نظرًا لما للدعاء للأبناء من أثر عظيم في صلاح الأبناء وجدنا خير خلق الله -تعالى- وصفوتهم الأنبياء والرسل يسألون ربهم ويلحون عليه -سبحانه- أن يصلح لهم ذرياتهم، حتى إنهم دعوا الله -تعالى- من أجلهم قبل أن يولدوا. الخليل -عليه السلام- يسأل ربه الذرية الصالحة: فهذا سيدنا إبراهيم يرفع أكف الضراعة طالبًا من الله -تعالى- أن يرزقه أبناء صالحين مصلحين فقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [سورة الصافات: 100]. إنه قد بلغ سنًّا كبيرة، وامرأته عجوز، وهو يشتهي الولد، لكنه لا يريد أي ولد؛ إنما يريد ولدا صالحًا، فكانت الاستجابة من الله -تعالى- فأعطاه ما سأل: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} [سورة الصافات: 101]، وأعجب من ذلك أن الخليل -عليه السلام- لم ينقطع عن الدعاء لذريته، بل ظل يتعهدهم بالدعوات الصالحات طوال حياتهم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35]، ويستمر في الدعاء: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [سورة إبراهيم: 37]، {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [سورة إبراهيم: 40].
ونبي الله زكريا: وعلى نفس الطريق سار سيدنا زكريا -عليه السلام-؛ إذ دعا الله -تعالى- لأبنائه قبل أن يولدوا، إننا نراه يدعو الله -تعالى- أن يرزقه ولدًا صالحًا مرضيًّا عند الله وعند الناس، يتحمل معه أعباء النبوة والدعوة إلى توحيد الخالق -سبحانه- قائلاً: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا ﴿٥﴾ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [سورة مريم: 5-6]، ولقد استجاب الله -تعالى- لدعائه، وحملت الملائكة إليه البشرى بالولد والنبي الصالح: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ} [سورة آل عمران: 39]