الســـلام عليكـــم ورحمـــة الله وبـركــاتــه
صبــاح الخيـــر
حال الناس في الحياة الدنيا لا يخرج عن ثلاث فئات:
( مؤمن )
أو
( كافر )
أو
( منافق )
والله سبحانه وتعالى في بداية القرآن الكريم في سورة البقرة، أعطانا وصف البشر جميعا بالنسبة للمنهج وأنهم ثلاث فئات:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ
الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)
آيات قليلة ولكنها جامعة مانعة ترتسم فيها ثلاث صور:
الصوره الاولى : تبين صفات المؤمنين.
الصوره الثانيه : تبين مقومات الكفر في كل أرض وفي كل حين.
الصوره الثالثه : صورة تتلوى في الحس وتزوغ من البصر وتخفى وتبين .
أتت صفات المؤمنين المتقين في ثلاث آيات ..
ثم أتت صفات الكافرين في آيتين ..
بعد ذلك بين الله سبحانه وتعالى صفات أخطر الخلق على الإسلام وأهله، فعرف صفاتهم في ثلاث عشرة آية متتابعة، لماذا..؟
لأن الذي يهدم الدين هو المنافق، كونه يتظاهر أمامك بالإيمان، ولكنه يبطن الشر والكفر، وقد تحسبه مؤمنا، فتطلعه على أسرارك، فيتخذها سلاحا لطعن الدين، بينما الكافر فنحن نقيه ونحذره، لأنه يعلن كفره.
وقد خلق الله في الإنسان ملكات متعددة، ولكي يعيش في سلام مع نفسه، لابد أن تكون ملكاته منسجمة وغير متناقضة، فالمؤمن ملكاته منسجمة،، لأنه اعتقد بقلبه في الإيمان ونطق لسانه بما يعتقد، فلا تناقض بين ملكاته أبداً..
والكافر - قد يقال - أنه يعيش في سلام مع نفسه، فقد رفض الإيمان وأنكره بقلبه ولسانه وينطق بذلك ،،،
ولكن الذي فقد السلام مع ملكاته هو المنافق:
لأنه فقد السلام مع مجتمعه وفقد السلام مع نفسه، فهو يقول بلسانه، ما لا يعتقد قلبه، يظهر غير ما يبطن، ويقول غير ما يعتقد، ويخشى أن يكشفه الناس، فيعيش في قلق عميق، وهو يعتقد أن ذلك شيء مؤقت سينتهي. ولكن هذا التناقض يبقى معه إلي آخر يوم له في الدنيا، ثم ينتقل معه إلي الآخرة، فينقض عليه، ليقوده إلي النار ..
انها صورة المنافقين التي تتلوى في الحس وتروغ من البصر وتخفى وتبين صورة ليست في شفافية الصورة الأولى وسماحتها . وليست في عتامة الصورة الثانية وصفاقتها ..:
إنها صورة واقعة في المدينة ؛ ولكننا حين نتجاوز نطاق الزمان والمكان نجدها نموذجا مكررا عبر الأجيال البشرية ..
فهم يدَعون الإيمان بالله واليوم الآخر!..
وهم في الحقيقة ليسوا بمؤمنين، إنما هم منافقون لا يجرؤون على الإنكار والتصريح بحقيقة شعورهم في مواجهة المؤمنين .
وهم يظنون في أنفسهم الذكاء والدهاء والقدرة على خداع هؤلاء البسطاء ؛ ولكن القرآن يصف حقيقة فعلتهم ، فهم لا يخادعون المؤمنين ، إنما يخادعون الله كذلك أو يحاولون:
(يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ .. )ولكن لماذا يحاول المنافقون هذه المحاولة ؟ ولماذا يخادعون هذا الخداع ؟
( في قلوبهم مرض . . )
في طبيعتهم آفة . في قلوبهم علة . وهذا ما يحيد بهم عن الطريق الواضح المستقيم . ويجعلهم يستحقون من الله أن يزيدهم مما هم فيه:
( فزادهم الله مرضا . . )
فالمرض ينشىء المرض ، والانحراف يبدأ يسيرا ، ثم تنفرج الزاوية في كل خطوة وتزداد، سنة لا تتخلف، سنة الله في الأشياء والأوضاع، وفي المشاعر والسلوك، فهم صائرون إذن إلى مصير معلوم، المصير الذي يستحقه من يخادعون الله والمؤمنين :
( ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون . . ) .
وصفة أخرى من صفاتهم - صفة العناد وتبرير - :
( وإذا قيل لهم: لا تفسدوا في الأرض ، قالوا:إنما نحن مصلحون . ألا إنهم هم المفسدون ، ولكن لا يشعرون . . ) ..
إنهم لا يقفون عند حد الكذب والخداع، بل يضيفون اليهما السفه والادعاء: وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض . .
لم يكتفوا بأن ينفوا عن أنفسهم الإفساد ، بل تجاوزوه إلى التبجح والتبرير: قالوا: ( إنما نحن مصلحون . . ) !!!
والذين يفسدون أشنع الفساد ، ويقولون: إنهم مصلحون ، كثيرون جدا في كل زمان، يقولونها لأن الموازين مختلة في أيديهم، ومتى اختل ميزان الإخلاص والتجرد في النفس اختلت سائر الموازين والقيم، والذين لا يخلصون سريرتهم لله يتعذر أن يشعروا بفساد أعمالهم، لأن ميزان الخير والشر والصلاح والفساد في نفوسهم يتأرجح مع الأهواء الذاتية ، ولا يثوب إلى قاعدة ربانية . .
ومن ثم يجيء التعقيب الحاسم والتقرير الصادق:
( ألا إنهم هم المفسدون ، ولكن لا يشعرون . .) ..
إذا فالمنافقون يقفون ضد الإسلام من داخله، فالناظر إليهم يحسبهم مسلمين مؤمنين، وهم منافقون يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر الدفين فالله حسيبهم....
وبعد تمام استعراض الصور الثلاثه يرتد السياق في السورة نداءا للناس كافة وآمرا للبشريه جمعاء أن تختار الصوره الكريمه المستقيمة ( يآأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم )
ثم يعرض مشهدا مرعبا , وهو صورة الناس والحجارة ( فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة ..) ومشهد النعيم الذي ينتظر المؤمنون (وبشر الذين آمنوا ...)