للحزنِ فلسفةٌ خاصةٌ جداً في يومياتي حتّى أدمَنتُهُ و امتهنتُهُ و أصبحتُ أتوقُ لتعليمهِ !!!
نعم .. فأنا أحِبهُ – أي الحزن – كثيراً ، و هو أيضاً يُحبّني لدرجةٍ قريبةٍ من العبادةِ ، و لذا و وفاءً لهذه العلاقةِ الغريبةِ ، المدهِشةِ ، و الإستثنائيةِ أجِدُني لا أفكّر كثيراً لمّا أخيّر بينَ ساعاتٍ طِوالٍ من السّعادةِ الكاذِبةِ ، المزيّفةِ ، و المؤقتةِ ، و بين دقيقةٍ واحدةٍ من الحزن المحرِّضِ و المعلّمِ و المُربّي !!!
علاقتي مع الحُزنِ ، علاقةٌ سريَّةٌ للغايةْ ، و هي تُشبِهُ علاقتي بامرأةٍ قبيحةِ الشَّكلِ ، و لا تعتني بزينتها ، لا أرغب في أن يراها أحدٌ معي لأنّه لن يفهم حكماً أنّ في هذه الأنثى من الجمالِ ما لا يوجدُ في سواها و لذا فقد فضّلتها على نساءِ العلبِ الملونةِ ، و الألباب الفارغة !!!!
هي علاقةٌ أتهرَّبُ دوماً من الخوضِ في تفاصيلِها لخُصوصيَتِها ، علاقتي مع الحزن علاقة غامضة لا يَفُّكُ لُغزَها و ينزعُ حِجابَهُا إلا من كانَ قريباً من روحانيَّةِ الحُزنِ و مُتأثِّراً بِجاذِبيَّتِهِ ، و يفهم سرّ تلك الخلطةِ السّحريةِ التي تبعث من قلبِ الحزنِ إنساناً آخراً صقلتهُ أحزانهُ و ربّتهُ فأضحى يهدي السّعادةَ للمُبتلينَ بفقدانها من نفس أحزانهم و همومهم و كُربِهم .
كُلُّ ما أسلفتُه لا يجوزُ إعتبارهُ في حالٍ من الأحوال بأنّها دعوةٌ للتعاسةِ و تحريضٌ على الكآبةِ ، إنما هي دعوةٌ للتعايشِ مع ما ليس لنا يدٌ في تغييرهِ – غالباً – ، و التتلمذِ على يدي هذا الأستاذ المبدع – أي الحزن – نحو بناء جديدٍ لذواتنا نخلق منها السعادة الحقيقةِ و الدّائمة .
هي دعوةٌ لمصاحبةِ لأحزاننا ، عندما تُداهمُنا من بواباتهِا الكثيرة ، بدون أن نهرب منها و نتحداها و نكفُر بها ،
هو دعوةٌ لأن نتشكلَّ من جديدٍ في حضرةِ الأحزان لنستمتع .., لا لنتعذّب !!!!
هي ليستَ إعلاناً نهائياً أنني إنسانٌ حزينٌ ، إستسلاميٌّ ، و غير قادرٍ على الثورةِ و الإمساكِ بأدواتِ التغيير ، و هي ليست كفراً بنعمةِ الفرح التي تمنحنا الرّاحة و القوّة في حالِ الولوجِ إليها من بواباتها الصحيحةِ ،
هي ليست صكّ براءةٍ من السعادة التي لا أنكِر صحبتها في أكثر من مكانٍ و أكثر من زمانٍ ، و لأنّ قدرها – أيّ السعادة أن لا تكون أبديةً و مستمرّة فكان لا بدّ من إعطاءِ درسٍ في كيفية التنفس لما يُخيّلُ إلينا أن قبضاتِ الحزنِ تمسكُ رقابنا بقوّة و جبروت !!!
إنّهُ الحزن .. معلّمُ المبدعين و العظماء عبر التّاريخ ، و المحرّضُ الأول على الثورةِ و التغيير ، و القائدُ الاكبر لكلّ معاركنا ضد أعداء الحياةِ و النجاح و الإنسانية ، هو الإنسانُ ألا مرئيُّ الذي يتقمّصُنا فنعودُ بفضلِهِ إلى فطرتنا و إلى إنساننا الأوّل .
إنّه الحزنُ الذي لا بدّ لنا من أن نتذوّق مرارتهُ تاركاً لنا خيارين اثنين بعد ذلك :
إما أن نُدمن شرابهُ المرّ ، و نستكين لضرباتِهِ ، و نسلّم أجسادنا و أرواحنا لمخالِبهِ عند كلّ محطةٍ نصادفُهُ بها ،
و إما تربيةَ أنفسنا على مصاحبتِه و مداعبتهِ و الضحكِ على ذقن ضرباتِهِ و التّعلمِ من تجاربهِ و الإستفادةِ من خبرتهِ ، ريثما نمسِكُ أول خيوطِ الفرح و قد يقدّمُهُ هو نفسهُ – أي الحُزن – لنا عربونَ محبةٍ و وفاء !!!
قال أحدهم فيما يُشبِهُ فلسفتي و يطابِق فكري : " إذا فرِحتَ فلا تبطر ، و إذا حزنت فلا تضجر " .