حلف الفضول
قدم إلى مكة المكرمة تاجر يماني من قبيلة زبيد ومعه تجارة ، فاشتراها منه رجل من قريش كان معروفاً بالعناد والباطل والظلم ، هو العاص بن وائل السهمي ، والد عمرو بن العاص وهشام بن العاص رضي الله عنهما . وبعد أن قبض العاص البضاعة واستقرت عنده أنكر حق الرجل .
فلما يأس الزبيدي من نصرة قريش ، وقف في وسط المسجد الحرام بجوار الكعبة ، وأنشد بأعلى صوته :
يا آل فهر لمظلوم بضاعتـه ............... ببطن مكة نائي الدار والنفر
ومحرم أشعث لم يقض عمرته .............. يا للرجال وبين الحِجر والحَجر
البيت هذا لمن تمت مروءته .............. وليس للفاجر المأفـون والغدر
فقام أحد أشراف بني عبد المطلب واسمه الزبير فقال للزبيدي : لبيك جاءتك النّصفة ، والله إن هذا ظلم لا يصبر عليه و لا يترك ، وسارع في الحال إلى بيت رجل من كرام قريش اسمه عبد الله بن جدعان ، وكان من رهط أبي بكر الصديق ، وكان ممدّحاً جواداً ، الذي قام بدوره ونهض فنادى في أفناء قريش وأحيائها : هلم يا أشراف مكة إلى بيتي نبرم حلفاً ينصر المظلوم ، ويأخذ على يد الظالم .
فاستجاب له نفر من أهل الغيرة والمعروف من بني هاشم وبني المطلب ، وبني أسد وهم قوم خديجة ، وبني زهرة أخوال النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين تيم ومنهم ابن جدعان نفسه ، فأبروا حلفاً وتعاقدوا ألا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها ومن غيرهم من سائر الناس إلا أقاموا معه حتى يردوا مظلمته ، فسمت قريش ذلك حلف الفضول – يعني الأفاضل - .
وفي الحال توجه أعضاء الحلف إلى بيت العاص ، فدفع حق الزبيدي صاغراً.
وبعدها بقليل غصب أحد القرشيين بنتاً من خثعم ، فاستعدى أبوها الفضول ، فردوها مكرمة لم تصب بسوء ، فأثبت العرب أن لهم أساساً من الفضائل وخلفية من الأخلاق حتى قبل بعثة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي أعلن أنه إنما بعث ليتمم مكارم الأخلاق .
وما أجمل قول النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : ( لقد شهدت مع عمومتي حلفا ًفي دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت ) .