إن الصلاة عبادة مقصودة لذاتها، وصلاة الجماعة عبادة مقصودة لغيرها، ولم يختلف العلماء والفقهاء في فرضية وركنية الصلاة، وهم بهذا المعنى أرادوا الصلاة لذاتها، ثم جاء خلافهم المعروف في صلاة الجماعة؛ هل هي واجبة أم مستحبة أم واجب كفائي وغير ذلك من خلافاتهم في حكمها؟
قد لا يستطيع أحد أن يسهب في تفسير الحكمة من مشروعية الصلاة، وتنوعها ما بين الفرض والمستحب والعدد والوقت وغير ذلك، ولكن الذي يتفق عليه العقلاء قبل الفقهاء أن الحكمة تفسر في معرفة العقل بـ "التعبدية"، وتبقى محاولة تفسير حكمة مشروعية الصلاة عظات استنباطية يتفنن الناظرون في استخراجها وشرحها، ولكن حين تضاف هذه العبادة إضافة مركبة لحدث أو لفعلٍ يصير السبب معلومًا لفعلها -أعني الصلاة - وتبقى الحكمة التعبدية ترافق أفعال الصلاة كلما صلى مصلٍّ، ومعرفة السبب تجعلنا نعطي حكمًا آخر ليس لأداء الصلاة بل لإحداثها لذلك السبب، كما تكلم الفقهاء في أحكام صلاة الخسوف والكسوف والعيدين و...و...و...إلخ، وبنيت أحكام تلك الصلوات على أسبابها.
وفي هذا المقال نتحدث عن "صلاة الجماعة" من زاوية الحكمة: هل هي تعبدية كأصل الصلاة، أم أن هناك حكمة معروفة في مشروعية صلاة الجماعة؟!
ونستطيع هنا أن نقول إن الصلاة عبادة مقصودة لذاتها، وصلاة الجماعة عبادة مقصودة لغيرها، ولم يختلف العلماء والفقهاء في فرضية وركنية الصلاة، وهم بهذا المعنى أرادوا الصلاة لذاتها، ثم جاء خلافهم المعروف في صلاة الجماعة؛ هل هي واجبة أم مستحبة أم واجب كفائي وغير ذلك من خلافاتهم في حكمها؟ ولا يتسع المقام لذكر ذلك، فليس الموضع موضع درس فقهي تفصيلي، وإنما مرادي التنبيه على ضرورة فصل النظر بين الأمرين؛ لكي نستوعب الحكمة من مشروعية صلاة الجماعة، وهي في أبرز معانيها "تأخذ الحكمة من اسمها" الجماعة، وهو الجمع والاجتماع، وهو ما أراده الله من المسلمين في سائر أمورهم، وقد تجلى في صلاة الجماعة اجتماع القلوب والأجساد وتفرد الهدف، فكان كل ما يناقض هذا المراد مطّرح وممنوع، ولا يجهل قراء التنزيل قصة مسجد الضرار مع أنه بني في ظاهر الأمر للصلاة والاجتماع، ولكنه يناقض وينافي الاجتماع المقصود، فكان من أمره ما قصه الله في القرآن.
إذن، فصلاة الجماعة بكل مسمياتها شرع الاجتماع لها لاجتماع المسلمين وإظهار قوتهم ووحدة صفهم وتآلف قلوبهم، وإزالة الوحشة والنفرة التي يحدثها الشيطان بين الناس حتى حرص على تفريقهم وهو في صلاتهم، ومن أجل ذلك شدد فقهاء الإسلام على منع تعدد صلاة الجماعة في المسجد الواحد، وشددوا أيضًا حتى في بناء المساجد، وجعلوا لذلك الشروط والمقاييس الموافقة للفقه، بل بعضهم أوجب توسعة المسجد على ألا يبنى مسجد آخر في الحي الواحد، وليس ذلك إلا حرصًا على بقاء الجماعة في صورتها المطلوبة، بغض النظر عن الانفجار السكاني، وكثرة المباني التي اضطرت الفقهاء للترخيص في تعدد المساجد بضوابط مشددة، وكل ذلك حفاظًا على مفهوم الجماعة، وهو المعنى الذي بات مفقودًا في مفهوم كثير من الناس، فلم يفرق بين معنى كون الصلاة عبادة مقصودة لذاتها وبين أدائها في جماعة، فأصبح الحرص على الجماعة في مفهوم الكثير من زاوية أن الجماعة مقصودة لذاتها وليس كذلك. وفي نظري - والله أعلم - أنه إن فقدت الجماعة معناها المراد وصورتها المطلوبة، فهي لا تسمى تلك التسمية، وفي هذا السياق اشترط كثير من الفقهاء لصلاة الجماعة تقارب الصفوف ورؤية الإمام وسماعه.. إلخ. كل ذلك توضيحًا منهم لمفهوم الجماعة التي تؤدي المعنى من إضافتها المركبة "صلاة الجماعة"، وإن كنا نتجوز في كثير من هذه الفقهيات اعتمادًا على الرأي الآخر منهم، إلا أننا نقول "إن التوسع الذي يقضي على مسمى ومقصود الجماعة إنما سُمي جماعة من باب التسمية الذهنية التي لا وجود لها حقيقة. هذا، والله من وراء القصد.
++++++++++++++++++++++++
شكرا لكم
الثـــــــــــــــ28ابريل2020مـــــــــ.ـــــــلإث ـــآآآء
منصــــــــوورر..