أدبُ المحادثة والمُجالَسة (خطبة جمعةٍ)
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، من يَهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ، ومُن يُضلِل فلا هاديَ لهُ، وأَشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريك لهُ، وأَشهَدُ أنَّ نبيَّنا محمداً عبْدُهُ ورسولُهُ.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون"
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم الََّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً"
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً"
أمَّا بعدُ، فإنَّ أَصْدَقَ الحديثِ كِتابُ اللهِ، وخَيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتها، وكل محدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ.
أما بعدُ، معاشر المسلمين، لا زلنا بصدد ذكر الأخطاء في أدب المحادثة والمجالسة، وهذا ليكون المؤمن في مجالسه وكلامه على أتم هدي وأكمل سمت مقتديا في فعله وتركه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي زكاه ربه جل وعلا بقوله: "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ". فمن الأخطاء في أدب المحادثة والمجالسة؛ ترك الإصغاء للمتحدث وذلك بمقاطعته ومنازعته للحديث أو بالانشغال عنه بقراءة جريدة أو كتاب أو متابعة متحدث آخر، ومن ذلك؛ الالتفات عن المتحدث أو إجالة النظر عنه يمنة ويسرة، فينبغي للمرء أن يتجافى عن هذا الخلق الذميم وأن يحسن الأدب مع من يتقصده بالحديث ومع من يتحدث أمامه، وبراعة الاستماع تكون بالأذن وطرف العين وحضور القلب وإشراقة الوجه، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "لِجَلِيسِي عَلَيَّ ثلاثٌ؛ أن أَرْمِيَهُ بِطَرْفِي إذا أقْبَلَ، وأن أُوَسِّعَ لَهُ في المجلِسِ إذا جَلَسَ، وأن أُصْغِي إلَيْهِ إذا تَحَدَّثَ"، وقال الحسن رحمه الله: "إذا جالَستَ فكُن على أن تَسمَعَ أحرَصَ مِنكَ علَى أن تَقُولَ، وتَعَلَّمْ حُسنَ الاستِماعِ كما تَعَلَّمُ حُسنَ القَوْلِ، ولا تَقْطَع علَى أحَدٍ حدِيثَهُ"، ومن الأخطاء أيضا؛ الاستخفاف بحديث المتحدث، فمن الناس من إذا سمع متحدثا يتحدث في مجلس، وبدر من ذلك المتحدث خطأ يسير او نحو ذلك، سفَّهَهُ وبَكَّتَهُ واستَخَفَّ بحديثه، وهذا الصنيع لا يَحْسُنُ أبدا وليس من صفات عظماء الرجال وأكابرهم فهم يجلون من يحدثهم ولا يرضون بإهانته في حضرتهم طالما أنه لم يَحِد عن الرُّشدِ حتى ولو أخطأ فإنهم يتغاضون عن خطئِهِ وزلَّتِهِ، وإذا ما كان الخطأُ كبيرا؛ فإنهم يُبَيِّّّّّنونَ الخطأَ ويُرشِدون إلى الصوابِ بأجملِ عبارةٍ وألطفِ إشارةٍ. ومن الأخطاء أيضا؛ المبادرة إلى إكمال الحديث عن المتحدث، فهناك من إذا تحدث أحد أمامه بحديث أو قصة أو خبر، وكان يعلم ذلك من قبلُ، بادَر إلى إكمالِ ذلك عن المتحدث إما بقصدِ الإساءةِ إليهِ وإما بإشعارهِ وإشعارِ السامعينَ بأنَّ حديثَهُ مُعادٌ مُكَرَّرٌ وإما لِيُبَيِّنَ أنه يعلَمُ ذلك من قبلُ، قال العلامة بن السعدي رحمه الله: "... ومن الآداب الطيبة، إذا حدثك المُحَدِّثُ بأمرٍ دينيٍّ أو دنيَوِيٍّ أن لا تُنازِعَهُ الحديثَ إذا كنتَ تعرفهُ بل تُضغي إليهِ إصغاءَ مَن لا يَعرِفُهُ ولم يمُرَّ عليهِ وتُرِيَهُ أنك استفدتَ منهُ؛ كما كان أَلِبَّاءُ الرجالِ يفعلونَهُ، وفيه من الفوائدِ تنشيطُ المُحَدِّثِ وإدخالُ السرورِ عليهِ وسلامتُكَ من العُجْبِ بنفسكَ وسلامتُكَ من سوءِ الأدبِ فإن منازعة المحَدِّثِ في حدِيثِهِ من سُوءِ الأدَبِ. ا.هـ" قال أبو تمام رحمه الله: "مَن لِي بإنسانٍ إذَا أغضبتُهُ..... وجَهِلتُ، كان الحِلمُ رَدُّ جوابِهِ..... وتراهُ يُصغي للحديثِ بسمعِهِ.... وبقلبِهِ ولَعلَّهُ أدرَى بهِ" وقال عطاء رحمه الله: "إنَّ الرجلَ لَيُحَدِّثُني بالحديثِ فأُنصِتُ لهُ كأنِّي لم أَسمَعهُ، وقد سمعتُهُ قبلَ أن يُولَدَ" ومن الأخطاء أيضاً؛ القيام عن المتحدِّثِ قبل أن يُكْمِلَ حديثَهُ، فهذا من قلةِ الأدبِ ومما يُنافي إكرامَ الجليسِ، فلا يَكونُ للمرءِ أن يقومَ عن المتحدِّثِ قبل أن يُكمِلَ حديثَهُ لِمَا في ذلك مِن استجلابِ الضغينةِ واحتقارِ المتحدِّثِ إلَّا إذا احتاجَ السَّامعُ إلى القيَامِ واستأذَنَ مُحَدِّثَهُ فهُنا يَنتَفِي المحذورُ، قال أسماء بن خارجة رحمه الله: "ما جَلسَ إِلَيَّ رجلٌ إلَّا رأيتُ له الفضلَ علَيَّ حتى يقُومَ عنِّي". ومن الأخطاء أيضا؛ المبادرة إلى تكذيب المتحدث؛ فمن الناس من إذا طرق سمعه كلام غريب من متحدث بادر إلى تكذيبه؛ إما تصريحا او تلميحا أو إشارة باليد أو العين أو أن يَهمِس إلى من بجانبه أَنَّ المتحَدِّث كاذبٌ، فهذا العمل من العجلة المذمومة ومن إساءة الظن بمن يتحدث وهو مما ينافي كمال الأدب والمروؤة، فينبغي لمن استمع حديثا من أحد أن لا يبادر إلى تكذيبه بل عليه أن يُنصِت له فإن رأى في هذا الحديث وَجْهَ غَرابةٍ فليَستَفْصِل من المتحدث لعله يُبيِّن له وُجهَتَهُ وأدِلَّتَهُ ثم إن تأكَّدَ من كَذِبِهِ فَلْيَنصَح له على انفرادٍ. ومن الأخطاء أيضا؛ الوقيعة في الناس، فهناك من إذا جَلَس مجلساً وقَعَ في الناس ورَتَعَ في أعراضهم وأطلق لسانه في ذمِّهم وعَيْبِهم غِيبَةً ونميمةً وافتراءاً وبهتاناً، روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أَتَدْرُونَ مَا الغِيبَة؟))، قالوا: اللهُ ورسُولُهُ أعلَمُ، قال: ((ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ))، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: ((إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ)). والنميمةُ هي نقل الكلام بين الناس على جِهةِ الإفسادِ، وهُما لا يَصدُران إلا من نفس مَهِينةٍ دنيئَةٍ فكم فسد بسببهما من صداقة وكم تقطعت من أواصر وكم تَحَاصَّت من أرحامٍ، وإنَّ مِمَّا يزيدُ الطينَ بِلَّةً أن تجد الغِيبةَ والنميمةَ آذاناً مُصِيخَةً وأفئِدَةً مُصْغِيَةً، فمن أَصَاخَ السمعَ أَصْغَى الفؤادَ لمن يَنِمُّ أو يَغتابُ أو يُشاركُ لهُ في الإثمِ ومن أطاعَ الوُشَاةَ وصَدَّقَهم في ما يقولون فلن يبقى له صديقٌ ولو كان أقربَ قريبٍ، قال الشافعيُّ رحمه الله: " المرءُ إن كان عاقلاً وَرِعاً.... أشغَلَهُ عن عيوبِ غَيرِهِ وَرَعُه.... كما العليلُ السقيمُ أشغَلَهُ ..... عن وَجَعِ الناسِ كُلِّهِم وَجَعُه"، وقال آخر: " وأَجْرَأُ مَن رأيتُ بِظَهرِ غَيبٍ.... على عَيبِ الرجالِ ذَوُو العيوبِ". ومن الأخطاء أيضا؛ التسرُّعُ في نشر الأخبارِ قبل التَّثَبُّتِ منها ومن جدوى نشْرِها، فمن الناس من إذا سَمِع خبراً طارَ بهِ كلَّ مطارٍ وسَعَى في نشرِهِ وبَثِّهِ بين الناس قبل أن يَتَثَبَّتَ من صحتِهِ ومن جدوى نشْرِهِ وهذا من الأخطاء التي يحصل بسببها الاختلاف والافتراق، فالعاقلُ اللَّبِيبُ لا يتكلم إلا إذا تَثَبَّتَ من صحةِ كلامِهِ فإذا ثَبتَ لَدَيهِ صحةُ الكلامِ نَظَرَ في جدوى نشْرِهِ فإذا كان في نشرِهِ حَفْزٌ للخيْرِ واجتماعٌ وأُلْفَةٌ نَشَرَهُ وأَظهَرَهُ وإن كان الأمر بِخِلافِ ذلك؛ كَتَمَ الأمرَ وسَتَرَهُ، وقد ورَد النهْيُ أن يُحَدِّثَ المرءُ بكل ما سَمِع، يقول نبينا صلى الله عليه وآله وسلم: " كَفَى بِالمَرْءِ كَذِباً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ" رواه مسلم. ومن الأخطاء أيضا؛ في أدب المحادثة والمجالسة؛ الكذب، فما أكثر الكذب في مجالس الناس ومنتدياتِهم وما أقلَّ السِّترَ بَينهُم في معاملاتِهم وعلاقاتِهم، فمن الناس من قد أَلِفَ الكذبَ ومَرَدَ عليه فلا يخجل مِن نَسْجِ الأباطيلِ ولا يَأْنَف مِن اختلاطِ الأقاويلِ، لا تَردَعُهُ تَقوَى ولا يَزُمُّهُ دِينٌ أو مُرُوؤَةٌ، فإذا حَضَرَ مجلسا أطلَقَ لِسانَهُ بالكذب فتَراهُ يأتي بالغرائبِ ويَغْرِبُ في العجائب ويَسُوقُ ما لا يَخطُرُ على بالٍ ولا يضر حول ما يُشبهُهُ خَيَالٌ، كل ذلك لأجْلِ أن يُستَطْرَفَ ظِلُّهُ ويُستَطلَفَ حدِيثُهُ ويُرغَبَ في مَجلِسِهِ، وغيرُ خافٍ أنَّ الكذبَ عملٌ مَرذُولٌ وصِفةٌ ذميمةٌ وخصلةٌ من خصالِ النِّفاقِ وشٌعبةٌ من شُعَبِ الكُفرِ وهوَ سببٌ لِنزْعِ الثِّقةِ من الكاذبِ والنظَرِ إليهِ بِعينِ الخيانةِ وهو سببٌ لدخولِ النارِ وحِرمانِ الجنةِ، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وما يزال الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويتَحَرَّى الكَذبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» رواه البخاريُّ ومُسلمٌ. فالَّلهُم اهدنا لأحسنِ الأخلاقِ لا يهدي لأحسنِها إلا أنتَ واصرف عنَّا، الَّلهُم، سيِّئَها لا يَصرف عنا سيِّئَها إلا أنتَ، أقول قَولي هذا وأستغفر اللهَ لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنْبٍ فاستغفروه تجِدوهُ غفوراً رحيماً.
الحمد لله خالقِ الكَونِ بما فيه وجامِعِ الناس لِيَومٍ لا رَيبَ فيه، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريك له وأشهد أن محمدا عبدُهُ ورسولُهُ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تَبِعهُم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين،
أما بعدُ، فَيَا أيُّها المؤمِنون، ومِن الأخطاء في أدب المحادثة والمجالسة سماع الناس لكلام بعضهم لبعض وقبول ذلك دون تمحيص أو تَثَبُّت، فكما أن هناك من يَكذب ويتعمَّد الكذب وهناك من يتسرع في نشْرِ الأخبار قَبْل التَّثبُّت منها ومن جدوى نشرِها وهناك من يُخطِئُ فيَقبَل ما يُنقَل إليه على عِلَّاتِه دُونَما تَمحِيصٍ أو تَثَبُّت ثم يَبنِي على ذلك مواقف عملية فترَاهُ يُصدِر عليه أحكاما ويَعقِد عليه وَلاءً وبَراءً، ولَو مَحَّصَ الخَبَرَ لَرُبَما استَبانَ له أن الصوَاب مُجانِبٌ لِمَا بَلَغَهُ أو أنَّ الأمْرَ زِيدَ فيه ونُقِص وغُيِّرَ عن وُجهَتِهِ، فَكَم جَرَّ ذلك الأمرُ من وَيْلاتٍ وَكَم أَفسَدَ مِن مَوَدَّاتٍ وَكَم أَغْرَى مِن عَداواتٍ، قال العلَّامةُ السعدي رحمه الله: "وَمِنَ الغَلطِ الفاحِشِ الخَطِر؛ قبُولُ قَولِ الناس بعضهم لبعض ثم يَبْني عليه السامِعُ حُبّاً وبُغضاً ومَدحاً وذَمّاً، فَكَم حَصَلَ بهذا الغَلطِ من أُمورٍ صارَ عاقِبتُها النَّدامةُ وكَم أَشاعَ الناسُ عن الناسِ أموراً لا حقائق لَها بِالكُلِّيَّةِ أو لَها بعضُ الحقيقةِ فَنُمِّيَت بالكذبِ والزُّورِ وخصوصًا من عُرفوا بعدم المبالاة بالنقل، أو عُرف منهم الهوى، فَالواجِبُ علَى العاقِلِ التَّثَبُّتُ والتَّحَرُّزُ وبِهذا يُعرَفُ دِينُ المَرْءِ ورَزَانَتُهُ وعَقلُهُ" انتهى كلامُهُ رحمهُ اللهُ. ومِن الأخطاء أيضاً، رَفْعُ الصَّوْتِ عند المحادثةِ، فهناك مَن إذا أرادَ التَّحدُّثَ مع غَيرِهِ بالَغَ في رَفْعِ صَوتِهِ مِن دُونِ حاجةٍ أو داعٍ إلى ذلك، وهذا مِمَّا يُنافِي أَدَبَ الحديثِ، قال اللهُ تعالَى: "وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ"، قال العلَّامةُ ابنُ كثير رحمه اللهُ تعالَى في تفسيرِهِ: "أيْ لا تُبالِغ في الكلامِ ولا تَرْفَع صَوتَكَ في ما لا فائدةَ فِيهِ" ا.هـ، قال مجاهد: "إن أقبح الأصوات لصوت الحمير، أي غاية من رفع صوته أنه يشبه بالحمير في علوه ورفعه، ومع هذا هو بغيض إلى اللّه تعالى، وهذا التَّشبِيهُ بالحَمِيرِ يَقتَضي تحرِيمَهُ وَذَمَّهُ غايَةَ الذَّمِّ" ا.هـ. ومن الأخطاء أيضاً، كثرَةُ الحَلِفِ؛ فمِن الناس مَن يَجرِي الحَلِفُ علَى لِسانِهِ كثِيراً بِمُناسَبَةٍ وبِدُونِ مُناسَبَةٍ، فيَنبَغِي لِلمُسْلِمِ أن يَتَجَنَّبَ كثرَةَ الحَلِفِ وَلَوْ كان صادِقاً ذلك أنَّ كثرَةَ الحَلِفِ تَدُلُّ علَى قِلَّةِ وَقَارِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا في قَلْبِ العَبْدِ، قالَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا: "وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ"، فَحِفْظُ اليَمِينِ وقِلَّةُ الحَلِفِ دلِيلٌ علَى تعظِيمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قال بَكَّار بن محمد: "صَحِبتُ ابنَ عَوْنٍ دَهْراً مِنَ الدَّهرِ حتى مات وأَوْصى إلى أبي فَما سمِعتُهُ حالِفاً علَى يَمِينٍ بَرَّةٍ ولا فاجِرَةٍ حتى فرَّق الموتُ بَيننا"، وأمَّا إذا احتاجَ المُسْلِمُ إلَى اليَمِينِ أو طُلِبَت مِنهُ فلا بأْسَ في ذلك. ومن الأخطاء أيضا، تَتَبُّعُ عَثراتِ الجَلِيسِ، فهُناك مَن إذا جَلَسَ إليهِ أَحَدٌ مِن الناسِ ثم شَرَعَ في حدِيثٍ ما؛ بدَأَ في تَتَبُّعِ عَثراتِهِ وتَصَيُّدِ زَلَّاتِهِ، فَما إِن يَتَكلَّمُ المُتحَدِّثُ مِن كلِمةٍ عَوْراءَ أو نَحوِهَا إلَّا ويَحفَظها ويَتَرَوَّاها ويُذَكِّرُهُ بِها بَيْنَ الفَيْنةِ والأُخرَى، وليْس ذلك الفِعلُ مِن المُرُوؤَةِ في شيءٍ؛ بل المُرُوؤَةُ تقتَضِي أن يَتَعامَى المَرءُ عن عُيُوبِ جَلِيسِهِ لِيَحفَظَ عَليْهِ كرامتَهُ وعِزَّتَهُ، ثم إن رأَى مِنهُ أمراً يَستَوْجِبُ التَّنبِيهَ؛ نَبَّهَهُ بِلُطفٍ وأَدَبٍ دُونَ أن يَخدشَ كرامتَهُ، قال بعضُهم يَمدَحُ قَوماً: "وَأَحْلامُ عَادٍ لا يَخَافُ جَلِيسُهُمْ...... إِذَا نَطَقَ الْعَوْرَاءَ غَرْبُ لِسَانِ..... إِذَا حُدِّثُوا لَمْ يُخْشَ سُوءُ اسْتِمَاعِهِمْ......... وَإِنْ حَدَّثُوا أَدَّوْا بِحُسْنِ بَيَانِ".
فالَّلهُمَّ إنا نسألُكَ عِلماً نافِعاً ورِزقاً طَيِّباً وعَمَلاً مُتَقَبَّلاً، الّلهُمَّ حَبِّب إلَيْنا الإيمانَ وزَيِّنهُ في قلُوبِنا وكَرِّهْ إلَيْنا الكُفْرَ والفُسُوقَ والعِصْيانَ واجعَلنا الَّلهُمَّ مِن الرَّاشِدِينَ، الَّلهُمَّ إنَّا نسأَلُكَ مِن الخَيْرِ كُلِّهِ عاجِلِهِ وآجِلِهِ ما علِمْنا مِنهُ وما لَمْ نَعْلَمْ، ونعُوذُ بِكَ مِن الشَّرِّ كُلِّهِ عاجِلِهِ وآجِلِهِ ما عَلِمْنا مِنهُ وما لَمْ نَعْلَمْ، الَّلهُمَّ إنَّا نسأَلُكَ الجَنَّةَ وما قَرَّبَ إلَيْها مِن قَوْلٍ وعَمَلٍ ونعُوذُ بِكَ مِن النَّارِ وما قَرَّبَ إلَيْها مِن قَوْلٍ وعَمَلٍ، الَّلهُمَّ آمِنَّا في أوْطانِنا وأَصْلِحْ أئِمَّتَنا وَوُلَّاتَ أُمُورِنا، الَّلهُمَّ ارزُقْهُم البِطَانَةَ الصَّالِحَةَ التي تَدُلُّهُم علَى الخَيْرِ وتُعِينُهُم عَلَيهِ، الَّلهُمَّ إنَّا نعُوذُ بِكَ مِن الفِتَنِ ما ظَهَرَ مِنْها وما بَطَنَ، الَّلهُمَّ إنَّا نعُوذُ بِكَ مِن الفِتَنِ ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ، الَّلهُمَّ انصُر إخوانَنا المُستَضعَفِينَ في مَشارِقِ الأرضِ ومَغارِبِها، الَّلهُمَّ انصُر إخوانَنا المُستَضعَفِينَ في مَشارِقِ الأرضِ ومَغارِبِها، الَّلهُمَّ كُنْ لَهُمْ ولا تَكُنْ عَلَيْهِم، الَّلهُمَّ انصُرهُم علَى مَن بَغَى عَلَيْهِم، الَّلهُمَّ سَدِّد رَميَتَهُم الَّلهُمَّ سَدِّد رَميَتَهُم الَّلهُمَّ اجبُرْ كَسْرَهُم وارحَم مَيِّتَهُم، الَّلهُمَّ اجْبُرْ كَسْرَهُم، الَّلهُمَّ اشفِ مَرِيضَهُم، الَّلهُمَّ اغفِرْ لَنا ولِلمُؤْمِنِينَ أَجْمَعِينَ، رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقِنَا عَذابَ النَّارِ، الَّلهُمَّ صَلِّ علَى مُحمَّد وعلَى آلِ مُحَمَّد كَما صَلَّيْتَ علَى إبراهِيمَ وعلَى آلِ إبراهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، الَّلهُمَّ بارِكْ علَى مُحَمَّد وعلَى آلِ مُحَمَّد كَما بارَكْتَ علَى إبراهِيمَ وعلَى آلِ إبراهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى المَرْسَلِينَ وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
انتهت الخطبة
---------------------------
يُستفاد من الخطبة: (خاصة للذين لم يقرؤوها كاملة هذه خلاصتها)
1- الإصغاء للمُتَحدِّث بكل الجوارح (السمع، العين، إشراقة الوجه)،
2- عدم الاستخفاف بحديث المتحدث، وإبداء الاهتمام بكلامه،
3- اجتناب إكمال الحديث عن المتحدث بإظهار أنك تعلمه قبله، بل ينبغي أن تظهر وكأنك أول مرة تسمعه، حتى وإن كنت تعلمه من قبل،
4- الحذر من القيام عن المتحدِّثِ قبل أن يُكْمِلَ حديثَهُ، انتظر حتى يكمل كل كلامه ثم استأذن منه وقم،
5- لا تُكذِّب المتحدثَ حتى وإن ظهر غرابة في كلامه.
6- إيَّاك والوقيعةَ في الناس بنميمة أو خوض في أَعراضِهم،
7- تثَبَّت من كل ما سوف تقولُه قبل أن تقولَه، وهل في قولِه فائدة ومصلحة مَرجُوَّة أم لا،
8- تحَرَّى الصدقَ في ما تقول، فلا تقُل إلا صدقاً ولو فيه هلاكُك، فالصدق لا يأتي إلا بخير،
9- تمحِيص كل ما يُقال لك، فلا تقبل قولا حتى تَتثبَّت من صحته ومن جدواه،
10- لا ترَفْع صوْتَك عند المحادثةِ، اخفضه بقدر ما يصل إلى مسمع جُلَّاسِك ولا تَزِد،
11- ابتعد ما استطعت عن الحَلِفِ
12- تغاضَى عن زلَّات وعثرات محَدِّثِك، وإن رأيتَ أن الخطأ فادح فنبِّهْهُ إليه على انفراد وبأدب.