فضل الصلاة في مسجد قباء:
فضل الصلاة في مسجد قباء:
روى الطبراني بسنده إلى سهل بن حنيف رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: " من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له أجر عمرة "، وورد أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يزور قباء يوم السبت ويركب له، وصارت تلك عادة أهل المدينة حيث يذهبون إلى مسجد قباء يوم السبت للصلاة فيه، حتى يومنا هذا .وقد أثنى الله تعالى على أهل قباء بقوله: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108].
فقال لهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: " ما الذي أحدثتم فيه فقد أحسن اللَّه عليكم الثناء؟" فقالوا: إنا نجمع بين الحجارة والماء في الطهارة.
بعض ما ورد في فضل كل من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم واقتداء الصحابة الكامل بأقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم:
وعن علي بن ربيعة قال: رأيت أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه أُتي بدابة ، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم اللَّه، فلما استوى عليها قال الحمد اللَّه {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} [الزخرف: 13-14]، ثم حمد اللَّه تعالى ثلاثاً، وكبر ثلاثاً، ثم قال: سبحانك لا إلـه إلا أنت، قد ظلمت نفسي فاغفر لي - ثم ضحك.
فقلت له: مم ضحكت يا أمير المؤمنين ؟!!
فقال رضي الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فعل مثل ما فعلت ثم ضحك ، فقلت له: مم ضحكت يا رسول الله؟.
فقال صلى الله تعالى عليه وسلم: " يعجب الرب تبارك وتعالى من عبده إذا قال: رب اغفر لي ، ويقول سبحانه: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري. رواه أصحاب السنن والإمام أحمد واللفظ له. فانظروا إلى كيفية اقتداء الصحابة رضي الله عنهم بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى في الضحك عندما ركب الدابة !!.
ومن ذلك ما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنّه توضأ في بيته ثم خرج وقال لألزمنّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ولأكونن معه يومي هذا، قال فجئت المسجد، فسـأل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: خرج، وَوَجَّه ههنا، فخرجت على إثره أسأل -حتى دخل بئر أريس- أي: البستان الذي فيه بئر أريس - فجلست عند الباب - وبابها من جريد - فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت إليه فإذا هو جالس على بئر أريس، وتوسط قُفّها - يعني حافتها -وكشف صلى الله عليه وسلم عن ساقيه- أي: تحت الركبة - ودلاّهما في البئر فسلمت عليه ثم انصرفت، فجلست عند الباب ، وقلت لأكوننّ بواب رسول الله صلى اله عليه وسلم اليوم.
فجاء أبو بكر فدفع الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر، فقلت: على رسلك ، ثم ذهبت فقلت يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن.
فقال صلى الله عليه وسلم: " ائذن له وبشره بالجنة " فأقبلت حتى قلت لأبي بكر: ادخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة .. فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القُفّ، ودَلّى رجليه في البئر، كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكشف عن ساقيه.
قال أبو موسى: ثم رجعت فجلست عند الباب ، وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني، فقلت: إن يرد الله بفلان خيراً - يريد أخاه - يأت به، فإذا إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال عمر بن الخطاب، فقلت: على رسلك، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: هذا عمر بن الخطاب يستأذن فقال صلى الله عليه وسلم: "ائذن له وبشره بالجنة".
فجئت فقلت له: أدخل وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، فدخل فجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم في القُفّ عن يساره ودَلّى رجليه في البئر وكشف عن ساقه.
ثم رجعت فجلست عند الباب، فقلت: إن يرد الله بفلان - أي: بأخيه - خيراً يأت به فجاء إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا؟، فقال: عثمان بن عفان، فقلت: على رسلك، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته.
فقال: "ائذن له ويشره بالجنة على بلوى تصيبه ".
فقلت له: أدخل وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك ، فدخل فوجد القُفَّ - أي، جانب البئر الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ملىء، فجلس وجاهه - أي: أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشق الآخر- أي الجانب الآخر.
قال سعيد بن المسيب: فأوّلتها قبورهم. اهـ يعني سعيد وغيره- كما في رواية: كنا نتأولها قبورهم.
ففهموا من ذلك ترتيب وفياتهم، وترتيب قبورهم، وأن عثمان رضي الله عنه في الشق المواجه وهو البقيع.
ومن المعلوم أن عثمان رضي الله تعالى عنه اشترى قبره في البقيع وهو حي.
فلنتأمل في اقتداء الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسليمهم له، فلم يقل أحد منهم: يا رسول الله لِمَ جلست ههنا بل اجلس ثَمّة تحت الشجر وظلاله أو نحو ذلك، بل فعلوا مثل ما فعل، لأنهم موقنون أنه رسول الله، ما يفعل ذلك عبثاً ولا عن غفلة، بل عن حكمة، ولحكمة تتجلى فيها أسرار نبوية دالة على أمور غيبية.
فهذه هي المدينة المنورة التي ما ركب فيها الإمام مالك رحمه الله تعالى دابة قط وقد عاش في المدينة المنورة عمره كله وكان يقول كيف أطأ بحافر دابةٍ أرضاً وطأها النبي صلى الله عليه وسلم بقدميه الشريفتين، فلله درّك يا إمام، ولله درّ القائل:
رعى الله أياماً تقضّت بطيبه
وحيا ليالٍ ما عرفت لها قدرا
ليالي وصالٍ لو تباع شريتها بروحي
ولكنها لا تباع ولا تُشــرى
سألت إلهي قبل موتي زيارة
إلى الروضة الفيحاء والقبة الخضراء
وأدخل من باب السلام مسلماً على
الهادي المصطفى وأفرح ببشراه
وأقول يا رسول الله جئتك قاصداً
فكن لي شفيعاً يا أجل الورى قدرا
وليقرأ هذه الأبيات كل واحد عاد من المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم يدرك حقيقة شعور قائل هذه الأبيات:
وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين.