وعند مسلم في صحيحه قال ابن عباس رضي الله عنهما : حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
عاشوراء وأمر بصيامه . قالوا : يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى ، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع . قال : فلم يأت العام المقبل حتى توفي
رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي رواية له : لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع . يعني مع العاشر .
الفوائد من هذه الأحاديث :
1- أن الشكر العملي هو دأب الأنبياء والصالحين شكر لله عز وجل على ما أولى من نِعم ،
وما دفع من نِقم . ولذا قال عز وجل : ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ )
قال ثابت البناني : بلغنا أن داود نبي الله جزّأ الصلاة على بيوته على نسائه وولده ، فلم تكن تأتي
ساعة من الليل والنهار إلا وإنسان قائم من آل داود يصلي ، فعمتهم هذه الآية
( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) شكر لله بالفعل قبل القول ،
وإن كان الشكر لا يتم إلا بالاعتقاد وبالقول وبالفعل .
2 – أن النافع الضار هو الله سبحانه ، وإلا فإن فرعون قد أتى بخيله ورجله ، وحشد قواته ،
وجمع أتباعه ، فلم ينفعه ذلك بشيء .
3 – أن يقين الأنبياء بالله أعظم يقين . ولذا حكى الله خبر نبيِّه موسى عليه الصلاة والسلام ، فقال :
( فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ
فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) .
4 – أننا أحق بموسى من اليهود ، كما أننا أولى بإبراهيم من الصابئة . لأننا نعتقد عقيدتهم ،
ونسير على نهجهم ، ونؤمن بما جاءوا به .
قال سبحانه : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ )
فنحن أحق بموسى ولذا قال بعض علماء أهل السنة : نحن أولى بالحسين من الرافضة . لأننا أحببناه
وما خذلناه ، ولا غلونا فيه ولا في أبيه وجدّه صلى الله عليه وسلم .
5 – حرصه صلى الله عليه وسلم على مخالفة اليهود والنصارى ، ولو لم يقصد التّشبّه فإنه صلى الله عليه
وسلم عزم على مخالفة اليهود في إفراد ذلك اليوم بالصيام ، وذلك بضمّ يوم إليه ، سواء كان قبله أو بعده
إلى غير ذلك من الفوائد والدروس المستفادة من هذه الأحاديث .
إخواني أخواتي يجدر بنا ونحن نستقبل هذا العام الهجري الجديد أن نستقبله بعمل صالح نفتتح به عامنا هذا ،
ونوّدع به عاماً مضى ، بل نودّع فيه ذنوب عام مضى .
وذلك بصيام يوم العاشر مع يوم قبله أو يوم بعده . ولذا قال عليه الصلاة والسلام عن صيام يوم عاشوراء :
احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله . رواه مسلم .
وقد يرد السؤال : إذا كان المسلم صام يوم عرفة وهو يكفر سنة قبله وسنة بعده ، فلِمَ يصوم يوم عاشوراء ؟
فالجواب : أولاً : أن الصيام من الأعمال الصالحة التي إن لم تكن مكفِّرات فإنها رفعة في الدرجات .
وثانيا : أن النوافل تسدّ الخلل وتكمل النقص الحاصل في الفرائض ، فصيام التطوع يُكمل ما نقص من صيام الفرض .
قال صلى الله عليه وسلم : أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة . قال : يقول ربنا عز وجل
للملائكة - وهو أعلم - انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها ؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة ، وإن كان انتقص
منها شيئا قال انظروا هل لعبدي من تطوع ؟
فإن كان له تطوع قال : أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ، ثم تؤخذ الأعمال على ذلك . رواه الإمام أحمد وغيره ،
وهو حديث صحيح . لنحرص على الأعمال الصالحة ، ولنتعرض لنفحات ربنا جل جلاله وتقدّست أسماؤه .
والله تعالى أعلى وأعلم .