المدرسه المحمديه رحمه وحب واخلاص
بسم الله الرحمن الرحيم
إن محمدًا- عليه الصلاة والسلام - هو تاج التاريخ البشري ،، وعمق المسيرة الإنسانية ،، وهو المثل الاعلى للعالمين ،، والأسوة الحسنة للسالكين ،، إمام الفضيلة ،، وقُدوة المُثل العُليا ، ومضرِب المَثَل الراشد ، وقِبلَة القلوب المؤمنة ،، هو رسول مع أنه بشر ،، ونبي ولو أنه إنسان ،، فهو الطهر كله،، وزحزحهم به من المعاطب ،، وأخرجهم به من الظلمات إلى النور ،، فصلى الله وسلم عليه ما هب النسيم ،، وجرت الريح ،، وهطل المطر ،، وتلآلآ الضياء ،، ولمع البرق ،،وقصف الرعد .......
إن خير ما يتدارسه المسملون ويُعنى به الباحثون والكاتبون : دراسة السيرة المحمديه، إذ هي خير معلم ومربي ومهذب ومؤدب وأعظم مدرسة تخرج فيها الرعيل الاول من المسلمين والمسلمات.....
وقد كان من هؤلاء الخريجون من مدرسة المحمديهخبيب رضي الله عنه
خبيب في مكة
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه في سرية بقيادة عاصم بن ثابت رضي الله عنه فـأسرهم المشركون ،،فقاتل بعضهم حتى قتلوا ،، واستسلم ثلاثة منهم تحت العهد والميثاق ألا يقتلوا ،، فـأسر خبيب رضي الله عنه وكان ينتظر القتل ،، وفي أسره عبر أي عبرر......
جاء في صحيح البخاري : أن خبيبًا رضي الله عنه كان قد تهيأ للموت وهو في الأسر فطلب من صاحبة البيت موسـًا حتى يستحد بها ،، ويزيل شعره من بدنه ،، وفي هذه الاثنــاء تسلل إليه طفل صغير من أطفالهم ....
تقول صاحبة البيت : ما إن فقدت الطفل حتى شعرت باللوعة والخوف ، أين ذهب ابني ؟؟ ،، فنظرت فإذا هو في فخذ خبيب ،، فأصابني ما أصابني ، وقلت: السكين في يده والطفل في حجره وهو رجل مأسور ينتظر الموت ،، فلا بد أنه ياخذ بثأره فورًا ،، ويقتل هذا الطفل بنفسه .
لقد عرف خبيب مافي نفسها وابتسم وقال لها : أتخشين أن أقتله ؟؟ والله ما كنت لافعل .
إن أثر هذا الدين في التربية الراقية التي يغرسها في ابنائه ليست من خلال الادعاءات العريضة والشعارات الجوفاء ،، بل من خلال الممارسة العلمية الصغيرة والكبيرة ،، فإن هذا الصحابي الأسير ما أقبل على أي عمل ،، مع أن العاطفة البشريه قد تحمله على أن يعمل عملاً ما ،، لكن المصطفى رباه على تعاليم الاسلام بحيث أنه لم يفكر في أن ينتقم ويقتل هذا الطفل البريء .....
هذا المعنى العظيم يجب أن يجدد اليوم واقع المسلمين ،، ويؤكد للعالم أجمه أن هذا القيم العظمى هي قيم الإسلام ،، وأن المسلمين حتى من خلال الحرب كانت وصية نبيهم صلى الله عليه وسلم إليهم أن لا تقتلوا وليدًا ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأة ً ولا اصحاب الصوامع ... إلى أخر ماهو معروف في وصايا النبي صلى الله عليه وسلم ووصايا أبي بكر وعمر ضي الله عنهما ......
نحن اليوم أمام ما يسمى بالحرب ضد الإرهاب والتي وجدنا انها عرت الكثير من الإدعاءات التي تقال عن حقوق الإنسان ،، خصوصًا حين تنتقل الجيوش إلى دول غير دولها ،، فــأصبح هناك عدوام ،، وتعذيب ،، وإطاحة بالإنسانية ،، واستخاف بالبشريه ،، ويصاحب ذلك حملة هائله وضخمة ومضللة من ادعاءات تتعلق بالحفاظ على حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية ،، لكن الإسلام ينشر هذه الحقوق بطريقته الخاصه وهذه القصه هي أبلغ تعبير يجب أن يصل للمسلمين كما تصل لغيرهم .....
طفل صغير في حجر رجل يتهيأ للموت وظلماً وعدوانًا وقهرًا ،، فقد أخذ بالخدعة والعهد والميثاق ،، ومع ذلك يقول لها : لا تخافي على طفلك ،، ما كنت لآقلتـــه ...
هذه تربية محمد صلى الله عليه وسلم ((( أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك))
أين شباب المسلمين من هذا المعنى : ألا تقتل طفلاً ،، ولا امراة ولا شيخًا ولا بريئًا - يعني : ممن لا يقالتون - وهذا حينما تكون منهكما في معركة شرعية واضحة المعالم مع عدوك ،، فكيف إذا كانت القضية فيها لبس ؟؟ فكيف إذا كانت القضية فيها عدوان والله سبحانه يقول ((﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)) ويقول سبحانه في محكم التنزيل في غير ما موضع ((وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى )) وفي الآيه الاخرى ((وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا ))
من عصى الله فيك فحقه أن تطيع الله فيه ،، فى تخن من خانك ،، ولا تظلم من ظلمك ، ولا تغدر من غدر بك ،، ولا تهتك عرض من هتك عرضك .....
هذه قيم وأخلاقيات حتى في الحرب يقرهها الاسلام لأبنائـه ...
موقف أخر : يخرج خبيب بن عدي ضي الله عنه من مكة ليقتل
فيقال له : يا خبيب أتحب أن محمدًا عندنا الآن نضرب عنقه و أنك في أهلك ؟
قال (( والله ما أحب أن محمدًا الآن في مكانة الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلــي))
يعني : أفضل أن أموت على أ تصيب النبي صلى الله عليه وسلم شوكة في رجلة .....
إن هذا هو الإيمان والشعور بنعمة الله تعالى عليك ببعثة هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ،، كما قال تعالى ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ))
فهو يفدي النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وأهله وماله وولده وحتى في هذا الموقف يؤمن فيه الكافر ،، ويعي فيه الشاعر ،، ويصدق فيه الكاذب ،، كان تعبير خبيب ابن عدي تعبيرًأ عن كل الذين أحبوا النبي صلى الله عليه وسلم من أعماق قلوبهم ،، وأدركوا عظيم أثره في حياتهم ،، وأنه هو القيادة النبوية التي أخترها الله تعالى لهذه الامة ،، فهو حظنا من النبييين ،، كما نحن حظه من الأمم ،، ولذلك فإن حبه صلى الله عليه وسلم مغروس في أعماق أعماق القلوب ،، والذين لم يعرفوا طعم محبته صلى الله عليه وسلم لم يذقوا طعم الإيمان بالله عز وجل ،، قال صلى الله عليه وسلم ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ))
لقد خرج خبيب الى القتل فكان منه موقفين
أولاً : قصيدة يرتجلها وكأنه يقدم إلى عرس واحتفال :
لقد أجمع الأحزاب حولي وألبوا
قبائلهم واستجمعوا كل مجمعٍ
وكلهم مبدي العداوة جاهدٌ
علي لأني في وثاقٍ مضيعُ
وقد قربوا أبناءهم ونساءهُم
وقُربتُ مِن جدعٍ طويلٍ ممُنعِ
إلى الله أشكُو غُربتي بعد كُربتي
وما أرصدَ الأحزابُ لي عندَ مصرعِي
فذا العرشِ صبرنيِ على ما يرادَ بي
فقد بضعوا لحمي وقد ياس مطمعي
وقد خيروني الكفـر والموت دونهُ
وقد ذرفت عيناي من غير مجزعِ
وما بي حذارُ الموتِ إني لميتٌ
وإن إلى ربي إيابي ومرجعي
ولســتُ أبالي حين أُقتل مُسلمًا
على أي شق كان في الله مضجعي
وذلك في ذاتِ الإله وإن يشأ
يباركُ على أوصال شلوٍ ممزعِ
فلستُ بمُبدٍ للعدو تخشعًا
ولا جزعًا إني إلى الله مرجعي
بهذه القوة وبهذا الوضوح يتكلم ويخاطب حتى كتب هذه القصيدة وحفظها قوم مشركون ،، قم من بعد هم يؤمنون ويتحدثون عنها ...
ثانيًا : يستأذنهم ليصلي ركعتين ،، فيأذنون له ،، فيستقبل القبله ويصلي ركعتين .. إن رباطة الجأش وقوة القلب إنما توجد عند أولئك الذين قرروا أن يربطوا قلوبهم بالله جل وتعالى .... فيقوم ويصلي ركعتين ،، والعجب كل العجب أنه حين صلى ركعتين خففهما ولم يطل في صلاته ، ثم أقبل عليهم يعطيهم درسًا في عزة الإيمان وقوته فقال : والله لولا أن تظنوا أني أطلت خوفًا من الموت لأطلت .
هذه المعاني العظيمه وهذه الممارسات العلميه التي تربى عليها المؤمنون الأولون هي ما نحتاجه اليوم ،، وهي ما يحتاجه المسلم حتى يعرف حقيقة دينه وعظمته ،، والأخلاقيات التي تربى عليها المؤمنون الأولون هي ما نحتاجه اليوم أيضا حتى نقدم بها الإسلام لغير المسلمين ،، والذين يظن الكثير منهم أن الإسلام دين العنف والدمويه والقتل والإنتقام ،، لكن لو قدمنا لهم نماذج السيرة النويه وتصرفات المسلمين الاولين التي هي خير تعبير عن حقيقة هذا الدين لاحدثت عندهم نقلة هائله غير متوقعة....
وفي الختام
نسال الله عز وجل أن يجمعنا وإياكم في فردوسه الاعلى
اللهم آآمين