الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الصلاة نور وبرهان
قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً} سورة النساء.
أي فرضاً في أوقاتها.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل.
قال:" الصلاة في وقتها". قلت: ثم أي. قال:" بر الوالدين". قلت : ثم أي. قال: "الجهاد في سبيل الله " متفق عليه.
أخي المسلم، إن أفضلَ الأعمال وأحبها إلى الله تعالى بعد الإيمان بالله ورسوله الصلواتُ الخمس وقد استفاضت الأخبار في عظم فضلها وثوابها وبركتها وفي شدة وعيد تاركها ومخرجها عن وقتها بلا عذر.
أما ما ورد في فضلها وبركتها وعظم ثوابها أن من أداها على الوجه الكامل كان له عند الله عهد أن يدخلَه الجنةَ بلا عذاب.
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من امرىء مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيُحسن وضوءَها وخشوعَها وركوعَها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله" رواه مسلم.
والمراد بالذنوب في هذا الحديث الصغائر.
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: " أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من دَرَنِه شيء.
قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال :" فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا " متفق عليه.
و اعلم يا أخي المسلم إن ترك الصلاة أو إخراجها عن وقتها بلا عذر من أكبر كبائر الذنوب.
قال تعالى :{فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} الماعون.
والمراد بالسهو عن الصلاة هنا تأخيرها عمدا عن وقتها حتى يدخل وقت الصلاة الاخرى. فتوعَّد اللهُ من يخرجها عن وقتها بالويل والويل هو الهلاك الشديد فكيف بتاركها؟ وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح في وعيد تارك الصلاة أنه يكون يوم القيامة لا نجاة له ولا نور ولا برهان وأنه يكون مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف" رواه ابن حبان.
(أي ليس المراد أن تارك الصلاة كسلا يكون في المستقر الذي هو لهؤلاء الأربعة في جهنم الذين هم من رؤوس الكفر، إنما المراد أنه يمضي فترة من الوقت معهم يوم القيامة إذلالا له لعظم ذنبه.) ومع ذلك فتاركها كسلا ليس بخارج من الاسلام بل هو مسلم لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد أن يدخله الجنة إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة " رواه أحمد.
فما ورد في الحديث مما ظاهره تكفير تارك الصلاة فهو مُؤول وذلك كحديث "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة " رواه مسلم.
وليس مراد النبي أن الإنسان بمجرد ترك الصلاة يصير كافراً إنما المراد أنه يُشبه الكافرَ وذلك تعبير عن عظم ذنبه حيث شَبَّهَه بالكافر الذي لا يؤمن بالله ورسوله.
والصلاة شرعاً أقوالٌ وأفعالٌ مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم والمفروض منها خمس في كل يوم وليلة وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " فرض الله على أمتي ليلة الإسراء خمسين صلاة فلم أزل أراجعه وأسأله التخفيف حتى جعلها خمسا في كل يوم وليلة" رواه مسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي جاء يسأله عما افترض الله عليه من الصلوات " خمس صلوات في اليوم والليلة " قال الاعرابي: هل عليّ غيرها. قال:" لا إلا أن تَطَّوع" رواه البخاري.
والصلوات الخمس فرض على كل مسلم بالغ عاقل طاهر فلا تجب على الصبي أي الولد الذي هو دون البلوغ، والبنت التي دون البلوغ، ولا تجب على المجنون، ولا تجب على الحائض والنفساء كما لا يجب عليهما القضاء.
فإذا بلغ الصبي والصبية وجبت عليهما وكذلك إذا أفاق المجنون من جنونه. وإذا انقطع دم الحيض والنفاس وجب الغسل على الحائض والنفساء للصلاة.
ولا تجب الصلاة على الكافر الأصلي وجوب مطالبة في الدنيا لعدم صحتها منه ولكن تجب عليه وجوب عقاب في الآخرة لتمكنه من فعلها بالاسلام بأن يسلم ثم يأتي بها.
وإذا صار عمر الولد سبع سنين وجب على وليه أن يأمره بالصلاة أمرا مؤكدا ويعلمه أحكامها وشروطها وأركانها ومبطلاتها ويضربه على تركها إذا صار عمره عشر سنين لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:" مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع" (أي أن لا يناما تحت لحاف واحد متلاصقي العورة عاريين) رواه أبو داود. والعبرة بالسنين القمرية.
وإذا كنت ممن وُفقوا إلى الصلاة في رمضان فلا تتركها بعد رمضان فإنها حجة لك وبرهان يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وأما قضاء الصلوات الفائتة فأمر لا بد منه ولا تسقط بدفع مال ولا كفارة. وقضاؤها لا يسقط بحج ولا استغفار.
والقضاء الذي في ذمتك أولى من السنن، قال العلماء:" من شغلَه الفرضُ عن النفل فهو معذور ومن شغلَه النفلُ عن الفرض فهو مغرور".
أخي المسلم، تذكر أن هذه الدنيا دار عمل وليست دار جزاء وهي دار بلاء وليست دار نعيم مقيم، فاعمل لآخرتك كأنك تموت غدا فإذا كنت مقصرا في صلاتك فتب إلى الله تعالى واعزم في قلبك أن لا تعود لترك الصلاة واقض الصلوات الفائتة يقبل الله توبتك ويغفر لك.
فما أجمل أن يكون العبد تائبا إلى الله وأعلم أن هذه الدنيا مرزعة الآخرة فاعمل الصالحات أخي المؤمن تجدها ذخرا لك في الآخرة ونوراً يسعى بين يديك يوم تُسلب الشمسُ نورها والقمرُ نوره ولا يبقى إلا نورُ الأعمال الصالحة والحمد لله رب العالمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقِنا عذاب النار. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.