:: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم :: تعرف على هديه واقتفي اثره صلى الله عليه وسلم

الإهداءات
عازف العود من الجوف : هذا انت بس المشكله عنك لاهين نركض ورا دنيا رخيص ثمنها يالله يارب العباد المصلين اللي يديها بالصدر تحتضنها رحماك لامن حافنا نازح البين والروح من بين الحنايا مكنها انت الرجا والعبد مخلوق مسكين


السيرة النبوية العطرة كاملة

:: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ::


 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-24-2007, 03:59 AM رقم المشاركة : 141
معلومات العضو
شخصيات مهمه
Vip

إحصائية العضو








EVANHO is an unknown quantity at this point

 

EVANHO غير متصل

 


كاتب الموضوع : EVANHO المنتدى : :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ::
افتراضي

عدد الجيش الإسلامي:

ولما كان المنافقون وضعفاء الإيمان تخلفوا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية أمر اللَّه تعالى نبيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيهم قائلاً:

{سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلا قَلِيلا} [الفتح: 15].

فلما أراد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الخروج إلى خيبر، أعلن أن لا يخرج معه إلا راغب في الجهاد، فلم يخرج إلا أصحاب الشجرة وهم ألف وأربعمائة.

واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، وقال ابن إسحاق نميلة بن عبد اللَّه الليثي، والأول أصح عند المحققين.

وحينئذ قدم أبو هريرة المدينة مسلماً، فوافى سباع بن عرفطة في صلاة الصبح فلما فرغ من صلاته أتى سباعاً فزوده، حتى قدم على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكلم المسلمين فأشركوه وأصحابه في سهماتهم.

اتصال المنافقين باليهود:

وقد قام المنافقون يعملون لليهود، فقد أرسل رأس المنافقين عبد اللَّه بن أبي إلى يهود خيبر أن محمداً قصد قصدكم وتوجه إليكم، فخذوا حذركم، ولا تخافوا منه، فإن عددكم وعدتكم كثيرة، وقوم محمد شرذمة قليلون، عزّل لا سلاح معهم إلا قليل. فلما علم ذلك أهل خيبر، أرسلوا كنانة بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس إلى غطفان، يستمدونهم، لأنهم كانوا حلفاء يهود خيبر، ومظاهرين لهم على المسلمين. وشرطوا لهم نصف ثمار خيبر إن هم غلبوا على المسلمين.

الطريق إلى خيبر:

وسلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في اتجاهه نحو خيبر جبل عصر (بالكسر وقيل بالتحريك) ثم على الصهباء، ثم نزل على واد يقال له الرجيع، وكان بينه وبين غطفان مسيرة يوم وليلة، فتهيأت غطفان وتوجهوا إلى خيبر، لإمداد اليهود، فلما كانوا ببعض الطريق سمعوا من خلفهم حساً ولغطاً، فظنوا أن المسلمين أغاروا على أهاليهم وأموالهم فرجعوا، وخلوا بين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وبين خيبر.

ثم دعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الدليلين اللذين كانا يسلكان بالجيش - وكان اسم أحدهما حسيل - ليدلاه على الطريق الأحسن، حتى يدخل خيبر من جهة الشمال - أي جهة الشام - فيحول بين اليهود وبين طريق فرارهم إلى الشام كما يحول بينهم وبين غطفان.

قال أحدهما أنا أدلك يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فأقبل حتى انتهى إلى مفرق الطرق المتعددة وقال: يا رسول اللَّه هذه طرق يمكن الوصول من كل منها إلى المقصد، فأمر أن يسميها له واحداً واحداً. قال: اسم واحد منها حزن فأبى النبي صلى الله عليه وسلم من سلوكه، وقال: اسم الآخر شاش، فامتنع منه أيضاً وقال: اسم آخر حاطب. فامتنع منه أيضاً، وقال حسيل فما بقي إلا واحد قال عمر ما اسمه قال: مرحب، فاختار النبي صلى الله عليه وسلم سلوكه.

بعض ما وقع في الطريق:


عن سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فسرنا ليلاً، فقال، رجل من القوم لعامر يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك؟ - وكان عامر رجلاً شاعراً - فنزل يحدو بالقوم. يقول:

اللهم لولا أنت ما اهتدينا اللهم لولا أنت ما اهتدينا

ولا تصدقنا ولا صلينا فاغفر فداء لك ما اتقينا

وثبت الأقدام إن لاقينا وألقين سكينة علينا

إنا إذا صيح بنا أبينا وبالصياح عولوا علينا

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من هذا السائق؟ قالوا: عامر بن الأكوع. قال: رحمه اللَّه. قال رجل من القوم وجبت يا نبي اللَّه، لولا أمتعتنا به.

وكانوا يعرفون أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يستغفر لإنسان يخصه إلا استشهد - وقد وقع في حرب خيبر.


وفي الطريق أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير اللَّه أكبر اللَّه أكبر لا إله إلا اللَّه فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً قريباً.


وبالصهباء من أدنى خيبر صلى العصر، ثم دعا بالازواد، فلم يؤت إلا بالسويق فأمر به فثرى، فأكل وأكل الناس، ثم قام إلى المغرب، فمضمض، ومضمض الناس، ثم صلى ولم يتوضأ ثم صلى العشاء.

الجيش الإسلامي إلى أسوار خيبر:

بات المسلمون الليلة الأخيرة التي بدأ في صباحها القتال قريباً من خيبر، ولا تشعر بهم اليهود، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى قوماً بليل لم يقربهم حتى يصبح، فلما أصبح صلى الفجر بغلس، وركب المسلمون، فخرج أهل خيبر بمساحيهم ومكاتلهم، ولا يشعرون، بل خرجوا لأرضهم، فلما رأوا الجيش قالوا: محمد، واللَّه محمد والخميس، ثم رجعوا هاربين إلى مدينتهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللَّه أكبر، خربت خيبر، اللَّه أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم اختار لمعسكره منزلاً، فأتاه حباب بن المنذر فقال: يا رسول اللَّه أرأيت هذا المنزل أنزلكه اللَّه، أم هو الرأي في الحرب؟ قال بل هو الرأي، فقال: يا رسول اللَّه إن هذا المنزل قريب جداً من حصن نطاة، وجميع مقاتلي خيبر فيها، وهم يدرون أحوالنا، ونحن لا ندري أحوالهم، وسهامهم تصل إلينا، وسهامنا لا تصل إليهم، ولا نأمن من بياتهم، وأيضاً هذا بين النخلات، ومكان غائر، وأرض وخيمة، لو أمرت بمكان خال عن هذه المفاسد نتخذه معسكراً قال صلى الله عليه وسلم الرأي ما أشرت، ثم تحول إلى مكان آخر.

ولما دنا من خيبر وأشرف عليها قال: قفوا. فوقف الجيش فقال: اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، فإنا لنسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، وخير ما فيها، ونعوذ بك من شر هذه القرية، وشر أهلها، وشر ما فيها، اقدموا بسم اللَّه.

التهيؤ للقتال وحصون خيبر:

ولما كانت ليلة الدخول قال: لأعطين الراية غداً رجلاً يحب اللَّه ورسوله ويحبه اللَّه ورسوله، فلما أصبح الناس غدوا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، كلهم يرجو أن يعطاها فقال: أين علي بن أبي طالب، فقالوا: يا رسول اللَّه هو يشتكي عينيه قال: فأرسلوا إليه فأتى به، فبصق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرىء، كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال: يا رسول اللَّه أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، قال: انفذ على رسلك، حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق اللَّه فيه، فواللَّه لأن يهدي اللَّه بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم.

وكانت خيبر منقسمة إلى شطرين، شطر فيه خمسة حصون:


حصن ناعم.


حصن الصعب بن معاذ.


حصن قلعة الزبير.


حصن أبي.


حصن النزار.

والحصون الثلاثة الأولى تقع في منطقة يقال لها النطاة، وأما الحصنان الآخران فيقعان في منطقة تسمى بالشق.

أما الشطر الثاني، ويعرف بالكتيبة، ففيه ثلاثة حصون فقط:


حصن القموص (كان حصن بني أبي الحقيق من بني النضير).


حصن الوطيح.


حصن السلالم.

وفي خيبر حصون وقلاع غير هذه الثمانية، إلا أنها كانت صغيرة لا تبلغ إلى درجة هذه القلاع في مناعتها وقوتها.

والقتال المرير إنما دار في الشطر الأول منها، أما الشطر الثاني فحصونها الثلاثة مع كثرة المحاربين فيها سلمت دونما قتال.







رد مع اقتباس
قديم 05-24-2007, 04:00 AM رقم المشاركة : 142
معلومات العضو
شخصيات مهمه
Vip

إحصائية العضو








EVANHO is an unknown quantity at this point

 

EVANHO غير متصل

 


كاتب الموضوع : EVANHO المنتدى : :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ::
افتراضي

بدء المعركة وفتح حصن ناعم:

وأول حصن هاجمه المسلمون من هذه الحصون الثمانية هو حصن ناعم وكان خط الدفاع الأول لليهود لمكانه الاستراتيجي، وكان هذا الحصن هو حصن مرحب البطل اليهودي الذي كان يعد بالألف.

خرج علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه بالمسلمين إلى هذا الحصن، ودعا اليهود إلى الإسلام، فرفضوا هذه الدعوة، وبرزوا إلى المسلمين ومعهم ملكهم مرحب، فلما خرج إلى ميدان القتال دعا إلى المبارزة. قال سلمة بن الأكوع فلما أتينا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقول:

قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهب






فبرز له عمى عامر فقال:

قد علمت خيبر أني عامر شاكي السلاح بطل مغامر

فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عمي عامر، وذهب عامر يسفل له، وكان سيفه قصيراً، فتناول به ساق يهودي ليضربه فيرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبته فمات منه، وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه له لأجرين وجمع بين إصبعيه، إنه لجاهد مجاهد قل عربي شي بها مثله.

ويبدو أن مرحباً دعا بعد ذلك إلى البراز مرة أخرى، وجعل يرتجز بقوله قد علمت خيبر أني مرحب... إلخ، فبرز علي بن أبي طالب. قال سلمة بن الأكوع فقال علي:

أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره

أوفيهم بالصاع كيل السندره






فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه.

ولما دنا علي رضي اللَّه عنه من حصونهم اطلع يهودي من رأس الحصن، وقال: من أنت، فقال: أنا علي بن أبي طالب، فقال اليهودي علوتم وما أنزل على موسى.

ثم خرج ياسر أخو مرحب وهو يقول من يبارز؟ فبرز إليه الزبير، فقالت صفية أمه يا رسول اللَّه، يقتل ابني؟ قال: بل ابنك يقتله فقتله الزبير.

ودار القتال المرير حول حصن ناعم، قتل فيه عدة سراة من اليهود، انهارت لأجله مقاومة اليهود، وعجزوا عن صد هجوم المسلمين، ويؤخذ من المصادر أن هذا القتال دام أياماً لاقى المسلمون فيها مقاومة شديدة، إلا أن اليهود يئسوا من مقاومة المسلمين، فتسللوا من هذا الحصن إلى حصن الصعب، واقتحم المسلمون حصن ناعم.

فتح حصن الصعب بن معاذ:

وكان حصن الصعب الحصن الثاني من حيث القوة والمناعة بعد حصن ناعم، قام المسلمون بالهجوم عليه تحت قيادة الحباب بن المنذر الأنصاري، ففرضوا عليه الحصار ثلاثة أيام، وفي اليوم الثالث، دعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لفتح هذا الحصن دعوة خاصة.

وروى ابن إسحاق أن بني سهم من أسلم أتوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء، فقال: اللهم إنك قد عرفت حالهم، وأن ليست بهم قوة، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء، وأكثرها طعاماً وودكاً. فغدا الناس ففتح اللَّه عز وجل حصن الصعب بن معاذ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعاماً وودكاً منه.

ولما ندب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بعد دعائه لمهاجمة هذا الحصن كان بنو أسلم هم المقاديم في المهاجمة، ودار البراز والقتال أمام الحصن. ثم فتح الحصن في ذلك اليوم قبل أن تغرب الشمس، ووجد فيه المسلمون بعض المنجنيقات والدبابات.

ولأجل هذه المجاعة الشديدة التي ورد ذكرها في رواية ابن إسحاق كان رجال من الجيش قد ذبحواالحمير، ونصبوا القدور على النيران، فلما علم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بذلك نهى عن لحوم الحمر الإنسية.

فتح قلعة الزبير:

وبعد فتح حصن ناعم والصعب تحول اليهود من كل الحصون النطاة إلى قلعة الزبير، وهو حصن منيع في رأس قلعة، لا تقدر عليه الخيل والرجال لصعوبته وامتناعه، ففرض عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الحصار، وأقام محاصراً ثلاثة أيام. فجاء رجل من اليهود، وقال: يا أبا القاسم إنك لو أقمت شهراً ما بالوا إن لهم شراباً وعيوناً تحت الأرض، يخرجون بالليل ويشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك، فإن قطعت مشربهم عليهم أصحروا لك. فقطع ماءهم عليهم، فخرجوا فقاتلوا أشد القتال، قتل فيه نفر من المسلمين، وأصيب نحو العشرة من اليهود، وافتتحه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .

فتح قلعة أبي:

وبعد فتح قلعة الزبير انتقل اليهود إلى قلعة أبي وتحصنوا فيه، وفرض المسلمون عليهم الحصار، وقام بطلان من اليهود واحد بعد الآخر بطلب المبارزة، وقد قتلهما أبطال المسلمين، وكان الذي قتل المبارز الثاني هو البطل المشهور أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري صاحب العصابة الحمراء. وقد أسرع أبو دجانة بعد قتله إلى اقتحام القلعة، واقتحم معه الجيش الإسلامي، وجرى قتال مرير ساعة داخل الحصن، ثم تسلل اليهود من القلعة، وتحولوا إلى حصن النزار آخر حصن في الشطر الأول.

فتح حصن النزار:

كان هذا الحصن أمنع حصون هذا الشطر، وكان اليهود على شبه اليقين بأن المسلمين لا يستطيعون اقتحام هذه القلعة، وإن بذلوا قصارى جهدهم في هذا السبيل ولذلك أقاموا في هذه القلعة مع الذراري والنساء، بينما كانوا قد أخلوا منها القلاع الأربعة السابقة.

وفرض المسلمون على هذا الحصن أشد الحصار، وصاروا يضغطون عليهم بعنف، ولكون الحصن يقع على جبل مرتفع منيع لم يكونوا يجدون سبيلاً للاقتحام فيه. أما اليهود فلم يجترئوا للخروج من الحصن، للاشتباك مع قوات المسلمين، لكنهم قاوموا المسلمين مقاومة عنيدة برشق النبال، وبإلقاء الحجارة.

وعندما استعصى حصن النزار على قوات المسلمين، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنصب آلات المنجنيق، ويبدو أن المسلمين قذفوا بها القذائف، فأوقعوا الخلل في جدران الحصن، واقتحموه، ودار قتال مرير في داخل الحصن انهزم أمامه اليهود هزيمة منكرة، وذلك لأنهم لم يتمكنوا من التسلل من هذا الحصن كما تسللوا من الحصون الأخرى، بل فروا من فروا من هذا الحصن تاركين للمسلمين نساءهم وذراريهم.

وبعد فتح هذا الحصن المنيع تم فتح الشطر الأول من خيبر، وهي ناحية النطاة والشق، وكانت في هذه الناحية حصون صغيرة أخرى إلا أن اليهود بمجرد فتح هذا الحصن المنيع أخلوا هذه الحصون، وهربوا إلى الشطر الثاني من بلدة خيبر.

فتح الشطر الثاني من خيبر:

ولما فتح ناحية النطاة والشق، تحول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى أهل الكتيبة والوطيح والسلالم حصن أبي الحقيق من بني النضير. وجاءهم كل من كان انهزم من النطأة والشق، وتحصن هؤلاء أشد التحصن.

واختلف أهل المغازي هل جرى هناك قتال في أي حصن من حصونها الثلاثة أم لا؟ فسياق ابن إسحاق صريح في جريان القتال لفتح حصن القموص. بل يؤخذ من سياقه أن هذا الحصن تم فتحه بالقتال فقط من غير أن يجري هناك مفاوضة للإستسلام.

أما الواقدي، فيصرح تمام التصريح أن قلاع هذا الشطر الثلاثة إنما أخذت بعد المفاوضة، ويمكن أن تكون المفاوضة قد جرت لاستسلام حصن القموص بعد إدارة القتال. وأما الحصنان الآخران فقد سلماً إلى المسلمين دونما قتال.

ومهما كان فلما أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى هذه الناحية الكتيبة فرض على أهلها أشد الحصار، ودام الحصار أربعة عشر يوماً، واليهود لا يخرجون من حصونهم حتى همّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن ينصب عليهم المنجنيق، فلما أيقنوا بالهلكة سألوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصلح.

المفاوضة:

وأرسل ابن أبي الحقيق إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم انزل فأكلمك؟ قال: نعم فنزل، وصالح على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة وترك الذرية لهم، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم، ويخلون بين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وبين ما كان لهم من مال وأرض وعلى الصفراء والبيضاء أي الذهب والفضة والكراع والحلقة إلا ثوباً على ظهر إنسان، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وبرئت منكم ذمة اللَّه وذمة رسوله إن كتمتموني شيئاً، فصالحوه على ذلك وبعد هذه المصالحة تم تسليم الحصون إلى المسلمين وبذلك تم فتح خيبر.

قتل ابني أبي الحقيق لنقض العهد:

وعلى رغم هذه المعاهدة غيب ابنا أبي الحقيق مالاً كثيراً، غيباً مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب، كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير.

قال ابن إسحاق وأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بكنانة الربيع، وكان عنده كنز بني النضير، فسأله عنه، فجحد أن يكون يعرف مكانه، فأتى رجل من اليهود فقال: إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لكنانة أرأيت إن وجدناه عندك أأقتلك؟ قال: نعم فأمر بالخربة، فحفرت، فأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله عما بقي، فأبى أن يؤديه. فدفعه إلى الزبير، وقال: عذبه حتى نستأصل ما عنده، فكان الزبير يقدح بزند في صدره حتى أشرف على نفسه، ثم دفعه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن سلمة، فضرب عنقه بمحمود بن سلمة (وكان محمود قتل تحت جدار حصن ناعم ألقى عليه الرحى، وهو يستظل بالجدار فمات).

وذكر ابن القيم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأمر بقتل ابني أبي الحقيق وكان الذي اعترف عليهما بإخفاء المال هو ابن عم كنانة.

وسبى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب، وكانت تحت كنانة بن أبي الحقيق، وكانت عروساً حديثة عهد بالدخول.

قسمة الغنائم:

وأراد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يجلي اليهود من خيبر، فقالوا: يا محمد دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها، ونقوم عليها، فنحن أعلم بها منكم، ولم يكن لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأصحابه غلمان يقومون عليها، وكانوا لا يفرغون يقومون عليها، فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع، ومن كل ثمر ما بدا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يقرهم. وكان عبد اللَّه بن رواحة يخرصه عليهم.

وقسم أرض خيبر على ستة وثلاثين سهماً، وجمع كل سهم مائة سهم، فكانت ثلاثة آلاف وستمائة سهم، فكان لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والمسلمين النصف من ذلك وهو ألف وثمانمائة سهم، لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سهم كسهم أحد المسلمين، وعزل النصف الآخر وهو ألف وثمانمائة سهم، سهم لنوائبه وما يتنزل به من أمور المسلمين، وإنما قسمت على ألف وثمانمائة سهم، لأنها كانت طعمة من اللَّه لأهل الحديبية من شهد منهم ومن غاب، وكانوا ألفاً وأربعمائة وكان معهم مائتا فرس، لكل فرس سهمان، فقسمت على ألف وثمانمائة سهم، فصار للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم واحداً.

ويدل على كثرة مغانم خيبر ما رواه البخاري عن ابن عمر قال: ما شبعنا حتى فتحنا خيبر، وما رواه عن عائشة قالت: لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر ولما رجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم إياها من النخيل حين صار لهم بخيبر مال ونخيل.

قدوم جعفر بن أبي طالب والأشعريين:

وفي هذه الغزوة قدم عليه ابن عمه جعفر بن أبي طالب وأصحابه، ومعهم الأشعريون أبو موسى وأصحابه.

قال أبو موسى بلغنا مخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي في بضع وخمسين رجلاً من قومي، فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفراً وأصحابه عنده، فقال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعثنا وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتى قدمنا فوافقنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين فتح خيبر، فأسهم لنا، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر شيئاً إلا لمن شهد معه، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم.

ولما قدم جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم تلقاه وقبله وقال: و اللَّه ما أدري بأيهما أفرح؟ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر.

وكان قدوم هؤلاء على أثر بعث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري يطلب توجيههم إليه فأرسلهم النجاشي على مركبين، وكانوا ستة عشر رجلاً، معهم من بقي من نسائهم وأولادهم، وبقيتهم جاؤوا إلى المدينة قبل ذلك.

الزواج بصفية:

ذكرنا أن صفية جعلت في السبايا حين قتل زوجها كنانة بن أبي الحقيق لغدره، ولما جمع السبي جاء دحية بن خليفة الكلبي، فقال: يا نبي اللَّه أعطني جارية من السبي، فقال: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي اللَّه أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة وبني النضير، لا تصلح إلا لك، قال: ادعوه بها. فجاء بها، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: خذ جارية من السبي غيرها، وعرض عليها النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلمت، فأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، حتى إذا كان بسد الصهباء راجعاً إلى المدينة حلت، فجهزتها له أم سليم، فأهدتها له من الليل، فأصبح عروساً بها، وأولم عليها بحيس من التمر والسمن والسويق، وأقام عليها ثلاثة أيام في الطريق ينبي بها.

ورأى بوجهها خضرة، فقال: ما هذا؟ قالت: يا رسول اللَّه رأيت قبل قدومك علينا كأن القمر زال من مكانه، وسقط في حجري، ولا وا للَّه ما أذكر من شأنك شيئاً، فقصصتها على زوجي، فلطم وجهي. فقال: تمنين هذا الملك الذي بالمدينة.

أمر الشاة المسمومة:

ولما اطمأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد فتحها أهدت له زينب بنت الحارث، امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية، وقد سألت أي عضو أحب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل لها الذراع، فأكثرت فيها من السم، ثم سمت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تناول الذراع، فلاك منها مضغة فلم يسغها، ولفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم، ثم دعا بها فاعترفت،فقال: ما حملك على ذلك؟ قالت: قلت إن كان ملكاً استرحت منه، وإن كان نبياً فسيخبر، فتجاوز عنها.

وكان معه بشر بن البراء بن معرور أخذ منها أكلة فأساغها فمات منها.

واختلفت الروايات في التجاوز عن المرأة وقتلها، وجمعوا بأنه تجاوز عنها أولاً.فلما مات بشر قتلها قصاصاً.

قتلى الفريقين في معارك خيبر:

وجملة من استشهد من المسلمين في معارك خيبر ستة عشر رجلاً، أربعة من قريش وواحد من أشجع، وواحد من أسلم، وواحد من أهل خيبر، والباقون من الأنصار.

ويقال: إن شهداء المسلمين في هذه المعارك 18 رجلاً، وذكر العلامة المنصور فوري 19 رجلاً ثم قال: إني وجدت بعد التفحص 23 اسماً، واحد منها في الطبري فقط، وواحد عند الواقدي فقط، وواحد مات لأجل أكل الشاة المسمومة وواحد اختلفوا هل قتل في بدر أو خيبر، والصحيح أنه قتل في بدر.

أما قتلى اليهود فعددهم ثلاثة وتسعون قتيلاً.

فدك:

ولما بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، بعث محيصة بن مسعود إلى يهود فدك، ليدعوهم إلى الإسلام فأبطأوا عليه، فلما فتح اللَّه خيبر قذف الرعب في قلوبهم، فبعثوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصالحونه على النصف من فدك بمثل ما صالح عليه أهل خيبر فقبل ذلك منهم، فكانت فدك لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خالصة، لأنه لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب.

وادي القرى:

ولما فرغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من خيبر، انصرف إلى وادي القرى وكان بها جماعة من اليهود، وانضاف إليهم جماعة من العرب.

فلما نزلوا استقبلتهم يهود بالرمي وهم على تعبئة، فقتل مدعم عبد لرسول للَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال الناس هنيئاً له الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلا. والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه ناراً. فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو شراكين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم شراك من نار أو شراكان من نار.

ثم عبأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال. وصفهم، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حنيف، وراية إلى عبادة بن بشر، ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا، وبرز رجل منهم فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه علي بن أبي طالب رضي صلى الله عليه وسلم عنه فقتله، حتى قتل منهم أحد عشر رجلاً، كلما قتل منهم رجل دعا من بقي إلى الإسلام.

وكانت الصلاة تحضر هذا اليوم، فيصلي بأصحابه. ثم يعود، فيدعوهم إلى الإسلام وإلى اللَّه ورسوله، فقاتلهم حتى أمسوا، وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا ما بأيديهم، وفتحها عنوة، وغنمه اللَّه أموالهم، وأصابوا أثاثاً ومتاعاً كثيراً.

وأقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بوادي القرى أربعة أيام، وقسم على أصحابه ما أصاب بها، وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود، وعاملهم عليها كما عامل أهل خيبر.

تيماء:

ولما بلغ يهود تيماء خبر استسلام أهل خيبر ثم فدك ووادي القرى لم يبدوا أي مقاومة ضد المسلمين بل بعثوا من تلقاء أنفسهم يعرضون الصلح، فقبل ذلك منهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وأقاموا بأموالهم. وكتب لهم بذلك كتاباً وهاك نصه هذا كتاب محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لبني عادياً إن لهم الذمة، وعليهم الجزية ولا عداء ولا جلاء، الليل مد، والنهار شد، وكتب خالد بن سعيد.

العودة إلى المدينة:

ثم أخذ رسول اللَّه في العودة إلى المدينة. وفي مرجعه ذلك سار ليلة، ثم نام في آخر الليل ببعض الطريق، وقال لبلال اكلأ لنا الليل فغلبت بلالاً عيناه، وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ أحد، حتى ضربتهم الشمس، وأول من استيقظ بعد ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج من ذلك الوادي، وتقدم، ثم صلى الفجر بالناس، وقيل: إن هذه القصة في غير هذا السفر.

وبعد النظر في تفصيل معارك خيبر يبدو أن رجوع النبي صلى الله عليه وسلم كان في أواخر صفر أو في ربيع الأول سنة 7هـ.

سرية أبان بن سعيد:

كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف أكثر من كل قائد عسكري أن إخلاء المدينة تماماً بعد انقضاء الأشهر الحرم ليس من الحزم قطعاً، بينما الأعراب ضاربة حولها تطلب غرة المسلمين للقيام بالنهب والسلب وأعمال القرصنة، ولذلك أرسل سرية إلى نجد لإرهاب الأعراب. تحت قيادة أبان بن سعيد، بينما كان هو إلى خيبر، وقد رجع أبان بن سعيد بعد قضاء ما كان واجباً عليه، فوافى النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، وقد افتتحها.

والأغلب أن هذه السرية كانت في صفر سنة 7هـ. ورد ذكر هذه السرية في البخاري قال ابن حجر لم أعرف حال هذه السرية.







رد مع اقتباس
قديم 05-24-2007, 04:00 AM رقم المشاركة : 143
معلومات العضو
شخصيات مهمه
Vip

إحصائية العضو








EVANHO is an unknown quantity at this point

 

EVANHO غير متصل

 


كاتب الموضوع : EVANHO المنتدى : :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ::
افتراضي

بقية السرايا والغزوات في السنة السابعة

غزوة ذات الرقاع:

ولما فرغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن كسر جناحين قويين من أجنحة الأحزاب الثلاثة تفرغ تماماً للالتفات إلى الجناح الثالث، أي إلى الأعراب القساة الضاربين في فيافي نجد والذين ما زالوا يقومون بأعمال النهب والسلب بين آونة وأخرى.

ولما كان هؤلاء البدو لا تجمعهم بلدة أو مدينة، ولم يكونوا يقطنون الحصون والقلاع كانت الصعوبة في فرض السيطرة عليهم وإخماد نار شرهم تماماً تزداد بكثير عما كانت بالنسبة إلى أهل مكة وخيبر، ولذلك لم تكن تجدي فيهم إلا حملات التأديب والإرهاب. وقام المسلمون بمثل هذه الحملات مرة بعد أخرى.

ولفرض الشوكة أو لاجتماع البدو الذين كانوا يحتشدون للإغارة على أطراف المدينة قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بحملة تأديبية عرفت بغزوة ذات الرقاع.

وعامة أهل المغازي يذكرون هذه الغزوة في السنة الرابعة، ولكن مساهمة أبي موسى الأشعري وأبي هريرة رضي اللَّه عنهما في هذه الغزوة تدل على وقوعها بعد خيبر، والأغلب أنها وقعت في شهر ربيع الأول سنة 7هـ.

وملخص ما ذكره أهل السير حول هذه الغزوة أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع باجتماع أنمار أو بني ثعلبة وبني محارب من غطفان، فأسرع بالخروج إليهم في أربعمائة أو سبعمائة من أصحابه، واستعمل على المدينة أبا ذر أو عثمان بن عفان، وسار فتوغل في بلادهم حتى وصل إلى موضع يقال له نخل على بعد يومين من المدينة ولقي جمعاً من غطفان فتوافقوا ولم يكن بينهم قتال، إلا أنه صلى بهم يومئذ صلاة الخوف.

وفي البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ونحن ستة نفر بيننا بعير نتعقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت ذات الرقاع لما كنا نعصب الخرق على أرجلنا.

وفيه عن جابر كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم ، فنزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وتفرق الناس في العضاة، يستظلون بالشجر، ونزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فعلق بها سيفه. قال جابر: فنمنا نومة، فجاء رجل من المشركين. فاخترط سيف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال: أتخافني؟ قال: لا. قال: فمن يمنعك مني؟ قال: اللَّه. قال جابر: فإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يدعونا، فجئنا فإذا عنده أعرابي جالس. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتاً. فقال لي من يمنعك مني؟ قلت اللَّه، فها هو ذا جالس، ثم لم يعاتبه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .

وفي رواية وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع، وللقوم ركعتان.

وفي رواية أبي عوانة فسقط السيف من يده، فأخذه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال: من يمنعك مني؟ قال: كن خير آخذ. قال: تشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه؟ قال الأعرابي أعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، قال: فخلى سبيله، فجاء إلى قومه، فقال: جئتكم من عند خير الناس.

وفي رواية البخاري قال مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر اسم الرجل غورث بن الحارث قال ابن حجر ووقع عند الواقدي في سبب هذه القصة أن اسم الأعرابي دعثور، وأنه أسلم. لكن ظاهر كلامه أنهما قصتان في غزوتين و اللَّه أعلم.

وفي مرجعهم من هذه الغزوة سبوا امرأة من المشركين، فنذر زوجها أن لا يرجع حتى يهريق دماً في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فجاء ليلاً، وقد أرصد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ربيئة للمسلمين من العدو وهما عباد بن بشر وعمار بن ياسر، فضرب عباداً وهو يصلي بسهم فنزعه. ولم يبطل صلاته، حتى رشقه بثلاثة أسهم، فلم ينصرف منها حتى سلم، فأيقظ صاحبه، فقال: سبحان اللَّه هلا نبهتني، فقال: إني كنت في سورة فكرهت أن أقطعها.

كان لهذه الغزوة أثر في قذف الرعب في قلوب الأعراب القساة، وإذا نظرنا إلى تفاصيل السرايا بعد هذه الغزوة نرى أن هذه القبائل من غطفان لم تجترىء أن ترفع رأسها بعد هذه الغزوة، بل استكانت شيئاً فشيئاً حتى استسلمت، بل وأسلمت، حتى نرى عدة قبائل من هذه الأعراب تقوم مع المسلمين في فتح مكة، وتغزو حنيناً وتأخذ من غنائمها، ويبعث إليها المصدقون فتعطى صدقاتها بعد الرجوع من غزوة الفتح، فإذا تم كسر الأجنحة الثلاثة التي كانت ممثلة في الأحزاب، وساد المنطقة الأمن والسلام. واستطاع المسلمون بعد ذلك أن يسدوا بسهولة كل خلل وثلمة حدثت في بعض المناطق من بعض القبائل، بل بعد هذه الغزوة بدأت التمهيدات لفتوح البلدان والممالك الكبيرة، لأن داخل البلاد كانت الظروف قد تطورت لصالح الإسلام والمسلمين.

وبعد الرجوع من هذه الغزوة أقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى شوال سنة 7هـ.وبعث في خلال ذلك عدة سرايا وهاك بعض تفصيلها:

1. سرية غالب بن عبد اللَّه الليثي إلى بني الملوح بقديد، في صفر أو ربيع الأول سنة 7هـ. كان بنو الملوح قد قتلوا أصحاب بشير بن سويد، فبعثت هذه السرية لأخذ الثأر. فشنوا الغارة في الليل فقتلوا من قتلوا، وساقوا النعم، وطاردهم جيش كبير من العدو حتى إذا قرب من المسلمين نزل مطر، فجاء سيل عظيم حال بين الفريقين، ونجح المسلمون في بقية الانسحاب.

2. سرية حسمي في جمادي الثانية سنة 7هـ، وقد مضى ذكرها في مكاتبة الملوك.

3. سرية عمر بن الخطاب إلى تربة في شعبان سنة 7هـ. ومعه ثلاثون رجلاً. كانوا يسيرون الليل ويستخفون في النهار، وأتى الخبر إلى هوازن فهربوا، وجاء عمر إلى محالهم فلم يلق أحداً فانصرف راجعاً إلى المدينة.

4. سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى بني مرة بناحية فدك في شعبان سنة 7هـ في ثلاثين رجلاً. خرج إليهم واستاق الشاء والنعم، ثم رجع فأدركه الطلب عند الليل، فرموهم بالنبل حتى فني نبل بشير وأصحابه، فقتلوا جميعاً إلا بشير فإنه ارتث إلى فدك، فأقام عند يهود، حتى برأت جراحه، فرجع إلى المدينة.

5. سرية غالب بن عبد اللَّه الليثي في رمضان سنة 7هـ إلى بني عوال، وبني عبد بن ثعلبة بالميفعة، وقيل إلى الحرقات من جحفية في مائة وثلاثين رجلاً، فهجموا عليهم جميعاً، وقتلوا من أشرف لهم، واستاقوا نعماً وشاء، وفي هذه السرية قتل أسامة بن زيد نهيك بن مرداس بعد أن قال: لا إله إلا اللَّه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم ، هلا شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب؟.

6. سرية عبد اللَّه بن رواحة إلى خيبر في شوال سنة 7هـ في ثلاثين راكباً. وذلك أن أسير أو بشير بن زرام كان يجمع غطفان لغزو المسلمين، فأخرجوا أسيراً في ثلاثين من أصحابه، وأطعموه أن الرسول صلى الله عليه وسلم يستعمله على خيبر، فلما كانوا بقرقرة نيار وقع بين الفريقين سوء ظن أفضى إلى قتل أسير وأصحابه الثلاثين.

7. سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى يمن وجبار (بالفتح، أرض لغطفان وقيل لفزارة وعذرة) في شوال سنة 7هـ في ثلاثمائة من المسلمين، للقاء جمع كبير تجمعوا للإغارة على أطراف المدينة، فساروا الليل وكمنوا النهار، فلما بلغهم مسير بشير هربوا وأصاب بشير نعماً كثيرة، وأسر رجلين فقدم، بهما إلى المدينة، إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأسلما.

8. سرية أبي حدرد الأسلمي إلى الغابة ذكرها ابن القيم في سرايا السنة السابعة قبل عمرة القضاء، وملخصها أن رجلاً من جشم بن معاوية أقبل في عدد كبير إلى الغابة، يريد أن يجمع قيساً على محاربة المسلمين. فبعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبا حدرد مع رجلين فاختار أبو حدرد خطة حربية حكيمة، وهزم العدو هزيمة منكرة، واستاق الكثير من الإبل والغنم.







رد مع اقتباس
قديم 05-24-2007, 04:01 AM رقم المشاركة : 144
معلومات العضو
شخصيات مهمه
Vip

إحصائية العضو








EVANHO is an unknown quantity at this point

 

EVANHO غير متصل

 


كاتب الموضوع : EVANHO المنتدى : :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ::
افتراضي

عمرة القضاء:

قال الحاكم تواترت الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم لما هل ذو القعدة أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم، وأن لا يتخلف منهم أحد شهد الحديبية. فخرجوا إلا من استشهد، وخرج معه آخرون معتمرين، فكانت عدتهم ألفين سوى النساء والصبيان.أ.هـ

واستخلف على المدينة عويف أبا رهم الغفاري، وساق ستين بدنة، وجعل عليها ناجبة بن جندب الأسلمي، وأحرم للعمرة من ذي الحليفة، ولبى المسلمون معه، وخرج مستعداً بالسلاح والمقاتلة، خشية أن يقع من قريش غدر، فلما بلغ يأجج وضع الأداة كلها الحجف والمجان والنبل والرماح، وخلف عليها أوس بن خولي الأنصاري في مائتي رجل، ودخل بسلاح الراكب والسيوف في القرب.

وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عند الدخول راكباً على ناقته القصواء، والمسلمون متوشحون السيوف، محدقون برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يلبون.

وخرج المشركون إلى جبل قعيقعان الجبل الذي في شمال الكعبة ليروا المسلمين، وقد قالوا فيما بينهم إنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمى يثرب، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الركنين. ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرسلوا الأشواط كلها إلا الإبقاء، وإنما أمرهم بذلك ليري المشركين قوته كما أمرهم بالاصطباغ أي يكشفوا المناكب اليمنى ويضعوا طرفي الرداء على اليسرى.

ودخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مكة من الثنية التي تطلعه على الحجون وقد صف المشركون ينظرون إليه فلم يزل يلبي حتى استلم الركن بمحجنة، ثم طاف، وطاف المسلمون، وعبد اللَّه بن رواحة بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يرتجز متوشحاً بالسيف:

خلوا بني الكفار عن سبيله خلوا فكل الخير في رسوله

قد أنزل الرحمن في تنزيله في صحف تتلى على رسوله

يا رب إني مؤمن بقيله إني رأيت الحق في قبوله

بأن خير القتل في سبيله اليوم نضربكم على تنزيله

ضرباً يزيل الهام عن مصيله ويذهل الخليل عن خليله



وفي حديث أنس فقال عمر: يا ابن رواحة بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وفي حرم اللَّه تقول الشعر؟. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خل عنه يا عمر، فلهو أسرع فيهم من نضح النبل.

ورمل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والمسلمون ثلاثة أشواط، فلما رآهم المشركون قالوا: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا.

ولما فرغ من الطواف سعى بين الصفا والمروة، فلما فرغ من السعي. وقد وقف الهدى عند المروة قال: هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر، فنحر عند المروة وحلق هناك، وكذلك فعل المسلمون. ثم بعث ناساً إلى يأجج، فيقيموا على السلاح، ويأتي لأخرون فيقفون نسكهم ففعلوا.

وأقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثاً، فلما أصبح من اليوم الرابع أتوا علياً فقالوا: قل لصاحبك أخرج عنا فقد مضى الأجل، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ، ونزل بسرف فأقام بها.

ولما أراد الخروج من مكة تبعتهم ابنة حمزة، تنادي، يا عم، يا عم، فتناولها علي واختصم فيها علي وجعفر وزيد فقضى النبي صلى الله عليه وسلم لجعفر لأن خالتها كانت تحته.

وفي هذه العمرة تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بميمونة بنت الحارث العامرية وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل الدخول في مكة بعث جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة فجعلت أمرها إلى العباس، وكانت أختها أم الفضل تحته. فزوجها إياه، فلما خرج من مكة خلف أبا رافع ليحمل ميمونة إليه حين يمشي فبنى بها بسرف.

وسميت هذه العمرة بعمرة القضاء، إما لأنها كانت قضاء عن عمرة الحديبية أو لأنها وقعت حسب المقاضاة أي المصالحة التي وقعت في الحديبية، والوجه الثاني رجحه المحققون وهذه العمرة تسمى بأربعة أسماء القضاء، والقضية، والقصاص، والصلح.

1. سرية ابن أبي العوجاء، في ذي الحجة سنة 7هـ في خمسين رجلاً بعثه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ليدعوهم إلى الإسلام، فقالوا: لا حاجة لنا إلى ما دعوتنا، ثم قاتلوا قتالاً شديداً، وجرح فيه أبو العوجاء، وأسر رجلان من العدو.

2. سرية غالب بن عبد اللَّه إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك في صفر سنة 8هـ بعث في مائتي رجل، فأصابوا من العدو نعماً، وقتلوا منهم قتلى.

3. سرية ذات أطلح في ربيع الأول سنة 8هـ كانت بنو قضاعة قد حشدت جموعاً كبيرة للإغارة على المسلمين، فبعث إليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كعب بن عمير الأنصاري في خمسة عشر رجلاً، فلقوا العدو، فدعوهم إلى الإسلام فلم يستجيبوا لهم، وأرشقوهم بالنبل حتى استشهد كلهم إلا رجل واحد، فقد ارتث من بين القتلى.

4. سرية ذات عرق إلى بني هوازن في ربيع الأول سنة 8هـ. كانت بنو هوازن قد أمدت الأعداء مرة بعد أخرى فأرسل إليه شجاع بن وهب الأسدي في خمس وعشرين رجلاً، فاستاقوا نعماً من العدو ولم يلقوا كيداً.







رد مع اقتباس
قديم 05-24-2007, 04:01 AM رقم المشاركة : 145
معلومات العضو
شخصيات مهمه
Vip

إحصائية العضو








EVANHO is an unknown quantity at this point

 

EVANHO غير متصل

 


كاتب الموضوع : EVANHO المنتدى : :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ::
افتراضي

معركة مؤتة:

وهذه المعركة أكبر لقاء مثخن، وأعظم حرب دامية خاضها المسلمون في حياة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وهي مقدمة وتمهيد لفتوح بلدان النصارى، وقعت في جمادي الأولى سنة 8هـ، وفق أغسطس أو سبتمبر سنة 629م.

ومؤتة (بالضم فالسكون) هي قرية بأدنى بلقاء الشام، بينها وبين بيت المقدس مرحلتان.

سبب المعركة:

وسبب هذه المعركة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتابه إلى عظيم بصري. فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني وكان عاملاً على البلقاء من أرض الشام من قبل قيصر فأوثقه رباطاً، ثم قدمه، فضرب عنقه.

وكان قتل السفراء والرسل من أشنع الجرائم، يساوي بل يزيد على إعلان حالة الحرب، فاشتد ذلك على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين نقلت إليه الأخبار، فجهز إليهم جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل، وهو أكبر جيش إسلامي لم يجتمع قبل ذلك إلا في غزوة الأحزاب.

أمراء الجيش ووصية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إليهم:

أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على هذا البعث زيد بن حارثة، وقال: إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد اللَّه بن رواحة. وعقد لهم لواء أبيض، ودفعه إلى زيد بن حارثة.

وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام فإن أجابوا وإلا استعانوا باللَّه عليهم، وقاتلوهم، وقال لهم اغزوا باسم اللَّه في سبيل اللَّه من كفر باللَّه، لا تغدروا، ولا تغيروا، ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة، ولا كبيراً فانياً، ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقطعوا نخلاً ولا شجرة، ولا تهدموا بناء.

توديع الجيش الإسلامي وبكاء عبد اللَّه بن رواحة:

ولما تهيأ الجيش الإسلامي للخروج حضر الناس، ودعوا أمراء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وسلموا عليهم، وحينئذ بكى أحد أمراء الجيش، عبد اللَّه بن رواحة، فقالوا: ما يبكيك؟ فقال: أما و اللَّه ما بي حب الدنيا، ولا صبابة بكم ولكني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب اللَّه يذكر فيها النار {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: 71] فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود؟ فقال المسلمون صحبكم اللَّه بالسلامة، ودفع عنكم وردكم إلينا صالحين غانمين، فقال عبد اللَّه بن رواحة:

لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات قرع تقذف الزبدا

أو طعنة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبد

حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد اللَّه من غاز، وقد رشدا

ثم خرج القوم، وخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مشيعاً لهم حتى بلغ ثنية الوداع، فوقف وودعهم.

تحرك الجيش الإسلامي، ومباغتته حالة رهيبة:

وتحرك الجيش الإسلامي في اتجاه الشمال حتى نزل معان، من أرض الشام، مما يلي الحجاز الشمالي. وحينئذ نقلت إليهم الاستخبارات بأن هرقل نازل بمآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، وانضم إليهم من لخم وجذام وبلقين وبهراء وبلى مائة ألف.

المجلس الاستشاري بمعان:

لم يكن المسلمون أدخلوا في حسابهم لقاء مثل هذا الجيش العرمرم، الذي بوغتوا به في هذه الأرض البعيدة وهل يهجم جيش صغير، قوامه ثلاثة آلاف مقاتل فحسب، على جيش كبير عرمرم، مثل البحر الخضم، قوامه مائتا ألف مقاتل؟ حار المسلمون، وأقاموا في معان ليلتين يفكرون في أمرهم، وينظرون ويتشاورون ثم قالوا: نكتب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فنخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له.

ولكن عبد اللَّه بن رواحة عارض هذا الرأي، وشجع الناس، قائلاً يا قوم و اللَّه إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة. وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا اللَّه به، فانطلقوا، فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة. وأخيراً استقر الرأي على ما دعا إليه عبد اللَّه بن رواحة.



الجيش الإسلامي يتحرك نحو العدو:

وحينئذ بعد أن قضى الجيش الإسلامي ليلتين في معان، تحركوا إلى أرض العدو، حتى لقيتهم جموع هرقل بقرية من قرى البلقاء يقال لها "مشارف" ثم دنا العدو، وانحاز المسلمون إلى مؤتة، فعسكروا هناك، وتعبأوا للقتال، فجعلوا على ميمنتهم قطبة بن قتادة العذري، وعلى الميسرة عبادة بن مالك الأنصاري.

بداية القتال، وتناوب القواد:

وهناك في مؤتة التقى الفريقان، وبدأ القتال المرير، ثلاثة آلاف رجل يواجهون هجمات مائتي ألف مقاتل. معركة عجيبة تشاهدها الدنيا بالدهشة والحيرة، ولكن إذا هبت ريح الإيمان جاءت بالعجائب.

أخذ الراية زيد بن حارثة حب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وجعل يقاتل بضراوة بالغة، وبسالة لا يوجد لها نظير إلا في أمثاله من أبطال الإسلام، فلم يزل يقاتل ويقاتل حتى شاط في رماح القوم، وخر صريعاً.

وحينئذ أخذ الراية جعفر بن أبي طالب، وطفق يقاتل قتالاً منقطع النظير، حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه الشقراء فعقرها، ثم قاتل حتى قطعت يمينه، فأخذ الراية بشماله، ولم يزل بها حتى قطعت شماله، فاحتضنها بعضديه، فلم يزل رافعاً إياها حتى قتل. يقال: إن رومياً ضربه ضربة قطعته نصفين، وأثابه اللَّه بجناحيه جناحين في الجنة، يطير بهما حيث يشاء، ولذلك سمي بجعفر الطيار، وبجعفر ذي الجناحين.

روى البخاري عن نافع أن ابن عمر أخبره أنه وقف على جعفر يومئذ وهو قتيل، فعددت به خمسين بين طعنة وضربة، ليس منها شيء في دبره، يعني ظهره.

وفي رواية أخرى قال ابن عمر كنت فيهم تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعاً وتسعين من طعنة ورمية. وفي رواية العمري عن نافع زيادة فوجدنا ذلك فيما أقبل من جسده.

ولما قتل جعفر بعد القتال بمثل هذه الضراوة والبسالة أخذ الراية عبد اللَّه بن رواحة، وتقدم بها.، وهو على فرسه، فجعل يستنزل نفسه، ويتردد بعض التردد حتى حاد حيدة ثم قال:

أقسمت يا نفس لتنزلنه كارهة أو لتطاوعنه

إن أجلب الناس وشدوا الرنة مالي أراك تكرهين الجنه

ثم نزل، فأتاه ابن عم له بعرق من لحم فقال: شد بهذا صلبك، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت، فأخذه من يده فانتهس منه نهسة، ثم ألقاه من يده ثم أخذ سيفه فتقدم، فقاتل حتى قتل.

الراية إلى سيف من سيوف اللَّه:

وحينئذ تقدم رجل من بني عجلان اسمه ثابت بن أرقم فأخذ الراية وقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم، قالوا: أنت. قال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، فلما أخذ الراية قاتل قتالاً مريراً، فقد روى البخاري عن خالد بن الوليد قال: لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية. وفي لفظ آخر لقد دق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، وصبرت في يدي صفيحة لي يمانية.

وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم مؤتة: مخبراً بالوحى، قبل أن يأتي إلى الناس الخبر من ساحة القتال - أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف اللَّه، حتى فتح اللَّه عليهم.

نهاية المعركة:

ومع الشجاعة البالغة والبسالة والضرواة المريرتين كان مستغرباً جداً أن ينجح هذا الجيش الصغير في الصمود أمام تيارات ذلك البحر الغطمطم من جيوش الروم. ففي ذلك الوقت أظهر خالد بن الوليد مهارته ونبوغه في تخليص المسلمين مما ورطوا أنفسهم فيه.

واختلفت الروايات كثيراً فيما آل إليه أمر هذه المعركة أخيراً. ويظهر بعد النظر في جميع الروايات أن خالد بن الوليد نجح في الصمود أمام جيش الرومان طول النهار، في أول يوم من القتال. وكان يشعر بمسيس الحاجة إلى مكيدة حربية تلقي الرعب في قلوب الرومان حتى ينجح في الانحياز بالمسلمين من غير أن يقوم الرومان بحركات المطاردة. فقد كان يعرف جيداً أن الإفلات من براثنهم صعب جداً لو انكشف المسلمون، وقام الرومان بالمطاردة.

فلما أصبح اليوم الثاني غيّر أوضاع الجيش، وعبأه من جديد، فجعل مقدمته ساقه، وميمنته ميسرة، وعلى العكس، فلما رآهم الأعداء أنكروا حالهم، وقالوا: جاءهم مدد، فرعبوا، وصار خالد بعد أن تراآى الجيشان، وتناوشا ساعة يتأخر بالمسلمين قليلاً قليلاً، مع حفظ نظام جيشه، ولم يتبعهم الرومان ظناً منهم أن المسلمين يخدعونهم، ويحاولون القيام بمكيدة ترمي بهم في الصحراء.

وهكذا انحاز العدو إلى بلاده، ولم يفكر في القيام بمطاردة المسلمين، ونجح المسلمون في الانحياز سالمين، حتى عادوا إلى المدينة.

قتلى الفريقين:

واستشهد يومئذ من المسلمين اثنا عشر رجلاً، أما الرومان، فلم يُعرف عدد قتلاهم غير أن تفاصيل المعركة تدل على كثرتهم.

أثر المعركة:

وهذه المعركة وإن لم يحصل المسلمون بها على الثأر، الذي عانوا مرارتها لأجله لكنها كانت كبيرة الأثر لسمعة المسلمين، إنها ألقت العرب كلها في الدهشة والحيرة، فقد كانت الرومان أكبر وأعظم قوة على وجه الأرض، وكانت العرب تظن أن معنى جلادها هو القضاء على النفس وطلب الحتف بالظلف، فكان لقاء هذا الجيش الصغير ثلاثة آلاف مقاتل مع ذلك الجيش الضخم العرمرم الكبير مئتا ألف مقاتل ثم الرجوع عن الغزو من غير أن تلحق به خسارة تذكر. كان كل ذلك من عجائب الدهر، وكان يؤكد أن المسلمين من طراز آخر غير ما ألفته العرب وعرفته، وأنهم مؤيدون ومنصورون من عند اللَّه، وأن صاحبهم رسول اللَّه حقاً. ولذلك نرى القبائل اللدودة التي كانت لا تزال تثور على المسلمين جنحت بعد هذه المعركة إلى الإسلام، فأسلمت بنو سليم وأشجع وغطفان وذبيان وفزارة وغيرها.

وكانت هذه المعركة بداية اللقاء الدامي مع الرومان، فكانت توطئة وتمهيداً لفتوح البلدان الرومانية، واحتلال المسلمين الأراضي البعيدة النائية.







رد مع اقتباس
قديم 05-24-2007, 04:02 AM رقم المشاركة : 146
معلومات العضو
شخصيات مهمه
Vip

إحصائية العضو








EVANHO is an unknown quantity at this point

 

EVANHO غير متصل

 


كاتب الموضوع : EVANHO المنتدى : :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ::
افتراضي

سرية ذات السلاسل:

ولما علم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بموقف القبائل العربية التي تقطن مشارف الشام في معركة مؤتة من اجتماعهم إلى الرومان ضد المسلمين شعر بمسيس الحاجة إلى القيام بحكمة بالغة توقع الفرقة بينها وبين الرومان، وتكون سبباً للائتلاف بينها وبين المسلمين حتى لا تتحشد مثل هذه الجموع الكبيرة مرة أخرى.

واختار لتنفيذ هذه الخطة عمرو بن العاص، لأن أم أبيه كانت امرأة من بلى. فبعثه إليهم في جمادى الآخرة سنة 8هـ على إثر معركة مؤتة ليستألفهم، ويقال: بل نقلت الاستخبارات أن جمعاً من قضاعة قد تجمعوا، يريدون أن يدنوا من أطراف المدينة فبعثه إليهم، ويمكن أن يكون السببان اجتمعا معاً.

وعقد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص لواء أبيض، وجعل معه راية سوداء، وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار، ومعهم ثلاثون فرساً وأمره أن يستعين بمن مر به من بلى وعذرة وبلقين. فسار الليل وكمن النهار، فلما قرب من القوم بلغه أن لهم جمعاً كثيراً، فبعث رافع بن مكيث الجهني إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يستمده، فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في مائتين وعقد له لواء، وبعث معه سراة من المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر وعمر وأمره أن يلحق بعمرو، وأن يكونا جميعاً ولا يختلفا. فلما لحق به أراد أبو عبيدة أن يؤم الناس، فقال عمرو إنما قدمت علي مدداً، وأنا الأمير، فأطاعه أبو عبيدة، فكان عمرو يصلي بالناس.

وسار حتى وطىء بلاد قضاعة، فدوخها حتى أتى أقصى بلادهم، ولقي في آخر ذلك جمعاً، فحمل عليهم المسلمون فهربوا في البلاد وتفرقوا.

وبعث عوف بن مالك الأشجعي بريداً إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبره بقفولهم وسلامتهم، وما كان في غزاتهم.

وذات السلاسل (بضم السين الأولى وفتحها: لغتان) بقعة وراء وادي القرى بينها وبين المدينة عشرة أيام. وذكر ابن إسحاق أن المسلمين نزلوا على ماء بأرض جذام يقال له السلسل، فسمي ذات السلاسل.







رد مع اقتباس
قديم 05-24-2007, 04:02 AM رقم المشاركة : 147
معلومات العضو
شخصيات مهمه
Vip

إحصائية العضو








EVANHO is an unknown quantity at this point

 

EVANHO غير متصل

 


كاتب الموضوع : EVANHO المنتدى : :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ::
افتراضي

سرية أبي قتادة إلى خضرة:

كانت هذه السرية في شعبان سنة 8هـ. وذلك لأن بني غطفان كانوا يحتشدون في خضرة وهي أرض محارب بنجد فبعث إليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبا قتادة في خمسة عشر رجلاً فقتل منهم، وسبا وغنم، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة.







رد مع اقتباس
قديم 05-24-2007, 04:03 AM رقم المشاركة : 148
معلومات العضو
شخصيات مهمه
Vip

إحصائية العضو








EVANHO is an unknown quantity at this point

 

EVANHO غير متصل

 


كاتب الموضوع : EVANHO المنتدى : :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ::
افتراضي

غزوة فتح مكة:

قال ابن القيم هو الفتح الأعظم الذي أعز اللَّه به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدى للعالمين، ومن أيدي الكفار والمشركين، وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء، وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء. ودخل الناس به في دين اللَّه أفواجاً، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجاً أ.هـ.

سبب الغزوة:

قدمنا في وقعة الحديبية أن بنداً من بنود هذه المعاهدة يفيد أن من أحب أن يدخل في عقد محمد (صلى الله عليه وسلم ) وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، وأن القبيلة التي تنضم إلى أي الفريقين تعتبر جزءاً من ذلك الفريق، فأي عدوان تتعرض له أي من تلك القبائل يعتبر عدواناً على ذلك الفريق.

وحسب هذا البند دخلت خزاعة في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ودخلت بنو بكر في عهد قريش، وصارت كل من القبيلتين في أمن من الأخرى وقد كانت بين القبيلتين عداوة وتواترات في الجاهلية فلما جاء الإسلام، ووقعت هذه الهدنة وأمن كل فريق من الأخر اغتنمها بنو بكر، وأرادوا أن يصيبوا من خزاعة الثأر القديم، فخرج نوفل ابن معاوية الديلي في جماعة من بني بكر في شهر شعبان سنة 8هـ، فأغاروا على خزاعة ليلاً، وهم على ماء يقال له "الوتي" فأصابوا منهم رجالاً، وتناوشوا واقتتلوا، وأعانت قريش بني بكر بالسلاح، وقاتل معهم رجال من قريش مستغلين ظلمة الليل، حتى حازوا خزاعة إلى الحرم، فلما انتهوا إليه قالت بنو بكر يا نوفل، إنا قد دخلنا الحرم، إلهك إلهك، فقال كلمة عظيمة لا إله اليوم يا بني بكر، أصيبوا ثأركم. فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم أفلا تصيبون ثأركم فيه؟

ولما دخلت خزاعة مكة لجأوا إلى دار بديل بن ورقاء الخزاعي، وإلى دار مولى لهم يقال له رافع

وأسرع عمرو بن سالم الخزاعي، فخرج حتى قدم على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة، فوقف عليه، وهو جالس في المسجد بين ظهراني الناس فقال:

يا رب إني ناشد محمداً حلفنا وحلف أبيه الأَّتلدا

قد كنتم ولداً وكنا والداً ثمأسة لمنا ولم ننزع يدا

فانصر، هداك اللَّه، نصرا أيد وادع عباد اللَّه يأتوا مددا

فيهم رسول اللَّه قد تجردا أبيض مثلا البدر، يسمو صعد

إن سيم خسفاً وجهه تربدا في فيلق كالبحر يجري مزبدا

إن قريشاً أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا

وجعلوا لي في كداء رصدا وزعموا أن لست أدعو أحدا

وهم أزل، وأقل عددا هم بيتونا بالوتير هجدا

وقتلونا ركعا وسجدا



فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: نصرت يا عمرو بن سالم، ثم عرضت له سحابة من السماء، فقال: إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب.

ثم خرج بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة، حتى قدموا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة، فأخبروه بمن أصيب منهم، وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم، ثم رجعوا إلى مكة.

أبو سفيان يخرج إلى المدينة ليجدد الصلح:

ولا شك أن ما فعلت قريش وحلفاؤها كان غدراً محضاً ونقضاً صريحاً للميثاق لم يكن له أي مبرر، ولذلك سرعان ما أحست قريش بغدرها، وخافت وشعرت بعواقبه الوخيمة، فعقدت مجلساً استشارياً، وقررت أن تبعث قائدها أبا سفيان ممثلاً لها ليقوم بتجديد الصلح.

وقد أخبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أصحابه بما ستفعله قريش إزاء غدرتهم.

قال: كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد، ويزيد في المدة.

وخرج أبو سفيان حسب ما قررته قريش فلقي بديل بن ورقاء بعسفان وهو راجع من المدينة إلى مكة فقال: من أين أقبلت يا بديل؟ وظن أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: سرت في خزاعة في هذا الساحل وفي بطن هذا الوادي. قال: أو ما جئت محمداً؟ قال: لا.

فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان لئن كان جاء المدينة لقد علف بها النوى، فأتى مبرك راحلته، فأخذ من بعرها ففته، فرأى فيها النوى، فقال: أحلف باللَّه لقد جاء بديل محمداً.

وقدم أبو سفيان المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم طوته عنه، فقال: يا بنية، أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وأنت رجل مشرك نجس، فقال: واللَّه لقد أصابك بعدي شر.

ثم خرج حتى أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكلمه، فلم يرد عليه شيئاً ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال: ما أنا بفاعل. ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه، فقال: أأنا أشفع لكم إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ؟ فواللَّه لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به، ثم جاء فدخل على علي بن أبي طالب، وعنده فاطمة، وحسن غلام يدب بين يديهما، فقال: يا علي، إنك أمس القوم بي رحما، وأني قد جئت في حاجة، فلا أرجعن كما جئت خائباً اشفع لي إلى محمد، فقال: ويحك يا أبا سفيان، لقد عزم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعلى أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه. فالتفت إلى فاطمة، فقال: هل لك أن تأمري ابنك هذا فيجير بين الناس، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟ قالت: واللَّه ما يبلغ ابني ذاك أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .

وحينئذ أظلمت الدنيا أمام عيني أبي سفيان، فقال لعلي بن أبي طالب في هلع وانزعاج ويأس وقنوط يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت علي، فانصحني قال: واللَّه ما أعلم لك شيئاً يغني عنك. ولكنك سيد بني كنانة، فقم فأجر بين الناس، ثم الحق بأرضك. قال: أو ترى ذلك مغنياً عني شيئاً؟ قال: لا واللَّه ما أظنه، ولكني لم أجد لك ذلك. فقام أبو سفيان في المسجد، فقال: أيها الناس، إني قد أجرت بين الناس، ثم ركب بعيره، وانطلق.

ولما قدم على قريش، قالوا: ما وراءك؟ قال: جئت محمداً فكلمته، فواللَّه ما رد علي شيئاً، ثم جئت ابن أبي قحافة فلم أجد فيه خيراً، ثم جئت عمر بن الخطاب، فوجدته أدنى العدو، ثم جئت علياً فوجدته ألين القوم، قد أشار علي بشيء صنعته، فواللَّه ما أدري هل يغني عني شيئاً أم لا؟ قالوا: وبم أمرك؟ قال: لا. قالوا: ويلك، إن زاد الرجل على أن لعب بك. قال: لا واللَّه ما وجدت غير ذلك.

التهيؤ للغزوة ومحاولة الإخفاء:

يؤخذ من رواية الطبراني أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر عائشة قبل أن يأتي إليه خبر نقض الميثاق بثلاثة أيام أن تجهزه، ولا يعلم أحد، فدخل عليها أبو بكر، فقال: يا بنية ما هذا الجهاز؟ قالت: واللَّه ما أدري. فقال: واللَّه ما هذا زمان غزو بني الأصفر، فأين يريد رسول اللَّه؟ قالت: واللَّه لا علم لي، وفي صباح الثالثة جاء عمرو بن سالم الخزاعي في أربعين راكباً، وارتجز يا رب إني ناشد محمداً.. الأبيات. فعلم الناس بنقض الميثاق، وبعد عمرو جاء بديل ثم أبو سفيان وتأكد عند الناس الخبر، فأمرهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالجهاز، وأعلمهم أنه سائر إلى مكة. وقال: اللهم خذ العيون الأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها.

وزيادة في الإخفاء والتعمية بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سرية قوامها ثمانية رجال تحت قيادة أبي قتادة بن ربعي إلى بطن أضم فيما بين ذي خشب وذي المروة على ثلاثة برد من المدينة، في أول شهر رمضان سنة 8هـ، ليظن الظان أنه صلى الله عليه وسلم يتوجه إلى تلك الناحية، ولتذهب بذلك الأخبار، وواصلت هذه السرية سيرها، حتى إذا وصلت حيثما أمرت بلغها أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وسلم خرج إلى مكة، فسارت إليه حتى لحقته.

وكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش كتاباً يخبرهم بمسير رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إليهم، ثم أعطاه امرأة،وجعل لها جعلاً على أن تبلغه قريشاً، فجعلته في قرون رأسها، ثم خرجت به، وأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث علياً والمقداد، فقال: انطلقا حتى تأتيا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب إلى قريش، فانطلقا تعادي بهما خيلهما حتى وجدا المرأة بذلك المكان، فاستنزلاها، وقالا معك كتاب؟ فقالت: ما معي كتاب، ففتشا رحلها فلم يجدا شيئاً. فقال لها علي: أحلف باللَّه، ما كذب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا، واللَّه لتخرجن الكتاب أو لنجردنك. فلما رأت الجد منه قالت: أعرض، فأعرض، فحلت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليهما، فأتيا به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم بمسير رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فدعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حاطباً، فقال: ما هذا يا حاطب؟ فقال: لا تعجل علي يا رسول اللَّه واللَّه إني لمؤمن باللَّه ورسوله وما ارتددت ولا بدلت، ولكني كنت امرأ ملصقاً في قريش، لست من أنفسهم، ولي فيهم أهل وعشيرة وولد، وليس لي فيهم قرابة يحمونهم، وكان من معك لهم قرابات يحمونهم، فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي. فقال عمر بن الخطاب دعني يا رسول اللَّه أضرب عنقه، فإنه قد خان اللَّه ورسوله، وقد نافق، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إنه قد شهد بدراً، وما يدريك يا عمر لعل اللَّه قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فذرفت عينا عمر، وقال: اللَّه ورسوله أعلم.

وهكذا أخذ اللَّه العيون، فلم يبلغ إلى قريش أي خبر من أخبار تجهز المسلمين وتهيئهم للزحف والقتال.

الجيش الإسلامي يتحرك نحو مكة:

ولعشر خلون من شهر رمضان المبارك سنة ه غادر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة متجهاً إلى مكة، في عشرة آلاف من الصحابة رضي اللَّه عنهم واستخلف على المدينة أبا ذرّ الغفاري.

ولما كان بالجحفة أو فوق ذلك لقيه عمه العباس بن عبد المطلب، وكان قد خرج بأهله وعياله مسلماً مهاجراً، ثم لما كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالأبواء لقيه ابن عمه أبو سفيان بن الحارث وابن عمته عبد اللَّه بن أبي أمية، فأعرض عنهما، لما كان يلقاه منهما من شدة الأذى والهجو، فقالت له أم سلمة لا يكن ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس بك. وقال علي لأبي سفيان بن الحارث ائت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف: 91] فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن منه قولاً، ففعل ذلك أبو سفيان، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:{لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92] فأنشده أبو سفيان أبياتاً منها

لعمرك إني حين أحمل راية لتغلب خيل اللات خيل محمد

لك لمدلج الحيران أظلم ليله فهذا أواني حين أهدى فأهتدى

هداني هاد غير نفسي ودلني على اللَّه من طردته كل مطرد

فضرب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صدره وقال: أنت طردتني كل مطرد.

الجيش الإسلامي ينزل بمر الظهران:

وواصل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سيره وهو صائم، والناس صيام، حتى بلغ الكديد وهو ماء بين عسفان وقديد فأفطر وأفطر الناس معه. ثم واصل سيره حتى نزل بمر الظهران وادي فاطمة نزله عشاءً، فأمر الجيش، فأوقدوا النيران، فأوقدت عشرة آلاف نار، وجعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الحرس عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه.

أبو سفيان بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم :

وركب العباس بعد نزول المسلمين بمر الظهران بغلة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم البيضاء. وخرج يلتمس لعله يجد بعض الحطابة أو أحداً يخبر قريشاً ليخرجوا يستأمنون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخلها.

وكان اللَّه قد عمى الأخبار عن قريش، فهم على وجل وترقب، وكان أبو سفيان يخرج يتجسس الأخبار، فكان قد خرج هو وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء يتجسسون الأخبار.

قال العباس و اللَّه إني لأسير عليها أي على بغلة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء، وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول ما رأيت كالليلة نيراناً قط ولا عسكراً. قال: يقول بديل هذه واللَّه خزاعة، خمشتها الحرب، فيقول أبو سفيان خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها.

قال العباس فعرفت صوته، فقلت أبا حنظلة؟ فعرف صوتي، فقال: أبا الفضل؟ قلت نعم. قال: مالك؟ فداك أبي وأمي. قلت هذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الناس، واصباح قريش واللَّه.

قال: فما الحيلة؟ فداك أبي وأمي، قلت واللَّه لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب في عجز هذه البغلة، حتى آتي بك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأستأمنه لك، فركب خلفي، ورجع صاحباه.

قال: فجئت به، فكلما مررت به على نار من نيران المسلمين، قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأنا عليها قالوا: عم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على بغلته. حتى مررت بنار عمر بن الخطاب، فقال: من هذا؟ وقام إلي. فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة قال: أبو سفيان، عدو اللَّه؟ الحمد للَّه الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وركضت البغلة فسبقت، فاقتحمت عن البغلة، فدخلت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ،ودخل عليه عمر، فقال: يا رسول اللَّه، هذا أبو سفيان فدعني أضرب عنقه، قال: قلت يا رسول اللَّه، إني قد أجرته، ثم جلست إلى رسول اللَّه، إني قد أجرت، ثم جلست إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه، فقلت واللَّه لا يناجيه الليلة أحد دوني، فلما أكثر عمر في شأنه قلت مهلاً يا عمر، فواللَّه لو كان من رجال بني عدي ابن كعب ما قلت مثل هذا، قال: مهلاً يا عباس، فواللَّه لإسلامك كان أحب إلى من إسلام الخطاب، لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب.

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتني به، فذهبت، فلما أصبحت غدوت به إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه قال: ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا اللَّه؟ قال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك؟ لقد ظننت أن لو كان مع اللَّه إله غيره لقد أغنى عني شيئاً بعد.

قال: ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول اللَّه، قال: بأبي أنت وأمي، ما أحملك وأكرمك وأوصلك؟ أما هذه فإن في النفس حتى الآن منها شيء. فقال له العباس ويحك اسلم، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمداً رسول اللَّه، قبل أن تضرب عنقك، فأسلم وشهد شهادة الحق.

قال العباس يا رسول اللَّه إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً، قال: نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن.

الجيش الإسلامي يغادر مر الظهران إلى مكة:

وفي هذا الصباح - صباح يوم الثلاثاء للسابع عشر من شهر رمضان سنة 8هـ - غادر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مر الظهران إلى مكة، وأمر العباس أن يحبس أبا سفيان بمضيق الوادي عند حطم الجبل، حتى تمر به جنود اللَّه فيراها، ففعل، فمرت القبائل على راياتها، كلما مرت به قبيلة قال: يا عباس من هذه؟ فيقول مثلاً سليم، فيقول ما لي ولسليم؟ ثم تمر به القبيلة فيقول يا عباس من هؤلاء؟ فيقول مزينة، فيقول ما لي ولمزينة؟ حتى نفدت القبائل، ما تمر به قبيلة إلا سأل العباس عنها، فإذا أخبره قال: ما لي ولبني فلان؟ حتى مر به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء، فيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، قال: سبحان اللَّه يا عباس من هؤلاء؟ قال: هذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار. قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة. ثم قال: واللَّه يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيماً. قال العباس: يا أبا سفيان، إنها النبوة، قال: فنعم إذن.

وكانت راية الأنصار مع سعد بن عبادة، فلما مر بأبي سفيان قال له اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل اللَّه قريشاً، فلما حاذى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبا سفيان قال: يا رسول اللَّه ألم تسمع ما قال سعد؟ قال: وما قال؟ فقال: كذا وكذا. فقال عثمان وعبد الرحمن بن عوف يا رسول اللَّه ما نأمن أن يكون له في قريش صولة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بل اليوم يوم تعظم فيه الكعبة، اليوم يوم أعز اللَّه فيه قريشاً، ثم أرسل إلى سعد فنزع منه اللواء، ودفعه إلى ابنه قيس، ورأى أن اللواء لم يخرج عن سعد. وقيل: بل دفعه إلى الزبير.



قريش تباغت زحف الجيش الإسلامي:

ولما مر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان قال له العباس النجاء إلى قومك. فأسرع أبو سفيان حتى دخل مكة، وصرخ بأعلى صوته يا معشر قريش، هذا محمد، قد جاءكم فيما لا قبل لكم به. فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. فقامت إليه زوجته هند بنت عتبة فأخذت بشاربه فقالت: اقتلوا الحميت الدسم الأخمش الساقين، قبح من طليعة قوم.

قال أبو سفيان ويلكم، لا تغرنكم هذه من أنفسكم، فإنه قد جاءكم بما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قالوا: قاتلك اللَّه، وما تغني عنا دارك؟ قال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد، وبشوا أو باشاً لهم، وقالوا: نقدم هؤلاء فإن كان لقريش شيء كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا فتجمع سفهاء قريش وأخفاؤها مع عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو بالجندمة ليقاتلوا المسلمين وكان فيهم رجل من بني بكر حماس بن قيس كان يعد قبل ذلك سلاحاً، فقالت له امرأته لماذا تعد ما أرى؟ قال: لمحمد وأصحابه. قالت: واللَّه ما يقوم لمحمد وأصحابه شيء. قال: إني وأصحابه شيء. قال: إني واللَّه لأرجو أن أخدمك بعضهم، ثم قال:

إن يقبلوا اليوم فما لي عله هذا سلاح كامل وآله

وذو غرارين سريع السله

فكان هذا الرجل فيمن اجتمعوا في الخندمة.

الجيش الإسلامي بذي طوى:

أما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فمضى حتى انتهى إلى ذي طوى وكان يضع رأسه تواضعاً للَّه حين رأى ما أكرمه اللَّه به من الفتح، حتى أن شعر لحيته ليكاد يمس واسطة الرجل وهناك وزع جيشه وكان خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى وفيها أسلم وسليم وغفار ومزينة وجهينة وقبائل من قبائل العرب فأمره أن يدخل مكة من أسفلها، وقال: إن تعرض لكم أحد من قريش فاحصدوهم حصداً، حتى توافوني على الصفا.

وكان الزبير بن العوام على المجنبة اليسرى، وكان معه راية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فأمره أن يدخل مكة من أعلاها من كداء وأن يغرز رايته بالحجون، ولا يبرح حتى يأتيه.

وكان أبو عبيدة على الرحالة والحسر وهم الذين لا سلاح معهم فأمره أن يأخذ بطن الوادي حتى ينصب لمكة بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .

الجيش الإسلامي يدخل مكة:

وتحركت كل كتيبة من الجيش الإسلامي على الفريق التي كلفت الدخول منها.

فأما خالد وأصحابه فلم يلقهم أحد من المشركين إلا أناموه. وقتل من أصحابه من المسلمين كرز بن جابر الفهري وخنيس بن خالد بن ربيعة. كانا قد شذا عن الجيش، فسلكا طريقاً غير طريقه فقتلا جميعاً، وأما سفهاء قريش فلقيهم خالد وأصحابه بالخندمة فناوشوهم شيئاً من قتال، فأصابوا من المشركين اثني عشر رجلا فانهزم المشركون وانهدم حماس بن قيس - الذي كان يعد السلاح لقتال المسلمين حتى دخل بيته، فقال لامرأته أغلقي بابي. فقالت: وأين ما كنت تقول؟ فقال:

إنك لو شهدت يوم الخندمة إذ فر صفوان وفر عكرمة

واستقبلنا بالسيوف المسلمه يقطعن كل ساعد وجمجمه

ضرباً فلا يسمع إلا غمغمه لهم نهيت خلفنا وهمهمه

لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه



وأقبل خالد يجوس مكة حتى وافى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الصفا.

وأما الزبير فتقدم حتى نصب راية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالحجون عند مسجد الفتح، وضرب له هناك قبة، فلم يبرح حتى جاءه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .

الرسول صلى الله عليه وسلم يدخل المسجد الحرام ويطهره من الأصنام:

ثم نهض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، والمهاجرون والأنصار بين يديه وخلفه وحوله، حتى دخل المسجد، فأقبل إلى الحجر الأسود، فاستلمه، ثم طاف بالبيت، وفي يده قوس، وحول البيت وعليه ثلاثمائة وستون صنماً، فجعل يطعنها بالقوس، ويقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49] والأصنام تتساقط وجوهها.

وكان طوافه على راحلته، ولم يكن محرماً يومئذ، فاقتصر على الطواف، فلما أكمله دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، فأمر بها ففتحت فدخلها، فرأى فيها الصور، ورأى فيها صورة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام يستقسمان بالأزلام، فقال: قاتلهم اللَّه، واللَّه ما استقسما بها قط. ورأى في الكعبة حمامة من عيدان، فكسر بيده، وأمر بالصور فمحيت.

الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي في الكعبة ثم يخطب أمام قريش:

ثم أغلق عليه الباب، وعلى أسامة وبلال، فاستقبل الجدار الذي يقابل الباب حتى إذا كان بينه وبينه ثلاثة أذرع وقف، وجعل عمودين عن يساره، وعموداً عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ثم صلى هناك. ثم دار في البيت، وكبر في نواحيه، ووحد اللَّه، ثم فتح الباب، وقريش قد ملأت المسج صفوفاً ينتظرون ماذا يصنع؟ فأخذ بعضادتي الباب، وهم تحته، فقال

لا إله اللَّه وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا، كل مأثرة أو مال أو دم فهو تحت قدمي هاتين، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج، ألا، وقتل الخطأ شبه العمد السوط والعصا ففيه الدية مغلظة، مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها.

يا معشر قريش، إن اللَّه قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم، وآدم من تراب، ثم تلا هذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].

لا تثريب عليكم اليوم:

ثم قال: يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم، قالوا: خيراً، أخ كريم وابن آخ كريم، قال: فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف: 92] اذهبوا فأنتم الطلقاء.

مفتاح البيت إلى أهله:

ثم جلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في المسجد، فقام إليه علي رضي اللَّه عنه، ومفتاح الكعبة في يده، فقال: يا رسول اللَّه، اجمع لنا الحجابة مع السقاية، صلى اللَّه عليك، وفي رواية أن الذي قال ذلك هو العباس، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أين عثمان بن طلحة؟ فدعي له، فقال له هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء، وفي رواية ابن سعد في الطبقات أٌّه قال له حين دفع المفتاح إليه خذوها خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم، يا عثمان، إن اللَّه استأمنكم على بيته، فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف.

بلال يؤذن على الكعبة:

وحانت الصلاة فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بلالا أن يصعد فيؤذن على الكعبة، وأبو سفيان بن حرب، وعتاب بن أسيد، والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة، فقال عتاب: لقد أكرم اللَّه أسيداً أن لا يكون سمع هذا، فيسمع منه ما يغيظه، فقال الحارث أما واللَّه لو أعلم أنه حق لأتبعته، فقال أبو سفيان: أما واللَّه لا أقول شيئاً، لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصباء، فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم. قد علمت الذي قلتم، ثم ذكر ذلك لهم. فقال الحارث وعتاب نشهد أنك رسول اللَّه، واللَّه ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك.

صلاة الفتح أو صلاة الشكر:

ودخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومئذ دار أم هانىء بنت أبي طالب، فاغتسل وصلى ثماني ركعات في بيتها، وكان ضحى، فظنها صلاة الضحى وإنما هذه صلاة الفتح، وأجارت أم هانىء حموين لها، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد أجرنا من أجرت يا أم هانىء، وقد كان أخوها علي بن أبي طالب أراد أن يقتلهما، فأغلقت عليهما باب بيتها، وسألت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لها ذلك.

إهدار دماء رجال من أكابر المجرمين:

وأهدر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومئذ دماء تسعة نفر من أكابر المجرمين وأمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة، وهم عبد العزى بن خطل، وعبد اللَّه بن أبي سرح، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن نفيل بن وهب، ومقيس بن صبابة، وهبار بن الأسود، وقينتان كانتا لابن خطل، كانتا تغنيان بهجو النبي صلى الله عليه وسلم ، وسارة مولاة لبعض بني عبد المطلب، وهي التي وجد معها كتاب حاطب.

فأما ابن أبي سرح، فجاء به عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وشفع فيه فحقن دمه وقبل إسلامه بعد أن أمسك عنه رجاء أن يقوم إليه بعض الصحابة فيقتله وكان قد أسلم قبل ذلك وهاجر، ثم ارتد ورجع إلى مكة.

وأما عكرمة بن أبي جهل ففر إلى اليمن، فاستأمنت له امرأته، فأمنه النبي صلى الله عليه وسلم فتبعته، فرجع معها وأسلم، وحسن إسلامه.

وأما ابن خطل فكان متعلقاً بأستار الكعبة، فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره فقال: اقتله. فقتله.

وأما مقيس بن صبابة فقتله نميلة بن عبد اللَّه، وكان مقيس قد أسلم قبل ذلك ثم عدا على رجل من الأنصار فقتله، ثم ارتد ولحق بالمشركين.

وأما الحارث فكان شديد الأذى لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمكة، فقتله علي.

وأما هبار بن الأسود فهو الذي كان قد عرض لزينب بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين هاجرت، فنخس بها حتى سقطت على صخرة وأسقطت جنينها، ففر هبار يوم مكة، ثم أسلم وحسن إسلامه.

وأما القينتان فقتلت إحداهما، واستؤمن للأخرى، فأسلمت، كما استؤمن لسارة وأسلمت.

قال ابن حجر وذكر أبو معشر فيمن أهدر دمه كعب بن زهير، وقصته مشهورة وقد جاء بعد ذلك، وأسلم ومدح، ووحشي بن حرب، وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان، وقد أسلمت، وأرنب مولاة بن خطل أيضاً قتلت، وأم سعد قتلت، فيما ذكر ابن إسحاق فكملت العدة ثمانية رجال وست نسوة، ويحتمل أن تكون أرنب وأم سعد القينتان، اختلف في اسمهما، أو باعتبار الكنية واللقب.

إسلام صفوان بن أمية، وفضالة بن عمير:

لم يكن صفوان ممن أهدر دمه، لكنه بصفته زعيماً كبيراً من زعماء قريش خاف على نفسه وفر، فاستأمن له عمير بن وهب الجمحي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأمنه، وأعطاه عمامته التي دخل بها مكة، فلحقه عمير وهو يريد أن يركب البحر من جدة إلى اليمن فرده، فقال لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اجعلني بالخيار شهرين. قال: أنت بالخيار أربعة أشهر. ثم أسلم صفوان، وقد كانت امرأته أسلمت قبله، فأقرهما على النكاح الأول.

وكان فضالة رجلاً جريئاً جاء إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو في الطواف ليقتله فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بما في نفسه فأسلم.

خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني من الفتح:

ولما كان الغد من يوم الفتح قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الناس خطيباً، فحمد اللَّه، وأثنى عليه، ومجده بما هو أهله، ثم قال: أيها الناس، إن اللَّه حرم مكة يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يسفك فيها دماً، أو يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص لقتال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقولوا إن اللَّه أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما حلت لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب.

وفي رواية لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا تلتقط ساقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاه، فقال العباس يا رسول اللَّه إلا الإذخر، فإنه لقينهم وبيوتهم، فقال: إلا الإذخر.

وكانت خزاعة قتلت يومئذ رجلاً من بني ليث بقتيل لهم في الجاهلية، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بهذا الصدد يا معشر خزاعة، ارفعوا أيديكم عن القتل، فلقد كثر القتل إن نفع، لقد قتلتم قتيلاً لأدينه فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين، إن شاؤوا فدم قاتله، وإن شاؤوا فعقله.

وفي رواية فقام رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاه فقال: اكتب لي يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اكتبوا لأبي شاه.

تخوف الأنصار من بقاء الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة:

ولما تم فتح مكة على الرسول صلى الله عليه وسلم وهي بلده ووطنه ومولده قال الأنصار فيما بينهم أترون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذ فتح اللَّه عليه أرضه وبلده أن يقيم بها وهو يدعو على الصفا رافعاً يديه فلما فرغ من دعائه قال: ماذا قلتم؟ قالوا: لا شيء يا رسول اللَّه، فلم يزل يقيم بها حتى أخبروه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: معاذ اللَّه المحيا محياكم، والممات مماتكم.

أخذ البيعة:

وحين فتح اللَّه مكة على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والمسلمين تبين لأهل مكة الحق، وعلموا أن لا سبيل إلى النجاح إلا الإسلام، فأذعنوا له، واجتمعوا للبيعة، فجلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الصفا يبايع الناس، وعمر بن الخطاب أسفل منه، يأخذ على الناس، فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا.

وفي المدارك روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء، وهو على الصفا، وعمر قاعد أسفل منه، يبايعهن بأمره، ويبلغهن عنه، فجاءت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنكرة خوفاً من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يعرفها، لما صنعت بحمزة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبايعكن على أن لا تشركن باللَّه شيئاً، فبايع عمر النساء على أن لا يشركن باللَّه شيئاً. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولا تسرقن. فقالت هند إن أبا سفيان رجل شحيح، فإن أنا أصبت من ماله هنات؟ فقال أبو سفيان وما أصبت فهو لك حلال، فضحك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعرفها، فقال: وإنك لهند؟ قالت: نعم، فاعف عما سلف يا نبي اللَّه، عفا اللَّه عنك.

فقال: ولا يزنين، فقالت: أو تزني الحرة؟ فقال: ولا يقتلن أولادهن. فقالت: ربيناهم صغاراً، وقتلتموهم كباراً، فأنتم وهم أعلم وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قد قتل يوم بدر فضحك عمر حتى استلقى، فتبسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .

فقال: ولا يأتين ببهتان. فقالت: واللَّه إن البهتان لأمر قبيح، وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق، فقال: ولا يعصينك في معروف. فقالت: واللَّه ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك.

ولما رجعت تكسر صنمها وتقول كنا منك في غرور.

إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة، وعمله فيها:

وأقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوماً يجدد معالم الإسلام ويرشد الناس إلى الهدى والتقى. وخلال هذه الأيام أمر أبا أسيد الخزاعي، فجدد أنصاب الحرم، وبث سراياه للدعوة إلى الإسلام، ولكسر الأوثان التي كانت حول مكة، فكسرت كلها، ونادى مناديه بمكة من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلا كسره.







رد مع اقتباس
قديم 05-24-2007, 04:05 AM رقم المشاركة : 149
معلومات العضو
شخصيات مهمه
Vip

إحصائية العضو








EVANHO is an unknown quantity at this point

 

EVANHO غير متصل

 


كاتب الموضوع : EVANHO المنتدى : :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ::
افتراضي

السرايا والبعوث:


ولما اطمأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد الفتح بعث خالد بن الوليد إلى العزى لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة ه ليهدمها، وكانت بنخلة، وكانت لقريش وجميع بني كنانه وهي أعظم أصنامهم وكان سدنتها بني شيبان فخرج إليها خالد في ثلاثين فارساً حتى انتهى إليها، فهدمها. ولما رجع سأله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هل رأيت شيئاً؟ قال: لا قال: فإنك لم تهدمها، فارجع إليها فاهدمها، فرجع خالد متغيظاً قد جرد سيفه، فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ناشرة الرأس، فجعل السادن يصيح بها، فضربها خالد فجزلها باثنتين، ثم رجع إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: نعم، تلك العزى، وقد أيست أن تعبد في بلادكم أبداً.


ثم بعث عمرو بن العاص في نفس الشهر إلى سواع ليهدمه، وهو صنم لهذيل برهاط، على ثلاثة أميال من مكة، فلما انتهى إليه عمرو قال له السادن ما تريد؟ قال: أمرني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أهدمه، قال: لا تقدر على ذلك، قال: لم؟ قال: تمنع. قال: حتى الآن أنت على الباطل؟ ويحك، فهل يسمع أو يبصر؟ ثم دنا فكسره، وأمر أصحابه فهدموا بيت خزانته، فلم يجدوا فيه شيئاً، ثم قال للسادن كيف رأيت؟ قال: أسلمت للَّه.


وفي نفس الشهر بعث سعد بن زيد الأشهلي في عشرين فارساً إلى مناة وكانت بالمشلل عند قديد للأوس والخزرج وغسان وغيرهم، فلما انتهى سعد إليها قال له سادنها ما تريد؟ قال: هدم مناة، قال: أنت وذاك، فأقبل إليها سعد، وخرجت امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس، تدعو بالويل، وتضرب صدرها، فقال لها السادن مناة دونك بعض عصاتك. فضربها سعد فقتلها، وأقبل إلى الصنم فهدمه وكسره، ولم يجدوا في خزانته شيئاً.


ولما رجع خالد بن الوليد من هدم العزى بعثه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في شعبان من نفس السنة (8هـ) إلى بني جذيمة داعياً إلى الإسلام لا مقاتلاً. فخرج في ثلاثمائة وخمسين رجلاً من المهاجرين والأنصار وبني سليم، فانتهى إليهم فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا فجعل خالد يقتلهم ويأسرهم، ودفع إلى كل رجل ممن كان معه أسيراً، فأمر يوماً أن يقتل كل رجل أسيره، فأبى ابن عمر وأصحابه حتى قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكروا له، فرفع صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين.


وكانت بنو سليم هم الذين قتلوا أسراهم دون المهاجرين والأنصار، وبعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم علياً فودى لهم قتلاهم وما ذهب منهم، وكان بين خالد وعبد الرحمن بن عوف كلام وشر في ذلك، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مهلاً يا خالد، دع عنك أصحابي، فواللَّه لو كان أحد ذهبا، ثم أنفقته في سبيل اللَّه ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته.

تلك هي غزوة فتح مكة، وهي المعركة الفاصلة والفتح الأعظم الذي قضى على كيان الوثنية قضاء باتاً لم يترك لبقائها مجالاً ولا مبرراً في ربوع الجزيرة العربية، فقد كانت عامة القبائل تنتظر ماذا يتمخض عنه العراك والاصطدام الذي كان دائراً بين المسلمين والوثنيين، وكانت تلك القبائل تعرف جيداً أن الحرم لا يسيطر عليه إلا من كان على الحق، وكان قد تأكد لديهم هذا الاعتقاد الجازم أي تأكد قبل نصف القرن حين قصد أصحاب الفيل هذا البيت، فأهلكوا وجعلوا كعصف مأكول.

وكانت صلح الحديبية مقدمة وتوطئة بين يدي هذا الفتح العظيم، أمن الناس به وكلم بعضهم بعضاً، وناظره في الإسلام وتمكن من اختفى من المسلمين بمكة من إظهار دينه والدعوة إليه والمناظرة عليه، ودخل بسببه بشر كثير في الإسلام، حتى إن عدد الجيش الإسلامي الذي لم يزد في الغزوات السالفة على ثلاثة آلاف إذا هو يزخر في هذه الغزوة في عشرة آلاف.

وهذه الغزوة الفاصلة فتحت أعين الناس، وأزالت عنها آخر الستور التي كانت تحول بينها وبين الإسلام. وبهذا الفتح سيطر المسلمون على الموقف السياسي والديني كليهما معاً في طول جزيرة العرب وعرضها، فقد انتقلت إليهم الصدارة الدينية والزعامة الدنيوية.

فالطور الذي كان قد بدأ بعد هدنة الحديبية لصالح المسلمين قد تم وكمل بهذا الفتح المبين. وبدأ بعد ذلك طور آخر كان لصالح المسلمين تماماً، وكان لهم فيه السيطرة على الموقف تماماً. ولم يبق لأقوام العرب إلا أن يفدوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيعتنقوا الإسلام، ويحملوا دعوته إلى العالم. وقد تم استعدادهم لذلك في سنتين آتيتين.

المرحَلة الثالثة:

وهي آخر مرحلة من مراحل حياة الرسول صلى الله عليه وسلم . تمثل النتائج التي أثمرتها دعوته الإسلامية بعد جهاد طويل وعناء ومتاعب وقلاقل وفتن واضطرابات ومعارك وحروب دامية واجهتها طيلة بضعة وعشرين عاماً.

وكان فتح مكة هو أعظم كسب حصل عليه المسلمون في هذه الأعوام، تغير لأجله مجرى الأيام، وتحول به جو العرب، فقد كان الفتح حداً فاصلاً بين المدة السابقة عليه وبين ما بعده، فإن قريشاً كانت في نظر العرب حماة الدين وأنصاره، والعرب في ذلك تبع لهم، فخضوع قريش يعتبر القضاء الأخير على الدين الوثني في جزيرة العرب.

ويمكن أن نقسم هذه المرحلة إلى صفحتين:


صفحة المجاهدة والقتال.


صفحة تسابق الشعوب والقبائل إلى اعتناق الإسلام.

وهاتان الصفحتان متلاصقتان تناوبتا في هذه المرحلة، ووقعت كل واحدة منهما خلال الأخرى، إلا أنا اخترنا في الترتيب الوضعي، أن نأتي على ذكر كل من الصفحتين متميزة عن الأخرى، ونظراً إلى أن صفحة القتال ألصق بما مضى، وأكثر مناسبة من الأخرى قدمناها في الترتيب.







رد مع اقتباس
قديم 05-24-2007, 04:06 AM رقم المشاركة : 150
معلومات العضو
شخصيات مهمه
Vip

إحصائية العضو








EVANHO is an unknown quantity at this point

 

EVANHO غير متصل

 


كاتب الموضوع : EVANHO المنتدى : :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ::
افتراضي

غزوة حنين:

إن فتح مكة جاء عقب ضربة خاطفة شده لها العرب، وبوغتت القبائل المجاورة بالأمر الواقع، الذي لم يكن يمكن لها أن تدفعه، ولذلك لم تمتنع عن الاستسلام إلا بعض القبائل الشرسة القوية المتغطرسة، وفي مقدمتها بطون هوازن وثقيف، واجتمعت إليها نصر وجشم وسعد بن بكر وناس من بني هلال - وكلها من قيس عيلان - رأت هذه البطون من نفسها عزاً وأنفة أن تقابل هذا الانتصار بالخضوع، فاجتمعت إلى مالك بن عوف النضري، وقررت المسير إلى حرب المسلمين.

مسير العدو ونزوله بأوطاس:

ولما أجمع القائد العام - مالك بن عوف - المسير إلى حرب المسلمين ساق مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم، فسار حتى نزل بأوطاس - وهو واد في دار هوازن بالقرب من حنين، لكن وادي أوطاس غير وادي حنين، وحنين واد إلى جنب ذي المجاز، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلاً من جهة عرفات.

مجرب الحروب يغلط رأي القائد:

ولما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس، وفيهم دريد بن الصمة - وهو شيخ كبير، ليس فيه إلا رأيه ومعرفته بالحرب وكان شجاعاً مجرباً - قال دريد بأي واد أنتم؟ قالوا: بأوطاس، قال: نعم مجال الخيل، لا حزن ضرس، ولا سهل دهس. مالي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصبي وثغاء الشاء؟ قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس، نساءهم وأموالهم وأبناءهم، فدعا مالكاً وسأله عما حمله على ذلك. فقال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم، فقال: راعي ضأن واللَّه، وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك. ثم سأل عن بعض البطون والرؤساء، ثم قال: يا مالك إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئاً، ارفعهم إلى ممتنع بلادهم وعلياء قومهم، ثم ألق الصباة على متون الخيل، فإن كانت لك لحق بك من وراءك، وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك.

ولكن مالكاً - القائد العام - رفض هذا الطلب قائلاً واللَّه لا أفعل، إنك قد كبرت وكبر عقلك، واللَّه لتطيعني هوازن أو لأتكأن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري، وكره أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي، فقالوا: أطعناك فقال دريد هذا يوم لم أشهده ولم يفتن:

ياليتني فيها جذع أخب فيها وأضع

أقود وطفاء الدمع كأنها شاة صدع

سلاح اكتشاف العدو:

وجاءت إلى مالك عيون كان قد بعثهم للاستكشاف عن المسلمين، جاءت هذه العيون وقد تفرقت أوصالهم. قال: ويلكم، ما شأنكم؟ قالوا: رأينا رجالاً بيضاً على خيل بلق، واللَّه ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى.

سلاح استكشاف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم :

ونقلت الأخبار إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمسير العدو، فبعث أبا حدرد الأسلمي، وأمره أن يدخل في الناس، فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم، ثم يأتيه بخبرهم. ففعل.

الرسول صلى الله عليه وسلم يغادر مكة إلى حنين:

وفي يوم السبت - السادس من شهر شوال سنة 8هـ - غادر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مكة - وكان ذلك اليوم التاسع عشر من يوم دخوله في مكة - خرج في اثني عشر ألفاً من المسلمين، عشرة آلاف ممن كانوا خرجوا معه لفتح مكة، وألفان من أهل مكة. وأكثرهم حديثو عهد بالإسلام. واستعار من صفوان بن أمية مائة درع بأداتها، واستعمل على مكة عتاب بن أسيد.

ولما كان عشية جاء فارس، فقال: إني طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكر أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم، فتبسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال: تلك غنيمة للمسلمين غداً إن شاء اللَّه، وتطوع للحراسة تلك الليلة أنس بن أبي مرثد الغنوي.

وفي طريقهم إلى حنين رأوا سدرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط، كانت العرب تعلق عليها أسلحتهم، ويذبحون عندها ويعكفون، فقال بعض أهل الجيش لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط. فقال: اللَّه أكبر، قلتم والذي نفس محمد بيده كما قال قوم موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، قال: إنكم قوم تجهلون، إنها السنن، لتركبن سنن من كان قبلكم.

وقد كان بعضهم قال نظراً إلى كثرة الجيش لن نغلب اليوم، وكان قد شق ذلك على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .

الجيش الإسلامي يباغت الرماة والمهاجمين:

انتهى الجيش الإسلامي إلى حنين ليلة الأربعاء لعشر خلون من شوال، وكان مالك ابن عوف قد سبقهم، فأدخل جيشه بالليل في ذلك الوادي، وفرق كمناءه في الطرق والمداخل، والشعاب والأخباء والمضايق، وأصدر إليهم أمره بأن يرشقوا المسلمين أول ما طلعوا. ثم يشدوا شدة رجل واحد.

وبالسحر عبأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جيشه، وعقد الألوية والرايات وفرقها على الناس. وفي عماية الصبح استقبل المسلمون وادي حنين، وشرعوا ينحدرون فيه، وهم لا يدرون بوجود كمناء العدو في مضايق هذا الوادي، فبيناهم ينحطون إذا هم تمطر عليهم النبال، وإذا كتائب العدو قد شدت عليهم شدة رجل واحد، فانشمر المسلمون راجعين، لا يلوي أحد على أحد، وكانت هزيمة منكرة حتى قال أبو سفيان بن حرب، وهو حديث عهد بالإسلام: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر - الأحمر - وصرخ جبلة أو كلدة بن الجنيد: ألا بطل السحر اليوم.

وانحاز رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جهة اليمين وهو يقول هلموا إليّ أيها الناس، أنا رسول اللَّه، أنا محمد بن عبد اللَّه، ولم يبق معه في موقفه إلا عدد قليل من المهاجرين وأهل بيته تسعة عشرة أو اثنا عشر وروي ثمانون.

وحينئذ ظهرت شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم التي لا نظير لها. فقد طفق يركض بغلته قبل الكفار وهو يقول:

أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب

بيد أن أبا سفيان بن الحارث كان آخذاً بلجام بغلته، والعباس بركابه، يكفانها، أن لا تسرع. ثم نزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فاستنصر ربه قائلاً اللهم أنزل نصرك.

رجوع المسلمين واحتدام المعركة:

وأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عمه العباس - وكان جهير الصوت - أن ينادي الصحابة قال العباس فقلت بأعلى صوتي أين أصحاب السمرة؟ قال: فواللَّه لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك، يا لبيك. ويذهب الرجل ليثني بعيره فلا يقدر عليه، فيأخذ درعه، فيقذفها في عنقه، ويأخذ سيفه وترسه، ويقتحم عن بعيره، ويخلي سبيله، فيؤم الصوت، حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس واقتتلوا.

وصرفت الدعوة إلى الأنصار، يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار، ثم قصرت الدعوة في بني الحارث بن الخزرج، وتلاحقت كتائب المسلمين واحدة تلو الأخرى كما كانوا تركوا الموقعة. وتجالد الفريقان مجالدة شديدة، ونظر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى ساحة القتال، وقد استحر واحتدم، فقال: الآن حمى الوطيس. ثم أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب الأرض، فرمى بها في وجوه القوم وقال: اشهت الوجوه، فما خلق اللَّه إنساناً إلا ملأ عينيه تراباً من تلك القبضة. فلم يزل حدهم كليلاً وأمرهم مدبراً.

انكسار حدة العدو، وهزيمته الساحقة:

وما هي إلا ساعات قلائل - بعد رمي القبضة - حتى انهزم العدو هزيمة منكرة وقتل من ثقيف وحدهم نحو السبعين. وحاز المسلمون ما كان مع العدو من مال وسلاح وظعن.

وهذا هو التطور الذي أشار إليه سبحانه وتعالى في قوله: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [التوبة: 25-26].

حركة المطاردة:

ولما انهزم العدو صارت طائفة منهم إلى الطائف، وطائفة إلى نخلة، وطائفة إلى أوطاس، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أوطاس طائفة من المطاردين يقودهم أبو عامر الأشعري، فناوش الفريقان القتال قليلاً، ثم انهزم جيش المشركين وفي هذه المناوشة قتل القائد أبو عامر الأشعري.

وطاردت طائفة أخرى من فرسان المسلمين فلول المشركين الذين سلكوا نخلة فأدركت دريد بن الصمة فقتله ربيعة بن رفيع.

الغنـائــم:

وكانت الغنائم السبي ستة آلاف رأس، والإبل أربعة وعشرون ألفاً، والغنم أكثر من أربعين ألف شاة. وأربعة آلاف أوقية فضة، أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بجمعها، ثم حبسها بالجعرانة، وجعل عليها مسعود بن عمرو الغفاري ولم يقسمها حتى فرغ من غزوة الطائف.

وكانت في السبي الشيماء بنت الحارث السعدية؛ أخت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، فلما جيء بها إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عرفت له نفسها فعرفها بعلامة فأكرمها، وبسط لها رداءه، وأجلسها عليه، ثم من عليها، وردها إلى قومها.







رد مع اقتباس
إضافة رد
مواقع النشر (المفضلة)
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(إظهار الاعضاء الذين قاموا بقراءة الموضوع منذ 11-17-2024, 03:37 AM (تعيين) (حذف)
لم يقم احد بقراءة الموضوع بعد.
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من أسرار السيرة النبوية اميره بحلاتي :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم :: 2 05-06-2014 12:29 AM
((القلادة الذهبية في السيرة النبوية)) بست قرين :: المنتدى الاسلامي :: 0 07-13-2011 05:57 PM
أهم مصادر السيرة النبوية lonely :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم :: 0 11-27-2006 03:33 AM
اهداف دراسة السيرة النبوية lonely :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم :: 0 11-25-2006 04:09 AM
مشكاة السيرة النبوية زهرة الزيزفون :: هدي خير العباد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم :: 10 06-26-2006 07:27 AM

Loading...


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir