:: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم :: تعرف على هديه واقتفي اثره صلى الله عليه وسلم

الإهداءات
عازف العود : قصة حزينٍ صافي الحرذاقه أنا بذكرى ماصله خاطري ضاق باقوا به الاصحاب والوقت باقه وصار الضحيه بين باير وبواق يمشي وهو ماحس في كسر ساقه أمسى على ساقين وأصبح على ساق عازف العود : أسأل ولا تخفي عن الناس نشاد من غيرنا اللي حماها يطبون وهالحين حنا بخير وانعام واسعاد وحكامنا بأمر الشريعة يعدلون عبد العزيز اللي جلا شوك الاكباد عازف العود : البارحة نومي علي رأس كوعي= كن الرمد بصبي عيني مقرة يامل قلبا قام يرجف ضلوعي= يدق مثل الساعة المستمرة ماينفع الملقوع هل الدموعي = لو يصرط العبرات والريق مرة


السيرة النبوية العطرة كاملة

:: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ::


 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-24-2007, 03:52 AM رقم المشاركة : 131
معلومات العضو
شخصيات مهمه
Vip

إحصائية العضو








EVANHO is an unknown quantity at this point

 

EVANHO غير متصل

 


كاتب الموضوع : EVANHO المنتدى : :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ::
افتراضي

غزوة الأحزاب:

عاد السلام والأمن، وهدأت الجزيرة العربية بعد الحروب والبعثات التي استغرقت أكثر من سنة كاملة، إلا أن اليهود - الذين كانوا قد ذاقوا ألواناً من الذلة والهوان نتيجة غدرهم وخيانتهم ومؤامرتهم ودسائسهم - لم يفيقوا من غيهم. ولم يستكينوا ولم يتعظوا بما أصابهم نتيجة الغدر والتآمر، فبعد نفيهم إلى خيبر ظلوا ينتظرون ما يحل بالمسلمين نتيجة المناوشات التي كانت قائمة بين المسلمين والوثنيين، ولما تحول مجرى الأيام لصالح المسلمين، وتمخضت الليالي والأيام عن بسط نفوذهم، وتوطد سلطانهم تحرق هؤلاء اليهود أي تحرق.

وشرعوا في التآمر من جديد على المسلمين، وأخذوا يعدون العدّة، لتهيئة ضربة إلى المسلمين تكون قاتلة لا حياة بعدها. ولما لم يكونوا يجدون في أنفسهم جرأة على مناورة المسلمين مباشرة، خططوا لهذا الغرض خطة رهيبة.

خرج عشرون رجلاً من زعماء اليهود وسادات بني النضير إلى قريش بمكة، يحرضونهم على غزو الرسول صلى الله عليه وسلم ، يوالونهم عليه، ووعدهم من أنفسهم بالنصر لهم فأجابتهم قريش، وقريش قد أخلفت وعدها في الخروج إلى بدر فرأت في ذلك إنقاذ سمعتها والبر بكلمتها.

ثم خرج هذا الوفد إلى غطفان، فدعاهم إلى ما دعا إليه قريشاً فاستجابوا لذلك ثم طاف الوفد في قبائل العرب يدعوهم إلى ذلك، فاستجاب له من استجاب، وهكذا نجح ساسة اليهود وقادتهم في تأليب أحزاب الكفر على النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته والمسلمين.

وفعلا خرجت من الجنوب قريش وكنانة وحلفاؤهم من أهل تهامة - وقائدهم أبو سفيان - في أربعة آلاف، ووافاهم بنو سليم بمر الظهران، وخرجت من الشرق قبائل غطفان بنو فزارة، يقودهم عيينة بن حصن، وبنو مرة، يقودهم الحارث بن عوف، وبنو أشجع يقودهم مسعر بن رخيلة كما خرجت بنو أسد وغيرها.

واتجهت هذه الأحزاب وتحركت نحو المدينة على ميعاد كانت قد تعاقدت عليه.

وبعد أيام تجمع حول المدينة جيش عرمرم يبلغ عدده عشرة آلاف مقاتل. جيش ربما يزيد عدده على جميع من في المدينة من النساء والصبيان والشباب والشيوخ.

ولو بلغت هذه الأحزاب المحزبة والجنود المجندة إلى أسوار المدينة بغتتة لكانت أعظم خطر على كيان المسلمين مما يقاس، ربما تبلغ إلى استئصال الشأفة وإبادة الخضراء ولكن قيادة المدينة كانت قيادة متيقظة، لم تزل واضعة أناملها على العروق النابضة، تتجسس الظروف وتقدر ما يتمخض عن مجراها، فلم تكد تتحرك هذه الجيوش عن مواضعها حتى نقلت استخبارات المدينة إلى قيادتها فيها بهذا الزحف الخطير

وسارع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى عقد مجلس استشاري أعلى، تناول فيه موضوع خطة الدفاع عن كيان المدينة، وبعد مناقشات جرت بين القادة وأهل الشورى اتفقوا على قرار قدمه الصحابي النبيل سلمان الفارسي رضي اللَّه عنه. قال سلمان يا رسول اللَّه، إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خندقنا علينا - وكانت خطة حكيمة لم تكن تعرفها العرب قبل ذلك.

وأسرع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى تنفيذ هذه الخطة، فوكل إلى كل عشرة رجال أن يحفروا من الخندق أربعين ذراعاً.

وقام المسلمون بجد ونشاط يحفرون الخندق، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يحثهم ويساهمهم في عملهم هذا. ففي البخاري عن سهل بن سعد، قال: كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الخندق، وهم يحفرون، ونحن ننقل التراب على أكتادنا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم :

اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للمهاجرين والأنصار

وعن أنس خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال:

اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة

فقالوا مجيبين له:

نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا

وفيه عن البراء بن عازب قال: رأيته صلى الله عليه وسلم ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه، وكان كثير الشعر، فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة، وهو ينقل من التراب ويقول:

اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا

إن الأولى رغبوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا

قال: ثم يمد بها صوته بآخرها، وفي رواية:

إن الأولى قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا

كان المسلمون يعملون بهذا النشاط وهم يقاسون من شدة الجوع، ما يفتت الأكباد قال أنس: (كان أهل الخندق) يؤتون بملء كفي من الشعير فيصنع لهم باهالة سخنة توضع بين يدي القوم، والقوم جياع، وهي لشعة في الحلق ولها ريح.

وقال أبو طلحة شكونا النبي صلى الله عليه وسلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الجوع فرفعنا عن بطوننا عن حجر حجر، فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن حجرين.

وبهذه المناسبة وقع في حفر الخندق آيات من أعلام النبوة، رأى جابر بن عبد اللَّه في النبي صلى الله عليه وسلم خمصاً شديداً فذبح بهيمة وطحنت امرأته صاعاً من شعير ثم التمس من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سراً أن يأتي في نفر من أصحابه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم بجميع أهل الخندق، وهم ألف فأكلوا من ذلك الطعام وشبعوا، وبقيت برمة اللحم تغط به كما هي، وبقي العجين يخبز كما هو وجاءت أخت النعمان بن بشير بحفنة من تمر إلى الخندق ليتغدى أبوه وخاله، فمرت برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فطلب منها التمر وبدده فوق ثوب، ثم دعا أهل الخندق فجعلوا يأكلون منه. وجعل التمر يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنه يسقط من أطراف الثوب

وأعظم من هذين ما رواه البخاري عن جابر قال: إنا يوم خندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق فقال: أنا نازل، ثم قام وبطنه معصوب بحجر - ولبثنا ثلاثة لا نذوق ذواقاً - فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول، فضرب فعاد كثيباً أهيل أو أهيم أي صار رملاً لا يتماسك.

وقال البراء لما كان يوم الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ منها المعاول، فاشتكينا ذلك لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فجاء وأخذ المعول فقال: بسم اللَّه ثم ضرب ضربة، وقال: اللَّه أكبر، أعطيت مفاتيح الشام واللَّه إني لأنظر قصورها الحمر الساعة ثم ضرب الثانية فقطع آخر، فقال: اللَّه أكبر أعطيت فارس واللَّه إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن، ثم ضرب الثالثة، فقال: بسم اللَّه فقطع بقية الحجر، فقال: اللَّه أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، واللَّه إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني.

وروى ابن إسحاق مثل ذلك عن سلمان الفارسي رضي اللَّه عنه.

ولما كانت المدينة تحيط بها الحرات والجبال وبساتين من النخيل من كل جانب سوى الشمال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعمل كخبير عسكري حاذق أن زحف مثل هذا الجيش الكبير، ومهاجمة المدينة لا يمكن إلا من جهة الشمال، اتخذ الخندق في هذا الجانب.

وواصل المسلمون عملهم في حفره، فكانوا يحفرونه طول النهار، ويرجعون إلى أهليهم في المساء، حتى تكامل الخندق حسب الخطة المنشودة، قبل أن يصل الجيش الوثني العرمرم إلى أسوار المدينة.

وأقبلت قريش في أربعة آلاف، حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة بين الجرف وزعابة، وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد في ستة آلاف حتى نزلوا بذنب نقمي إلى جانب أحد.{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22].

وأما المنافقون وضعفاء النفوس فقد تزعزعت قلوبهم لرؤية هذا الجيش: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا} [الأحزاب: 12].

وخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ثلاثة آلاف من المسلمين، فجعلوا ظهورهم إلى جبل سلع فتحصنوا به، والخندق بينهم وبين الكفار. وكان شعارهم هم لا ينصرون، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وأمر بالنساء والذراري فجعلوا في آطام المدينة.

ولما أراد المشركون مهاجمة المسلمين واقتحام المدينة، وجدوا خندقاً عريضاً يحول بينهم وبينها، فالتجأوا إلى فرض الحصار على المسلمين، بينما لم يكونوا مستعدين له حين خرجوا من ديارهم، إذ كانت هذه الخطة - كما قالوا - مكيدة ما عرفتها العرب. فلم يكونوا أدخلوها في حسابهم رأساً.

وأخذ المشركون يدورون حول الخندق غضاباً، يتحسسون نقطة ضعيفة، لينحدروا منها، وأخذ المسلمون يتطلعون إلى جولات المشركين، يرشقونهم بالنبل، حتى لا يجترئوا على الاقتراب منه، ولا يستطيعوا أن يقتحموه، أو يهيلوا عليه التراب، ليبنوا به طريقاً يمكنهم من العبور.

وكره فوارس من قريش أن يقفوا حول الخندق من غير جدوى في ترقب نتائج الحصار، فإن ذلك لم يكن من شيمهم، فخرجت منها جماعة فيها عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب وغيرهم، فتيمموا مكاناً ضيقاً من الخندق فاقتحموه، وجالت بهم خيلهم في السبخة بين الخندق وسلع، وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم ودعا عمرو النبي صلى الله عليه وسلم إلى المبارزة، فانتدب له علي بن أبي طالب، وقال كلمة حمى لأجلها - وكان من شجعان المشركين وأبطالهم - فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه، ثم أقبل على علي فتجاولا وتصاولا حتى قتله علي رضي اللَّه عنه، وانهزم الباقون حتى اقتحموا من الخندق هاربين وقد بلغ بهم الرعب إلى أن ترك عكرمة رمحه وهو منهزم عن عمرو.

وقد حاول المشركون في بعض الأيام محاولة بليغة، لاقتحام الخندق، أو لبناء الطرق فيها، ولكن المسلمين كافحوا مكافحة مجيدة، ورشقوهم بالنبل وناضلوهم أشد النضال حتى فشل المشركون في محاولتهم.

ولأجل الاشتغال بمثل هذه المكافحة الشديدة فات بعض الصلوات عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ففي الصحيحين عن جابر رضي اللَّه عنه أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق، فجعل يسب كفار قريش، فقال: يا رسول اللَّه ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وأنا واللَّه ما صليتها، فنزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بطحان، فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب.

وقد استاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لفوات هذه الصلاة حتى دعا على المشركين ففي البخاري عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الخندق ملأ اللَّه عليهم بيوتهم وقبورهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس.

وفي مسند أحمد والشافعي أنهم حبسوه عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء فصلاهن جميعاً. قال النووي وطريق الجمع بين هذه الروايات أن وقعة الخندق بقيت أياماً فكان هذا في بعض الأيام، وهذا في بعضها. انتهى.

ومن هنا يؤخذ أن محاولة العبور من المشركين، والمكافحة المتواصلة من المسلمين دامت أياماً، إلا أن الخندق لما كان حائلاً بين الجيشين لم يجر بينهما قتال مباشر وحرب دامية، بل اقتصروا على المراماة والمناضلة.

وفي هذه المراماة قتل رجال من الجيشين، يعدون على الأصابع ستة من المسلمين وعشرة من المشركين، بينما كان قتل واحد أو اثنين منهم بالسيف.

وفي هذه المراماة رمي سعد بن معاذ رضي اللَّه عنه بسهم فقطع منه الأكحل، رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة، فدعا سعد اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه، اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني لهم حتى أجاهدهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب فافجرها واجعل موتتي فيها وقال في آخر دعائه ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة.

وبينما كان المسلمون يواجهون هذه الشدائد على جبهة المعركة كانت أفاعي الدس والتآمر تتقلب في جحورها، تريد إيصال السم داخل أجسادهم. انطلق كبير مجرمي بني النضير إلى ديار بني قريظة فأتى كعب بن أسد القرظي - سيد بني قريظة، وصاحب عقدهم وعهدهم، وكان قد عاقد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على أن ينصره إذا أصابته حرب كما تقدم - فضرب عليه حيي الباب فأغلقه كعب دونه، فما زال يكلمه حتى فتح له بابه، فقال حيي إني قد جئتك يا كعب بعز الدهر وببحر طام. جئتك بقريش على قادتها وسادتها، حتى أنزلتهم بمجمع الأسيال من رومة، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمي إلى جانب أحد، قد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمداً ومن معه.

فقال له كعب جئتني واللَّه بذل الدهر وبجهام قد هراق ماؤه، فهو يرعد ويبرق ليس فيه شيء. ويحك يا حيي فدعني وما أنا عليه، فإني لم أر من محمد إلا صدقاً ووفاءً.

فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب، حتى سمح له على أن أعطاه عهداً من اللَّه وميثاقاً لئن رجعت قريش وغطفان، ولم يصيبوا محمداً أن أدخل معك في حصنك، حتى يصيبني ما أصابك، فنقض كعب بن أسد عهده وبرىء مما كان بينه وبين المسلمين، ودخل مع المشركين في المحاربة ضد المسلمين.

وفعلا قد قامت يهود بني قريظة بعمليات الحرب. قال ابن إسحاق: كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع حصن حسان بن ثابت، وكان حسان فيه مع النساء والصبيان، قالت صفية فمر بنا رجل من يهود، فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وليس بينا وبينهم أحد يدفع عنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والمسلمون في غور عدوهم، لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إن آتانا آت، قالت: فقلت يا حسان إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن، وإنى واللَّه ما آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود، وقد شغل عنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فانزل إليه فاقتله، قال: واللَّه لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا، قالت: فاحتجزت ثم أخذت عموداً ثم نزلت من الحصن إليه، فضربته بالعمود حتى قتلته، ثم رجعت إلى الحصن وقلت يا حسان انزل إليه فاسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل قال: ما لي بسلبه من حاجة.

وقد كان لهذا الفعل المجيد من عمة الرسول صلى الله عليه وسلم أثر عميق في حفظ ذرارى المسلمين ونسائهم، ويبدو أن اليهود ظنوا أن هذه الآطام والحصون في منعة من الجيش الإِسلامي - مع أنها كانت خالية عنهم تماماً - فلم يجترئوا مرة ثانية للقيام بمثل هذا العمل، إلا أنهم أخذوا يمدون الغزاة الوثنيين بالمؤن كدليل عملي على انضمامهم إليهم ضد المسلمين، حتى أخذ المسلمون من مؤنهم عشرين جملاً.

وانتهى الخبر إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وإلى المسلمين فبادر إلى تحقيقه، حتى يستجلي موقف قريظة فيواجهه بما يجب من الوجهة العسكرية، وبعث لتحقيق الخبر السعدين سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وعبد اللَّه بن رواحة وخوات بن جبير، وقال: انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟ فإن كان حقاً فالحنوا لي لحناً أعرفه، ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس. فلما دنوا منهم وجدوهم على أخبث ما يكون، فقد جاهروهم بالسب والعداوة ونالوا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم . وقالوا: من رسول اللَّه؟ لا عهد بيننا وبين محمد، ولا عقد فانصرفوا عنهم، فلما أقبلوا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لحنوا له، وقالوا: عضل وقارة، أي أنهم على غدر، كغدر عضل وقارة بأصحاب الرجيع.

وعلى رغم محاولتهم إفاء الحقيقة تفطن الناس لجلية الأمر، فتجسد أمامهم خطر رهيب.

وقد كان أحرج موقف يقفه المسلمون، فلم يكن يحول بينهم وبين قريظة شيء يمنعهم من ضربهم من الخلف، بينما كان أمامهم جيش عرمرم لم يكونوا يستطيعون الانصراف عنه، وكانت ذراريهم ونساؤهم بمقربة من هؤلاء الغادرين في غير منعة وحفظ، وصاروا كما يقول اللَّه تعال: {وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا} [الأحزاب: 10-11] ونجم النفاق من بعض المنافقين حتى قال: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لايأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط. وحتى قال بعض آخر في ملأ من رجال قومه إن بيوتنا عورة من العدو، فأذن لنا أن نخرج، فنرجع إلى دارنا، فإنها خارج المدينة، وحتى همت بنو سلمة بالفشل وفي هؤلاء أنزل اللَّه تعال: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا} [الأحزاب: 12-13].

أما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فتقنع بثوبه حين أتاه غدر قريظة، فاضطجع ومكث طويلاً حتى اشتد على الناس البلاء، ثم غلبته روح الأمل فنهض يقول اللَّه أكبر أبشروا يا معشر المسلمين بفتح اللَّه ونصره، ثم أخذ يخطط لمجابهة الظرف الراهن، وكجزء من هذه الخطة كان يبعث الحرس إلى المدينة لئلا يؤتى الذراري والنساء على غرة، ولكن كان لا بد من إقدام حاسم، يفضي إلى تخاذل الأحزاب، وتحقيقاً لهذا الهدف أراد أن يصالح عيينة بن حصن والحارث بن عوف رئيسي غطفان على ثلث ثمار المدينة حتى ينصرفا بقومهما، ويخلوا المسلمون لإِلحاق الهزيمة الساحقة العاجلة على قريش التي اختبروا مدى قوتها وبأسها مراراً، وجرت المراوضة على ذلك، فاستشار السعدين في ذلك، فقالا يا رسول اللَّه إن كان اللَّه أمرك بهذا فسمعاً وطاعة، وإن كان شيء تصنعه لنا فلا حاجة لنا فيه، لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك باللَّه وعبادة الأوثان، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعا، فحين أكرمنا اللَّه بالإِسلام وهدانا له، وأعزنا بك نعطيهم أموالنا؟ واللَّه لا نعطيهم إلا السيف، فصوب رأيهما وقال: إنما هو شيء أصنعه لكم لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة.

ثم إن اللَّه عز وجل - وله الحمد - صنع أمراً من عنده خذل به العدو وهزم جموعهم، وفل حدهم، فكان مما هيأ من ذلك أن رجلاً من غطفان يقال له نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعي - رضي اللَّه عنه - جاء إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني ما شئت، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إنما أنت رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة، فذهب من فوره إلى بني قريظة - وكان عشيراً لهم في الجاهلية - فدخل عليهم وقال: قد عرفتم ودي إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: صدقت قال: فإن قريشاً ليسوا مثلكم، البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون أن تتحولوا منه إلى غيره، وإن قريشاً وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغوه فإن أصابوا فرصة انتهزوها وإلا لحقوا ببلادهم وتركوكم ومحمداً فانتقم منك، قالوا فما العمل يا نعيم؟ قال: لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن. قالوا: لقد أشرت بالرأي.

ثم مضى نعيم على وجهه إلى قريش وقال لهم تعلمون ودي لكم ونصحي لكم؟ قالوا: نعم، قال: إن يهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد وأصحابه وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه، ثم يوالونه عليكم، فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم، ثم ذهب إلى غطفان، فقال لهم مثل ذلك.

فلما كان ليلة السبت من شوال - سنة 5هـ - بعثوا إلى يهود أنا لسنا بأرض مقام وقد هلك الكراع والخف، فانهضوا بنا حتى نناجز محمداً، فأرسل إليهم اليهود أن اليوم يوم السبت، وقد علمتم ما أصاب من قبلنا حين أحدثوا فيه، ومع هذا فإنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن. وفلما جاءتهم رسهلم بذلك قالت قريش وغطفان صدقكم واللَّه نعيم، فبعثوا إلى يهود أنا واللَّه لا نرسل إليكم أحداً، فاخرجوا معنا حتى نناجز محمداً. فقالت قريظة صدقكم واللَّه نعيم. فتخاذل الفريقان، ودبت الفرقة بين صفوفهم، وخارت عزائمهم.

وكان المسلمون يدعون اللَّه تعالى: اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا ودعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الأحزاب، فقال: اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم.

وقد سمع اللَّه دعاء رسوله والمسلمين فبعد أن دبت الفرقة في صفوف المشركين وسرى بينهم التخاذل أرسل اللَّه عليهم جنداً من الريح فجعلت تقوض خيامهم، ولا تدع لهم قدراً إلا كفأتها، ولا طنباً إلا قلعته، ولا يقر لهم قرار، وأرسل جنداً من الملائكة يزلزلونهم، ويلقون في قلوبهم الرعب والخوف.

وأرسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة الباردة القارصة حذيفة بن اليمان يأتيه بخبرهم، فوجدهم على هذه الحال، وقد تهيأوا للرحيل، فرجع إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فأخبره برحيل القوم، فأصبح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقد رد اللَّه عدوه بغيظه لم ينالوا خيراً وكفاه اللَّه قتالهم، فصدق وعده، وأعز جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، فرجع إلى المدينة.

وكانت غزوة الخندق سنة خمس من الهجرة في شوال على أصح القولين، وأقام المشركون محاصرين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والمسلمين شهراً أو نحو شهر، ويبدو بعد الجمع بين المصادر أن بداية فرض الحصار كانت في شوال، ونهايته في ذي القعدة، وعند ابن سعد أن انصراف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الخندق كان يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة.

إن معركة الأحزاب لم تكن معركة خسائر بل كانت معركة أعصاب، لم يجر فيها قتال مرير إلا أنها كانت من أحسم المعارك في تاريخ الإِسلام تمخضت عن تخاذل المشركين، وأفادت أن أية قوة من قوات العرب لا تستطيع استئصال القوة الصغيرة التي تنمو في المدينة، لأن العرب لم تكن تستطيع أن تأتي بجمع أقوى مما أتت به في الأحزاب ولذلك قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين أجلى اللَّه الأحزاب الآن نغزوهم لا يغزونا، نحن نسير إليهم.







رد مع اقتباس
قديم 05-24-2007, 03:53 AM رقم المشاركة : 132
معلومات العضو
شخصيات مهمه
Vip

إحصائية العضو








EVANHO is an unknown quantity at this point

 

EVANHO غير متصل

 


كاتب الموضوع : EVANHO المنتدى : :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ::
افتراضي

غزوة بني قريظة:

وفي اليوم الذي رجع فيه رسول اللَّه إلى المدينة، جاءه جبريل عليه السلام عند الظهر، وهو يغتسل في بيت أم سلمة، فقال: أو قد وضعت السلاح؟ فإن الملائكة لم تضع أسلحتهم، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، فانهض بمن معك إلى بني قريظة، فإني بسائر أمامك أزلزل بهم حصونهم، وأقذف في قلوبهم الرعب، فسار جبريل في موكب من الملائكة.

فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مؤذناً فأذن في الناس من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة واستعمل على المدينة ابن مكتوم، وأعطى الراية علي بن أبي طالب، وقدمه إلى بني قريظة فسار علي حتى إذا دنا من حصونهم سمع منها مقالة قبيحة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .

وخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في موكبه من المهاجرين والأنصار حتى نزل على بئر من آبار قريظة يقال لها بئر أنا، وبادر المسلمون إلى إمتثال أمره، ونهضوا من فورهم، وتحركوا نحو قريظة، وأدركتهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصليها إلا في بني قريظة كما أمرنا حتى أن رجالاً منهم صلوا العصر بعد العشاء الآخرة وقال بعضهم لم يرد منا ذلك، وإنما أراد سرعة الخروج، فصلوها في الطريق، فلم يعنف واحدة من الطائفتين.

هكذا تحرك الجيش الإسلامي نحو بني قريظة أرسالاً حتى تلاحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وهم ثلاثة آلاف، والخيل ثلاثون فرساً، فنازلوا حصون بني قريظة وفرضوا عليهم الحصار.

ولما اشتد عليهم الحصار عرض عليهم رئيسهم كعب بن أسد ثلاث خصال إما أن يسلموا، ويدخلوا مع محمد صلى الله عليه وسلم في دينه فيأمنوا على دمائهم وأموالهم وأبنائهم ونسائهم وقد قال لهم واللَّه لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل، وأنه الذي تجدونه في كتابكم وإما أن يقتلوا ذراريهم ونساءهم، بأيديهم ويخرجوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالسيوف مصلتين، يناجزونه حتى يظفروا بهم، أو يقتلوا عن آخرهم وإما أن يهجموا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ويكسبوهم يوم السبت لأنهم قد أمنوا أن يقاتلوهم فيه، فأبوا أن يجيبوه إلى واحدة من هذه الخصال الثلاث، وحينئذ قال سيدهم كعب بن أسد في انزعاج وغضب ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازماً.

ولم يبق لقريظة بعد رد هذه الخصال الثلاث إلا أن ينزلوا على حكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وسلم لكنهم أرادوا أن يتصلوا ببعض حلفائهم من المسلمين، لعلهم يتعرفون ماذا سيحل بهم إذا نزلوا على حكمه، فبعثوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أرسل إلينا أبا لبابة نستشيره وكان حليفاً لهم، وكانت أمواله وولده في منطقتهم، فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرق لهم، وقالوا: يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم وأشار بيده إلى حلقه يقول إنه الذبح، ثم علم من فوره أنه خان اللَّه ورسوله فمضى على وجهه، ولم يرجع إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، حتى أتى المسجد النبوي بالمدينة، فربط نفسه بسارية المسجد، وحلف أن لا يحله إلا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيده، وأنه لا يدخل أرض بني قريظة أبداً. فلما بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خبره وكان قد استبطأه قال: أما إنه لو جاءني لاستغفرت له، أما إذ قد فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب اللَّه إليه.

وبرغم ما أشار إليه أبو لبابة قررت قريظة النزول على حكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ولقد كان باستطاعة اليهود أن يتحملوا الحصار الطويل، لتوفر المواد الغذائية والمياه والآبار ومناعة الحصون، ولأن المسلمين كانوا يقاسون البرد القارس والجوع الشديد وهم في العراء مع شدة التعب الذي اعتراهم؛ لمواصلة الأعمال الحربية من قبل بداية معركة الأحزاب. إلا أن حرب قريظة كانت حرب أعصاب، فقد قذف اللَّه في قلوبهم الرعب، وأخذت معنوياتهم تنهار، وبلغ هذا الانهيار إلى نهايته أن تقدم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وصاح علي يا كتيبة الإيمان، واللَّه لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم.

وحينئذ بادروا إلى النزول على حكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم باعتقال الرجال، فوضعت القيود في أيديهم تحت إشراف محمد بن سلمة الأنصاري، وجعلت النساء والذراري بمعزل عن الرجال في ناحية، وقامت الأوس إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول اللَّه قد فعلت في بني قينقاع ما قد علمت وهم حلفاء إخواننا الخزرج، وهؤلاء موالينا، فأحسن فيهم، فقال: ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا: بلى. قال: فذاك إلى سعد ابن معاذ. قالوا: قد رضينا.

فأرسل إلى سعد بن معاذ، وكان في المدينة، لم يخرج معهم للجرح الذي كان أصاب أكحله في معركة الأحزاب. فأركب حماراً، وجاء إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فجعلوا يقولون وهم كنفيه يا سعد أجمل في مواليك فأحسن فيهم، فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد حكمك لتحسن فيهم، وهو ساكت لا يرجع إليهم شيئاً، فلما أكثروا عليه قال: لقد آن لسعد أن لا تأخذه في اللَّه لومة لائم، فلما سمعوا ذلك منه رجع بعضهم إلى المدينة فنعى إليهم القوم.

ولما انتهى سعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة قوموا إلى سيدكم فلما أنزلوه قالوا: يا سعد إن هؤلاء القوم قد نزلوا على حكمك. قال: وحكمي نافذ عليهم؟ قالوا: نعم وقال: وعلى المسلمين؟ قالوا: نعم. قال: وعلى من ههنا؟ وأعرض بوجهه، وأشار إلى ناحية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إجلالاً له وتعظيماً قال: نعم وعلي. قال: فإني أحكم فيهم أن يقتل الرجال، وتسبى الذرية، وتقسم الأموال، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لقد حكمت فيهم بحكم اللَّه من فوق سبع سماوات.

وكان حكم سعد في غاية العدل والإنصاف، فإن بني قريظة بالإضافة إلى ما ارتكبوا من الغدر الشنيع كانوا قد جمعوا لإبادة المسلمين ألفاً وخمسمائة سيف، وألفين من الرماح وثلاثمائة درع وخمسمائة ترس وجحفة، حصل عليها المسلمون بعد فتح ديارهم.

وأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فحبست بنو قريظة في دار بنت الحارث امرأة من بني النجار، وحفرت لهم خنادق في سوق المدينة. ثم أمر بهم فجعل يذهب بهم إلى الخنادق أرسالاً أرسالاً، وتضرب فيتلك الخنادق أعناقهم. فقال: من كان بعد في الحبس لرئيسهم كعب بن أسد ما تراه يصنع بنا؟ فقال: أفي كل موطن لا تعقلون أما ترون الداعي لا ينزع؟ والذاهب منكم لا يرجع؟ هو واللَّه القتل وكانوا ما بين الستمائة إلى السبعمائة فضربت أعناقهم.

وهكذا تم استئصال أفاعي الغدر والخيانة، الذين كانوا قد نقضوا الميثاق المؤكد، وعاونوا الأحزاب على إبادة المسلمين في أحرج ساعة كانوا يمرون بها في حياتهم وكانوا قد صاروا بعملهم هذا من أكابر مجرمي الحروب الذين يستحقون المحاكمة والإعدام وقتل مع هؤلاء شيطان بني النضير، وأحد أكابر مجرمي معركة الأحزاب حيي بن أخطب والد صفية أم المؤمنين رضي اللَّه عنها، كان قد دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان؛ وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه حينما جاء يثيره على الغدر والخيانة أيام غزوة الأحزاب، فلما أتى به وعليه حلة قد شقها من كل ناحية بقدر أنملة لئلا يسلبها مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، قال لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أما واللَّه ما لمت نفسي في معاداتك، ولكن من يغالب اللَّه يغلب. ثم قال: أيها الناس، لا بأس بأمر اللَّه، كتاب وقدر وملحمة كتبها اللَّه على بني إسرائيل ثم جلس، فضربت عنقه.

وقتل من نسائهم امرأة واحدة كانت قد طرحت الرحى على خلاد بنت سويد فقتلته، فقتلت لأجل ذلك.

وكان قد أمر رسول اللَّه بقتل من أنبت، وترك من لم ينبت، فكان ممن لم ينبت عطية القرظي، فترك حياً، فأسلم وله صحبة.

واستوهب ثابت بن قيس الزبير بن باطا وأهله وماله وكانت للزبير يد عند ثابت فوهبهم له، ثابت بن قيس قد وهبك رسول للَّه صلى الله عليه وسلم إلى، ووهب لي مالك وأهلك فهم لك. فقال الزبير بعد أن علم بمقتل قومه سألتك بيدي عندك يا ثابت ألا ألحقتني بالأحبة، فضرب عنقه، وألحقه بالأحبة من اليهود، واستحيا ثابت من ولد الزبير بن باطا عبد الرحمن بن الزبير، فأسلم وله صحبة واستوهبت أم المنذر سلمى بنت قيس النجارية رفاعة بن سموأل القرظي فوهبه لها فاستحيته فأسلم وله صحبة.

وأسلم منهم تلك الليلة نفر قبل النزول فحقنوا دماءهم وأموالهم وذراريهم وخرج تلك الليلة عمرو وكان رجلاً لم يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : فرآه محمد بن مسلمة قائد الحرس النبوي، فخلى سبيله حين عرفه فلم يعلم أين ذهب.

وقسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أموال بني قريظة بعد أن أخرج منها الخمس فأسهم للفارس ثلاثة أسهم، سهمان للفرس وسهم للفارس، وأسهم للراجل سهماً واحداً، وبعث من السبايا إلى نجد تحت إشراف سعد بن زيد الأنصاري. فابتاع بها خيلاً وسلاحاً.

واصطفى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خناقة فكانت عنده حتى توفي عنها وهي في ملكه، هذا ما قاله ابن إسحاق وقال الكلبي إنه صلى الله عليه وسلم أعتقها، وتزوجها سنة 6هـ، وماتت مرجعه من حجة الوداع فدفنها بالبقيع.

ولما تم أمر قريظة أجيبت دعوة العبد الصالح سعد بن معاذ رضي اللَّه عنه التي قدمنا ذكرها في غزوة الأحزاب وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد ضرب له خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلما تم أمر قريظة انتقضت جراحته قالت عائشة فانفجرت من لبته فلم يرعهم وفي المسجد خيمة من بني غفار إلا والدم يسيل إليهم. فقالوا: يا أهل الخيمة، ما هذا يأتينا من قبلكم، فإذا سعد يغذو جرحه دما فمات منها.

وفي الصحيحين عن جابر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ وصحح الترمذي من حديث أنس قال: لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون ما أخف جنازته، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : إن الملائكة كانت تحمله.

قتل في حصار بني قريظة رجل واحد من المسلمين، وهو خلاد بن سويد، الذي طرحت عليه الرحى امرأة من قريظة. ومات في الحصار أبو سنان بن محصن أخو عكاشة.

أما أبو لبابة، فأقام مرتبطاً بالجذع ست ليال تأتيه امرأته في وقت كل صلاة فتحله للصلاة ثم يعود فيرتبط بالجذع، ثم نزلت توبته على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سحراً، وهو في بيت أم سلمة، فقامت على باب حجرتها وقالت لي يا أبا لبابة أبشر فقد تاب اللَّه عليك، فثار الناس ليطلقوه، فأبى أن يطلقه أحد إلا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فلما مر النبي صلى الله عليه وسلم خارجاً إلى صلاة الصبح أطلقه.

وقعت هذه الغزوة في ذي القعدة سنة ه، ودام الحصار خمساً وعشرين ليلة.

وأنزل اللَّه تعالى في غزوة الأحزاب وبني قريظة آيات من سورة الأحزاب، علق فيها على أهم جزئيات الوقعة بين حال المؤمنين والمنافقين، ثم تخذيل الأحزاب، ونتائج الغدر من أهل الكتاب.







رد مع اقتباس
قديم 05-24-2007, 03:55 AM رقم المشاركة : 133
معلومات العضو
شخصيات مهمه
Vip

إحصائية العضو








EVANHO is an unknown quantity at this point

 

EVANHO غير متصل

 


كاتب الموضوع : EVANHO المنتدى : :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ::
افتراضي

النشاط العسكري بعد هذه الغزوة

مقتل سلام بن أبي الحقيق:

كان سلام بن أبي الحقيق وكنيته أبو رافع من أكابر مجرمي اليهود الذين حزبوا الأحزاب ضد المسلمين وأعانوهم بالمؤن والأموال الكثيرة، وكان يؤذي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ المسلمون من أمر قريظة استأذنت الخزرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في قتله وكان قتل كعب بن الأشرف على أيدي رجال من الأوس، فرغبت الخزرج في إحراز فضيلة مثل فضيلتهم فلذلك أسرعوا إلى هذا الاستئذان.

وأذن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في قتله، ونهى عن قتل النساء والصبيان، فخرجت مفرزة قوامها خمسة رجال، كلهم من بني سلمة من الخزرج، قائدهم عبد اللَّه بن عتيك.

خرجت هذه المفرزة، واتجهت نحو خيبر، إذ كان هناك حصن أبي رافع، فلما دنوا منه وقد غربت الشمس، وراح الناس بسرحهم قال عبد اللَّه بن عتيك لأصحابه اجلسوا مكانكم، فإني منطلق ومتلطف للبواب، لعلي أن أدخل، فأقبل حتى دنى من الباب ثم تقنع بثوبه كأنه يقضى حاجته، وقد دخل الناس، فهتف به البواب يا عبد اللَّه إن كنت تريد أن تدخل فادخل، فإني أريد أن أغلق الباب.

قال عبد اللَّه بن عتيك فدخلت فكمنت، فلما دخل الناس أغلق الباب، ثم علق الأغاليق على قال: فقمت إلى الأقاليد فأخذتها، ففتحت الباب، وكان أبو رافع يسمر عنده، وكان في علالي له، فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه، فجعلت كلما فتحت باباً أغلقت على من داخل. قلت إن القوم لو نذروا بي لم يخلصوا إلي حتى أقتله، فانتهيت إليه، فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله، لا أدري أين هو من البيت. قلت أبا رافع، قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف وأنا دهش، فما أغنيت شيئاً، وصاح فخرجت من البيت فأمكث غير بعيد، ثم دخلت إليه، فقلت وما هذا الصوت يا أبا رافع؟ فقال: لأمك الويل، إن رجلاً في البيت ضربني قبل بالسيف، قال: فأضربه ضربة أثخنته ولم أقتله، ثم وضعت ضبيب السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره، فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب باباً، حتى انتهيت إلى درجة له، فوضعت رجلي، وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض، فوقعت في ليلة مقمرة، ود فانكسرت ساقي، فعصبتها بعمامة، ثم انطلقت حتى جلست على الباب فقلت لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته؟ فلما صاح الديك صاح الناعي على السور فقال: أنعي أبا رافع تاجر أهل الحجاز، فانطلقت إلى أصحابي فقلت النجاء فقد قتل اللَّه أبا رافع. فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فحدثته فقال: ابسط رجلك، فبسطت رجلي فمسحها فكأنما لم أشتكها.

هذه رواية البخاري، وعند ابن إسحاق أن جميع النفر دخلوا على أبي رافع واشتركوا في قتله، وأن الذي تحامل عليه بالسيف حتى قتله هو عبد اللَّه بن أنيس، وفيه أنهم لما قتلوه ليلاً، وانكسرت ساق عبد اللَّه بن عتيك حملوه، وأتوا منهراً من عيونهم، فدخلوا فيه، وأوقد اليهود النيران، واشتدوا في كل وجه حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم، وأنهم حين رجعوا احتملوا عبد اللَّه بن عتيك حتى قدموا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

كان مبعث هذه السرية في ذي القعدة أو ذي الحجة سنة 5هـ.

ولما فرغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الأحزاب وقريظة واقتص من مجرمي الحروب أخذ يوجه حملات تأديبية إلى القبائل والأعراب، الذين لم يكونوا يستكينون للأمن والسلام إلا بالقوة القاهرة.

سرية محمد بن مسلمة:

كانت أول سرية بعد الفراغ من الأحزاب وقريظة، وكان عدد قوات هذه السرية ثلاثين راكباً.

تحركت هذه السرية إلى القرطاء بناحية ضرية بالبكرات من أرض نجد وبين ضرية والمدينة سبع ليال، تحركت لعشر ليال خلون من المحرم سنة 6هـ إلى بطن بني بكر بن كلاب. فلما أغارت عليهم هرب سائرهم فاستاق المسلمون نعماً وشاء وقدموا المدينة لليلة بقيت من المحرم ومعهم ثمامة بن أثال الحنفي سيد بني حنيفة، كان قد خرج متنكراً لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم بأمر مسيلمة الكذاب فأخذه المسلمون، فلما جاؤوا به ربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي خير يا محمد، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعطى منه ما شئت، فتركه، ثم مرّ به مرة أخرى، فقال: له مثل ذلك، فرد عليه كما رد عليه أولاً، ثم مر مرة ثالثة فقال - بعد ما دار بينهما الكلام السابق أطلقوا ثمامة، فأطلقوه، فذهب إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم جاءه فأسلم وقال: واللَّه ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلى من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلى، وواللَّه ما كان على وجه الأرض دين أبغض علي من دينك، فقد أصبح دينك أحب الأديان إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فبشره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يعتمر فلما قدم على قريش قالوا: صبأت يا ثمامة، قال: لا واللَّه ولكني أسلمت مع محمد صلى الله عليه وسلم، ولا واللَّه لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

وكانت يمامة ريف مكة، فانصرف إلى بلاده، ومنع الحمل إلى مكة، حتى جهدت قريش، وكتبوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلى إليهم حمل الطعام، ففعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

غزوة بني لحيان:

بنو لحيان هم الذين كانوا قد غدروا بعشرة من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالرجيع، وتسببوا في إعدامهم، ولكن لما كانت ديارهم متوغلة في الحجاز إلى حدود مكة. والتارات الشديدة قائمة بين المسلمين وقريش والأعراب، لم يكن يرى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يتوغل في البلاد بمقربة من العدو الأكبر، فلما تخاذلت الأحزاب، واستوهنت عزائمهم واستكانوا للظروف الراهنة إلى حد ما، رأى أن الوقت قد آن لأن يأخذ من بني لحيان ثأر أصحابه المقتولين بالرجيع، فخرج إليهم في ربيع الأول أو جمادي الأولى سنة 6هـ في مائتين من أصحابه، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وأظهر أنه يريد الشام، ثم أسرع السير حتى انتهى إلى بطن غران واد بين أمج وعسفان، حيث كان مصاب أصحابه، فترحم عليهم ودعا لهم، وسمعت به بنو لحيان فهربوا في رؤوس الجبال، فلم يقدر منهم على أحد. فأقام يومين بأرضهم، وبعث السرايا، فلم يقدروا عليهم، فسار إلى عسفان، فبعث عشرة فوارس إلى كراع الغميم لتسمع به قريش، ثم رجع إلى المدينة. وكانت غيبته عنها أربع عشرة ليلة.

متابعة البعوث والسرايا:

ثم تابع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في إرسال البعوث والسرايا. وهاك صورة مصغرة منها:

1. سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر في ربيع الأول أو الآخر سنة 6هـ.خرج عكاشة في أربعين رجلاً إلى الغمر، ماء لبني أسد، ففر القوم، وأصاب المسلمون مائتي بعير ساقوها إلى المدينة.

2. سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة في ربيع الأول أو الآخر سنة 6هـ، خرج ابن مسلمة في عشرة رجال إلى القصة في ديار بني ثعلبة، فكمن القوم لهم وهم مائة فلما ناموا قتلوهم إلا ابن مسلمة فإنه أفلت منهم جريحاً.

3. سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة في ربيع الآخر سنة 6هـ وقد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على إثر مقتل أصحاب محمد بن مسلمة، فخرج ومعه أربعون رجلاً إلى مصارعهم، فساروا ليلتهم مشاة، ووافوا بني ثعلبة مع الصبح فأغاروا عليهم، فأعجزوهم هرباً في الجبال، وأصابوا رجلاً واحداً فأسلم. وغنموا نعماً وشاء.

4. سرية زيد بن حارثة إلى الجموم في ربيع الآخر سنة 6هـ. والجموم ماء لبني سليم في مر الظهران، خرج إليهم زيد فأصاب امرأة من مزينة يقال لها حليمة، فدلتهم على محلة من بني سليم أصابوا فيها نعماً وشاء وأسرى، فلما قفل بما أصاب، وهب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للمزينية نفسها وزوجها.

5. سرية زيد أيضاً إلى العيص في جمادي الأولى سنة 6هـ في سبعين ومائة راكب، وفيها أخذت أموال عير لقريش كان قائدها أبو العاص ختن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وأفلت أبو العاص، فأتى زينب فاستجار بها، وسألها أن تطلب من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رد أموال العير عليه، ففعلت، وأشار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الناس برد الأموال من غير أن يكرههم، فردوا الكثير والقليل والكبير والصغير حتى رجع أبو العاص إلى مكة، وأدى الودائع إلى أهلها، ثم أسلم وهاجر فرد عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زينب بالنكاح الأول بعد ثلاث سنين ونيف. كما ثبت في الحديث الصحيح ردها بالنكاح الأول لأن آية تحريم المسلمات على الكفار لم تكن نزلت إذ ذاك، وأما ما ورد من الحديث من أنه رد عليه بنكاح جديد أو رد عليه بعد ست سنين فلا يصح معنى كما أنه ليس بصحيح سنداً والعجب ممن يتمسكون بهذا الحديث الضعيف، فإنهم يقولون إن أبا العاص أسلم في أواخر سنة ثمان. قبيل الفتح، ثم يناقضون أنفسهم، فيقولون إن زينب ماتت في أوائل سنة ثمان. وجنح موسى بن عقبة أن هذا الحادث وقع في سنة 7هـ من قبل أبي بصير وأصحابه، ولكن ذلك لا يطابق الحديث الصحيح ولا الضعيف.

6. سرية زيد أيضاً إلى الطرف أو الطرق في جمادي الآخرة سنة 6هـ خرج زيد في خمسة عشر رجلاً إلى بني ثعلبة فهربت الأعراب، وخافوا أن يكون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سار إليهم، فأصاب من نعمهم عشرين بعيراً، وغاب أربع ليال.

7. سرية زيد أيضاً إلى وادي القرى في رجب سنة 6هـ خرج زيد في اثني عشر رجلاً إلى وادي القرى لاستكشاف حركات العدو إن كانت هناك، فهجم عليهم سكان وادي القرى. فقتلوا تسعة وأفلتت ثلاثة فيهم زيد بن حارثة.

8. سرية الخبط تذكر هذه السرية في رجب سنة 8هـ. ولكن السياق يدل على أنها كانت قبل الحديبية، قال جابر بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة راكب أميرنا أبو عبيدة بن الجراح نرصد عيراً لقريش، فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط، فسمى جيش الخبط، فنحر رجل ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم إن أبا عبيدة نهاه، فألقى إلينا البحر دابة يقال لها العنبر، فأكلنا منه نصف شهر. وادهنا منه حتى ثابت منه أجسامنا، وصلحت، وأخذ أبو عبيدة ضلعاً من أضلاعه، فنظر إلى أطول رجل في الجيش وأطول جمل، فحمل عليه، ومر تحته، وتزودنا من لحمه وشائق، فلما قدمنا المدينة أتينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكرنا له ذلك فقال: هو رزق أخرجه اللَّه لكم فهل معكم من لحمه شيء، تطعمونا فأرسلنا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منه.

وإنما قلنا: إن سياق هذه السرية يدل على أنها كانت قبل الحديبية لأن المسلمين لم يكونوا يتعرضون لعير قريش بعد صلح الحديبية.



غزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع (في شعبان سنة 6هـ):

وهذه الغزوة وإن لم تكن طويلة الذيل، عريضة الأطراف، من حيث الوجهة العسكرية إلا أنها وقعت فيها وقائع أحدثت البلبلة والاضطراب في المجتمع الإسلامي وتمخضت عن افتضاح المنافقين والتشريعات التعزيرية التي أعطت المجتمع الإسلامي صورة خاصة من النبل والكرامة وطهارة النفوس. ونسرد الغزوة أولاً، ثم نذكر تلك الوقائع.

كانت هذه الغزوة في شعبان سنة ست من الهجرة على أصح الأقوال وسببها أنه بلغه صلى الله عليه وسلم أن رئيس بني المصطلق الحارث بن أبي ضرار سار في قومه ومن قدر عليه من العرب يريدون حرب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فبعث بريدة بن الحصيب الأسلمي؛ لتحقيق الخبر، فأتاهم ولقى الحارث بن أبي ضرار وكلمه، ورجع إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر.

وبعد أن تأكد لديه صلى الله عليه وسلم صحة الخبر ندب الصحابة، وأسرع في الخروج، وكان خروجه لليلتين خلتا من شعبان، وخرج معه جماعة من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قبلها، واستعمل على المدينة زيد بن حارثة، وقيل أبا ذر، وقيل ثميلة بن عبد اللَّه الليثي، وكان الحارث بن ضرار قد وجه عيناً؛ ليأتيه بخبر الجيش الإسلامي، فألقى المسلمون عليه القبض وقتلوه.

ولما بلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسير رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقتله عينه، خافوا خوفاً شديداً، وتفرق عنهم من كان معهم من العرب، وانتهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع - بالضم فالفتح مصغراً اسم لماء من مياههم في ناحية فديد إلى الساحل - فتهيأوا للقتال، وصف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أصحابه، وراية المسلمين مع أبي بكر الصديق، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة، فتراموا بالنبل ساعة، ثم أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فحملوا حملة رجل واحد، فكانت النصرة، وانهزم المشركون، وقتل من قتل، وسبي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم النساء والذراري والنعم والشاء، ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد، قتله رجل من الأنصار ظناً منه أنه من العدو.

كذا قال أهل المغازي والسير، قال ابن القيم: وهو وهم، فإنه لم يكن بينهم قتال، وإنما أغار عليهم على الماء فسبى ذراريهم وأموالهم كما في الصحيح. أغار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون، وذكر الحديث؟ انتهى.

وكان من جملة السبي جويرية بنت الحارث إبنة سيد القوم، وقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبها، فأدى عنها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وتزوجها، فأعتق المسلمون بسبب هذا التزويج مائة من أهل بيت بني المصطلق وقد أسلموا، وقالوا: أصهار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

وأما الوقائع التي حدثت في هذه الغزوة فلأجل أن مبعثها كان هو رأس النفاق عبد اللَّه بن أبي وأصحابه نرى أن نورد أولاً شيئاً من أفعالهم في المجتمع الإسلامي.







رد مع اقتباس
قديم 05-24-2007, 03:55 AM رقم المشاركة : 134
معلومات العضو
شخصيات مهمه
Vip

إحصائية العضو








EVANHO is an unknown quantity at this point

 

EVANHO غير متصل

 


كاتب الموضوع : EVANHO المنتدى : :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ::
افتراضي

دور المنافقين قبل غزوة بني المصطلق:

قدمنا مراراً أن عبد اللَّه بن أبي كان يحنق على الإسلام والمسلمين، ولا سيما على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حنقاً شديداً، لأن الأوس والخزرج كانوا قد اتفقوا على سيادته، وكانوا ينظمون له الخرز؛ ليتوجوه إذ دخل فيهم الإسلام، فصرفهم عن أبي، فكان يرى أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هو الذي استلبه ملكه.

وقد ظهر حنقه هذا وتحرقه منذ بداية الهجرة قبل أن يتظاهر بالإسلام، وبعد أن تظاهر به. ركب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مرة على حمار ليعود سعد بن عبادة فمر بمجلس فيه عبد اللَّه بن أبي فحمر ابن أبي أنفه وقال: لا تغبروا علينا، ولما تلا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على المجلس القرآن، قال: اجلس في بيتك، ولا تغشنا في مجلسنا.

وهذا قبل أن يتظاهر بالإسلام، ولما تظاهر به بعد بدر لم يزل إلا عدواً للَّه ولرسوله وللمؤمنين، ولم يكن يفكر إلا في تشتيت المجتمع الإسلامي، وتوهين كلمة الإسلام، وكان يوالي أعداءه، وقد تدخل في أمر بني قينقاع كما ذكرنا، وكذلك جاء في غزوة أحد من الشر والغدر والتفريق بين المسلمين، وإثارة الارتباك والفوضى في صفوفهم بما مضى.

وكان من شدة مكر هذا المنافق وخداعه بالمؤمنين، أنه كان بعد التظاهر بالإسلام، يقوم كل جمعة حين يجلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للخطبة، فيقول هذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين أظهركم، أكرمكم اللَّه وأعزكم به فانصروه، وعزروه، واسمعوا له وأطيعوا، ثم يجلس، فيقوم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ويخطب، وكان من وقاحة هذا المنافق أنه قام في يوم الجمعة التي بعد أحد - مع ما ارتكبه من الشر والغدر الشنيع - قام ليقول ما كان يقوله من قبل، فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه، وقالوا له اجلس أي عدو اللَّه، لست لذلك بأهل وقد صنعت ما صنعت، فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول واللَّه لكأنما قلت بجراً أن قمت أشدد أمره، فلقيه رجل من الأنصار بباب المسجد فقال: ويلك، ارجع يستغفر لك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: واللَّه ما أبتغي أن يستغفر لي.

وكانت له اتصالات ببني النضير يؤامر معهم ضد المسلمين حتى قال لهم لئن أخرجتم لنخرجن معكم، ولئن قوتلتم لننصرنكم.

وكذلك فعل هو وأصحابه في غزوة الأحزاب من إثارة القلق والاضطراب وإلقاء الرعب والدهشة في قلوب المؤمنين ما قد قص اللَّه تعالى في سورة الأحزاب {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا} [الأحزاب: 12] إلى قوله: {يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلا قَلِيلا} [الأحزاب: 20].

بيد أن جميع أعداء الإسلام من اليهود والمنافقين والمشركين كانوا يعرفون جيداً أن سبب غلبة الإسلام ليس هو التفوق المادي، وكثرة السلاح والجيوش والعدد وإنما السبب هي القيم والأخلاق والمثل، التي يتمتع بها المجتمع الإسلامي، وكل من يمت بصلة إلى هذا الدين، وكانوا يعرفون أن منبع هذا الفيض إنما هو رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، الذي هو المثل الأعلى - إلى حد الإعجاز - لهذه القيم.

كما عرفوا بعد إدارة دفة الحروب طيلة خمس سنين، أن القضاء على هذا الدين وأهله لا يمكن بطريق استخدام السلاح، فقرروا أن يشنوا حرباً دعائية واسعة ضد هذا الدين من ناحية الأخلاق والتقاليد، وأن يجعلوا شخصية الرسول أول هدف لهذه الدعاية. ولما كان المنافقون هم الطابور الخامس في صفوف المسلمين، ولكونهم سكان المدينة، كان يمكن لهم الاتصال بالمسلمين واستفزاز مشاعرهم كل حين، تحمل فريضة الدعاية هؤلاء المنافقون، وعلى رأسهم ابن أبي.

وقد ظهرت خطتهم هذه جلية بعد غزوة الأحزاب، حينما تزوج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش، بعد أن طلقها زيد بن حارثة، وكان من تقاليد العرب أنهم كانوا يعتبرون المتبني مثل الابن الصلبي، فكانوا يعتقدون حرمة حليلة المتبني على الرجل الذي تبناه، فلما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب وجد المنافقون ثلمتين - حسب زعمهم - لإثارة المشاغب ضد النبي صلى الله عليه وسلم.

الأولى: أن زوجته هذه كانت زوجة خامسة، والقرآن لم يكن أذن في الزواج بأكثر من أربع نسوة، فكيف صح له هذا الزواج؟

الثانية: أن زينب كانت زوجة ابنه - متبناه - فالزواج بها من أكبر الكبائر، حسب تقاليد العرب - وأكثروا من الدعاية في هذا السبيل، واختلقوا قصصاً وأساطير، قالوا: إن محمداً رآها بغتة، فتأثر بحسنها فشغفه حباً، وعلقت بقلبه، وعلم بذلك ابنه زيد فخلى سبيلها لمحمد، وقد نشروا هذه الدعاية المختلقة نشراً بقيت آثاره في كتب التفسير والحديث إلى هذا الزمان، وقد أثرت تلك الدعاية أثراً قوياً في صفوف الضعفاء حتى نزل القرآن بالآيات البينات فيها شفاء لما في الصدور، وينبىء عن سعة نشر هذه الدعاية أن اللَّه استفتح سورة الأحزاب بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الأحزاب: 1].

وهذه إشارات عابرة، وصورة مصغرة مما اقترفه المنافقون قبل غزوة بني المصطلق، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكابد كل ذلك بالصبر واللين والتلطف وكان عامة المسلمين يحترزون عن شرهم، أو يتحملونه بالصبر إذا كانوا قد عرفوهم بافتضاحهم مرة بعد أخرى حسب قوله تعال: {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التوبة: 126].

دور المنافقين في غزوة بني المصطلق:

ولما كانت غزوة بني المصطلق، وخرج فيها المنافقون مثلوا قوله تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} [التوبة: 47] فقد وجدوا متنفسين للتنفس بالشر فأثاروا الارتباك الشديد في صفوف المسلمين، والدعاية الشنيعة ضد النبي صلى الله عليه وسلم، وهاك بعض التفصيل عنها:

قول المنافقين:

{يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون: 8].

كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الغزو مقيماً على المريسيع ووردت واردة الناس، ومع عمر بن الخطاب أجير يقال له جهجاه الغفاري، فازدحم هو وسنان بن وبر الجهني على الماء فاقتتلا، فصرخ الجهني يا معشر الأنصار وصرخ جهجاه يا معشر المهاجرين، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة. وبلغ ذلك عبد اللَّه بن أبي ابن سلول فغضب - وعنده رهط من قومه، فيهم زيد بن أرقم غلام حدث - وقال: أو قد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا،واللَّه ما نحن وهم إلا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك، أما واللَّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم أقبل على من حضره فقال لهم هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما واللَّه لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم.

فأخبر زيد بن أرقم عمه بالخبر، فأخبر عمه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعنده عمر، فقال عمر مر عباد بن بشر فليقتله. فقال: فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه؟ لا ولكن أذن بالرحيل. وذلك في ساعة لم يكن يرتحل فيها، فارتحل الناس، فلقيه أسيد بن حضير فحياه، وقال: لقد رحت في ساعة منكرة؟ فقال له أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟ يريد ابن أبي، فقال وما قال؟ قال: زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قال: فأنت يا رسول اللَّه، تخرجه منها إن شئت، هو واللَّه الذليل وأنت العزيز، ثم قال: يا رسول اللَّه، ارفق به، فواللَّه لقد جاءنا اللَّه بك، وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه، فإنه يرى أنك استلبته ملكاً.

ثم مشى بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياماً فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث.

أما ابن أبي فلما علم أن زيد بن أرقم بلغ الخبر جاء إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وحلف باللَّه ما قلت ما قال، ولا تكلمت به، وقال من حضر من الأنصار يا رسول اللَّه عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه، ولم يحفظ ما قال الرجل. فصدقه، قال زيد فأصابني هم لم يصبني مثله قط، فجلست في بيتي، فأنزل اللَّه {إذا جاءك المنافقون} إلى قوله {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون: 7] إلى

{لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون: 8] فأرسل إلي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقرأها علي.ثم قال: إن اللَّه قد صدقك.

وكان ابن هذا المنافق - وهو عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبي - رجلاً صالحاً من الصحابة الأخيار، فتبرأ من أبيه، ووقف له على باب المدينة، واستل سيفه، فلما جاء ابن أبي قال له واللَّه لا تجوز من ههنا حتى يأذن لك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإنه العزيز وأنت الذليل، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أذن له فخلى سبيله، وكان قد قال عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبي يا رسول اللَّه إن أردت قتله فمرني بذلك فأنا واللَّه أحمل إليك رأسه.

حديث الإفك:

وفي هذه الغزوة كانت قصة الإفك، وملخصها أن عائشة رضي اللَّه عنها كانت قد خرج بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم معه في هذه الغزوة بقرعة أصابتها وكانت تلك عادته مع نسائه، فلما رجعوا من الغزوة نزلوا في بعض المنازل، فخرجت عائشة لحاجتها ففقدت عقداً لأختها كانت أعارتها إياه، فرجعت تلتمسه في الموضع الذي فقدته فيه في وقتها، فجاء النفر الذين كانوا يرحلون هودجها فظنوها فيه فحملوا الهودج، ولا ينكرون خفته؛ لأنها رضي اللَّه عنها كانت فتية السن لم يغشها اللحم الذي كان يثقلها، وأيضاً فإن النفر لما تساعدوا على حمل الهودج لم ينكروا خفته ولو كان الذي حمله واحداً أو اثنين لم يخف عليهما الحال، فرجعت عائشة إلى منازلهم، وقد أصابت العقد، فإذا ليس به داع ولا مجيب، فقعدت في المنزل، وظنت أنهم سيفقدونها فيرجعون في طلبها، واللَّه غالب على أمره، يدبر الأمر فوق عرشه كما يشاء، فغلبتها عيناها، فنامت، فلم تستيقظ إلا بقول صفوان بن المعطل إنا للَّه وإنا إليه راجعون، زوجة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ - وكان صفوان قد عرس في أخريات الجيش لأنه كان كثير النوم، فلما رآها عرفها، وكان يراها قبل نزول الحجاب، فاسترجع وأناخ راحلته، فقربها إليه، فركبتها، وما كلمها كلمة واحدة، ولم تسمع منه إلا استرجاعه، ثم سار بها يقودها، حتى قدم بها، وقد نزل الجيش في نحر الظهيرة، فلما رأى ذلك الناس تكلم كل منهم بشاكلته، وما يليق به، ووجد الخبيث عدو اللَّه ابن أبي متنفساً، فتنفس من كرب النفاق والحسد الذي بين ضلوعه، فجعل يستحكي الإفك، ويستوشيه، ويشيعه، ويذيعه، ويجمعه، ويفرقه، وكان أصحابه يتقربون به إليه، فلما قدموا المدينة أفاض أهل الإفك في الحديث، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلم، ثم استشار أصحابه - لما استلبث الوحي طويلاً - في فراقها، فأشار عليه علي رضي اللَّه عنه أن يفارقها، ويأخذ غيرها، تلويحاً لا تصريحاً، وأشار عليه أسامة وغيره بإمساكها، وأن لا يلتفت إلى كلام الأعداء فقام على المنبر يستندر من عبد اللَّه بن أبي، فأظهر أسيد بن حضير سيد الأوس رغبته في قتله، فأخذت سعد بن عبادة - سيد الخزرج وهي قبيلة ابن أبي - الحمية القبلية فجرى بينهما كلام تثاور له الحيان، فخفضهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى سكتوا وسكت.

أما عائشة فلما رجعت مرضت شهراً، وهي لا تعلم عن حديث الإفك شيئاً سوى أنها كانت لا تعرف من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كانت تعرفه حين تشتكي، فلما نقهت خرجت مع أم مسطح إلى البراز ليلاً، فعثرت أم مسطح في مرطها فدعت على ابنها، فاستنكرت ذلك عائشة منها فأخبرتها الخبر، فرجعت عائشة واستأذنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؛ لتأتي أبويها وتستيقن الخبر، ثم أتتهما بعد الإذن حتى عرفت جلية الأمر، فجعلت تبكي، فبكت ليلتين ويوماً. لم تكن تكتحل بنوم، ولا يرقأ لها دمع، حتى ظنت أن البكاء فاتق كبدها. وجاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ذلك فتشهد وقال: أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك اللَّه، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري اللَّه وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه، ثم تاب إلى اللَّه تاب اللَّه عليه.

وحينئذ قلص دمعها. وقالت لكل من أبويها أن يجيبا، فلم يدريا ما يقولان فقالت: واللَّه لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم به فلئن قلت لكم إني بريئة - واللَّه يعلم أني بريئة - لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر - واللَّه يعلم أني منه بريئة - لتصدقني، واللَّه ما أجد لكم مثلاً إلا قول أبي يوسف. قال: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18].

ثم تحولت واضطجعت، ونزل الوحي ساعته، فسرى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يضحك. فكانت أول كلمة تكلم بها يا عائشة، أما اللَّه فقد برأك، فقالت لها أمها قومي إليه. فقالت عائشة - إدلالاً ببراءة ساحتها، وثقة بمحبة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم- واللَّه لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا اللَّه.

والذي أنزله اللَّه بشأن الإفك هو قوله تعال: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} العشر الآيات.

وجلد من أهل الإفك مسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش، جلدوا ثمانين، ولم يحد الخبيث عبد اللَّه بن أبي مع أنه رأس أهل الإفك، والذي تولى كبره. إما لأن الحدود تخفيف لأهلها، وقد وعده اللَّه بالعذاب العظيم في الآخرة، وإما للمصلحة التي ترك لأجلها قتله.

وهكذا وبعد شهر أقشعت سحابة الشك والارتياب والقلق والاضطراب عن جو المدينة، وافتضح رأس المنافقين افتضاحاً لم يستطع أن يرفع رأسه بعد ذلك، قال ابن إسحاق وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعمر كيف ترى يا عمر؟ أما واللَّه لو قتلته يوم قلت لي اقتله لأرعدت له أنف، ولو أمرتها اليوم بقتله لقتلته. قال عمر قد واللَّه علمت لأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري.







رد مع اقتباس
قديم 05-24-2007, 03:56 AM رقم المشاركة : 135
معلومات العضو
شخصيات مهمه
Vip

إحصائية العضو








EVANHO is an unknown quantity at this point

 

EVANHO غير متصل

 


كاتب الموضوع : EVANHO المنتدى : :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ::
افتراضي

البعوث والسرايا بعد غزوة المريسيع


سرية عبد الرحمن بن عوف إلى ديار بني كلب بدومة الجندل، في شعبان سنة 6هـ أقعده رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين يديه، وعممه بيده، وأوصاه بأحسن الأمور في الحرب، وقال له إن أطاعوك فتزوج ابنة ملكهم، فمكث عبد الرحمن بن عوف ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام،فأسلم القوم وتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ، وهي أم أبي سلمة، وكان أبوها رأسهم وملكهم.


سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفدك في شعبان سنة 6هـ وذلك أنه بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بها جمعاً يريدون أن يمدوا اليهود. فبعث إليهم علياً في مائتي رجل، وكان يسير الليل ويكمن النهار، فأصاب عيناً لهم فأقر أنهم بعثوه إلى خيبر يعرضون عليهم نصرتهم على أن يجعلوا لهم تمر خيبر. ودل العين على موضع تجمع بني سعد، فأغار عليهم علي، فأخذ خمسمائة بعير وألفي شاة، وهربت بنو سعد بالظعن، وكان رئيسهم وبر بن عليم.


سرية أبي بكر الصديق أو زيد بن حارثة إلى وادي القرى في رمضان سنة 6هـ كان بطن فزارة يريد اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم ، فبعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق. قال سلمة بن الأكوع وخرجت معه حتى إذا صلينا الصبح أمرنا فشننا الغارة، فوردنا الماء، فقتل أبو بكر من قتل ورأيت طائفة وفيهم الذراري، فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل فأدركتهم، ورميت بسهم بينهم وبين الجبل، فلما رأوا السهم وقفوا فيهم امرأة هي أم قرفة عليها قشع من أديم، معها ابنتها من أحسن العرب، فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكر، فنفلني أبو بكر ابنتها، فلم أكشف لها ثوباً، وقد سأله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بنت أم قرفة، فبعث بها إلى مكة، وفدى بها أسرى من المسلمين هناك.

وكانت أم قرفة شيطانة تحاول اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم ، وجهزت ثلاثين فارساً من أهل بيتها لذلك، فلاقت جزاءها وقتل الثلاثون.


سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين في شوال سنة 4هـ وذلك أن رهطاً من عكل وعرينة أظهروا الإسلام، وأقاموا بالمدينة فاستوخموها، فبعثهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ذود في المرعى، وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها، فلما صحوا قتلوا راعي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، واستاقوا الإبل وكفروا بعد إسلامهم، فبعث في طلبهم كرزا الفهري في عشرين من الصحابة، ودعا على العرنيين اللهم اعم عليهم الطريق، واجعلها عليهم أضيق من مسك فعمى اللَّه عليهم السبيل فأدركوا، فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم، جزاء وقصاصاً بما فعلوا، ثم تركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا وحديثهم في الصحيح عن أنس.

ويذكر أهل السير بعد ذلك سرية عمرو بن أمية الضمري مع سلمة بن أبي سلمة في شوال سنة ه أنه ذهب إلى مكة لاغتيال أبي سفيان، لأن أبا سفيان كان أرسل أعرابياً لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم، بيد أن المبعوثين لم ينجحا في الاغتيال، لا هذا، ولا ذاك، ويذكرون أن عمراً قتل في الطريق ثلاثة رجال، ويقولون إن عمراً أخذ جثة الشهيد خبيب في هذا السفر. والمعروف أن خبيباً استشهد بعد الرجيع بأيام أو أشهر، ووقعة الرجيع كانت في صفر سنة ه، فلا أدري هل اختلط السفران على أهل السير، أو كان الأمران في سفر واحد في السنة الرابعة، وقد أنكر العلامة المنصور فوري أن تكون هذه السرية سرية حرب أو مناوشة. واللَّه أعلم.

هذه هي السرايا والغزوات بعد الأحزاب، وبني قريظة، لم يجر في واحدة منها قتال مرير، وإنما وقعت فيما وقعت مصادمة خفيفة، فليست هذه البعوث إلا دوريات استطلاعية، أو تحركات تأديبية، لإرهاب الأعراب والأعداء الذين لم يستكينوا بعد. ويظهر بعد التأمل في الظروف أن مجرى الأيام كان قد أخذ في التطور بعد غزوة الأحزاب، وأن أعداء الإسلام كانت معنوياتهم في انهيار متواصل، ولم يكن بقي لهم أمل في نجاح كسر الدعوة الإسلامية وخضد شوكتها، إلا أن هذا التطور ظهر جلياً بصلح الحديبية فلم تكن الهدنة إلا الاعتراف بقوة الإسلام والتسجيل على بقائها في ربوع الجزيرة العربية.

وقعة الحديبية في ذي القعدة سنة 6هـ

سبب عمرة الحديبية:

ولما تقدم التطور في الجزيرة العربية إلى حد كبير لصالح المسلمين، أخذت طلائع الفتح الأعظم ونجاح الدعوة الإسلامية تبدو شيئاً فشيئاً. وبدأت التمهيدات لإقرار حق المسلمين في أداء عبادتهم في المسجد الحرام، الذي كان قد صد عنه المشركون منذ ستة أعوام.

أري رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو بالمدينة، أنه دخل هو أصحابه المسجد الحرام، وأخذ مفتاح الكعبة، وطافوا واعتمروا، وحلق بعضهم وقصر بعضهم، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا، وحسبوا أنهم داخلوا مكة عامهم ذلك، وأخبر أصحابه أنه معتمر فتجهزوا للسفر.

استفنار المسلمين:

واستنفر العرب ومن حوله البوادي ليخرجوا معه، فأبطأ كثير من الأعراب وغسل ثيابه، وركب ناقته القصواء، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم أو نميلة الليثي. وخرج منها يوم الاثنين غرة ذي القعدة سنة 6هـ، ومعه زوجته أم سلمة، في ألف وأربعمائة، ويقال ألف وخمسمائة، ولم يخرج معه بسلاح، إلا سلاح المسافر، السيوف في القرب.

المسلمون يتحركون إلى مكة:

وتحرك في اتجاه مكة، فلما كان بذي الحليفة قلد الهدى وأشعره، وأحرم بالعمرة، ليأمن الناس من حربه. وبعث بين يديه عيناً له من خزاعة يخبره عن قريش حتى إذا كان قريباً من عسفان أتاه عينه، فقال: إني تركت كعب بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش، وجمعوا لك جموعاً وهم مقاتلوك، وصادوك عن البيت. واستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال: أترون نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم؟ فإن قعدوا قعدوا موتورين محزونين، وإن نجوا يكن عنق قطعها اللَّه، أم تريدون أن نؤم هذا البيت فمن صدنا عنه قاتلناه؟ فقال أبو بكر اللَّه ورسوله أعلم، إنما جئنا معتمرين، ولم نجيء لقتال أحد، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فروحوا، فراحوا.

محاولة قريش صد المسلمين عن البيت:

وكانت قريش لما سمعت بخروج النبي صلى الله عليه وسلم عقدت مجلساً استشارياً قررت فيه صد المسلمين عن البيت كيفما يمكن، فبعد أن أعرض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الأحابيش، نقل إليه رجل من بني كعب أن قريشاً نازلة بذي طوى، وأن مائتي فارس في قيادة خالد بن الوليد مرابطة بكراع الغميم في الطريق الرئيسي الذي يوصل إلى مكة. وقد حاول خالد صد المسلمين، فقام بفرسانه إزاءهم يتراآى الجيشان. ورأى خالد المسلمين في صلاة الظهر يركعون ويسجدون فقال: لقد كانوا على غرة، لو كنا حملنا عليهم لأصبنا منهم، ثم قرر أن يميل على المسلمين - وهم في صلاة العصر - ميلة واحدة، ولكن اللَّه أنزل حكم صلاة الخوف، ففاتت الفرصة خالداً.

تبديل الطريق ومحاولة اجتناب اللقاء الدامي:

وأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم طريقاً وعراً بين شعاب، وسلك بهم ذات اليمين بين ظهري الحمش في طريق على ثنية المرار مهبط الحديبية من أسفل مكة، وترك الطريق الرئيسي الذي يفضي إلى الحرم ماراً بالتنعيم، تركه إلى اليسار فلما رأى خالد قرة الجيش الإسلامي قد خالفوا عن طريقه انطلق يركض نذيراً لقريش.

وسار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بثنية المرار بركت راحلته فقال الناس حل حل فألحت، فقالوا: خلأت القصواء خلأت القصواء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق. ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال: والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات اللَّه إلا أعطيتهم إياها، ثم زجرها فوثبت به، فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية. على ثمد قليل الماء، إنما يتبرضه الناس تبرضاً، فلم يلبث أن نزحوه. فشكوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزع سهماً من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فواللَّه ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا.

بديل يتوسط بين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقريش:

ولما اطمأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة، وكانت خزاعة عيبة نصح لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة، فقال: إني تركت كعب بن لؤي، نزلوا أعداد مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، إنا لم نجيء لقتال أحد، ولكن جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاؤوا ماددتهم، ويخلوا بيني وبين الناس، وإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جموا، وإن أبوا إلا القتال فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، أو ينفذن للَّه أمره.

قال بديل سأبلغهم ما تقول، فانطلق حتى أتى قريشاً فقال: إني قد جئتكم من عند هذا الرجل، وسمعته يقول قولاً، فإن شئتم عرضته عليكم. فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء. وقال ذو الرأي منهم هات ما سمعته. قال: سمعته يقول كذا وكذا، فبعثت قريش مكرز بن حفص، فلما رآه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: هذا رجل غادر، فلما جاء وتكلم قال له مثل ما قال لبديل وأصحابه، فرجع إلى قريش وأخبرهم.







رد مع اقتباس
قديم 05-24-2007, 03:56 AM رقم المشاركة : 136
معلومات العضو
شخصيات مهمه
Vip

إحصائية العضو








EVANHO is an unknown quantity at this point

 

EVANHO غير متصل

 


كاتب الموضوع : EVANHO المنتدى : :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ::
افتراضي

البعوث والسرايا بعد غزوة المريسيع


سرية عبد الرحمن بن عوف إلى ديار بني كلب بدومة الجندل، في شعبان سنة 6هـ أقعده رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين يديه، وعممه بيده، وأوصاه بأحسن الأمور في الحرب، وقال له إن أطاعوك فتزوج ابنة ملكهم، فمكث عبد الرحمن بن عوف ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام،فأسلم القوم وتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ، وهي أم أبي سلمة، وكان أبوها رأسهم وملكهم.


سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفدك في شعبان سنة 6هـ وذلك أنه بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بها جمعاً يريدون أن يمدوا اليهود. فبعث إليهم علياً في مائتي رجل، وكان يسير الليل ويكمن النهار، فأصاب عيناً لهم فأقر أنهم بعثوه إلى خيبر يعرضون عليهم نصرتهم على أن يجعلوا لهم تمر خيبر. ودل العين على موضع تجمع بني سعد، فأغار عليهم علي، فأخذ خمسمائة بعير وألفي شاة، وهربت بنو سعد بالظعن، وكان رئيسهم وبر بن عليم.


سرية أبي بكر الصديق أو زيد بن حارثة إلى وادي القرى في رمضان سنة 6هـ كان بطن فزارة يريد اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم ، فبعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق. قال سلمة بن الأكوع وخرجت معه حتى إذا صلينا الصبح أمرنا فشننا الغارة، فوردنا الماء، فقتل أبو بكر من قتل ورأيت طائفة وفيهم الذراري، فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل فأدركتهم، ورميت بسهم بينهم وبين الجبل، فلما رأوا السهم وقفوا فيهم امرأة هي أم قرفة عليها قشع من أديم، معها ابنتها من أحسن العرب، فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكر، فنفلني أبو بكر ابنتها، فلم أكشف لها ثوباً، وقد سأله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بنت أم قرفة، فبعث بها إلى مكة، وفدى بها أسرى من المسلمين هناك.

وكانت أم قرفة شيطانة تحاول اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم ، وجهزت ثلاثين فارساً من أهل بيتها لذلك، فلاقت جزاءها وقتل الثلاثون.


سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين في شوال سنة 4هـ وذلك أن رهطاً من عكل وعرينة أظهروا الإسلام، وأقاموا بالمدينة فاستوخموها، فبعثهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ذود في المرعى، وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها، فلما صحوا قتلوا راعي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، واستاقوا الإبل وكفروا بعد إسلامهم، فبعث في طلبهم كرزا الفهري في عشرين من الصحابة، ودعا على العرنيين اللهم اعم عليهم الطريق، واجعلها عليهم أضيق من مسك فعمى اللَّه عليهم السبيل فأدركوا، فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم، جزاء وقصاصاً بما فعلوا، ثم تركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا وحديثهم في الصحيح عن أنس.

ويذكر أهل السير بعد ذلك سرية عمرو بن أمية الضمري مع سلمة بن أبي سلمة في شوال سنة ه أنه ذهب إلى مكة لاغتيال أبي سفيان، لأن أبا سفيان كان أرسل أعرابياً لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم، بيد أن المبعوثين لم ينجحا في الاغتيال، لا هذا، ولا ذاك، ويذكرون أن عمراً قتل في الطريق ثلاثة رجال، ويقولون إن عمراً أخذ جثة الشهيد خبيب في هذا السفر. والمعروف أن خبيباً استشهد بعد الرجيع بأيام أو أشهر، ووقعة الرجيع كانت في صفر سنة ه، فلا أدري هل اختلط السفران على أهل السير، أو كان الأمران في سفر واحد في السنة الرابعة، وقد أنكر العلامة المنصور فوري أن تكون هذه السرية سرية حرب أو مناوشة. واللَّه أعلم.

هذه هي السرايا والغزوات بعد الأحزاب، وبني قريظة، لم يجر في واحدة منها قتال مرير، وإنما وقعت فيما وقعت مصادمة خفيفة، فليست هذه البعوث إلا دوريات استطلاعية، أو تحركات تأديبية، لإرهاب الأعراب والأعداء الذين لم يستكينوا بعد. ويظهر بعد التأمل في الظروف أن مجرى الأيام كان قد أخذ في التطور بعد غزوة الأحزاب، وأن أعداء الإسلام كانت معنوياتهم في انهيار متواصل، ولم يكن بقي لهم أمل في نجاح كسر الدعوة الإسلامية وخضد شوكتها، إلا أن هذا التطور ظهر جلياً بصلح الحديبية فلم تكن الهدنة إلا الاعتراف بقوة الإسلام والتسجيل على بقائها في ربوع الجزيرة العربية.

وقعة الحديبية في ذي القعدة سنة 6هـ

سبب عمرة الحديبية:

ولما تقدم التطور في الجزيرة العربية إلى حد كبير لصالح المسلمين، أخذت طلائع الفتح الأعظم ونجاح الدعوة الإسلامية تبدو شيئاً فشيئاً. وبدأت التمهيدات لإقرار حق المسلمين في أداء عبادتهم في المسجد الحرام، الذي كان قد صد عنه المشركون منذ ستة أعوام.

أري رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو بالمدينة، أنه دخل هو أصحابه المسجد الحرام، وأخذ مفتاح الكعبة، وطافوا واعتمروا، وحلق بعضهم وقصر بعضهم، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا، وحسبوا أنهم داخلوا مكة عامهم ذلك، وأخبر أصحابه أنه معتمر فتجهزوا للسفر.

استفنار المسلمين:

واستنفر العرب ومن حوله البوادي ليخرجوا معه، فأبطأ كثير من الأعراب وغسل ثيابه، وركب ناقته القصواء، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم أو نميلة الليثي. وخرج منها يوم الاثنين غرة ذي القعدة سنة 6هـ، ومعه زوجته أم سلمة، في ألف وأربعمائة، ويقال ألف وخمسمائة، ولم يخرج معه بسلاح، إلا سلاح المسافر، السيوف في القرب.

المسلمون يتحركون إلى مكة:

وتحرك في اتجاه مكة، فلما كان بذي الحليفة قلد الهدى وأشعره، وأحرم بالعمرة، ليأمن الناس من حربه. وبعث بين يديه عيناً له من خزاعة يخبره عن قريش حتى إذا كان قريباً من عسفان أتاه عينه، فقال: إني تركت كعب بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش، وجمعوا لك جموعاً وهم مقاتلوك، وصادوك عن البيت. واستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال: أترون نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم؟ فإن قعدوا قعدوا موتورين محزونين، وإن نجوا يكن عنق قطعها اللَّه، أم تريدون أن نؤم هذا البيت فمن صدنا عنه قاتلناه؟ فقال أبو بكر اللَّه ورسوله أعلم، إنما جئنا معتمرين، ولم نجيء لقتال أحد، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فروحوا، فراحوا.

محاولة قريش صد المسلمين عن البيت:

وكانت قريش لما سمعت بخروج النبي صلى الله عليه وسلم عقدت مجلساً استشارياً قررت فيه صد المسلمين عن البيت كيفما يمكن، فبعد أن أعرض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الأحابيش، نقل إليه رجل من بني كعب أن قريشاً نازلة بذي طوى، وأن مائتي فارس في قيادة خالد بن الوليد مرابطة بكراع الغميم في الطريق الرئيسي الذي يوصل إلى مكة. وقد حاول خالد صد المسلمين، فقام بفرسانه إزاءهم يتراآى الجيشان. ورأى خالد المسلمين في صلاة الظهر يركعون ويسجدون فقال: لقد كانوا على غرة، لو كنا حملنا عليهم لأصبنا منهم، ثم قرر أن يميل على المسلمين - وهم في صلاة العصر - ميلة واحدة، ولكن اللَّه أنزل حكم صلاة الخوف، ففاتت الفرصة خالداً.

تبديل الطريق ومحاولة اجتناب اللقاء الدامي:

وأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم طريقاً وعراً بين شعاب، وسلك بهم ذات اليمين بين ظهري الحمش في طريق على ثنية المرار مهبط الحديبية من أسفل مكة، وترك الطريق الرئيسي الذي يفضي إلى الحرم ماراً بالتنعيم، تركه إلى اليسار فلما رأى خالد قرة الجيش الإسلامي قد خالفوا عن طريقه انطلق يركض نذيراً لقريش.

وسار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بثنية المرار بركت راحلته فقال الناس حل حل فألحت، فقالوا: خلأت القصواء خلأت القصواء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق. ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال: والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات اللَّه إلا أعطيتهم إياها، ثم زجرها فوثبت به، فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية. على ثمد قليل الماء، إنما يتبرضه الناس تبرضاً، فلم يلبث أن نزحوه. فشكوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزع سهماً من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فواللَّه ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا.

بديل يتوسط بين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقريش:

ولما اطمأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة، وكانت خزاعة عيبة نصح لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة، فقال: إني تركت كعب بن لؤي، نزلوا أعداد مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، إنا لم نجيء لقتال أحد، ولكن جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاؤوا ماددتهم، ويخلوا بيني وبين الناس، وإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جموا، وإن أبوا إلا القتال فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، أو ينفذن للَّه أمره.

قال بديل سأبلغهم ما تقول، فانطلق حتى أتى قريشاً فقال: إني قد جئتكم من عند هذا الرجل، وسمعته يقول قولاً، فإن شئتم عرضته عليكم. فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء. وقال ذو الرأي منهم هات ما سمعته. قال: سمعته يقول كذا وكذا، فبعثت قريش مكرز بن حفص، فلما رآه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: هذا رجل غادر، فلما جاء وتكلم قال له مثل ما قال لبديل وأصحابه، فرجع إلى قريش وأخبرهم.







رد مع اقتباس
قديم 05-24-2007, 03:57 AM رقم المشاركة : 137
معلومات العضو
شخصيات مهمه
Vip

إحصائية العضو








EVANHO is an unknown quantity at this point

 

EVANHO غير متصل

 


كاتب الموضوع : EVANHO المنتدى : :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ::
افتراضي

رسل قريش:

ثم قال رجل من كنانة - اسمه الحليس بن علقمة - دعوني آته. فقالوا: آته. فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها، فبعثوها له، واستقبله القوم يلبون، فلما رأى ذلك. قال: سبحان اللَّه ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، فرجع إلى أصحابه فقال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، وما أرى أن يصدوا، وجرى بينه وبين قريش كلام أحفظه.

فقال عروة بن مسعود الثقفي: إن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته فقالوا: آته، فآتاه، فجعل يكلمه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم نحواً من قوله لبديل. فقال له عروة عند ذلك أي محمد أرأيت لو استأصلت قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك، وإن تكن الأخرى فواللَّه إني لأرى وجوهاً، وأرى أوباشاً من الناس خلقاً أن يفروا ويدعوك، فقال له أبو بكر امصص بظر اللات، أنحن نفر عنه؟ قال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر، قال: أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت عنديلم أجزك بها لأجبتك. وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ، وكلما كلمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة عند رأس النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف وقال: أخر يدك عن لحية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فرفع عروة رأسه وقال: من ذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة، فقال: أي غدر، أو لست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم، وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء وكان المغيرة ابن أخي عروة.

ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعلاقتهم به، فرجع إلى أصحابه، فقال: أي قوم، واللَّه لقد وفدت على الملوك، على قيصر وكسرى والنجاشي، واللَّه ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً، واللَّه إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له، وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها.

هو الذي كف أيديهم عنكم:

ولما رأى شباب قريش الطائشون، الطامحون إلى الحرب رغبة زعمائهم في الصلح فكروا في خطة تحول بينهم وبين الصلح، فقرروا أن يخرجوا ليلاً ويتسللوا إلى معسكر المسلمين، ويحدثوا أحداثاً تشعل نار الحرب، وفعلاً قد قاموا بتنفيذ هذا القرار، فقد خرج سبعون أو ثمانون منهم ليلاً فهبطوا من جبل التنعيم، وحاولوا التسلل إلى معسكر المسلمين، غير أن محمد بن سلمة قائد الحرس اعتقلهم جميعاً. ورغبة في الصلح أطلق سراحهم النبي صلى الله عليه وسلم وعفا عنهم، وفي ذلك أنزل اللَّه: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح: 24].

عثمان بن عفان سفيراً إلى قريش:

وحينئذ أراد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يبعث سفيراً يؤكد لدى قريش موقفه وهدفه من هذا السفر، فدعا عمر بن الخطاب ليرسله إليهم، فاعتذر قائلاً يا رسول اللَّه ليس لي بمكة أحد من بني كعب يغضب لي إن أوذيت، فأرسل عثمان بن عفان، فإن عشيرته بها، وإنه مبلغ ما أردت، فدعاه، وأرسله إلى قريش، وقال: أخبرهم إنا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عماراً، وادعهم إلى الإسلام وأمره أن يأتي رجالا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات، فيبشرهم بالفتح، ويخبرهم أن اللَّه عز وجل مظهر دينه بمكة، حتى لا يستخفي فيها أحد بالإيمان.

فانطلق عثمان حتى مر على قريش ببلدح، فقالوا: أين تريد؟ فقال: بعثني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، قالوا: قد سمعنا ما تقول، فانفذ لحاجتك وقام إليه أبان بن سعيد بن العاص، فرحب به ثم أسرج فرسه، فحمل عثمان على الفرس، وأجاره وأردفه حتى جاء مكة، وبلغ الرسالة إلى زعماء قريش. فلما فرغ عرضوا عليه أن يطوف بالبيت، لكنه رفض هذا العرض، وأبى أن يطوف حتى يطوف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

إشاعة مقتل عثمان وبيعة الرضوان:

واحتبسته قريش عندها - ولعلهم أرادوا أن يتشاوروا فيما بينهم في الوضع الراهن، ويبرموا أمرهم، ثم يردوا عثمان بجواب ما جاء به من الرسالة - وطال الاحتباس، فشاع بين المسلمين أن عثمان قتل، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما بلغته تلك الإشاعة لا نبرح حتى نناجز القوم، ثم دعا أصحابه إلى البيعة، فثاروا إليه يبايعونه على أن لا يفروا، وبايعته جماعة على الموت، وأول من بايعه أبو سنان الأسدي، وبايعه سلمة بن الأكوع على الموت ثلاث مرات في أول الناس ووسطهم وآخرهم، وأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيد نفسه وقال: هذه عن عثمان. ولما تمت البيعة جاء عثمان فبايعه، ولم يتخلف عن هذه البيعة إلا رجل من المنافقين يقال له جد بن قيس.

أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هذه البيعة تحت شجرة، وكان عمر آخذاً بيده، ومعقل بن يسار آخذاً بغصن الشجرة يرفعه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهذه هي بيعة الرضوان التي أنزل اللَّه فيها:

{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18].

إبرام الصلح وبنوده:

وعرفت قريش حراجة الموقف، فأسرعت إلى بعث سهيل بن عمرو لعقد الصلح، وأكدت له أن لا يكون في الصلح إلا أن يرجع عنا عامه هذا. لا تتحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبداً. فأتاه سهيل بن عمرو، فلما رآه عليه السلام قال: قد سهل لكم أمركم، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل، فجاء سهيل فتكلم طويلاً ثم اتفقا على قواعد الصلح وهي هذه:


الرسول صلى الله عليه وسلم يرجع من عامه، فلا يدخل مكة، وإذا كان العام القابل دخلها المسلمون فأقاموا بها ثلاثاً، معهم سلاح الراكب، السيوف في القرب، ولا تتعرض لهم بأي نوع من أنواع التعرض.


وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض.


من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش، وعهدهم دخل فيه، وتعتبر القبيلة التي تنضم إلى أي الفريقين جزءاً من ذلك الفريق، فأي عدوان تتعرض له أي من هذه القبائل يعتبر عدواناً على ذلك الفريق.


من أتى محمداً من قريش من غير إذن وليه - أي هارباً منهم - رده عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد - أي هارباً منه - لم يرد عليه.

ثم دعا علياً ليكتب الكتاب فأملى عليه بسم اللَّه الرحمن الرحيم فقال سهيل ما الرحمن فواللَّه لا ندري ما هو؟ ولكن اكتب باسمك اللهم. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم علياً بذلك. ثم أملى (هذا ما صالح عليه محمد رسول اللَّه) فقال سهيل: لو نعلم أنك رسول اللَّه ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد اللَّه فقال: إني رسول اللَّه وإن كذبتموني، وأمر علياً أن يكتب محمد بن عبد اللَّه، ويمحو لفظ رسول اللَّه، فأبى علي أن يمحو هذا اللفظ. فمحاه صلى الله عليه وسلم بيده، ثم تمت كتابة الصحيفة، ولما تم الصلح دخلت خزاعة في عهد -رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكانوا حليف بني هاشم منذ عهد عبد المطلب كما قدمنا في أوائل المقالة، فكان دخولهم في هذا العهد؛ تأكيداً لذلك الحلف القديم - ودخلت بنو بكر في عهد قريش.







رد مع اقتباس
قديم 05-24-2007, 03:57 AM رقم المشاركة : 138
معلومات العضو
شخصيات مهمه
Vip

إحصائية العضو








EVANHO is an unknown quantity at this point

 

EVANHO غير متصل

 


كاتب الموضوع : EVANHO المنتدى : :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ::
افتراضي

رد أبي جندل:

وبينما الكتاب يكتب إذ جاء أبو جندل بن سهيل يرسف في قيوده، قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين ظهور المسلمين، فقال سهيل هذا أول ما أقاضيك عليه على أن ترده. فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنا لم نقض الكتاب بعد. فقال: فواللَّه إذا لا أقاضيك على شيء أبداً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم فأجزه لي. قال: ما أنا بمجيزه لك. قال: بلى فافعل، قال: ما أنا بفاعل. وقد ضرب سهيل أبا جندل في وجهه، وأخذ بتلابيبه وجره؛ ليرده إلى المشركين، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن اللَّه جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً. إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً، وأعطيناهم على ذلك، وأعطونا عهد اللَّه فلا نغدر بهم.

فوثب عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه مع أبي جندل يمشي إلى جنبه ويقول اصبر يا أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب، ويدني قائم السيف منه يقول عمر رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه، فضن الرجل بأبيه ونفذت القضية.

النحر والحلق للحل عن العمرة:

ولما فرغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من قضية الكتاب قال: قوموا، فانحروا، فواللَّه ما قام منهم أحد حتى قال ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت: يا رسول اللَّه أتحب ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحداً كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فقام فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً زحاماً، وكانوا نحروا البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، ونحر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جملاً كان لأبي جهل، كان في أنفه برة من فضة، ليغيظ به المشركين، ودعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثاً بالمغفرة وللمقصرين مرة. وفي هذا السفر أنزل اللَّه فدية الأذى لمن حلق رأسه بالصيام، أو الصدقة، أو النسك في شأن كعب بن عجرة.

الإباء عن رد المهاجرات:

ثم جاء نسوة مؤمنات فسأل أولياؤهن أن يردهن عليهم بالعهد الذي تم في الحديبية، فرفض طلبهم هذا، بدليل أن الكلمة التي كتبت في المعاهدة بصدد هذا البند هي وعلى أنه لا يأتيك منا رجل، وإن كان على دينك إلا رددته علينا فلم تدخل النساء في العقد رأساً. وأنزل اللَّه في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ}[الممتحنة: 10] حتى بلغ: {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يمتحنهن بقوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} إلخ، فمن أقرت بهذه الشروط قال لها قد بايعتك. ثم لم يكن يردهن.

وطلق المسلمون زوجاتهم الكافرات بهذا الحكم. فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك. تزوج بإحداهما معاوية، وبالأخرى صفوان بن أمية.

ماذا يتمخض عن بنود المعاهدة:

هذه هي هدنة الحديبية، ومن سبر أغوار بنودها مع خلفياتها لا يشك أنها فتح عظيم للمسلمين، فقريش لم تكن تعترف بالمسلمين أي اعتراف، بل كانت تهدف استئصال شأفتهم، وتنتظر أن تشهد يوماً ما نهايتهم، وكانت تحاول بأقصى قوتها الحيلولة بين الدعوة الإسلامية، وبين الناس، بصفتها ممثلة الزعامة الدينية والصدارة الدنيوية في جزيرة العرب، ومجرد الجنوح إلى الصلح اعتراف بقوة المسلمين، وأن قريشاً لا تقدر على مقاومتهم، ثم البند الثالث يدل فحواه على أن قريشاً نسيت صدارتها الدنيوية وزعامتها الدينية، وأنها لا تهمها الآن إلا نفسها، أما سائر الناس وبقية جزيرة العرب فلو دخلت في الإسلام بأجمعها، فلا يهم ذلك قريشاً، ولا تتدخل في ذلك بأي نوع من أنواع التدخل. أليس هذا فشلاً ذريعاً بالنسبة إلى قريش؟ وفتحا مبيناً بالنسبة إلى المسلمين؟ إن الحروب الدامية التي جرت بين المسلمين وبين أعدائهم لم تكن أهدافها - بالنسبة إلى المسلمين - مصادرة الأموال وإبادة الأرواح، وإفناء الناس، أو إكراه العدو على اعتناق الإسلام، وإنما كان الهدف الوحيد الذي يهدفه المسلمون من هذه الحروب هو الحرية الكاملة للناس في العقيدة والدين {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]. لا يحول بينهم وبين ما يريدون أي قوة من القوات، وقد حصل هذا الهدف بجميع أجزائه ولوازمه، وبطريق ربما لا يحصل بمثله في الحروب مع الفتح المبين، وقد كسب المسلمون لأجل هذه الحرية نجاحاً كبيراً في الدعوة، فبينما كان عدد المسلمين لا يزيد على ثلاثة آلاف قبل الهدنة صار عدد الجيش الإسلامي في سنتين عند فتح مكة عشر آلاف.

أما البند الثاني فهو جزء ثان لهذا الفتح المبين، فالمسلمون لم يكونوا بادئين بالحروب، وإنما بدأتها قريش، يقول اللَّه تعالى: {وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [التوبة: 13] أما المسلمون فلم يكن المقصود من دورياتهم العسكرية إلا أن تفيق قريش عن غطرستها وصدها عن سبيل اللَّه وتعمل معهم بالمساواة، كل من الفريقين يعمل على شاكلته فالعقد بوضع الحرب عشر سنين حد لهذه الغطرسة والصد، ودليل على فشل من بدأ الحرب وضعفه وانهياره.

أما البند الأول فهو حد لصد قريش عن المسجد الحرام، فهو أيضاً فشل لقريش، وليس فيه ما يشفي قريشاً سوى أنها نجحت في الصد لذلك العام الواحد فقط.

أعطت قريش هذه الخلال الثلاث للمسلمين، وحصلت بإزائها خلة واحدة فقط، وهي ما في البند الرابع، ولكن تلك الخلة تافهة جداً، ليس فيها شيء يضر بالمسلمين، فمعلوم أن المسلم ما دام مسلماً لا يفر عن اللَّه ورسوله، وعن مدينة الإسلام، ولا يفر إلا إذا ارتد عن الإسلام ظاهراً أو باطناً، فإذا ارتد فلا حاجة إليه للمسلمين وانفصاله من المجتمع الإسلامي خير من بقائه فيه، وهذا الذي أشار إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بقوله إنه من ذهب منا إليهم فأبعده اللَّه. وأما من أسلم من أهل مكة فهو وإن لم يبق للجوئه إلى المدينة سبيل لكن أرض اللَّه واسعة، ألم تكن الحبشة واسعة للمسلمين حينما لم يكن يعرف أهل المدينة عن الإسلام شيئاً؟ وهذا الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ومن جاءنا منهم سيجعل اللَّه له فرجاً ومخرجاً.

والأخذ بمثل هذا الاحتفاظ، وإن كان مظهر الاعتزاز لقريش، لكنه في الحقيقة ينبىء عن شدة انزعاج قريش وهلعهم وخورهم. وعن شدة خوفهم على كيانهم الوثني. وكأنهم كانوا قد أحسوا أن كيانهم اليوم على شفا جرف هار. لا بد له من الأخذ بمثل هذا الاحتفاظ. وما سمح به النبي صلى الله عليه وسلم من أنه لا يسترد من فرّ إلى قريش من المسلمين، فليس هذا إلا دليلاً على أنه يعتمد على تثبيت كيانه وقوته كمال الاعتماد، ولا يخاف عليه من مثل هذا الشرط.

حزن المسلمين ومناقشة عمر مع النبي صلى الله عليه وسلم:

هذه هي حقيقة بنود هذه الهدنة، لكن هناك ظاهرتان عمت لأجلهما المسلمين كآبة وحزن شديد، الأولى: أنه كان قد أخبرهم أنا سنأتي البيت فنطوف به، فماله يرجع ولم يطف به؟ الثانية: أنه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعلى الحق، واللَّه وعد إظهار دينه، فما له قبل ضغط قريش، وأعطى الدنية في الصلح؟ كانت هاتان الظاهرتان مثار الريب والشكوك والوساوس والظنون. وصارت مشاعر المسلمين لأجلهما جريحة، بحيث غلب الهم والحزن على التفكير في عواقب بنود الصلح. ولعل أعظمهم حزناً كان عمر بن الخطاب، فقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول اللَّه ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال: بلى. قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى. قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا، ونرجع ولما يحكم بيننا وبينهم؟ قال: يا ابن الخطاب إني رسول اللَّه ولست أعصيه، وهو ناصري ولن يضيعني أبداً. قال: أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى. فأخبرتك أنا نأتيه العام؟ قال: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به.

ثم انطلق عمر متغيظاً فأتى أبا بكر، فقال له كما قال لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ورد عليه أبو بكر، كما رد عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سواء. وزاد فاستمسك بغررزه حتى تموت، فواللَّه إنه لعلى الحق.

ثم نزلت: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] الخ فأرسل رسول اللَّه إلى عمر فأقرأه إياه. فقال: يا رسول اللَّه أو فتح هو؟ قال: نعم. فطابت نفسه ورجع.

ثم ندم عمر على ما فرط منه ندماً شديداً قال عمر فعمدت لذلك أعمالاً، ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ، مخافة كلامي الذي تكلمت به، حتى رجوت أن يكون خيراً.

انحلت أزمة المستضعفين:

ولما رجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، واطمأن بها، انفلت رجل من المسلمين، ممن كان يعذب في مكة، وهو أبو بصير رجل من ثقيف حليف لقريش، فأرسلوا في طلبه رجلين وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم العهد الذي جعلت لنا. فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرجلين. فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين واللَّه إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيداً. فاستله الآخر، فقال: أجل. واللَّه إنه لجيد، لقد جربت به ثم جربت. فقال أبو بصير أرني أنظر إليه؛ فأمكنه منه فضربه حتى برد.

وفر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين رآه لقد رأى هذا ذعراً، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قتل صاحبي، وإني لمقتول، فجاء أبو بصير وقال: يا نبي اللَّه، قد واللَّه أوفى اللَّه ذمتك، قد رددتني إليهم، ثم أنجاني اللَّه منهم، قال رسول اللَّه ويل أمة، مسعر حرب لو كان له أحد، فلما سمع ذلك عرف أن سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر، وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة. فواللَّه ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها. فقتلوهم وأخذوا أموالهم. فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده اللَّه والرحم لما أرسل. فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقدموا عليه المدينة.

إسلام أبطال من قريش:

وفي أوائل سنة 7 من الهجرة بعد هذه الهدنة أسلم عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، ولما حضروا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها.







رد مع اقتباس
قديم 05-24-2007, 03:58 AM رقم المشاركة : 139
معلومات العضو
شخصيات مهمه
Vip

إحصائية العضو








EVANHO is an unknown quantity at this point

 

EVANHO غير متصل

 


كاتب الموضوع : EVANHO المنتدى : :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ::
افتراضي

المرحَلة الثانية طور جديد

إن هدنة الحديبية كانت بداية طور جديد في حياة الإسلام والمسلمين، فقد كانت قريش أقوى قوة وأعندها وألدها في عداء الإسلام، وبانسحابها عن ميدان الحرب إلى رحاب الأمن والسلام انكسر أقوى جناح من أجنحة الأحزاب الثلاثة قريش وغطفان واليهود ولما كانت قريش ممثلة للوثنية وزعيمتها في ربوع جزيرة العرب انخفضت حدة مشاعر الوثنيين، وانهارت نزعاتها العدائية إلى حد كبير ولذلك لا نرى لغطفان استفزازاً كبيراً بعد هذه الهدنة، وجل ما جاء منهم إنما جاء من قبل إغراء اليهود.

أما اليهود فقد كانوا جعلوا خيبر بعد جلائهم عن يثرب وكراً للدس والتآمر كانت شياطينهم تبيض هناك وتفرخ، وتؤجج نار الفتنة، وتغري الأعراب الضاربة حول المدينة، وتبيت للقضاء على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، أو لإلحاق الخسائر الفادحة بهم. ولذلك كان أول إقدام حاسم من النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهدنة هو شن الحرب الفاصلة على هذا الوكر.

ولكن هذه المرحلة التي بدأت بعد الهدنة أعطت للمسلمين فرصة كبيرة، لنشر الدعوة الإسلامية وإبلاغها، وقد تضاعف نشاط المسلمين في هذا المجال، وبرز نشاطهم في هذا الوجه على نشاطهم العسكري. ولذلك نرى أن نقسم هذه المرحلة على قسمين:


النشاط في مجال الدعوة، أو مكاتبة الملوك والأمراء.


النشاط العسكري.

وقبل أن نتابع النشاط العسكري في هذه المرحلة، نتناول موضوع مكاتبة الملوك والأمراء إذ الدعوة الإسلامية هي المقدمة طبعاً، بل ذلك هو الهدف الذي عانى له المسلمون ما عانوه من المصائب والآلام، والحروب والفتن، والقلاقل والاضطرابات.

مكاتبة الملوك والأمراء

في أواخر السنة السادسة حين رجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الحديبية كتب إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام.

ولما أراد أن يكتب إلى هؤلاء الملوك قيل له إنهم لا يقبلون إلا وعليه خاتم، فاتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من فضة، نقشه محمد رسول اللَّه، وكان هذا النقش ثلاثة أسطر محمد سطر، رسول سطر، واللَّه سطر، هكذا

محمد

رسول

اللَّه

واختار من أصحابه رسلاً لهم معرفة وخبرة، وأرسلهم إلى الملوك، وقد جزم العلامة المنصور فوري أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل هؤلاء الرسل غرة المحرم سنة سبع من الهجرة قبل الخروج إلى خيبر بأيام. وفيما يلي نصوص هذه الكتب، وبعض ما تمخضت عنه.

1 - الكتاب إلى النجاشي ملك الحبشة:

وهذا النجاشي اسمه أصحمة بن الأبجر، كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم مع عمرو بن أمية الضمري في آخر سنة ست أو في المحرم سنة سبع من الهجرة. وقد ذكر الطبري نص الكتاب، ولكن النظر الدقيق في ذلك النص، يفيد أنه ليس بنص الكتاب الذي كتبه صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية،بل لعله نص كتاب بعثه مع جعفر حين خرج هو وأصحابه مهاجرين إلى الحبشة في العهد المكي، فقد ورد في آخر الكتاب ذكر هؤلاء المهاجرين بهذا اللفظ وقد بعثت إليك ابن عمي جعفراً ومعه نفر من المسلمين، فإذا جاءك فأقرهم ودع التجبر.

وروي البيهقي عن ابن إسحاق نص كتاب كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي وهو هذا هذا كتاب من محمد النبي إلى النجاشي الأصحم عظيم الحبشة، سلام على من اتبع الهدى، وآمن باللَّه ورسوله، وأشهد أن لا إله اللَّه وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأن محمداً عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الإسلام، فإني أنا رسوله فأسلم تسلم، يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا اللَّه ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضا أرباباً من دون اللَّه فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون، فإن أبيت فإن عليك إثم النصارى من قومك.

وقد أورد المحقق الكبير الدكتور حميد اللَّه نص كتاب قد عثر عليه في الماضي القريب كما أورده ابن القيم مع الاختلاف في كلمة فقط وبذل الدكتور في تحقيق ذلك النص جهداً بليغاً واستعان في ذلك كثيراً باكتشافات العصر الحديث، وأورد صورته في الكتاب وهو هكذا.

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

"من محمد رسول اللَّه إلى النجاشي عظيم الحبشة، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أحمد إليك اللَّه الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن مريم روح اللَّه وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى من روحه ونفخه، كما خلق آدم بيده، وإني أدعو إلى اللَّه وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني. وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم . وإني أدعوك وجنودك إلى اللَّه عز وجل، وقد بلغت ونصحت، فاقبل نصيحتي، والسلام على من اتبع الهدى".

وأكد الدكتور حميد الله أن هذا هو نص الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي بعد الحديبية. أما صحة هذا النص فلا شك فيها بعد النظر في الدلائل، وأما أن هذا الكتاب هو الذي كتب بعد الحديبية فلا دليل عليه، والذي أورده البيهقي عن ابن إسحاق أشبه بالكتب التي كتبها النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك وأمراء النصارى بعد الحديبية، فإن فيه الآية الكريمة {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ}..الخ [آل عمران: 64]، كما كان دأبه في تلك الكتب، وقد ورد فيه اسم الأصحمة صريحاً، وأما النص الذي أورده الدكتور حميد اللَّه، فالأغلب عندي أنه نص الكتاب الذي كتب النبي صلى الله عليه وسلم بعد موت أصحمة إلى خليفته، ولعل هذا هو السبب في ترك الأسم.

وهذا الترتيب ليس عندي عليه دليل قطعي سوى الشهادات الداخلية التي تؤديها نصوص هذه الكتب، والعجب من الدكتور حميد اللَّه أنه جزم أن النص الذي أورده البيهقي عن ابن عباس هو نص الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم بعد موت أصحمة إلى خليفته مع أن اسم أصحمة وارد في هذا النص صريحاً والعلم عند اللَّه.

ولما بلغ عمرو بن أمية الضمري كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي أخذه النجاشي، ووضعه على عينه، ونزل عن سريره على الأرض، وأسلم على يد جعفر بن أبي طالب، وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. وهاك نصه

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

"إلى محمد رسول اللَّه من النجاشي أصحمة سلام عليك يا نبي اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته اللَّه الذي لا إله إلا هو أما بعد

فقد بلغني كتابك يا رسول اللَّه فيما ذكرت من أمر عيسى، فورب السماء، والأرض إن عيسى لا يزيد على ما ذكرت تفروقاً، إنه كما قلت، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا، وقد قرينا ابن عمك وأصحابك فأشهد أنك رسول اللَّه صادقاً مصدقاً وقد بايعتك، وبايعت ابن عمك، وأسلمت على يديه للَّه رب العالمين".

وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد طلب من النجاشي أن يرسل جعفراً ومن معه من مهاجري الحبشة، فأرسلهم في سفينتين مع عمرو بن أمية الضمري، فقدم بهم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر. توفي النجاشي هذا في رجب سنة تسع من الهجرة بعد تبوك، ونعاه النبي صلى الله عليه وسلم يوم وفاته، وصلى عليه صلاة الغائب. ولما مات وتخلف على عرشه ملك آخر كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً آخر ولا يدري هل أسلم أم لا؟.

2 - الكتاب إلى المقوقس ملك مصر:

وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جريج بن متى الملقب بالمقوقس ملك مصر والإسكندرية: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم من محمد عبد اللَّه ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك اللَّه أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم أهل القبط، {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64].

واختار لحمل هذا الكتاب حاطب بن أبي بلتعة. فلما دخل حاطب على المقوقس قال له إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى، فأخذه اللَّه نكال الآخرة والأولى، فانتقم به ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر غيرك بك.

فقال المقوقس إن لنا ديناً لن ندعه إلاَّ لما هو خير منه.

فقال حاطب ندعوك إلى دين الإسلام الكافي به اللَّه فقد ما سواه، إن هذا النبي دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش، وأعداهم له اليهود، وأقربهم منه النصارى، ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، فكل نبي أدرك قوماً فهم أمته، فالحق عليهم أن يطيعوه، وأنت ممن أدركه هذا النبي، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنا نأمرك به.

فقال المقوقس إني قد نظرت في أمر هذا النبي، فوجدته لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء والإخبار بالنجوى وسأنظر.

وأخذ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فجعله في حق من عاج، وختم عليه ودفع إلى جارية له، ثم دعا كاتباً له يكتب بالعربية، فكتب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

"لمحمد بن عبد اللَّه من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد، فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي، وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين، لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت إليك بغلة لتركبها، والسلام عليك".

ولم يزد على هذا ولم يسلم، والجاريتان مارية، وسيرين، والبغلة ولدل بقيت إلى زمن معاوية، واتخذ النبي صلى الله عليه وسلم مارية سرية له، وهي التي ولدت له إبراهيم، وأما سيرين فأعطاها لحسان بن ثابت الأنصاري.

3 - الكتاب إلى كسرى ملك فارس:

وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس "بسم اللَّه الرحمن الرحيم:من محمد رسول اللَّه إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وآمن با للَّه ورسوله، وشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية اللَّه، فإني أنا رسول اللَّه إلى الناس كافة، لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين. فأسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك".

واختار لحمل هذا الكتاب عبد اللَّه بن حذافة السهمي، فدفعه السهمي إلى عظيم البحرين، ولا ندري هل بعث عظيم البحرين رجلاً من رجالاته، أم بعث عبد اللَّه السهمي، وأيا ما كان فلما قرىء الكتاب على كسرى مزقه، وقال في غطرسة عبد حقير من رعيتي يكتب اسمه قبلي، ولما بلغ ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: مزق اللَّه ملكه، وقد كان كما قال، فقد كتب كسرى إلى باذان عامله على اليمن ابعث إلي هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين، فليأتياني به فاختار باذان رجلين ممن عنده، وبعثهما بكتاب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يأمره أن ينصرف معه إلى كسرى، فلما قدما المدينة، وقابلا النبي صلى الله عليه وسلم قال أحدهما إن شاهنشاه (ملك الملوك) كسرى قد كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث من يأتيه بك، وبعثني إليك لتنطلق معي، وقال قولاً تهديدياً، فأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم أن يلاقياه غداً.

وفي ذلك الوقت كانت قد قامت ثورة كبيرة ضد كسرى من داخل بيته بعد أن لاقت جنوده هزيمة منكرة أمام جنود قيصر، فقد قام شيرويه بن كسرى على أبيه فقتله، وأخذ الملك لنفسه، وكان ذلك في ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادي الأولى سنة سبع وعلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الخبر من الوحي، فلما غدا عليه أخبرهما بذلك فقالا هل تدري ما تقول؟ إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر، أفنكتب هذا عنك، ونخبره الملك. قال: نعم أخبراه ذلك عني، وقولا له إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ كسرى وينتهي إلى منتهى الخف والحافر. وقولا له إن أسلمت أعطيتك ما تحت يدك، وملكتك على قومك من الأبناء فخرجا من عنده حتى قدما على باذان فأخبراه الخبر، وبعد قليل جاء كتاب بقتل شيرويه لأبيه وقال له شيرويه في كتابه أنظر الرجل الذي كانت كتب فيه أبي إليك، فلا تهجه حتى يأتيك أمري.

وكان ذلك سبباً في إسلام باذان ومن معه من أهل فارس باليمن.

4 - الكتاب إلى قيصر ملك الروم:

وروى البخاري ضمن حديث طويل نص الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملك الروم هرقل، وهو هذا

"بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من محمد عبد اللَّه ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى، أسلم تسلم، أسلم يؤتك اللَّه أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64].

واختار لحمل هذا الكتاب دحية بن خليفة الكلبي، وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى، ليدفعه إلى قيصر، وقد روى البخاري عن ابن عباس أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجارا بالشام، في المدة التي كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا ترجمانه فقال: أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال أبو سفيان فقلت أنا أقربهم نسباً، فقال: ادنوه مني، وقربوا أصحابه، فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه. إني سائل هذا عن هذا الرجل، فإن كذبني فكذبوه، فواللَّه لولا الحياء من أن يأثروا علي كذباً لكذبت عنه.

ثم قال: أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ فقلت هو فينا ذو نسب، قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت لا. قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت لا. قال: فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ قلت بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت لا. قال: فهل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت لا. قال: فهل يغدر؟ قلت لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها؟ قال: ولم تمكنني كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة قال: فهل قاتلتموه؟ قلت نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه. قال: ماذا يأمركم؟ قلت يقول اعبدوا اللَّه وحده، ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة. فقال للترجمان قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب من قومها، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول قبله، فذكرت أن لا. قلت لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله، وسألتك هل كان من آبائه من ملك فذكرت أن لا. فقلت فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس، ويكذب على اللَّه وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم، فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل، وسألتك أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. وسألتك هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك بماذا يأمر؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا اللَّه، ولا تشركوا به شيئاً وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمرك بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظنه أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، ثم دعا بكتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقرأه، فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده، وكثر اللغط، وأمر بنا فأخرجنا، قال: فقلت لأصحابه حين أخرجنا، لقد أمر أمراً ابن أبي كبشة، إنه ليخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقنا بأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه سيظهر حتى أدخل اللَّه على الإسلام.

هذا ما رأه أبو سفيان من أثر هذا الكتاب على قيصر، وقد كان من أثره عليه أنه أجاز دحية بن خليفة بن الكلبي، حامل كتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمال وكسوة، ولما كان دحية بحسمي في الطريق لقيه ناس من جذام، فقطعوها عليه، فلم يتركوا معه شيئاً، فجاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل بيته، فأخبره، فبعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى حسمي، وهي وراء وادي القرى في خمسمائة رجل، فشن زيد الغارة على جذام، فقتل فيهم قتلاً ذريعاً، واستاق نعمهم ونساءهم، فأخذ من النعم ألف بعير، ومن الشاء خمسة آلاف، والسبي مائة من النساء والصبيان.

وكان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قبيلة جذام موادعة، فأسرع زيد بن رفاعة الجذامي أحد زعماء هذه القبيلة بتقديم الاحتجاح إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان قد أسلم هو ورجال من قومه ونصروا دحية قطع عليه الطريق فقبل النبي صلى الله عليه وسلم احتجاجه وأمر برد الغنائم والسبي.

وعامة أهل المغازي يذكرون هذه السرية قبل الحديبية، وهو خطأ واضح، فإن بعث الكتاب إلى قيصر كان بعد الحديبية، ولذا قال ابن القيم هذا بعد الحديبية بلا شك.







رد مع اقتباس
قديم 05-24-2007, 03:59 AM رقم المشاركة : 140
معلومات العضو
شخصيات مهمه
Vip

إحصائية العضو








EVANHO is an unknown quantity at this point

 

EVANHO غير متصل

 


كاتب الموضوع : EVANHO المنتدى : :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ::
افتراضي

5 - الكتاب إلى المنذر بن ساوى:

وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى حاكم البحرين يدعوه فيه إلى الإسلام، وبعث إليه العلاء بن الحضرمي بذلك الكتاب، فكتب المنذر إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أما بعد يا رسول اللَّه فإني قرأت كتابك على أهل البحرين، فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه، ومنهم من كرهه وبأرضي مجوس ويهود، فأحدث إلي في ذلك أمرك"، فكتب إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:

"بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من محمد رسول اللَّه إلى المنذر بن ساوى، سلام عليك، فإني أحمد إليك اللَّه الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد فإني أذكرك اللَّه عز وجل، فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، وإنه من يطيع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإن رسلي قد أثنوا عليك خيراً، وإني قد شفعتك في قومك، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت عن أهل الذنوب، فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح فلم نعزلك عن عملك، ومن أقام على يهودية أو مجوسية فعليه الجزية".

6 - الكتاب إلى هوذة بن علي صاحب اليمامة:

وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي صاحب اليمامة

"بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من محمد رسول اللَّه إلى هوذة بن علي، سلام على من اتبع الهدى، واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر، فأسلم تسلم، وأجعل لك ما تحت يديك".

واختار لحمل هذا الكتاب سليط بن عمرو العمري، فلما قدم سليط على هوذة بهذا الكتاب مختوماً أنزله وحياه وقرأ الكتاب، فرد عليه رداً دون رد، وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، والعرب تهاب مكاني، فاجعل لي بعض الأمر اتبعك، وأجاز سليطاً بجائزة، وكساه أثواباً من نسج هجر، فقدم بذلك كله على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم كتابه فقال: لو سألني قطعة من الأرض ما فعلت، باد، وباد ما في يديه. فلما انصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الفتح جاءه جبريل عليه السلام بأن هوذة مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما إن اليمامة سيخرج بها كذاب يتنبى، يقتل بعدي، فقال قائل يا رسول اللَّه من يقتله؟ فقال: أنت وأصحابك، فكان كذلك.

7 - الكتاب إلى الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق:

كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم : بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من محمد رسول اللَّه إلى الحارث بن أبي شمر، سلام على من اتبع الهدى، وآمن به وصدق وإني أدعوك إلى أن تؤمن باللَّه وحده لا شريك له، يبقى لك ملكك.

واختار لحمل هذا الكتاب شجاع بن وهب من بني أسد بن خزيمة، ولما أبلغه الكتاب يقال: من ينزع ملكي مني؟ أنا سائر إليه، ولم يسلم.

8 - الكتاب إلى ملك عمان:

وكتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً إلى ملك عمان جيفر وأخيه عبد ابني الجلندي، ونصه: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد اللَّه إلى جيفر وعبد. ابني الجلندي، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد. فإني أدعوكما بدعاية الإسلامأسلما تسلماً، فإني رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) إلى الناس كافة لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين. فإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل، وخيل تحل بساحتكما، وتظهر نبوتي على ملككما".

واختار لحمل هذا الكتاب عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه. قال عمرو فخرجت حتى انتهيت إلى عمان، فلما قدمتها عمدت إلى عبد وكان أحلم الرجلين، وأسهلهما خلقاً فقلت إني رسول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إليك وإلى أخيك، فقال: أخي المقدم علي بالسن والملك، وأنا أوصلك إليه حتى يقرأ كتابك ثم قال: وما تدعو إليه؟ قلت أدعو إلى اللَّه وحده لا شريك له، وتخلع ما عبد من دونه، وتشهد أن محمداً عبده ورسوله. قال: يا عمرو إنك ابن سيد قومك فكيف صنع أبوك؟ فإن لنا فيه قدوة قلت مات ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ووددت أنه لو كان أسلم وصدق به، وقد كنت أنا على مثل رأيه هداني اللَّه للإسلام. قال: فمتى تبعته؟ قلت قريباً. فسألني أين كان إسلامك؟ قلت عند النجاشي، وأخبرته أن النجاشي قد أسلم، قال: وكيف صنع قومه بملكه؟ فقلت أقروه واتبعوه. قال: والأساقفة والرهبان تبعوه؟ قلت نعم. قال: انظر يا عمرو ما تقول، إنه ليس من خصلة في رجل أفضح له من الكذب. قلت ما كذبت وما نستحله في ديننا، ثم قال: ما أرى هرقل علم بإسلام النجاشي. قلت بلى، قال: فبأي شيء علمت ذلك؟قلت كان النجاشي يخرج له خرجاً، فلما أسلم وصدق بمحمد صلى الله عليه وسلم ، قال: لا و اللَّه لو سألني درهماً واحداً ما أعطيته، فبلغ هرقل قوله فقال له النياق أخوه أتدع عبدك لا يخرج لك خرجاً، ويدين بدين غيرك ديناً محدثاً؟ قال هرقل رجل رغب في دين، فاختاره لنفسه، ما أصنع به؟ واللَّه لولا الضن بملكي لصنعت كما صنع قال: أنظر ما تقول يا عمرو؟ قلت واللَّه صدقتك. قال عبد فأخبرني ما الذي يأمر به وينهى عنه؟ قلت يأمر بطاعة اللَّه عز وجل وينهى عن معصيته، ويأمر بالبر وصلة الرحم، وينهى عن الظلم والعدوان، وعن الزنا، وعن الخمر، وعن عبادة الحجر والوثن والصليب. قال: ما أحسن هذا الذي يدعو إليه، لو كان أخي يتابعني عليه لركبنا حتى نؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ونصدق به، ولكن أخي أضن بملكه من أن يدعه ويصير ذنباً. قلت أنه إن أسلم ملكه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على قومه. فأخذ الصدقة من غنيهم فيردها على فقيرهم، قال: إن هذا لخلق حسن. وما الصدقة؟ فأخبرته بما فرض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الصدقات في الأموال حتى انتهيت إلى الإبل. قال: يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عمرو وتؤخذ منا سوائم مواشينا التي ترعى الشجر وترد المياه؟ فقلت نعم، فقال: و اللَّه ما أرى قومي في بعد دارهم وكثرة عددهم يطيعون لهذا. قال: فمكثت ببابه أياماً. وهو يصل إلى أخيه فيخبره كل خبري، ثم إنه دعاني يوماً فدخلت عليه، أخذ أعوانه بضبعي فقال: دعوه، فأرسلت فذهبت لأجلس، فأبوا أن يدعوني أجلس، فنظرت إليه فقال: تكلم بحاجتك، فدفعت إليه الكتاب مختوماً، ففض خاتمه، وقرأ حتى انتهى إلى آخره ثم دفعه إلى أخيه فقرأه مثل قراءته، إلا أني رأيت أخاه أرق منه، قال: ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت؟ فقلت تبعوه. إما راغب في الدين، وإما مقهور بالسيف. قال: ومن معه؟ قلت الناس قد رغبوا في الإسلام واختاروه على غيره، وعرفوه بعقولهم مع هدي اللَّه إياهم أنهم كانوا في ضلال، فما أعلم أحداً بقي غيرك في هذه الخرجة، وأنت إن لم تسلم اليوم وتتبعه توطئك الخيل وتيد خضراءك، فأسلم تسلم، ويستعملك على قومك، ولا تدخل عليك الخيل والرجال قال: دعني يومي هذا، وارجع إليَّ غداً.

فرجعت إلى أخيه فقال: يا عمرو، إني لأرجوا أن يسلم إن لم يضن بملكه حتى إذا كان الغد أتيت إليه، فأبى أن يأذن لي. فانصرفت إلى أخيه، فأخبرته أني لم أصل إليه، فأوصلني إليه. فقال: إني فكرت فيما دعوتني إليه، فإذا أنا أضعف العرب إن ملكت رجلاً ما في يدي وهو لا تبلغ خيله ههنا، وإن بلغت خيله لقت قتالاً ليس كقتال من لاقى. قلت أنا خارج غداً، فلما أيقن بمخرجي خلا به أخوه فقال: ما نحن فيما ظهر عليه، وكل من أرسل إليه قد أجابه، فأصبح فأرسل إلي، فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه جميعاً، وصدقاً النبي صلى الله عليه وسلم ، وخليا بيني وبين الصدقة، وبين الحكم فيما بينهم، وكانا لي عوناً على من خالفني.

وسياق هذه القصة يدلّ على أن إرسال الكتاب إليهما تأخر كثيراً عن كتب بقية الملوك، والأغلب كان أنّه بعد الفتح.

وبهذه الكتب كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أبلغ دعوته إلى أكثر ملوك الأرض. فمنهم من آمن به ومنهم من كفر. ولكن شغل فكرة هؤلاء الكافرين، وعرف لديهم باسمه ودينه.

النشاط العسكري بعد صلح الحديبية

غزوة الغابة أو غزوة ذي قرد:

هذه الغزوة حركة مطاردة ضد فصيلة من بني فزارة قامت بعمل القرصنة في لقاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .

وهي أول غزوة غزاها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية، وقبل خيبر ذكر البخاري في ترجمة باب أنها كانت قبل خيبر بثلاث، وروى ذلك مسلم مسنداً من حديث سلمة بن الأكوع. وذكر الجمهور من أهل المغازي أنها كانت قبل الحديبية وما في الصحيح أصح مما ذكره أهل المغازي.

وخلاصة الروايات عن سلمة بن الأكوع بطل هذه الغزوة أنه قال: بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بظهره مع غلامه رباح، وأنا معه بفرس أبي طلحة، فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على الظهر، فاستاقه أجمع وقتل راعيه فقلت يا رباح خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة، وأخبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم قمت على أكما، واستقبلت المدينة، فناديت ثلاثاً يا صباحاه، ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل وأرتجز، أقول:

أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع

فواللَّه ما زلت أرميهم وأعقر بهم، فإذا رجع إلى فارس جلست في أصل الشجرة، ثم رميته فتعفرت به، حتى إذا دخلوا في تضايق الجبل علوته، فجعلت أرديهم بالحجارة، فما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق اللَّه تعالى من بعير من ظهر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري، وخلوا بيني وبينه، ثم اتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة، وثلاثين رمحاً يستخفون، ولا يطرحون شيئاً إلا جعلت عليه آراماً من الحجارة يعرفها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى أتوا متضايقاً من ثنية فجلسوا يتغدون، وجلست على رأس قرن، فصعد إلي منهم أربعة في الجبل، قلت هل تعرفونني؟ أنا سلمة بن الأكوع لا أطلب رجلاً منكم إلا أدركته، ولا يطلبني فيدركني، فرجعوا. فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر. فإذا أولهم أخرم، وعلى أثره أبو قتادة، وعلى أثره المقداد بن الأسود، فالتقى عبد الرحمن وأخرم، فعقر بعبد الرحمن فرسه، وطعنه عبد الرحمن فقتله، وتحول على فرسه ولحق قتادة بعبد الرحمن فطعنه فقلته، وولى القوم مدبرين، نتبعهم أعدو على رجلي، حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له ذا قرد، ليشربوا منه، وهم عطاش، فأجليتهم عنه، فما ذاقوا قطرة منه، ولحقني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والخيل عشاء، فقلت يا رسول اللَّه إن القوم عطاش، فلو بعثتني في مائة رجل استنقذت ما عندهم من السرج، وأخذت بأعناق القوم، فقال: يا بن الأكوع. ملكت فاسجح، ثم قال: إنهم ليقرون الآن في غطفان.

وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة. وأعطاني سهمين، سهم الراجل وسهم الفارس، وأردفني وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة.

استعمل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على المدينة في هذه الغزوة ابن أم مكتوم، وعقد اللواء للمقداد بن عمرو.

غزوة خيبر ووادي القرى (في المحرم سنة 7هـ):

كانت خيبر مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على بعد ستين أو ثمانين ميلاً من المدينة في جهة الشمال، وهي الآن قرية في مناخها بعض الوخامة.

سبب الغزوة:

ولما اطمأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أقوى أجنحة الأحزاب الثلاثة، وأمن منه أمناً باتاً بعد الهدنة أراد أن يحاسب الجناحين الباقيين - اليهود وقبائل نجد حتى يتم الأمن والسلام، ويسود الهدوء في المنطقة، ويفرغ المسلمون من الصراع الدامي المتواصل إلى تبليغ رسالة اللَّه والدعوة إليه.

ولما كانت خيبر هي وكر الدس والتآمر، ومركز الاستفزازت العسكرية ومعدن التحرشات وإثارة الحروب، كانت هي الجديرة بالتفات المسلمين أولاً.

أما كون خيبر بهذه الصفة، فلا ننسى أن أهل خيبر هم الذين حزبوا الأحزاب ضد المسلمين، وأثاروا بني قريظة على الغدر والخيانة، ثم أخذوا في الاتصالات بالمنافقين - الطابور الخامس في المجتمع الإسلامي - وبغطفان وأعراب البادية - الجناح الثالث من الأحزاب - وكانوا هم أنفسهم يهيئون للقتال، فألقوا المسلمين بإجراءتهم هذه في محن متواصلة، حتى وضعوا خطة لاغتيال النبي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وإزاء ذلك اضطر المسلمون إلى بعوث متوالية، وإلى الفتك برأس هؤلاء المتآمرين، مثل سلام بن أبي الحقيق، وأسير بن زارم، ولكن الواجب على المسلمين إزاء هؤلاء اليهود كان أكبر من ذلك. وإنما أبطأوا في القيام بهذا الواجب، لأن قوة أكبر وأقوى وألد وأعند منهم وهي قريش كانت مجابهة للمسلمين، فلما انهت هذه المجابهة صفا الجو لمحاسبة هؤلاء المجرمين، واقترب لهم يوم الحساب.

الخروج إلى خيبر:

قال ابن إسحاق أقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين رجع من الحديبية ذا الحجة وبعض المحرم، ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر.

قال المفسرون إن خيبر كانت وعداً وعدها اللَّه تعالى بقوله: {وَعَدَكُمْ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ} [الفتح: 20] يعني صلح الحديبية، وبالمغانم الكثيرة خيبر.







رد مع اقتباس
إضافة رد
مواقع النشر (المفضلة)
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

(إظهار الاعضاء الذين قاموا بقراءة الموضوع منذ 10-18-2024, 04:48 AM (تعيين) (حذف)
لم يقم احد بقراءة الموضوع بعد.
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من أسرار السيرة النبوية اميره بحلاتي :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم :: 2 05-06-2014 12:29 AM
((القلادة الذهبية في السيرة النبوية)) بست قرين :: المنتدى الاسلامي :: 0 07-13-2011 05:57 PM
أهم مصادر السيرة النبوية lonely :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم :: 0 11-27-2006 03:33 AM
اهداف دراسة السيرة النبوية lonely :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم :: 0 11-25-2006 04:09 AM
مشكاة السيرة النبوية زهرة الزيزفون :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم :: 10 06-26-2006 07:27 AM

Loading...


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir