعة وساعة". جملة لا تكاد تخفى على مسلم، وليست مجرد عبارة قيلت، ولكنها تقعيد نبوي صاغ عبارته من لا ينطق عن الهوى، وإليه في معرفة الوحي والشريعة المنتهى؛ لأن الذي أرسله سبحانه قال عنه "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" وللحديث قصة، وهي أن حنظلة قال "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوعظنا، فذكر النار، قال: ثم جئت إلى البيت فضاحكت الصبيان ولاعبت المرأة، قال: فخرجت فلقيت أبا بكر فذكرت ذلك له، فقال: وأنا قد فعلت مثل ما تذكر، فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله نافق حنظلة فقال: "مه" فحدثته بالحديث. فقال أبو بكر: وأنا قد فعلت مثل ما فعل. فقال: "يا حنظلة ساعة وساعة، ولو كانت قلوبكم كما تكون عند الذكر، لصافحتكم الملائكة، حتى تسلم عليكم في الطرق". وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم كررها ثلاث مرات، وهو تأكيد منه على ساعة الاستجمام والترفيه عن النفس لتتقوى لساعة الذكر والعبادة وإعطائها حقها من المراح والمزاح والأكل والشرب والتنزه والفسحة.
وليس في الحديث ما يقلل أو يهون من تلك الساعة، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم ساوى بين الأمرين حرفًا ولفظًا وأكد ذلك ثلاث مرات حتى لا يبقى لمنكر حجة للحيلولة بين النفس وبين ساعتها من التوسعة الربانية، فليس الأمر كما صُوّر أو يحاول تصويره بعض المتزهدين قديماً وحديثًا من التضييق والتزهيد في ساعة الفسحة التي أكد عليها من لم ينطق عن الهوى، وقد كانت سيرته صلى الله عليه وسلم مليئة بما نقوله ونذكره دائمًا من العفويات البشرية؛ من مراح ومزاح وابتسامة، فاليوم والليلة ليس كله عبادة ولا كله ذكر فلا يغلب هذا على هذا فهي ساعة وساعة، وليس كل حديثي لإثبات هذه الساعة وأحقيتها فهذا لا ينكره إلا متعصب لنفسه وليس لسلف من الأمة، ولكن سيكون كلامي عن تنظيم وترتيب هذه الساعة وجعل لها هيئة ترتب أمر الناس في تنظيم أوقاتهم والترويح عن أنفسهم، وهذا أمر يدعو إليه العقل قبل الشرع، فما دام أن اللهو جائز بل وضروري للنفس فكل مسلم له هذا الحق، ولا يخفى على أحد الفرق الشاسع والبون الواسع بين عصرنا وعصر النبوة، فقد تكاثرت البشرية وتوسعت المدن بما يستحيل معه ممارسة الهوايات والإبداعات بشكل فردي، فمثلاً لو سألنا أي فقيه عن لعب "كرة القدم" لأجاب "جائز" مع ضوابط يضعها الفقه، فلو أن كل شاب أخذ كرة ورمى بها بين قدميه هو ونفر من صحبه أمام منزلهم لحصلت بذلك الفوضى وقطعت الطرقات وكثرت الحوادث، فلزم تخصيص النوادي والملاعب لتستوعب هذه الطاقة في الشباب، وهكذا في كل المجالات، كما هو أيضًا في غير الترفيه، فعندنا مثلاً في الجانب الشرعي وهي الساعة التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم للعبادة والذكر وما شابه، فقد بنيت الجامعات الشرعية وأقيمت المجمعات الفقهية وفتحت المؤسسات والجمعيات الخيرية، فأين هذا في زمن النبوة؟ الجواب لا يوجد. ولكنها المصالح المرسلة التي تدعو إليها الحاجة في مواجهة الانفجار السكاني والعمراني، وفي أيامنا هذه يتردد الحديث عن "هيئة الترفيه" ويركز كثيرون على ما يرونه مخالفاً للشريعة، وفي نظري ستستطيع هذه الهيئة بتعاون الناس وحرص القيادة استيعاب الخروج من مأزق المخالفة، فيما صح النهي عنه ولم يختلف فيه، وسيمكنها استيعاب الشباب وفتح باب عظيم لعلاج كثير من الخلل، وسد كثير من الثغرات والحاجة التي كان يطلبها المواطن فلا يجدها، وليس ذلك بعيدًا عن الشرع، بل هي من صميمه.
وقد يتذرع بعض الناس للإنكار بأشياء هي خلافيات فقهية، ليست ثوابت عقدية، أو منهيات قطعية، دأب على تمريرها أئمة الأمة، وسلك مسلكها أيضًا أئمة، فما كان من هذا الباب فليس لي ولا لأحد رفع عائق الإنكار، فليس أحد بأحق بالدليل من الآخر، واختيار ولي الأمر يرفع الخلاف. هذا، والله من وراء القصد.
-----------------------------------------------
الثــــــــــــــلإثأأاء29يناير كانون2019مـــــ.
منصــــــــور..
[/frame]