[frame="15 98"][frame="14 98"]
لسان المرء طوع إرادته، يحركه بما يشاء، وكيف يشاء؛ إذ يستطيع استخدامه في الشر، وكذا في الخير، ويمكنه أن يقول به الكلمة الطيبة، وكذا الكلمة الخبيثة، ويقدر به أن يسعى بين الناس بالفساد، وكذا بالإصلاح.
ولخطورة اللسان قيل فيه: المرء بأصغريه (قلبه ولسانه)، واللسان أداة البيان، والمرء مخبوء تحت لسانه، لا تحت طيلسانه، واللسان سَبُع صغير الجِرم عظيم الجُرم، وكلم اللسان أنكى من كلم السنان.
ورد عن الجاحظ قوله: اللسان أداة يظهر به البيان، وشاهد يعبّر عن الضمير، وحاكم يفصل بين الخطاب، وناطق يرد به الجواب، وشافع تدرك به الحاجة، وواصف تعرف به الأشياء، وواعظ ينهى عن القبيح، ومبشر ترد به الأحزان، ومعتذر تذهب به الأضغان، وزارع يحرث المودة، ومُلهٍ يونق الأسماع، وحاصد يستأصل العداوة، وشاكر يستوجب المزيد، ومؤنس يسلي الوحشة.
قال بعض العرب لرجل وهو يعظه في حفظ اللسان: إياك أن يضرب لسانك عنقك؛ إذ مقتل الرجل بين فكَّيه.
وورد عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قوله: "والذي لا إله إلا هو، ما على الأرض شيء أحق بطول السجن من اللسان".
ورد عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أنه سأل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قائلاً: هل نحن محاسبون على ما نقول؟ فأجابه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وهل يكبّ الناس يوم القيامة على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)).
وقد دعا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لابن عباس - رضي الله عنهما - فقال: ((اللهم ارزقه قلبًا عقولاً، ولسانًا مسؤولاً)).
ورغب بعض الصحابة - رضوان الله عليهم - في أن ينصحهم رسول الهدى - عليه الصلاة والسلام - ويوجههم لخير الأمور، فقال - عليه الصلاة والسلام - لأحدهم: ((لا تكذب))، وقال لآخر: ((أعنّي على نفسك بكثرة السجود))، وقال لثالث: ((نِعمَ الرجل عبدالله؛ لو كان يقوم الليل))، وقال لرابع: ((لا تنسَ يا أخي من صالح دعائك))، وقال لخامس: ((ليكن لسانك رطبًا بذكر الله - عزَّ وجلَّ)).
ولسائل أن يقول: وكيف يكون لساني رطبًا؟! نقول إن اللسان الرطب مشغول دائمًا بالاستغفار والتسبيح لله - عزَّ وجلَّ - والتهليل والتحميد لله - جل جلاله - والترجيع والاستعانة بالله - جل شأنه - والتكبير والحوقلة، وقراءة القرآن، والأدعية المأثورة، وأوراد الصباح والمساء، والنصيحة الصادقة بالحكمة واللين.
حكي أن أحد الناصحين دخل على هارون الرشيد، فقال له: إني قائل قولاً شديدًا، فتحمَّل، قال: لا، ولا كرامة؛ فإن الله - تعالى - بعث من هو خير منك (موسى وهارون - عليهما السلام) إلى من هو شرّ مني (فرعون مصر)، ومع ذلك قال - سبحانه - لهما: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ﴾[طه : 44].
فما أحرى كل مسلم أن يكون لسانه رطبًا بذكر الله - تعالى[/frame][/frame]