ينطوي القرآن الكريم على عديد من القصص .أهمها قصص الأنبياء وترد قصص الأنبياء في القرآن كجزء من نسيجه الديني ،بمعنى أن القصة في القرآن ليست عملاً فنياً مستقلاً في موضوعه وطريقة عرضه وإدارة حوادثه..شأن القصة الفنية الحرة ..إنما ترد القصة في القرآن مقيدة بغرض ديني..وترد أساساً للدعوة أو للدعاية لهذا الغرض الديني . ولقد كان المفروض..طبقاً لهذا التقييد ..أن تجيء القصص خالية من القيمة الفنية..ونحن نعرف الآن..أنه يستحيل على كاتب من البشر، أن يوظف فنه للدعاية لشيء ويستطيع أن ينتج فناً في نفس الوقت ... يثير الدهشة العميقة ..أن ينكسر هذا القانون النقد ى في قصص القرآن...فإذا نحن أمام قصة تدعو مباشرة لشيء ..بينما هي في نفس الوقت عمل فني معجز.... ولعل هذه أول إشارة لافتة لأعجاز القرآن وكونه من عند الله تعالى يستحيل على بشر..مهما أوتى من عبقرية فنية..أن يقدم أدباً و دعاية في نفس الوقت..يستحيل أن يقدم فناً معجزاً و دعوة مباشرة في نفس الوقت..غير أن قصص الأنبياء في القرآن تفعل هذا كله بشكل ناعم لا تحس فيه بالجهد ..وإنما يدهشك أن يكون الأمر غير ما هو كائن . هذه واحدة....وهناك ملاحظة أخرى .. من المعروف أنه يستحيل على كاتب قصة بشرى ، مهما تكن درجة كفاءته ونبوغه ككاتب..أن يحكى لك نفس القصة ثلاث مرات أو خمس مرات أو عشر مرات ، ثم يحتفظ بنفس مستواه في المرات العشر ..لابد أن يهبط مستواه في تسعة أعشار ما يحكيه..ولابد أن يكرر نفس ما قاله بنفس التأثير الأول ..لا يمكن أن يأتي بجديد ...هذه مسألة بديهية . غير أنك تنظر في قصص القرآن ، فيروعك أن ترى القصة مقدمه عشر مرات ..يحكيها الله عشر مرات أو خمس عشرة مرة..نفس القصة ..بنفس المستوى ..بتأثير مختلف .. يظل مستوى القصة في الذروة رغم تكررها..ويتغير تأثيرها و إيحاؤها بكلمة تضاف أو جزء يحذ ف أو عبارة جديدة ، أو جملة لم تكن موجودة ..أو مجرد ظل لخاطر نفسي لم يُقدم قبل ذلك ....شيء معجز يقطع بأن صاحب قصص القرآن ليس هو النبي البشر...إنما هو رب العالمين سبحانه . وهذه معجزة في فن الكتابة . لا ترى لها مثيلاً في أي كتاب على الأرض غير هذا الكتاب الكريم الذي أسلمه لنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ..وهو رجل لم يكن يكتب ولم يكن يقرأ