عن وائل بن حُجر ـ رضي الله عنه ـ قال : لأنظرنّ إلى رسول الله كيف يصلّي ؟
فنظرت إليه ، فكبَّر ، ورفع يديه … إلى أن قال : ثم قعد … ثم رفع أصبعه ورأيتُه يُحركها ، يدعو بها .
فهذه رواية صحيحة صريحة في تحريك الأصبع ، وجاء وصف فعله بـ (( يحرِّك )) وهو فعل مضارع ، يفيد الاستمراريّة حتى تسليم المصلّي و فراغه من صلاته ، ويدل على ذلك ، قوله :
((يدعو بها)) ، فما قيّده بعض الفقهاء من أن الرفع يكون عند ذكر لفظ الجلالة أو الاستثناء ، مما لا دليل عليه البتة.
قال الشيخ العظيم آبادي معلقاً على الحديث : وفيه تحريكها دائماً وثبت في ((صحيح مسلم)) : (2/90) وغيره عن عبد الله بن الزّبير ـ رضي الله عنهما ـ قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصّلاة ، جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه ، وفرش قدمه اليمنى ، ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ،ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ، وأشار بأصبعه .
فإن قيل : أليس العمل بهذا الحديث مقدّم على العمل بالحديث الأوّل ، لا سيما :
أولاً : أنه وردت في بعض الروايات زيادة في حديث ابن الزبير : ((يشير بأصبعه إذا دعا ، ولا يحركها)) كما في ((سنن أبي داود)) : رقم (989) .
ثانياً : أن البيهقي في ((سننه)) : (2/130) قال : يحتمل أن يكون المراد بالتحريك : الإشارة بها ، لا تكرير تحريكها ، فيكون حديث وائل موافقاً لحديث ابن الزبير .
قلت : لم تثبت زيادة ((ولا يحركها)) ، لأن الحديث من رواية محمد بن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه ، وابن عجلان متكلم فيه ، وقد رواه عنه أربعة من الثّقات دون قوله : ((لا يحركها)) وكذلك رواه ثقتان عن عامر ، فثبت بذلك شذوذ هذه الزيادة وضعفها ، وحسبك دلالة على وهنها أن مسلماً أخرج الحديث – كما سبق – دونها من طريق ابن عجلان أيضاً ،
((اختلفوا في تحريك أصبع السبابة ، فمنهم من رأى تحريكها ، ومنهم مَنْ لم يره ، و كل ذلك مرويٌّ في الآثار الصحاح المسندة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وجميعه مباح ، والحمد لله)).
وهذا اختيار الأمير الصنعاني في ((سبل السلام)) : (1/187 – 188) ومن قبله : الرافعي ، كما حكاه المباركفوري عنه ، ومن ثم أيّده بقوله :
((والحق ما قال الرافعي ومحمد بن إسماعيل الأمير))و الأرجح وفقاً للقاعدة الفقهية : ((المثبت مقدَّم على النافي)) التحريك
وأخيراً . . . لا بُدَّ من التّنبيه على ما يلي :
[ 12/22] أولاً : أنه قد ورد في بعض الروايات : ((رأيت رسول الله وهو قاعد في الصلاة . . . . رافعاً إصبعه السبابة ، وقد حناها شيئاً ، وهو يدعو)) .
ولكنه ضعيف الإسناد ، لأن فيه مالكاً بن نمير الخزاعي وقد قال فيه ابن القطان و الذهبي :
((لا يعرف حال مالك ، ولا روى عن أبيه غيره)) .
قاله الألباني ، وقال أيضاً ولم أجد حني الإِصبع إلا في هذا الحديث ، فلا يشرع العمل به بعد ثبوت ضعفه ، والله أعلم ))
[ 13/22] ثانياً : ورد في بعض الروايات أن النبي أشار بالسبابة ثم سجد ، فتكون الإِشارة بين السجدتين مشروعة أيضاً !! ولكن هذه الرواية تخالف جميع الروايات الأخرى التي لم تذكر فيها السجدة بعد الإِشارة ، فتكون الرواية السابقة شاذة ، وعليه فلا يشرع للمصلّي تحريك سبابته بين السجدتين .
منقول