بسم الله الرحمن الرحيم
بعث الله رسله دعاة إليه، دعاة إلى دينه، بعثهم مبشرين ومنذرين، بعثهم ليقيم بهم حجته على عباده، قال تعالى: وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر: 23]، وقال جل جلاله: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّـٰغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلَـٰلَةُ [النحل: 36]، وقال تعالى: رُّسُلاً مُّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [النساء: 165].
إن أنبياء الله ورسله دعوا إلى الله، ونصحوا أممهم، وجاهدوا في الله حق جهاده، أدوا الأمانة، ونصحوا للأمة، وقاموا بما أوجب الله عليهم.فأولهم آدم عليه السلام ومن جاء بعده إلى ما بعد أدريس حيث حصل الكفر من الناس فأرسل الله تعالى نوح عليه السلام فكان أول رسول واجه الكفار بعثه الله في قومه لما فشا فيهم الشرك حتى عبدوا بشراً من دون الله، فبعثه الله يدعو قومه إلى الله، ويحذرهم من الشرك به، ومكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا، وقال الله: وَمَا ءامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ [هود: 40]، لقد نصحهم وأرشدهم، ودعاهم إلى الله ليلاً ونهارًا، سرًا وجهارًا، ولكن الله صرف قلوبهم عن الهدى، وهو يقول: وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف: 62]والله تعالى تابع الرسل على العباد، فما يمضي رسول حتى يأتي رسول بعده، وكل رسول يُبعث بلسان قومه، وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيّنَ لَهُمْ [إبراهيم: 4] وهم متفاوتون في الفضل، فأولو العزم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ، أولئك أولو العزم المذكورون في قوله: فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ [الأحقاف: 35]. وختم الله الرسالات كلها بمبعث محمد .
والله بين لنا أن دعوة الرسل تلتقي على هدف واحد هو الدعوة إلى توحيد الله، وعدم الإشراك به والإعتقاد أن الله تعالى خالق كل شئ وأنه مستغني عن كل شىء فلا يحتاج لسماء ليسكن فيها ولايحتاج لملائكة ليعينوه بل العرش والسماء محمولون بلطف قدرة الله , وأمر الأنبياء بإخلاص الدين لله، وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ [الأنبياء: 25] وإن تنوعت شرائعهم، كما قال: لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَـٰجاً [المائدة: 48].
وختم الله الرسالات كلها بمبعث محمد ، سيد الأولين والآخرين، وإمام المتقين، والمبعوث رحمة للعالمين، تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِيراً [الفرقان: 1]، وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ [الأنبياء: 107]، فدعا إلى ما دعا إليه إخوانه المرسلون، دعوةً إلى توحيد الله، وأمرًا بعبادة الله، وتحذيرًا من الشرك بالله، وناله من قومه ما ناله، قالوا عنه: إنه كذاب، وإنه الساحر، وإنه شاعر، وإنه افتراها وتُملى عليه بكرة وأصيلاً، ومع هذا فالله يأمره بالصبر والتحمل، فصبر وثابر، ودعا إلى الله ليلاً ونهارًا، وسرًا وجهارًا، يأتي أندية العرب، فيعرض عليهم دعوته، ويطالبهم بأن يحموها ولهم الجنة، فمن مستجيب، ومن رادٍ، ومن متوقف، إلى أن هيأ الله له الهجرة إلى المدينة صلوات الله وسلامه عليه، بعد اتفاق الأوس والخزرج معه على النصرة والتأييد والحماية، فرضي الله عنهم وأرضاهم. إن الدعوة إلى الله طريق الأنبياء والمرسلين، منهج محمد ، قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ [يوسف: 108].