نصيحة لمتهاونة بالحجاب
السؤال
تقول السائلة :
فضيلة الشيخ : أريد أن تساعدني في هداية إحدى صديقاتي .
هي إنسانه طيبة القلب جدا ، محترمة عطوفة محبة للغير يحبها الجميع ، وهي لا ترتدي سوى الملابس المحتشمة ومشكلتي معها أني لا أستطيع اقناعها بارتداء الزي الإسلامي ( الحجاب ) .
حاولت إقناعها ، ولكنها تقول لي : إن هناك نواحي أخرى كثيرة تحتاج إلى تقويتها في أداء الفروض والعبادات قبل أن أرتدي الحجاب لأنها ـ على حد قولها ـ تخدع نفسها ومن حولها إذا ارتدت الجاب وهي لا تؤدي العبادات كما ينبغي .
حاولت معها ولكن لا فائدة .
أريد أن تساعدني في ذلك لأني أحبها وأخاف عليها .
كما أنني في حياتي اليومية أقابل الكثيرات مثلها وأريد أن أفعل معهم نفس الشيء ، ولكن لا أقدر في معظم الأحيان ، فهلا ساعدتني في ذلك ؟
وجزاكم الله خيرا
الجواب
الحمد لله رب العالمين وجامع الناس ليوم لا ريب فيه ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي المصطفى والعبد المجتبى نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، وبعــــد :
أختي في الله :
استعيني بالله ، فربي نعم المعين ، ونحن نردد في كل صلاة : " إياك نعبد وإياك نستعين " .
فهو سبحانه وبحمده نعم المعين ، ومن استعان به أعانه .
ثم إنني أنصح كل أخت مقصره في الحجاب بما يلي :
قال تعالى : " قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا " ، فهي دعوة من الله لكل مخالف لشرع الله أن يقف وقفة تفكر .
فهل أعملت ِ عقلك أختي ؟
من الذي خلق ورزق ؟
إن لله على العباد نعما عظيمة ، فمن هو الذي يستطيع أن يحصي نعم الله عليه ! ؟
كيف ؟ ، وحياتنا من ابتدائها نعمة من نعم الله .
النَفـَس نعمة ، وتعاقب الأنفاس نعمة ، ودقات القلب نعمة ، واستمرارها وقت النوم نعمة ، فكم لله من نعم ٍ نحن عنها غافلون " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم " .
من تأمل في هذا الكون من أوله إلى آخره وجده كله ينطق بنعم الله .
لله في الآفـــــــاق آيـــــات ٌ * * * لعـــل أقلها هو ما إليه هداكَ
ولعل ما في الكون من آياته * * * عجبٌ عجاب لو ترى عيناك َ
والكـون مشحون ٌ بأسرار ٍ * * * إذا حاولت تفسيرا ً لها أعياك َ
فكيف تقابل هذه النعم ؟
هل بالعصيان ؟
فيا عجبا ً كيف يعصى الإله * * * أم كيف يجحده الجاحد ُ ؟
وفي كل شــيء له آيـــــــة ٌ * * * تدل على أنه واحـــــد ُ
فالواجب شكر نعم المنعم جل وعلا ، ولا يكون ذلك إلا بتحقيق العبودية لله .
قال تعالى : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " .
والعبودية : هي السمع والطاعة لله في كل صغيرة وكبيرة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : العبادة هي طاعة الله بامتثال ما أمر الله به على ألسنة الرسل .
وقال العماد ابن كثير ـ رحمه الله ـ : وعبادته هي طاعته بفعل المأمور وترك المحظور .
إنني أوجه ندائي من أعماق قلبي :
قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحيكم " .
وقال جل وعلا إخبارا ً عن المؤمنين : " وقالوا سمعنا وأطعنا " .
وقال عنهم : " إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون " .
فهل تستجيبي أختي لتكوني من المفلحين ؟
بل وتفوزي أيضا ً " ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون " .
إنه الفوز العظيم . جنة ٌ عرضها السماوات والأرض ورضوان من الله أكبر .
هل تستشعري معنى رضى الله عنك ؟
ثم ماذا تساوي الدنيا كلها بكل لذاتها أمام غمسة واحدة في النار ؟
آه ٍ أختي لو حدث هذا .
تعلمي أختي أن غمسة واحدة في النار تنسي نعيم الدنيا كله ؟ والحديث في سنن ابن ماجه وهو صحيح .
ماذا يضرك لو تحجبتي في الدنيا ؟
هل سيصفونك بأنك متسترة ؟ أو محجبة ؟ أم تراهم يسخرون منك ِ ؟
هل ستتعبي نوعا ً ما ؟
وبالمقابل لا أستطيع أن أصف الراحة النفسية التي تعيشها كل مؤمنة لبت نداء الله واستجابت لله ، وتلك عاجل بشرى المؤمن ، وهذا مؤشر يسير لما ينتظر في الآخرة من الحبور والسرور ، فغمسة واحدة في الجنة تنسي تعب الدنيا كله ، والحديث في سنن ابن ماجه ، وهو صحيح كما تقدم .
فهل تصغي الآن لكلام الله ؟
قال تعالى : " يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن " .
ثم انظري إلى صنيع المؤمنات لما نزلت آية الحجاب :
في سنن أبي داود عن أم سلمة قالت : لما نزلت يدنين عليهن من جلابيبهن خرج نساء الأنصار كأن على رؤسهن الغربان من الأكسية .
وفي صحيح البخاري وسنن أبي داود ، واللفظ له عن عائشة رضي الله عنها أنها ذكرت نساء الأنصار فأثنت عليهن ، وقالت لهن معروفا ، وقالت : لما نزلت سورة النور عمدن إلى حجور أو حجوز ـ شك أبو كامل الراوي ـ فشققنهن ، فاتخذنه خمرا .
هكذا صنعت الصحابيات بعد نزول آية الحجاب ، فماذا عساك تصنعين ؟
هل تريدي أن تصنعي مثلهن لكن تخافين أنك مقصرة في فروض أخرى ؟
وما يدريك ِ لعل التزامك بالحجاب ـ بل هو الغالب ـ يكون سببا لالتزامك بكثير مما تفرطين فيه قبل الحجاب .
ثم أخيرا ً :
ماذا عساه يكون الحال لو ـ لا قدر الله ـ أن حانت لحظة لقاء الله قبل اتخاذك القرار ؟
لا إله إلا الله كيف تلقين الله مقصرة في هذا الأمر ! ؟ .
ومن يدري ، فالأعمار مقدرة والآجال مكتوبة ، والأيام تمضي سريعا ً .
، فهلا بادرتي الآن 00 الآن قبل الدقيقة التالية وأطعت ِ ربك وخالفت ِ شيطانك وانتصرت ِ على نفسك الأمارة بالسوء ؟ .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ً إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم واسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون * واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون * أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين * أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين * أو تقول حين ترى العذاب لو أني لي كرة فأكون من المحسنين " .
نفعني الله وإياكم بما نقول ونسمع ، وجعله حجة لنا لا علينا ، ووقاني وإياكم عذاب السموم .