#1
|
|||||||||
|
|||||||||
![]()
في سيرة المصطفى عليه السلام مناخ كبير لمقتطفي ثمار الدعوة وطرائقها وأساليبها الزكية والذكية، وهي المكنز الأعظم لأجيال الدعاة المرتادين الخير للبشرية جمعاء، فمحمد ﷺ هو إمام الدعاة إلى الصراط المستقيم، وهو الملتحد الأكبر لكل باغ للخير: ﴿قل إنني هداني إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما أنا من المشركين﴾ (الأنعام، 161). ودعوته في كل مراحلها مستبينة الخطط والأهداف، وقد جندت معها الصحابة الكرام ذوي الأعين الباصرة والأفئدة المستبصرة والعزيمة الوقادة: ﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين﴾ (يوسف، 108). ومن المواقف النادرة المترسمة في هذا السبيل قصته مع وفد ثقيف سكان الطائف في العام التاسع من الهجرة.
فمن المعلوم أن هذه القبيلة المتوطنة شواهق الطائف من القبائل المتأخرة في إسلامها، على الرغم من قربها من مكة، فقد كانت إحدى المراكز الحضرية في الحجاز مع صنوها مكة ويثرب ونجران وخيبر، وهي قاعدة قبائل هوازن وقيس عيلان الكبيرة، وهي المفتاح الرئيس لجبال عسير حيث تتناثر قبائل دوس وبجيلة وخثعم، وعلى مقربة منها ممرات طريق البخور والتجارة إلى اليمن السعيد. وقد كانت الطائف ذات علائق قوية بقريش، فهي مصيفهم، وبها مزارعهم، وفيها كانت النوادي ودور الخنا والخمور التي يلهون فيها، وسبقت لها تلك السابقة المشينة في صد النبي ﷺ ورده، بعدما طرق أبواب سادتها يعرض عليهم الإسلام، فقابلوه بالسيئة وأغروا به سفهائهم حتى أدموا قدميه، ودعا بذلك الدعاء الحاني: “اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أرحم الراحمين، أنت أرحم الراحمين، إلى من تكلني، إلى عدو يتجهمني أو إلى قريب ملكته أمري، إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تنزل بي غضبك أو تحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك” (الدعاء للطبراني، 1036). وعندما فرغ النبي ﷺ من مكة فتحا، ومن هوزان هزيمة في حنين وذلك في أواخر العام الثامن من الهجرة يمّم الشطر إلى مدينة الطائف ونصب عليها الحصار، ولكنها استعصت لمنعتها وقوة تحصينها، مما جعل النبي ﷺ ينتدب جماعة من أصحابه للذهاب إلى جرش باليمن لتعلم صناعة المنجنيق والعرادات، والدبابات، (طبقات ابن سعد، 1/270). والمهم أنه عندما أطبق أغلب أهل الحجاز على الدخول في الإسلام رغبة، أو دخولا في عقد الدولة الإسلامية الوليدة كما هو شأن قبائل عامر وسليم وكنانة وأشجع وباهلة، بقيت قبيلة ثقيف وحيدة مترددة متمردة تجاه الدولة الإسلامية القوية التي طوقتهم بنفوذها وامتداد عهودها لكل القبائل القريبة منهم، خاصة بعد غزوة تبوك التي أرهبت عرب الشمال، فخاف سادة ثقيف عاقبة أمرهم، فأرسلوا وفدهم مفاوضا على السلم والإسلام، وقد أورد المحدثون وكتاب السير والمغازي خبرهم في عديد المواضع. ومن ذلك ما رواه ابن إسحاق: “ولما افتتح رسول الله – ﷺ – مكة وفرغ من تبوك، وأسلمت ثقيف وبايعت، ضربت إليه وفود العرب من كل وجه”، فدخلوا في دين الله أفواجا يضربون إليه من كل فج عميق، وينقادون له طواعية، وصدق وعد الله تعالى في تمام هذا الدين وظهوره. وبإسلام ثقيف آخر قبائل الحجاز تقاطر عرب نجد والبحرين وقبائل ربيعة وطيىء وأسد معلنين إسلامهم فيما يعرف بعام الوفود. ![]() |
![]() |
|
, |
|
|