وصف الله المؤمنين في كتابه العزيز بأوصافٍ كثيرة يحرص المؤمن على التحلّي بها وتكميلها في نفسه والبُعد عن كل ما يخدش هذه الصفات الكريمة ويُفسدها ويُضعفها في داخله.
ومن تلك الصفات العظيمة.. الأمانة.
فقد قال سبحانه في وصفه للمؤمنين: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} المعارج – 8. ولعظم هذه الصفة كانت من صفات أنبياء الله – عليهم السلام – حيث قال كل نبي لقومه: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } الدخان-18.
وقال الملكُ ليوسف عليه السلام: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} يوسف – 54 وقالت إحدى المرأتين عن موسى – عليه السلام: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ} القصص – 26، وعُرِف النبي صلى الله عليه وسلم بالأمانة ولُقّبَ بالأمين قبل البعثة، وقصة وضع الحجر الأسود مشهورة حيث فرح القوم بمقدمه صلى الله عليه وسلم وقالوا: هذا الأمين. تاريخ الطبري – 1 – 526، وأمانته صلى الله عليه وسلم كانت سبباً في زواجه من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها.
بل إن الله جل وعلا وصف بها جبريل عليه السلام: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} الشعراء – 193، وقال سبحانه: {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} التكوير – 21.
فالأمانة من صفات أنبياء الله، ومن صفات أتباعهم، وتتأكد عندَ من يُكلَّف بعملٍ يرتبط بمصالح المسلمين أو مصالح الدولة، ومن نِعم الله على العبد المؤمن أن يسخره ويستعمله فيما فيه خير للعباد وما كان نفعه مُتعدياً وما كان فيه مُساهمة في إدارة شؤون الدولة وتسيير أعمالها في مختلف المجالات.
فإذا تبين ذلك فما هي هذه الأمانة التي اتصف بها الأنبياء والملائكة والعباد الصالحون؟
الأمانة: هي كل ما يجب على المسلم أن يحفظه، ويصونه، ويؤديه، وهي بذل الجهد في رعاية وأداء ما اؤتمنت عليه، وصيانة ما وُكِلَ إليك.
فالإسلام جعلَ من الأمانة معنىً واسعاً ومفهوماً واضحاً يشملُ كلّ مسؤولية، ولا ينفكُّ أحدٌ عن نوعٍ من أنواع المسؤولية، فمن الأمانة مُراعاة وصيانة المسؤولية المنوطة بك، وتكون الرعاية وتتحقق الأمانة عندما تقومُ بما وُكلَ إليك بالصورة الصحيحة وعدم التفريط في المسؤولية لا من جهة الأداء ولا من جهة الوقت، وتتحقق الأمانة في حفظِ أسرار العمل والنصيحة للمسؤولين بالطريقة الشرعية في تقديم المُقترحات التي تؤدي إلى تحسين الأداء وتطوير العمل، أياً كان موقعك أو وظيفتك. قال تعالى: {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} البقرة – 238
كما أنه لا بد من التزام الضوابط والأنظمة مع مُراعاة المرونة التي يسمح بها النظام والتي تُسرّع في قضاء مُعاملات المسلمين وطلباتهم. إذا تبين ذلك.. فإن اللهَ جل وعلا كما أكرمَ ومدح من حفظَ الأمانة، ذمّ وعاب من خان الأمانة ووصفه بأبشع الصفات وأشنعها.